أبي

بقلم أحمد سيف الإسلام

لا أدرى لماذا وقع الاختيار عليَّ دون غيري من أبناء الإمام الكثيرين للكتابة عنه تحت هذا العنوان في هذه المجلة.. نعم فليس أبي وحدي، ولست ابنه الوحيد، أما هو رضي الله عنه وأرضاه، فوالد لهؤلاء الذين رباهم وعلمهم، وكان لهم قائدًا، وكانوا له جنودًا، وأما أنا فواحد من هؤلاء الذين منَّ الله عليهم بهذه البنوة، فكانوا أبناء لخير الآباء، ومالي لا أقرر بأسلوب آخر.. إن أبي، طيب الله ثراه، كان ربانيًا خالصًا، آمن بالله ورسوله، وبرسالته عز وجل إليه صلى الله عليه وسلم، آمن بهذا إيمانًا أثبت من الرواسي وأعمق من خفايا الضمائر، ووجود هذا الإيمان في أفعاله، ظِلَّ له يسعى بين الناس، ثم دعا الناس إلى ما آمن، وعمل به، فأدى بذلك الأمانة، وبلغ الرسالة.

نضر الله يا أبت وجهك، فلقد ربيتنا كما ربيت الأمة على الإيمان، ونشأتنا كما نشأت الجيل على الإسلام، فكنا بذلك الربانيين.. روحًا ودمًا، ولقد كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يبصر المسلمين بأمور دينهم في دنياهم، ويجمع أهل بيته بعد ذلك، ويذكرهم بتبعتهم إزاء هذه الوصايا والتعاليم، وهكذا كان إمامنا، فأنا أذكر جيدًا موقفنا منه في ذكرى ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اشترط علينا أن نحفظ مبادئ الإخوان المسلمين حتى يفوز كل منا بنصيبه من الحلوى، فنمضي وقتًا نحفظها فيه عن ظهر قلب، وينتهي بنا المطاف ونحن وقوف أمامه نردد بصوت خافت رفيع، خارج من صدور ترتفع وتنخفض، الله غايتنا، والرسول زعيمنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا.. رددناها صغارًا، وسنرددها في كل وقت وكل حين، إلى آخر قطرة من دمائنا، ونفس يتردد فينا، أسمعناها له، وسنُسمعها من بعده للعالم أجمع وسنكون دائمًا أبدًا، العاملين بها، المجاهدين في سبيلها.. تلك ذكرى عهود قضت ولكن ذكراها ما زالت شاخصة للعين، ماثلة للقلب، تملأ كليهما نورا.

أبي.. إن حديثي عنه الآن سابق لأوانه، فلأنتظر، ولغيري من أبنائه أن يكتب عنه، أما أنا.. فمرجئ حديثي إلى حين!

نشر هذا المقال مجلة عطارد – السنة الأولى – العدد (2) – جمادى الآخرة 1372هـ / فبراير 1953.

المقال التالي تسليم
المقال السابق الدستور في فكر الإمام حسن البنا