رسائل الإمام الشهيد حسن البنا إلى جماعة الإخوان المسلمين

إعداد/ موقع الإمام الشهيد حسن البنا

كون الإمام حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين عام 1928م حيث كانت الانطلاقة بمدينة الإسماعيلية على ضفاف القناة قبل أن تنتشر الدعوة إلى بقية ربوع القطر المصري، بل وخارج مصر حيث انتشرت الدعوة في كثير من الأقطار العربية والإسلامية وغيرها.

حرص الإمام البنا على إسداء النصيحة للجميع وفق الأطر الإسلامية التي تتوجب معالجة المنكر فكان يخاطب الملك تارة ورئيس الحكومة تارة أخرى والوزراء بل وشيخ الأزهر والأحزاب وكل من توسم فيه القدرة على العمل من أجل درء المنكر.

ومع ذلك لم ينس الإمام البنا إخوانه بالإرشاد والنصيحة وتوضيح طبيعة الطريق الذي يسيرون عليه، ولا حقيقة ما قد يواجههم في سبيل تمسكهم بدينهم ودعوتهم، مع إزاحة الستار عما ينتظر المتقين من فضل وأجر عند الله سبحانه وتعالى.

لقد استطاع البنا أن ينجز بناءً دعوياً فكرياً سياسياً متماسكاً سماته التوازن والاعتدال والوسطية، وامتلك فكراً متكاملاً ورؤية عميقة مستوحاة من القرآن والسنّة جعلت جماعة الإخوان المسلمين تسير وفق خطط مدروسة في إطار سعيها لتحقيق الأهداف الإسلامية، ليشكل ذلك فتحاً نوعياً في العمل الإسلامي 

  لم يقتصر عمل وجهد الإمام البنا عند حدود التنظير والتوعية، وإنما تعداه إلى التغيير الميداني عندما ركّز على استئناف الحياة الإسلامية بطريقة مرحلية متدرجة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تُمثِّل البديل الإسلامي العملي

ولقد انتشرت توجيهات الإمام البنا إلى إخوانه سواء من خلال الرسائل أو المواقف العملية أو الدروس العامة أو الخاصة، غير أن تراث الإمام البنا ملئ بالكثير من هذه التوجيهات التي ترسم الطريق أمام الجميع، فنراه يقول:

(إنما تنجح الفكرة؛ إذا قوي الإيمان بها، وتوفر الإخلاص في سبيلها، وازدادت الحماسة لها، ووُجد الاستعداد الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها).

ويقول في رسالة بين الأمس واليوم ما قد يوجهه كل من انتسب إلى الإخوان بقوله: (أحب إن أصارحكم، إن دعوتكم لا زالت مجهولة عند كثر من الناس، ويوم يعرفونها ويدركون مراميها وأهدافها ستلقى منهم خصومة شديدة وعداوة قاسية، وستجدون أمامكم الكثير من المشقات وسيعترضكم كثير من العقبات، وفي هذا الوقت وحده تكونون قد بدأتم تسلكون سبيل أصحاب الدعوات، أما الآن فلا زلتم مجهولين ولا زلتم تمهدون للدعوة وتستعدون لما تتطلبه من كفاح وجهاد سيقف جهل الشعب بحقيقة الإسلام عقبة في طريقكم، وستجدون من أهل التدين ومن العلماء الرسميين من يستغرب فهمكم للإسلام وينكر عليكم جهادكم في سبيله، وسيحقد عليكم الرؤساء والزعماء وذوو الجاه والسلطان، وسيقف في وجهكم كل الحكومات على السواء، وستحاول كل حكومة أن تحد من نشاطكم وأن تضع العراقيل في طريقكم.

وسيتذرع الغاصبون بكل طريق لمناهضتكم وإطفاء نور دعوتكم وسيستعينون من أجل ذلك بالحكومات الضعيفة، والأخلاق الضعيفة، والأيدي الممتدة إليهم بالسؤال، وإليكم بالإساءة والعدوان، وسيثير الجميع حول دعوتكم غبار الشبهات وظلم الاتهامات، وسيحاولون أن يلصقوا بها كل نقيصة وأن يظهروها للناس في أبشع صورة، معتمدين على قوتهم وسلطانهم، ومعتدين بأمواله ونفوذهم (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) (التوبة 32).

وستدخلون بذلك ولا شك في دور التجربة والامتحان، فتسجنون وتعتقلون وتنقلون وتشردون، وتصادر مصالحكم وتعطل أعمالكم وتفتش بيوتكم، وقد يطول بكم مدى هذا الامتحان (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) (العنكبوت 20)، ولكن الله وعدكم من بعد ذلك كله نصرة المجاهدين ومثوبة العاملين المحسنين (يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم) (الصف 10) (فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين) (الصف 14)، فهل أنتم مصرون على أن تكونوا أنصار الله؟).

وفي هذه الموضوعات التي سطرها الإمام البنا كرسائل وتوجيهات للإخوان، كانت متنوعة ما بين السياسي والتربوي والدعوي وغيره.

 

من وصايا المرشد العام

1-     يا أخي، لا تعش بغير غاية، فإن الله لم يخلقك عبثًا ولم يتركك سدى.

2-     يا أخي، ليكن الله غايتك واسمع قول الله تعالى: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّى لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾[الذاريات: 50].

3-     يا أخي، إنما تحرص في هذه الحياة على أمرين؛ رزقك وأجلك ولا سلطان لأحد عليهما إلا الله، فلا يمنعك الحرص عليهما أن تعمل للحق.

4-     يا أخي، إنما تنهض الأمم بالتضحية وتقوم الدعوات على الوفاء، فإن كنت تعيش لأمتك فضح في سبيلها، وإن كنت مؤمنًا بدعوتك فاجتهد في الوفاء لها.

5-     يا أخي، لا تقل مالا تفعل، ولا يغرنك أن يحسبك الناس عاملاً، ولكن همك أن يعلم الله منك صدق ذلك فإن الناس لن يغنوا عنك من الله شيئًا.

6-     يا أخي، ولن يستطيع أى صاحب أن يكون لك في غير هذه الحياة الدنيا، وهناك صاحب واحد ينفعك في حياتك ويلازمك في آخرتك ذلك هو العمل الصالح، فاحرص على أن يكون صاحبًا لك في كل حال وتذكر قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾[المؤمنون: 51].

7-     يا أخي، قلبك محل نظر الله منك، فاحذر أن تدنسه بالخصومة، فإنها حجاب في الدنيا وعذاب في الآخرة: ﴿يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾[الشعراء: 88-89].

8-     يا أخي، اجتهد أن تؤمن بفكرتك إيمانًا يخضع لها أملك وعملك، واسمع قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾[التوبة: 119].

9-     يا أخي، اعتقد أنك تعمل لغايتين؛ أن تنتج، وأن تقوم بالواجب، فإن فاتتك الأولى فلن تفوتك الثانية ﴿قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾[الأعراف: 164].

10-   يا أخي، لابد من الموت فاجعله في سبيل الله، فإن فناء في الحق لهو عين البقاء، وإنك يوم تموت شهيدًا تكسب الشرف والأجر والخلود والحياة على حين أنك لم تخسر شيئًا أبدًا ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾[آل عمران: 169](1). 

 

سبيل الظفر .. عبادة ثم قيادة

هكذا يجب أن يكون الإخوان المسلمون

رأيته شيخًا أشيب قد اجتاز مراحل العمر، وخطا إلى الآخرة، جلست إليه في صفح نهار، في صفاء من الوقت، وغفوة من الزمن، ورقة في الروح، وقد أشرق محياه يلمع بالصلاح والتقوى وصلة القلب بالله، وإن كان مغمورًا في طوايا المجتمع، خامل الذكر بين الناس تحدثت إليه فقال:

ما اسم جمعيتكم؟ قلت له: إننا لسنا جمعية، ولكن إخوان في الله فقط نجتمع على عقيدة وفكرة ونحاول أن نحققها في أنفسنا، ثم نقنع بها الناس، وليست فكرتنا إلا أن تفهم الإسلام والعمل به وحمل الناس عليه! قال: جميل. ومن يدرس لكم في داركم؟ قلت له: قد أتحدث إلى الإخوان في كثير من الأحيان، فسكت هنيه ثم رفع إلى بصره وسأل وهل تقوم الليل؟ قلت له: وماذا تنتظر في جواب على سؤالك هذا؟ أنفسنا بيد الله إن شاء بعثها وإن شاء أمسكها! فقال: صدق الله ورسوله وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً.

يا أخي،

إن تربية الأرواح وتزكية النفوس وقيادة القلوب، لا تأتى بهذه الألفاظ تردد، ولا بتلك القواعد تدرس، ولا بالنظريات تلقى، وإن هذه إن أفادت العقل والعلم فإنها بمعزل عن الشعور والروحانية والخلق، وإن الجماعات في حاجة إلى أرواحها وأخلاقها أولاً، وإن هؤلاء الذين يحاولون الصلاح الخلقي عن طريق الكتب وحدها مخدوعون خادعون، فإن كانت هذه طريقتكم فما أعجزها عن الوصول إلى ما تريدون.

يا أخي،

ليس هذا الصلاح النفساني الذى تنشدون إلا طريق واحدة؛ طريق القدوة الحسنة الموصولة بالله المستمدة من فيضه وفضله وليس لهذه القدوة إلا مكابدة الليل، ومصاحبة القيام، والمناجاة في الغسق، وأنت تقرأ القرآن وتسمع قول الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً * إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلاً * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هي أَشَدُّ وَطئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً﴾[المزمل: 1-6].

يا أخي،

فاقد الشيء لا يعطيه، والقلب المنقطع الصلة بالله كيف يسير بالخلق إليه، والتاجر الذي لا يملك رأس المال من أين يربح، والمعلم الذي لا يعرف منهاجه كيف يدرسه لسواه، والعاجز عن قيادة نفسه كيف يقود غيره، ما أشد حاجتكم إلى هذا الصنف من الجهاد؟ إن استطعت أن يكون هذا هو كل ما تحمل عليه من عاهدوك على العمل فهو نجاح ما بعده نجاح، ولقد كان أصحاب محمد رهبانًا بالليل فرسانًا بالنهار أفترى إحداهما انفكت عن الأخرى؟

يا أخي،

اجتهد ما استطعت أن تغترف من ذخائر الليل ما توزعه على إخوانك بالنهار، ثم استأذن وقام يتوكأ على عصاه وانساب في هذا المزدحم من الناس، وما زلت أشيعه بقلب واع حتى غاب.

أيها الإخوان،

لعلكم تستغربون أن أنقل إليكم هذا الحديث في صحيفتكم وهو يكاد يكون خالصًا، وأنتم تنتظرون منى أن أتحدث إليكم في هذه الشئون التي يموج بها العالم وتواجهها الأمة الإسلامية جميعًا، وتودون أن أبين لكم موقفكم منها وعملكم فيها وما إلى ذلك مما يهم الجماعات ويأخذ بتفكير الهيئات، فاسمعوا:

إنكم تبتغون غاية جليلة عظيمة، وعليكم أن تدركوا تمامًا أنكم في صف، مع غايتكم وهذه الدنيا كلها في صف أنكم تريدون إسلامًا مهيمنًا، وروحانية صافية سابغة، وخلقًا فياضا بالخير، وقلوبًا خفاقة بالرحمة، وسلامًا يظل بجناحيه الدنيا جميعًا، والناس يريدون مادة مهيمنة، ومتعة سابغة وفيرة، وخصومة دائمة يذهب ضحيتها الضعفاء ليستمتع الأقوياء، ولتظل القوة تأخذ بخناق الضعف وهما باقيان أبدًا، فلا تعرف الإنسانية معنى للعدالة ولا تتذوق طعمًا للرحمة، ذلك ما يريد الناس وتريدون، فأنتم في ناحية والعالم في ناحية، وإن الناس يستترون بالكذب، ويتعاملون بالخداع والملق، ويفرون من مواجهة الحقائق، وأنتم لا تريدون هذا لأنكم تراقبون في نفوسكم وعملكم العليم الخبير، فالتباين بينكم وبين الناس -إن صدقتم- تام من كل وجوهه.

وأنتم قليل مستضعفون في الأرض، فقراء من المال، عزًّل من القوة، فليس لكم من سلاح إلا الصلة بالله والاستمداد منه والإيمان العميق به، فإذا سلمت لكم هذه الناحية فقد سلم لكم كل شيء: ﴿إِن يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ﴾[آل عمران: 160] فاجتهدوا أن تكونوا كذلك ولا تقولوا كيف؟ فالطريقة واضحة، كونوا عبادًا قبل أن تكونوا قوادًا، فستصل بكم العبادة إلى أفضل قيادة، واحذروا أن تعكسوا القضية كما يفعل الناس، يطلبون القيادة قبل أن تسلم لهم ناحية العبادة فيخضعون أو يصلون فيضطربون، وأشربوا نفوسكم الحديث القدسي: "من آذى لي وليًا فقد آذنته بالحرب.. وما تقرب إلى عبدي بمثل ما افترضت عليه، ولا يزال العبد يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشى بها وإن سألني لأعطينه وإن استعاذني لأعيذهن". ففي قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ في الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِى لاَ يُشْرِكُونَ بِى شَيْئًا﴾[النور: 55](2).

 

إلى الإخوان المسلمين في مختلف دوائرهم بمناسبة الانتخابات

مكتب الإرشاد العام منشور رقم 2 سنة 1355ﻫ

أيها الإخوان الكرام،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد،

فأكتب إليكم هذا الخطاب بمناسبة انتخابات مجلس النواب بعد ما لاحظته في بعض الدوائر من اشتداد المنافسة بين المرشحين اشتدادا خرج بها عن تطور الإنصاف وحدود الخلق الفاضل.

أيها الإخوان،

الصوت الانتخابي من حق الوطن، فلا يصح أن يتأخر قادر عن إبداء صوته في قضية هي من أمس القضايا بالواجبات الوطنية، فاحرصوا على أداء الواجب ولا تعطلوا أصواتكم ولا تهملوها.

ويجب أن تعلموا أن إعطاء الصوت شهادة يسأل الإنسان عنها، فحكموا ضمائركم وعقولكم، وكونوا أحرارا في مناصرة الحق، شجعانا في اختيار الأصلح، واشترطوا على نوابكم أن يكون منهاجهم وطنيا إسلاميا يؤيد قضية الإسلام، ويعمل على صبغ الأمة بتعاليمه وشرائعه، ولا تغلبنكم المجاملات والعواطف؛ فإن مصلحة الوطن فوق كل اعتبار وتأملوا قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾[النساء: 135].

أيها الإخوان،

إن أشرف معركة هي معركة الانتخابات لمجلس التشريع الأعلى في البلد، فمن أهم الواجبات أن تكون على أطهر حال وأشرف مثال بعيدة عن السباب والشتائم، لا تنال فيها الأعراض، ولا تنتهك الحرمات، ولا تدنسها الغيبة الفاحشة والنميمة الكاذبة والرياء القاتل والنفاق الوبيل – لا مانع من أن يعرض الإنسان مناهجه أو منهاج من يناصره، ويتكلم عن مزاياه وفضائله، ويدلى بالحجج والبراهين على صلاحيته، ولكن لا يصح مطلقا أن يغتاب المنافس ويسبه ويشتمه ويلصق به المعايب والتهم بحق أو بغير حق، فإن ذلك ليس من الدين ولا من المروءة ولا من الإنسانية في شيء، ولئن قالوا إن ذلك جائز في عرف السياسة، فإن الإسلام لم يتسامح فيه أبدا ولم يجزه أبدا، والله تبارك وتعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾[الحجرات: 11].

أيها الإخوان،

ستنتهي الانتخابات وتبقى الحزازات أو المجاملات، فلأن يبقى المعرف بينكم خير، ولا تنسوا الفضل بينكم في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى الوحدة والتساند: ذلك ما أردت أن ألفتكم إليه رجاء أن تعملوا به وتشيعوه بين إخوانكم وتحملوا عليه من استطعتم من مواطنيكم ومعارفكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(3).

 

اسمعوا يا رجال

ما من يوم يمضي حتى يفاجئ الناس نبأ جديد، وتتمخض الحوادث بشأن هام يملأ أسماع الدنيا وأبصارها، ويشغل الأمم ويسترعي انتباهها، ويهز أعصابها هزة قوية عنيفة، ويستأثر بشعورها وتفكيرها حتى يستبد بذلك حادث آخر.

لست بصدد ذكر هذه الحوادث في الشرق ولا في الغرب ففي كليهما تنقلب الأيام وتكثر المفاجآت، وفى أقل من عام سقطت الحبشة، وثارت فلسطين، وأمضيت معاهدة مصر ومعاهدة سوريا، ووقع الانقلاب العراقي، ونشبت ثورة الصين إلخ إلخ.. وكل ذلك في الشرق على حين ثارت أسبانيا ثورتها الطاحنة، وتحرشت ألمانيا بروسيا في مبدئها وبالعالم كله بالمطالبة بمستعمراتها، ونزل ملك إنجلترا عن عرشه.. إلخ.

كل هذه الحوادث التي تمر سراعًا تباعًا وكلها عظيم له أثره، خطوة جديرة بأن تفتح أعين الأمم وتوقظ اهتمام الشعوب أفرادًا وهيئات.

وعجيب في شأن هذه الحوادث كلها أنها تجئ وتمر، فيلفظ الناس بها، ويستعرضون آثارها، ويحاولون إلقاء أخطارها، وهم في ذلك كله بعيدون عن التفكير في الطريقة الناجعة لتهدئة أعصاب العالم الثائر، وتسكين هياج الدنيا الهائمة المضطربة في بحر لجى من فوضى العقائد والآراء والمطامع والأهواء، وما الطريقة الناجعة إلا العودة إلى طريق الإسلام الخالص ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾[فصلت: 33].

أيها الإخوان خاصة.. وأيها المسلمون عامة،

كل هذه إرهاصات لانقلاب جديد، فاجعلوا هذا الانقلاب في صفكم، كل هذه نذر حياة عالمية جديدة فاجتهدوا أن تكون على قواعدكم وأصولكم.

العالم ينتظر المخلص فخلصوه، ويتلمس الشفاء وعندكم الدواء فتقدموا به، قد أفلست النظم الوضعية في قيادة الدنيا ووقفت بلهاء حائرة في وسط الطريق، فقودوا العالم بنظام الله.

لا تدعوا الفرصة تفلت من أيديكم فأنتم مسئولون عن ذلك.

أيها الإخوان،

لقد نفذ منكم إلى الناس هيئة عاملة لها نظامها ومبادئها وتعاليمها، ولقد كافحتم بطريقتكم الهادئة طويلاً وعسى ربكم أن يكون تقبل جهادكم ونفع بكم، ولكن فرصة اليوم لا تعوض، وقد وصلت إلى منتصف الطريق، إن طريقكم بناء وتأسيس، وقد كفاكم الله مؤنة الهدم، فهاأنتم ترون بأعينكم أرسخ التقاليد وأعرق النظم يندك وينهار ولا يثبت أمام التجربة العالمية الجديدة وكل ذلك تمهيد فاستيقظوا.

اذكروا جيدًا أمورًا ثلاثة:

إن الغرب -وقد جثم كابوسه على صدر الدنيا خمسة قرون طوال- يتفكك ويضطرب. وإن الشرق -وقد فقد عزته ومقدماته طوال هذه القرون- يهب ويستيقظ. وإن رسالتكم عالمية.

لعل الظرف الجديد هو أنسب الظروف لأدائها، فأعلنوها ليقوى هذا الشعور في نفوسكم إلى حد العقيدة والإيمان، ثم لتسووا صفوفكم ولتتقدموا إلى الناس جميعًا بدعوتكم ومنهاجكم ثم بعملكم(4).

 

دولة المتقين

يروى المحدثون في الصحيح ما معناه أن رجلاً -وقف والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب الجمعة- فقال: يا رسول الله، هلك المال، وجاعت العيال، واحتبس المطر، فادع الله يسقينا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه يستسقى ويسأل الله -وما في السماء قزعة- فأخذ السحاب يتجمع بعضه إلى بعض، ثم وكف المطر وهطل حتى تقاطر خلال لحيته الشريفة وهو على المنبر.

وجاء يخطب في الأسبوع التالي فوقف الرجل وقال: يا رسول الله. سالت الأودية بالمطر وكدنا نهلك، فادع الله لنا، فابتسم صلى الله عليه وسلم وقال ما معناه: ما أسرع ملالة ابن آدم، ثم رفع يديه يدعو ويقول اللهم حوالينا لا علينا، فانحسر الماء وبعد السحاب عن أفق المدينة وأقطارها.

أيها الناس،

أرأيتم أعجب من هذا، وأوسع دولة، وأعظم ملكًا، وأعز جانبًا، وأقوى سلطانًا؟

أيها الناس،

هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على منبر من جذوع النخل في مسجد سقفه الجريد لا يمسك المطر، حتى إنه ليتساقط فيتخلل لحيته الشريفة، هذا حظه من دنياه وهذه مظاهر دولته الأرضية ومملكته البشرية، ولكن هذا العظيم المتواضع الذي قنع من دنياه بخبز الشعير طعامًا وبالقميص ثوبًا، وبالمسجد مثابة وأمنًا، وبمنبر الجريد شرفة يطلع منها على الناس هو الذي يأمر السماء فتأتمر، ويدعو السحاب فيتجمع، وينادى المطر فيستجيب، ويزجر الهواكل فتنزجر، ويتصرف بإذن مولاه وتأييده في مملكة السماء.

أيها الإخوان المسلمون،

إن لأهل الأرواح دولة وللمتقين سلطانًا ومملكة، هي أوسع أقطارًا وأعلى منارًا من هذا الملك الزائل والدولة الحائلة والسلطان المزعزع المترجرج، فاتقوا الله.

أيها الإخوان،

طهروا أرواحكم، وفدوا نفوسكم، واسموا بعواطفكم ومشاعركم عن هذه الأعراض الدنيوية، وكونوا ربانيين، يمنحكم الله من قوته وتأييده ما تعنو له الحياة وتنحنى أمامه رءوس الجبارين.

أيها الإخوان المسلمون،

إنما سقت لكم هذا الحديث -وقد سمعتموه من قبل ورويتموه من قبل وكلكم به عليم- لأنكم بصدد دعوة جريئة لا ينهض بعبئها إلا كل صبار شكور، فأحببت أن ألفتكم إلى دولة التقوى ومملكة السماء، فكل الدولات لها تبع وكل الممالك معها هباء.

فاعملوا والله معكم(5).

 

بعد المؤتمر

أيها الإخوان المسلمون:

الآن وقد انتهى مؤتمركم، وانتهى به هذا العام الهجري الفائت, واستقبلتم عامكم الهجري الجديد، واستقبلتم كذلك السنة الثانية لهذه الصحيفة المباركة النذير. ماذا أنتم فاعلون؟!

لقد تم المؤتمر بحمد الله موفقًا ناجحًا كل النجاح, ولقد كان فاصلاً بين دورين من أدوار طريقكم، دور الاعتكاف عن الميدان العام, ودور الظهور في هذا الميدان, ولقد وقف خطباؤكم من فوق هذا المنبر في هذا الجمع الحاشد يدعون الناس جميعًا, الهيئات, والأفراد, والجماعات, والأحزاب، والأمة كلها إلى سلوك طريقكم, والعمل على مبادئكم, والاندماج في صفوفكم, والإيمان بدعوتكم فهو عرض عام للبضاعة على رءوس الأشهاد، ونعم المعروض على الناس كتاب الله الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, وشريعة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمة للعالمين, ولهذا الظهور في الميدان العام مطالبه وتبعاته.

هذا موقفكم أنتم الخاص, وموقف الأمة عمومًا موقف الحائر في مفترق الطرق يتلمس الوادي ويترقب الدليل، فهي لا تخاصمكم ولا تتأبى على دعوتكم, ولكنها تريد منكم أن تقدموا لها البراهين الواضحة والحجج الظاهرة البينة على أفضلية منهاجكم, وأحقية دعوتكم, ووفود الأمن في طريقكم, ثم هي لا تلبث بعد ذلك أن تكون كما تريدون، أما الموقف العالمي الآن فلعله أوفق الأوقات لكسب المعركة, ولعل هذه الظروف التي أتيحت للعالم الإسلامي في هذه الأيام أبدع ظروف مرت به لو استفاق قادته, وعرف عظماؤه وزعماؤه كيف يستفيدون منها لأممهم المظلومة المحرومة! وإذن فالموقف ملائم من كل نواحيه.

أظننى -أيها الإخوان- قد تناولت فكرتكم في كلمة المؤتمر من الوجهة النظرية بما لا يدع في نفس أحد شبهة, وبما لا يحتاج بعد ذلك إلى شرح أو بيان، ولكن الكلام وحده لا قيمه له إن لم تصدقه الأعمال، ويتبعه التنفيذ المباشر، وان الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.

أيها الإخوان المسلمون:

العمل مع أنفسنا هو أول واجباتنا فجاهدوا أنفسكم واحملوها على تعاليم الإسلام وأحكامه، ولا تتهاونوا معها في ذلك بأي وجه من الوجوه، أدوا الفرائض، وأقبلوا على الطاعة، وفروا من الإثم، وتطهروا من العصيان، وصلوا قلوبكم ومشاعركم دائمًا بالله ملك السماوات والأرض، قاوموا الكسل والعجز، واحرصوا على الوقت فلا تصرفوه في غير فائدة، وحاسبوا أنفسكم فيه حسابًا عسيرا، واحذروا أن تمر بكم دقيقة واحدة لا يكون لأحدكم فيها عمل طيب وسعى مبرور.

والعمل مع بيوتكم وأسركم -أيها الإخوان- أقدس واجباتكم، فالأمة هي مجموع هذه الأسر، وإذا قويت دعائم الأسرة قوى بناء الأمة واطمأنا على الجيل الجديد كل الاطمئنان فتلطفوا مع أهليكم وأسركم وأصدقائكم وأقربائكم واحملوا جميعًا على خطتكم، وأقنعوهم في أدب ولطف ومنطق وحجه بوجاهة رأيكم، واعتدال طريقكم، وفائدة عملكم حتى يكونوا معكم فيما أنتم بصدده من عمل مجيد نبيل.

ووحدتكم -أيها الإخوان- وارتباطكم هو السلاح الأول وهو أقوى الأسلحة في أيديكم فاحرصوا على هذه الوحدة وكونوا دائمًا مع الجماعة، ولا تخالفوا عن أمر إخوانكم ولا تفرقن بينكم المشاغل الزائلة ولا الأوهام القاتلة.

انشروا الفكرة في كل محيط يتصل بكم في الحوانيت, والشوارع, والبيوت, والمساجد, والمقاهي والمجالس العامة والخاصة, وفى القرى والريف والمدن والعواصم, وفى المصانع والمعامل, والحقول والمدارس واجمعوا قلوب الناس جميعًا على كتاب الله وتحت لواء "محمد صلى اله عليه وسلم" أفضل خلق الله أجمعين ورحمة الله للعالمين فلواؤه لواء الحمد, وشرعته منهاج الرشد, وهديه أفضل الهدى, ومن استظل بظله وسار تحت رايته فاز في الدنيا بالنصر ولينصرن الله من ينصره, وفاز في الآخرة بالأجر يوم لا يخزى الله النبي والذين آمنوا معه، واجعلوا في كل شارع جماعة إخوانية, وفى كل قرية كتيبة قرآنية, وفى كل مدينة راية محمدية, وفى كل فج من الفجاج أخ يهتف بمبادئكم ويتمادى بتعاليمكم, ويعطى كلمتكم, ويبايع بيعتكم, ويجهز نفسه ليمثل مكانه في الصف وإن يوم النداء لقريب.

ألفوا الفرق الرياضية بأنواعها في شعبكم، فالقوة شعاركم ولا قوة في جسم ضعيف ضئيل، ووجهوا عنايتكم إلى الجوالة، وليكن في كل شعبة من شعبكم فرقة من شبابها فهو الجهاد في سبيل الله، وهو ذروة سنام هذا الدين وهو التدرب الذي يضاعف فيه الأجر ويجزل المثوبة.

كونوا الكتائب فإن جيوش الليل تنزل بالنصر على جيوش النهار، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم، وأنيروا حنادس الظلام بآيات الكتاب الكريم، وناجوا الله والناس نيام يدلكم من أعدائكم، ويبارك في أعمالكم ويرزقكم التأييد والمعونة ولله الأمر من قبل ومن بعد.

اقتصدوا من أموالكم لإيمانكم ومستقبلكم فإنكم لا تدرون ما الموقف غدًا، ولا يصرفنكم ذلك عن الثقة بمولاكم، والاعتماد على بارئكم، وإنما على حد قول النبي الصالح: ﴿يَا بَنِىَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ﴾[يوسف: 67]، ﴿وَفِى السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ﴾[الذاريات: 22-23].

أيها الإخوان:

إنكم في دور تكوين ولم تتم خطوتكم الثانية بعد، بل أنتم لازلتم في أولها فلا يلهينكم السراب الخادع عن حسن الاستعداد وكمال التأهب، اصرفوا تسعين جزءًا من المائة من رزقكم لهذا التكوين، وانصرفوا فيه على الخلق أجمعين، واجعلوا عشرة الأجزاء الباقية لما حولكم من الشئون حتى يشتد عودكم ويتم استعدادكم، وتكمل أهبتكم، وحينئذٍ يفتح الله بينكم وبين قومكم بالحق وهو خير الفاتحين.

أيها الإخوان:

الإيمان القوي، والعمل الصحيح، والإقبال على الطاعة والبعد عن المعصية والحرص على الوحدة والعمل الدائب، والجهاد المستمر وحسن النظام وإخلاص الغاية كلها دعائم لابد أن تتوفر في مجتمعاتكم بوضوح تام حتى تذللوا ما يعترض طريقكم من عقبات وإنها لكثير لا تتيسر إلا لمن يسرها الله عليه.

وبعد،

فإني لعظيم الأمل في إيمانكم، وجميل تقبلكم لمثل هذه النصائح التي لا يمليها إلا الأمل فيكم، والحرص على خير الدعوة التي نفتديها جميعًا بكل ما في الوجود، فاعملوا والله معكم، وإني كذلك لعظيم الشكر لهؤلاء الإخوان الكرام الذين تجشموا مشقة سفر بعيد مديد ليصلوا رحمًا ويؤدوا واجبًا ويعينوا إخوانهم في مرضاة الله، وفقكم الله، وسدد خطاكم، وجعله عام يمن وبركة وخير(6).

 

كشف الحساب

ما علينا، ما لنا، ما يجب أن نفعله

خلال هذا الأسبوع توالت عدة حوادث في الداخل والخارج أثارت النفس وحركت أشجانًا لم تسكن، ففي الخارج هذا التناحر بين الدول الأجنبية، وهذه الخطابات النارية التي تلقى من فوهات المدافع وبين أزير الطائرات، وفى الداخل هذا التناحر أيضًا بين دعاة الفكر المختلفة في مصر، وتلك الحوادث الدامية الخطيرة في سورية وفلسطين وغيرها من أجزاء العالم الإسلامي.

هذه الحوادث -وبعضها يشغل البال- توجب أن يحاسب كل غيور نفسه، وأن يتبين أصحاب الدعوات موقفهم ويتعرفوا ما لهم منها وما عليهم.

لا زلت أذكر كلمة قالها زعيم إسلامي في مناسبة من المناسبات، وجعلها عنوانًا لمقال من مقالاته فكانت في بروز ووضوح "يظهر أن اليوم كله علينا وليس لنا منه شيء" ومع أن الحوادث تملى صدق هذا المظهر في كثير من الجلاء، فإني أعتقد أن لنا مثل ما علينا، وأن أمامنا من طرائق العمل ما نستطيع به أن نربح به النتيجة الأخيرة إن كنا صادقين.

ليس من رأيي أبدًا أن نكون يائسين، وإن كنت أوحى دائمًا أن نكون حذرين غير مخدوعين مقدرين كل ما يحيط بنا، ولهذا أردت أن أعرض لكشف الحساب؛ لأتعرف ويتعرف الإخوان معي ما لنا، وما يجب أن نفعله لنكون جميعًا على استعداد.

علينا -أيها الإخوان- هذا المستعمر الجائر في كل جزء من أجزاء وطننا في مصر وفى سورية وفى فلسطين وفى كل بلدان المسلمين يضرب بعضهم ببعض ويداور ويراوغ، ويسخر كل شيء لمصلحته، ويستأثر دوننا بكل المنافع والفوائد، ويأخذ على نهضتنا كل طريق حتى لا تصل إلى حد الكمال.

وعلينا -أيها الإخوان- هؤلاء الشهوانيون الإباحيون من بنى قومنا، وهؤلاء الملحدون في دينهم ووطنيهم المارقون عن عقيدتهم وقومتيهم المتنكرون لبلادهم ومجدهم وتاريخهم بحسن قصد أو بغير قصد، يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، ويزينون للشعب بكل وسيلة سبيل التحلل والاستمتاع الوبيل، ويزينون له الخروج من كل قيد للخلق والفضيلة، ويستهترون بالدعوة إلى الحضارة الأوروبية والمدنية العصرية، ولقد كانت هذه الدعوة قد خفقت حينًا من الدهر أمام عاطفة نبيلة من الوطنية الصادقة وهزة كريمة نحو دين الله وتعاليمه، ولكنها عادت من جديد تطل برأسها ولكن الحراس يفطنون، والنعل حاضرة إن عادت العقرب، والعقوبة ممكنة إن أصر المذنب وليغلبن مغالب الغلاب.

وعلينا -أيها الإخوان- هؤلاء الدعاة الأجانب عن ديننا من المبشرين سراق العقائد ولصوصها وأمثالهم من الفرق التائهة والنحل البائدة التي تعيش على فتات موائد الغاصبين، وتريد التفريق بين صفوف الأمة الواحدة ولقد كانت هذه النعرات قد سكتت هي الأخرى أمام عاصفة من الشعور الإسلامي القوى، ولكنها بدأت مرة ثانية تنفث السموم من جديد، فلقد حدثني كثير من إخواننا بالقاهرة والأقاليم أن حركة التبشير أو التضليل إن شئت قد أخذت تذيع وبخاصة في المدارس الثانوية والخصوصية، وبين أوساط مهذبة حتى في المدارس الحكومية بوسائل شيطانية، ولقد رأيت بعض هذه الرسالات الكفرية التي تصل إلى أيدى أبنائنا البرآء تارة بالبريد وتارة بالتوزيع باليد.

وعلينا -أيها الإخوان- بعد ذلك كله هذا الضعف الشائع في قوادنا، ورؤوس الحركة القومية فينا، فلا مناهج مرسومة، ولا خطوات معلومة، ولا تضحيات مبذولة، ولا تكوينات لهذه الأمة. ألقت الأقدار مقاليد أمورها إلى قوم لا ينظرون إلا إلى أنفسهم، ولا يعرفون إلا الكسب الخاص على حساب الشعب، فالزعماء والصحفيون ورؤوس الهيئات وكبار الحكام كل هؤلاء لا يفكر أحدهم إلا في نفسه وشخصه، ولا ينظر إلى أبعد منهما، وكثير منهم تأثر بهذه الدعايات، فانسلخ عمليًا عن كل شعور صالح، وبعد عن كل وجهة طيبة في تفكيره ونفسه وبيئته ولغته وعاداته وخصاله وكل ما يتصل به.

هذا بعض ما علينا، أما ما لنا فهو كثير أيضًا -أيها الإخوان- فيما أعتقد وألمس، أن لنا هذا المنهاج الواضح البين الذي لا عوج فيه ولا زيغ معه، كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: ﴿قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِين، يَهْدِى بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾]المائدة: 15-16[.

وإن لنا هذا التأييد الرباني الذي تكفل به لجنده العاملين وعباده المخلصين: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ﴾]غافر: 51[, ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ﴾]محمد: 11[.

ولنا -أيها الإخوان- هذا الشعب كله، إنه مقصر، انه غافل، انه مخدوع، انه فقير، انه ضعيف، انه مريض، إن تعليمه قليل، إن قسمًا كبيرًا منه قد جرفه تيار الإثم كل هذا صحيح ولكنه مع هذا شعب كريم مؤمن طاهر القلب قوى الشعور بجلال الإسلام وهيبة الإسلام ثابت العقيدة في كتاب محمد ودين محمد وعظمة محمد ورب محمد صلى الله عليه وسلم.

هذا الشعب -أيها الإخوان- رغم كل ما ذكرت هو عدة الدعوة المباركة ومفتاح النصر إن شاء الله، وحديقة الثمار اليانعة الجنية.. وها أنتم ترون كيف تبادر القرى والمدن والعواصم والبلاد إلى ترديد أصواتكم، واستجابة دعوتكم، وتشكيل شعبكم، والسير في طريقكم، والإلحاح في طلب الخطباء والمندوبين من قبل المكتب؛ ليفقهوا الناس فقه هذه الدعوة الجديدة دعوة الخلاص والإنقاذ.

هذا بعض ما لنا وعند الله الخير كله، وحسبنا الله ونعم الوكيل، لا نعتمد إلا عليه، ولا نستمد النصر إلا منه، ولا نعمل إلا فيما يرضيه، ونسأله حسن الهداية وكمال التوفيق.

أما ما يجب أن نعمل فواضح كذلك:

أقبلوا على أنفسكم فاصبغوها بالدعوة، ومطالب الدعوة، ومظاهر الدعوة، وأعدوها للبذل والتضحية والعمل والكفاح في كل وقت حتى تسود كلمة الله، ثم أقبلوا على صفوف هذه الكتائب الإسلامية المبعثرة الممزقة فصيحوا في وجوه الجميع صيحات داويه قوية، أن افتحوا أعينكم -أيها الناس- على الخطر الداهم الذي لا ينجيكم منه إلا توحيد الصفوف، وتعزيز الجهود، وضم القوى، وأهيبوا بهذه الهيئات أن تكون جبهة واحدة ويدًا واحدة يظلها علم الإسلام، ويقودها اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخير وإلى النصر المبين.

ثم صيحوا في وجوه أهل الرأي، وأهل القيادة في هذا البلد أن انضموا إلى الصفوف المسلمة، وجاهدوا مع المجاهدين لله ورسوله ولخير الإنسانية, فإن فعلوا فبها وإلا فأظهروا الشعب على خداعهم وفرقوا الأمة عنهم وانتصروا لدعوة الحق وحدها: ﴿لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ في جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾]الأنفال: 37[ ومتى وصلتم إلى هذه الخطوات موفقة مؤيدة فليس وراءها إن شاء الله إلا كسب المركز جميعًا، وإلا أن تكون النتيجة لكم لا عليكم ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾]يوسف: 21[(7).

 

واجب الإخوان في العادات واللباس والمظهر

تقوم فكرة جمعية الإخوان المسلمين على أصل ثابت، يعرفه كل منتسب إليها: هو العودة إلى تجديد الفكرة الإسلامية في الأمة الإسلامية، هو الرجوع إلى هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الغر الميامين، هو التمسك بتعاليم القرآن والسنة المطهرة.

هذا المعنى ظل قائمًا قويًا في نفوس المسلمين فكانوا يصدرون عنه في كل أعمالهم، ويلاحظونه في كل شئونهم وأحوالهم، وكانت كل أمة تتصل بالمسلمين حين ذاك تندمج فيهم وتتأدب بآدابهم وتسير وراءهم؛ إذ كانوا أصحاب الحول والسلطان.

إنها كانت تترك فيهم أثرًا من حضارتها وعلومها ومعارفها وعاداتها، ولكنه أثر ضئيل لا يتعدى بعض المظاهر، ولا يصل إلى صميم الفكرة، وكثيرًا ما يجرفه التيار الغالب فيتشكل شكل إسلامي عربي.

اتصل الفرس في الشرق بالعرب فتعربوا وهم أولو مدنية قديمة ومجد تليد، ولم يستعجم العرب ولم يستغلق القرآن.

واتصل الفرنجة بالعرب في الأندلس فساروا سيرتهم، ونطقوا بلغتهم، بل نبغ فيها كثير من شبابهم يكتب بها النثر البليغ، ويقرض الشعر الرائع كما حكاه دوزى المؤرخ عن بعض قساوستهم.

وهكذا اتصلت بالإسلام الفتى مدنيات وحضارات، وأمم وشعوب فأسلمت له القياد، وتعربت جميعًا وتأثرت بتعليمه أشد التأثر، ولم تؤثر فيه أثرها الضئيل حتى تزيت بزيه، وتشكلت بأقرب الأشكال إليه.

حتى غفا العرب والمسلمون، وناموا على مهاد الراحة، وصادف ذلك يقظة الغرب، وأخذ أممه بوسائل الجد والعلم والعمل والكفاح، ورافق ذلك فتحًا علميًا ماديًا زاخرًا استفاضت به المتع، وازينت به الحياة الدنيا فغلب الغرب على مقدرات الإسلام والمسلمين، فتجمعت عليهم ثلاث قوى كل واحدة تهزم عالمًا بأسره:

1-     الجهل بأحكام دينهم، وفقدان روحانيته الأولى من نفوسهم.

2-     الضعف السياسي الذي قيد حرياتهم، وجعلهم تبعًا لسواهم.

3-     زخرف هذه المدنية المادية، وما تجملت به من متع وشهوات.

فكان عن ذلك أن بدئوا ينسلخون من فكرة الإسلام، ومن مقتضيات هذه الفكرة في كل نواحي الحياة بأيدي أعدائهم، الذين يرهبون عودتهم إلى الإسلام، وبأيدي زعمائهم وقادة الفكر فيهم، الذي تتلمذوا لهذه التعاليم فلم يجدوا في غيرها جمالاً ولا صلاحًا، وهم مخطئون.

تغير التعليم، وما ننكر أن يتغير من فوضى إلى نظام، ولكنه تغير ليتجرد من الروح الاستقلالية، وليبتعد عن الفكرة القومية، ولينشأ أبناؤنا كما يريد السادة الغاصبون.

وتغير القانون، وما نكره أن يتغير في شكليات التنظيمات اللازمة والترتيبات والإجراءات التي تضمن العدالة، ولكنه تغير ليبيح زنا تمتد بإباحته يد الأجانب وعيونهم إلى حرماتنا، وليبيح ربا يستلبون أموالنا، وخمرًا يبيدون بها عقولنا، وليبدو القانون في مظهر رخو خليع لا يحارب جريمة، ولا يستأصل شرًا.

تغيرت العادات في الطعام والشراب واللباس والممشى والكلام، وكل شيء من مظاهر المجتمع، وما ننكر -علم الله- أن تتغير إلى ما هو خير، ولكنها مع الأسف تغيرت إلى ما يضر ويؤذى ويؤلم.

كنا نتحرى الحلال الطيب في طعامنا، فإذا بنا نأكل ولا ندرى أهو حرام أم حلال؟ بل منا من يأكل الحرام -وهو يعلم- فلا يأبه لشيء من هذا.

وكنا نلبس الثوب الفضفاض الذي يعين على الصلاة، ويغرى بالجلوس في المسجد، فإذا بنا نلبس الثوب الضيق الموثق من كل مكان فيتهاون غير المتدين بالصلاة، وكثيرًا ما يجمعها المتدين لغير عذر شرعي، وإنما هو حكم اللباس.

ليست هذه نظرات سطحية ولا عابثة، ولكنها حقائق يجليها الواقع الملموس، وإن كابر المكابرون.

كنا ننصرف إلى النوم عقيب العشاء فنصيب الراحة الكاملة، ونتماشى ناموس الكون كله، ونستيقظ لصلاة الفجر على أتم ما نكون من الراحة، فإذا بنا نسهر إلى ما بعد نصف الليل، وينام المسلم حتى تضرب الشمس رأسه ولما يؤد فريضة الله. 

كنا نتحدث باللسان العربي المبين فيشعر أحدنا بعزة لغته وقومه، فأصبح المهذبون منا يلوكون ألسنتهم برطانة أعجمية تشعر بالرضا بالذلة، والإعجاب بالاستعباد.

وهكذا تغير كل شيء، وانسلخ المسلمون عن دينهم، وهم لا يشعرون.

إن فكرة الإخوان المسلمين: لبها وصميمها أن يعود الناس إلى مظاهر الحياة الإسلامية من العقول المصرية التي لبست رداءًا أوروبيًا بحتًا.

ومن يضحك منا، ويهزأ بنا، ويقابل هذا بالسخرية والدهشة معًا ويعجب لعقولنا الجامدة التي لازالت تفكر في العودة إلى مظاهر الحياة الدنيا، ويرى من المستحيل أن يأتي على مصر ذلك اليوم الذي تتغير فيه هذا التغيير، ويرى مستحيلاً على هؤلاء الفتية المجاهدين الجامدين من الإخوان المسلمين أن يستطيعوا تحطيم هذه القيود والعودة بالناس إلى الإسلام.

معذورون هؤلاء؛ لأنهم لم يؤمنوا بعد بما في الإيمان من قوة وجبروت ولم يذكروا ما فعل هذا الإيمان بالأمة من قبل ومن بعد.

يا هؤلاء، إن مهمة الرسالات في كل عصر قلب النظم دائمًا، وتغيير الأوضاع عامة، وتوجيه الناس إلى شيء جديد، وانتشالهم من كل ما هم فيه.

وهي رسالة الإسلام: التي أداها رسول الله صلى الله عليه وسلم أكمل الأداء، وائتمن عليها المجددين المصلحين من أمته، وسنقوم بقسطنا من هذا التجديد-إن شاء الله- وسيغير الله بنا هذه النظم، وتلك الأوضاع ولتعلمن نبأه بعد حين.

أما واجب الأخ المسلم إن كان جادًا فهو: أن يتخطى حدود النصح إلى حدود العمل فقد آن أوان الجد.

يتصور الإخوان المسلمون أوان الجد هذا بأنه: الاشتباك مع الحكومات، وهو ما يعبرون عنه دائمًا بنزول الميدان.

لا أيها الإخوان، اشتبكوا مع أنفسكم أولاً، وانزلوا منها ميدان الخصومة، واشتبكوا مع هذه النظم الفردية التي درجتم عليها، وهي تخالف الإسلام.

سأدعوكم في القريب إلى تغيير الزي لنقرب من مظهر الإسلام، وسأدعوكم إلى تربية اللحية لنخالف الخواجات، وسأدعوكم إلى تغيير الأوقات فننام بعد العشاء ونستيقظ بعد الفجر أو قبيله دائمًا، وسأدعوكم إلى تأثيث البيت أثاثًا إسلاميًا، وسأدعوكم إلى تأديب الزوجات والبنات والأخوات تأديبًا إسلاميًا، وأخذهن بتعاليم الإسلام.

سأدعوكم إلى هذا، ولكن بطريق منظم وبخطة واضحة، وسأدعوكم إلى إتقان الصلاة، والحرص على الجماعات.

سأدعوكم إلى هذا، وإلى كثير من أمثاله، فمن انتصر منكم على نفسه فسينتصر على كل حكومة طاغية وسيكتب الله للجماعة النصر، ومن عجز عن قيادة نفسه فهو أعجز عن قيادة الناس، سأوافيكم ببيان كل ذلك مفصلاً في القريب، وسيكون عامنا هذا القادم -إن شاء الله- عام جهاد عنيف مع النفس والبيت والعادات، فأعدوا أنفسكم، والله معكم(8).

 

إلى شُعَب الإخوان في نواحي القطر المختلفة

الآن وقد عدت إلى القاهرة بعد رحلات الصيف المتلاحقة في الوجهين البحري والقبلي أحب أن أتحدث قليلاً على صفحات النذير إلى شُعب الإخوان المختلفة في القطر كله.

يا شُعب الإخوان، أشكر لكم ما لقيت منكم من حفاوة وتكريم حين سعدت بزيارتكم، وشرفت بالمقام بينكم ساعات هي من ساعات الدهر الموفقة بلا شك والحمد لله.

وأهيب بكم أن اعملوا فليس ينفعكم من الدعوة أن تنتسبوا إليها وتتصلوا رسميًا بها ثم تقعدون بعد ذلك عن خدمتها ونشرها والجهاد في سبيلها، وما كان كذلك أسلافكم الصالحون، فهم رضوان الله عليهم صدقوا ما عاهدوا الله عليه ودأبوا على الجهاد لدينه والعمل مع نبيه صلى الله عليه وسلم حتى أتاهم اليقين، وهم أشد ما يكونون بدينهم استمساكًا، وفى سبيل نشره عملا وجهادًا، وإن كثير منكم ليتساءل: وماذا نعمل؟

وما أكثر سبل العمل أمام المجدين!

ليقبل كل عضو من الإخوان على نفسه فيطهرها ويحاسبها ويؤاخذها ويعالجها حتى تنطبع بطابع الإسلام الصحيح.

ليأخذ كل عضو منكم نفسه وبيته بتعاليم دينه وقواعده في رفق ولين؛ حتى يكون في بيوت الإخوان الأسر الإسلامية التي هي أصلح نواة للنهضة المرتجاة.

لتجتهد كل شعبة أن يكون لها دار تضم أعضاءها، وتجمع شتات المتفرقين منهم، ولتعمر الدور الإخوانية بالدروس الليلية في مختلف نواحي التعليم.

لتجتهد كل شعبة في تكوين فرقة للجوالة؛ تجمع شبابها على العمل الصالح، والخدمة النافعة، والحب والإخاء 

لتدع كل شعبة مجاوريها من البلدان والقرى للدخول في دعوة الإخوان، ولتجعل من أبنائها من يجوسون خلال هذه البلدان، ويذكرون الناس بواجبهم لله وللإسلام، اعملوا ولا تقعدوا وبقدر نشاطكم يكون توفيق الله إياكم.

يقول بعضكم: أن المكتب لا يوالى الاتصال بنا.

وأقول لكم: إن المكتب على استعداد لموالاتكم بقدر نشاطكم.

ويقول آخرون: أن المرشد يبطئ في زيارتنا، وفى هذه الزيارة تشجيع لنا.

أقول لكم: إنه ليس أحب إلى نفسي، ولا أروح لها من شرف زيارتكم، ولوددت أن أزور كل شعبة، بل كل أخ من الإخوان في كل يوم، ولكن ضرورة العمل من جهة، وإيثاري أن تعتمدوا كثيرًا على أنفسكم، وأن تستمدوا التشجيع والتنظيم من جهودكم كل ذلك يبطئ بى عن موالاة زيارة كل شعبة كما تريد، بيد أنى لا آلو جهدًا في تحقيق الرغبات وموالاة الزيارات والله المستعان.

ويقول آخرون: وما لجريدة النذير قد صغر حجمها وقل ورقها، ونحن نريد أن ننشرها بين الناس، وهم إنما يريدون الورق الكثير والحجم الكبير.

فأقول لهم: أنا معكم في ذلك كله، ولكن الذنب في ذلك عليكم أنتم فلو أن كل أخ شجع النذير في توزيعها ونشرها، وضحى بعض الشيء في سبيلها، لاستطاعت أن تشق طريقها، وأن ترضى بحجمها الأجانب عنها، وليحاسب كل منكم نفسه على ما قدم لجريدته، لا شك في أن بعض الإخوان قدم كثيرًا وهم قليل، ولكن الكثير لم يقدم شيئًا، ونحن لا نريد إرهاق أحد، ولكنا نريد أمورًا لا إرهاق فيها ولا تكليف، فماذا على الأخ لو اشترك أو اشترى عددًا أو أرشد غيره إلى شرائه؟!! بذلك تنهض النذير وتنافس غيرها، وتشق طريقها، وتكون أوسع المجلات الإسلامية انتشارًا ولا شك، فقد أتيح لها من وسائل الانتشار مالم يتح لغيرها لو وجدت العاملين.

أيها الإخوان في كافة الشعب،

إن وراءكم عملاً كثيرًا وإن دعوتكم تنتشر وتتقدم، وإن الظروف المحيطة بنا تستدعى كل يقظة واهتمام، وإننا متيقظون فكونوا دائمًا على استعداد.

أيها الإخوان،

إن العمل الصامت أفضل ألف مرة من الجعجعة التي لا طحن فيها، بل أفضل من العمل مع الكلام، فاعملوا صامتين وأخلصوا النية في عملكم لله، سنجتاز ظروفًا شديدة ونصادف مفاجآت شديدة، فكونوا ثابتين لا تزعزعكم العواصف فخادمتم مع الله فالله معكم ﴿إِن يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ﴾]آل عمران: 160[.

هذا شهر رمضان المبارك أنسب الأوقات للتطهير وتجديد النفوس والأرواح فتطهروا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(9).

 

توجيهات

أصول دعوة الإخوان

أيها الإخوان،

دعوتكم هذه تقوم على أصول ثلاثة:

معرفة الله، وصلاح النفس، ومحبة الخلق، والمعرفة إنما تكون بالتذكر والمراقبة، وصلاح النفس بالطاعة والمجاهدة، ومحبة الخلق بالنصيحة والإيثار.

وأن أول ما أطالبكم به عمليًا وأحاسبكم عليه باسم الفكرة:

1-     أن يجعل كل منكم لنفسه حصة من القرآن الكريم يقرؤها وآية على الأقل يحفظها يوميًا.

2-     وأن تحرصوا على جلسة المحاسبة قبل النوم يستعرض كل منكم فيها عمله اليومي بينه وبين نفسه، فإن وجد خيرًا فليحمد الله، وإن وجد غير ذلك فليعزم على تدارك ما فات.

3-     وأن تحرصوا على هذه الصلوات الخمس في أوقاتها، وأن تحسنوا أداءها وتفقهوا أحكامها، وتتموا ركوعها وسجودها وخشوعها، وتجيدوا وتتدبروا ما تقرءون من كتاب الله فيها، ولا تقصروا في النوافل الرواتب وأن تتحروا المسجد والجماعة ما استطعتم، وأن تحرصوا ما أمكنكم على صلاة الصبح في وقتها ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾]الإسراء: 78[(10).

توجيهات

ميادين النفس

يا شباب الإخوان المسلمين،

ميدانكم الأول أنفسكم فإذا انتصرتم عليها كنتم على غيرها أقدر، وإذا أخففتم في جهادها كنتم عما سواها أعجز، فجربوا الكفاح معها أولاً, واذكروا أن الدنيا جميعًا تترقب جيلاً من الشباب الممتاز بالطهر الكامل والخلق القوى الفاضل فكونوا أنتم هذا الشباب ولا تيأسوا, وضعوا نصب أعينكم قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم "اضْمَنُوا لي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمْ الْجَنَّةَ, اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ, وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ, وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ, وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ, وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ, وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ" ثم انظروا هل أنتم كذلك؟

﴿سَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[التوبة: 105](11).

 

توجيهات

ما بين المنجيات والمهلكات

يا شباب الإخوان المسلمين،

ثلاث منجيات فاغتنموهن، وثلاث مهلكات فاجتنبوهن:

فالصلاة والقرآن ودوام المراقبة منجيات في الدنيا، مسعدات في الآخرة.

فاحرصوا على الصلوات في أوقاتها وجماعاتها، وتفقهوا في أحكامها، وجودوا ما تقرأون من أذكارها وآياتها، واخشعوا واطمئنوا حين أدائها، واقرأوا القرآن ما استطعتم في خشوع وتدبر، وراقبوا الله في كل حركة وسكون فمن كان مع الله كان الله معه، والخمر والميسر والشهوة الجامحة مهلكات في الدنيا مسقيات في الآخرة فاحذروا الكأس الأولى.

وتجنبوا مجالس المستهترين العابثين، وغضوا أبصاركم، واحفظوا فروجكم، وفروا من صديق السوء، والفتاة الماجنة، واحذروا همزات الشياطين(12).

 

قرش الدعوة

أيها الإخوان الفضلاء،

رأى مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين أن ينفذ قرار مجلس الشورى العام في انعقاده الثالث بمدينتي المنصورة وأسيوط في مناسبات ثلاث ذكرى الهجرة وذكرى المولد النبوي الكريم وعيد الفطر المبارك.

وفى ذلك خير كثير إن شاء الله ستفيد الدعوة هذه النقود، وتعتبرون أنتم أفضل المجاهدين ومثوبة المتطوعين، وستدعون في كثير من المواقف لمثل هذا النوع الكريم، فابذلوا ما وسعكم البذل ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شيء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾[سبأ: 39]، وضعوا نصب أعينكم النداء الرباني الصريح، ﴿هَأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا في سَبِيلِ اللَّهِ﴾[محمد: 38]. 

وفقكم الله لكريم العطاء وأوفى لكم جميل الجزاء.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(13).

 

توجيهات

معرفة الله

أيها الإخوة الأحبة،

معرفة الله هي عصا التحويل التي تنقل الفرد والجماعة من حال إلى حال، وحسن الاعتماد عليه وحده هو أظهر علامات الإيمان الصادق، فحققوا في أنفسكم وفى أعمالكم هذه الصلة بربكم، واعتمدوا عليه وحده ولا تخالفوا غيره، ولا ترهبوا سواه، وخذوا في الأسباب، ورحبوا بالنتائج كيف كانت، وحرموا على أنفسكم واربأوا بها, وترفعوا عما استباح الناس في هذه الأعصار من التكالب على الوساطات الوهمية والوقوف بأعتاب ذوى الجاه والسلطان، والتوصل إلى الأغراض الشريفة بالوسائل الخسيسة، فإن ذلك مما يطوح بإيمان المؤمنين، ويلثم شرف الأعزة الأكرمين، وتأملوا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس؛ فإن الأمور تجرى بالمقادير"(14).

 

توجيهات

أهمية الإيمان

يا شباب الإخوان،

الإيمان عقيدة وعمل وحب وبغض

فاجتهدوا أن تكون العقيدة واضحة تمام الوضوح في أنفسكم؛ حتى يحدد لكم هذا الوضوح أهداف الحياة.

ثم اجتهدوا أن تعملوا بما توجهكم إليه العقيدة وأحبوا لها وابغضوا لها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وهل الإيمان إلا الحب والبغض".

لا ترتادوا الأماكن التي لا تحيا فيها عقيدتكم، ولا تقرأوا في الصحف التي لا تناصرها، ولا تجالسوا الذين لا يزكونها، ولا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خيالا. وتدبروا قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ في آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾]الأنعام: 68[(15). 

 

توجيهات

أهمية الأمر بالمعروف

أيها الإخوان،

مروا بالمعروف, وانهوا عن المنكر, ولا تترددوا, ولا تقصروا في النصيحة, وابذلوها لكل الناس, ولقد وزن الله الأمم بهذا لميزان, فوضع به ورفع, وقال في أمة: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِى إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ﴾]المائدة: 78-79[، وقال في أخرى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ﴾]آل عمران: 110[.

فاحرصوا دائمًا على أن يرجح بكم ميزان الحق، وعلى أن يكون منكم: ﴿الآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ﴾]التوبة: 112[(16).

 

لتكن أخًا مسلمًا

1-     كن قوى الإرادة إلى أبعد حد ولا تتردد أبدًا ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ﴾]آل عمران: 159[. 

2-     كن وفيًا بالعهد والوعد ولا تخلف مهما كانت الأسباب ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ﴾[الأحزاب: 23[.

3-     اغضب لكرامتك وثر لحقك ولا تتهاون مع الباغين عليك ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْىُ هُمْ يَنتَصِرُونَ﴾]الشورى: 39[.

4-     غالب الصعاب وجاهد في سبيل غايتك ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾]لقمان: 17[.

5-     تغلب على العادات والشهوات والعواطف ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾]الأعراف: 201[.

6-     قل الحق وكن شجاعًا في نصرته وناضل عنه بمالك ودمك ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾]التوبة: 111[.

7-     تجنب الفضول في القول والعمل فلا تقل إلا ما ينفع ولا تعمل إلا ما يفيد ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾]المؤمنون: 3[.

8-     لا تغضب ولا تندفع وتحر الصواب ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون﴾]آل عمران: 200[.

9-     لا تضعف أمام المرأة ولا تقس عليها وأطبع بيتك بطابعك ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾]طه: 132[.

10-   تعرف حقك وواجبك فلا تتساهل في الحق ولا تقصر في الواجب ﴿وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾]التوبة: 112[(17).

يا أخي

1-     تذكر دائمًا أن الإسلام مبدأ وعقيدة وعزة وعبادة وتشريع وجهاد.

2-     وأن كل شبر أرض فيه نفس إسلامي يتردد هو جزء من الوطن العزيز.

3-     وتذكر أنك صاحب غاية، وأن غايتك أن يسود التشريع الإسلامي في الأرض.

4-     وأنك صاحب أمنية، وأن أسمى أمانيك أن تموت شهيدًا في سبيل الله.

5-     وتذكر من هو عصبتك وعونك على غايتك؟ فتفان في حب أخيك.

6-     وتذكر أن الذي لا يستطيع كبح جماح نفسه لا ينفذ نصحه إلى غيره، فتطهر أولاً.

7-     وإن العلم مصباح السالكين فلا تسر في الأرض بغير مصباح.

8-     وتذكر أن القرش في يدك جزء من ثروة أمتك فتحر من أين وإلى أين يذهب القرش.

9-     وتذكر أن دينك سمح يفي للمعاهدين ويقسط إليهم وأنه صارم إن عادوه أو ظاهروا عليه.

10-   وفى النهاية إن للمسلمين وحدة يجب أن تعمل على تحقيقها، حتى تلم شعثهم في أنحاء الأرض.

ويا أخي...

إن كنت تعتقد معنا أن الإسلام غال عزيز، وأنه الآن أحوج ما يكون إلى الأنصار المخلصين يرفعون رايته ويؤيدون تشريعه فتقدم إلى الصف.

فإن الكتيبة تنتظرك، وإن كانت تسير بعزيمة إلى الأمام(18).

 

اقرأ .. وتدبر .. واعمل

1-     قم إلى الصلاة متى سمعت النداء مهما كانت الظروف.

2-     اتل القرآن أو طالع أو استمع أو اذكر الله ولا تصرف جزءًا من وقتك في غير فائدة.

3-     اجتهد أن تتكلم العربية الفصحى فإن ذلك من شعائر الإسلام.

4-     لا تكثر الجدل في أى شأن من الشئون أيا كان فإن المراء لا يأتي بخير.

5-     لا تكثر الضحك فإن القلب الموصول بالله ساكن وقور.

6-     لا تمزح فإن الأمة المجاهدة لا تعرف إلا الجد. 

7-     لا ترفع صوتك أكثر مما يحتاج إليه السامعون فإنه رعونة وإيذاء.

8-     تجنب غيبة الأشخاص وتجريح الهيئات ولا تتكلم إلا بخير.

9-     تعرف إلى من تلقاه من إخوانك وإن لم يطلب منك ذلك فإن أساس دعوتنا الحب والتعاون.

10-   الواجبات أكثر من الأوقات، فعاون غيرك على الانتفاع بوقته، فإن كانت لك مهمة فأوجز في قضائها(19).

 

ممنوع تقبيل اليد!

حضرات الإخوان المحترمين حفظهم الله،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد؛ فقد لاحظت أن كثيرًا من الإخوان يحرص حرصًا شديدًا على عادة تقبيل اليد عند التحية والمصافحة معتقدًا أن ذلك معنى التقدير والاحترام، ولما كانت عاطفة الأخوة الصادقة التي جمع الله بها بين قلوبنا قد سمت فوق كل مظهر رسمي أو شكلي؛ فإنني أرجو الإخوان جميعًا أن يكفوا عن هذه العادة، وأن تكون تحيتهم بينهم السلام بلفظه الشرعي، والمصافحة في صورة جادة حازمة تشعر بأعباء الدعوة وصلابة المجاهد لها، ويحرص الإخوان الجوالون مع ذلك على شعارهم الرسمي في التحية اعتبارًا للنظام، وهو شعائر الإسلام وفقنا الله جميعًا للخير، وأدام علينا نعمة الحب فيه والعمل لدعوته آمين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(20).

 

إلى الإخوان الجامعيين

هذا العدد خاص بالجامعة والجامعيين، وقد سألني محرره الفاضل عما أريد أن أوجهه إلى الجامعة والجامعيين في هذه الآونة الدقيقة من تاريخ الوطن العزيز.

ومن أولى من الجامعيين بأن يوجه إليهم القول في هذه اللحظات، وقد اكتملت فيهم وسائل العمل والأمل معًا فهم شباب والشباب شعلة الحماسة، وهم مثقفون، والثقافة مصباح السائر في طريق الكفاح، وهم مؤمنون، والإيمان عدة المجاهدين، وهم بعد ذلك كله أطهار متجردون من الأنانية والأثرة القاتلة، فإلى أبنائنا وإخواننا وشبابنا العالي في الجامعات نوجه القول.

يا شباب،

عليكم أن تذكروا دائمًا أن هذه اللحظات لحظات حاسمة في تاريخ وطنكم وبلادكم سيتقرر فيها مصير هذه الشعوب المجيدة إلى مدى بعيد لا يعلمه إلا الله، وإذا أفلتت الفرصة ولم تنتهز كانت غصة وحسرة تورث الندم حيث لا ينفع الندم، فلنضع دائمًا نصب أعيننا هذا المعنى، ولنتصور أن الدول المنتصرة قد نصبت من نفسها قضاة يحكمون في مصائر الأمم والشعوب، وضنوا على هذه الشعوب والأمم حتى بأن تقول كلمتها أمام المحكمة التي لم يوكلها أحد ولن يرضى أحد حكمها ما لم يكن منصفًا عادلاً، وهى مؤتمر الصلح الذى يشيرون إليه، وعليكم أن تذكروا كذلك أن الحقوق في التاريخ كله تأخذ ولا تعطى، وإن حريات الأمم واستقلال الشعوب لن يكون أبدًا صدقة من شعب على شعب وإنما هو جوهرة غالية عزيزة تطلب بالجهاد الطويل والعمل المتواصل, وها قد رأيت أن الأمم المنتصرة نسيت وعودها السابقة إبان المحنة، وتنكرت لمواثيقها التي أعلنتها في الناس، واستخدمت في هذا الإعلان كل وسائل الإذاعة، وأغفلت تمامًا هذه المبادئ السامية التي بشرت بها.

أكدت أنها ستتخذها قاعدة وأساسًا للعالم الجديد والنظام الجديد، وأسهبت في مشروع الأخوة العالمية والكرامة الإنسانية واحترام الحقوق وسيادة العدالة والإنصاف وكفالة الحريات الأربع وغير الأربع إلى آخر الألفاظ التي ما لبثت أن تبخرت حين وضعت الحرب أوزارها، فعلينا إذن أن نعتمد على أنفسنا وعلى جهودنا وحدنا والله معنا وهو حسبنا ونعم الوكيل ونعم المولى ونعم النصير.

وعليكم أن تذكروا كذلك أنه لا يمكن أن يصبر شعب كريم مهما اعتاد الصبر والاحتمال على ما نحن عليه من فساد في أوضاع، وضنك في الحياة، وحرمان من الحقوق الطبيعية، واستئثار من غيرنا بخيرات بلادنا وثمرات كدنا وجهودنا.

وإذا كان الأمر كذلك فعليكم أن تحددوا أهدافكم وهي واضحة بينة حقة عادلة لا تحتمل جدلاً ولا مساومة. أهدافكم يا شباب، أن تتحرر بلادكم من هذا النير الأجنبي، وأن تستقل في إدارة شئونها، وأن تتوحد كذلك وتعترف لها الدول بهذه الوحدة الطبيعية، ولنا عدة وحدات كل منها سبيل إلى الأخرى، فوحدة وادى النيل أول ما نلتفت إليه نحن المصريين وما لم ننجح في تدعيم هذه الوحدة فنحن عن تدعيم سواها أعجز والجامعة العربية في وضعها الصحيح الذى يجعلها جامعة حقيقية تضم كل عربي على وجه الأرض في المشرق والمغرب، وتستطيع أن تقول كلمتها فيحترم هذه الكلمة العرب وغير العرب, هذه الجامعة العربية من واجبنا أن نعمل على تقويتها وتدعيمها، ومن حقنا أن يعترف الناس بها وأن يقدروها قدرها، وأن يؤمنوا بأنها حين تقوى وتعتز ستكون من أقوى دعائم السلام العالمي وبخاصة في هذا الشرق كله، والجامعة الإسلامية أمل من آمالنا نرجو أن يتحقق قريبًا إن شاء الله، وإن أولئك الذين يرهبون الجامعة الإسلامية ويخشونها من غير المسلمين لواهمون، فيوم تحقق هذه الجامعة سيكون تحقيقها أفعل ضمان في المحافظة على السلم وأوضح ضوء يلقى على المبادئ الإنسانية العليا التي ظلت مطمورة حينًا من الدهر في زوايا النفوس المادية التي أظلمت بالطامع وقست بالشهوات، وسيكون تحقيقها إيذانًا بالعدالة مع الصديق والعدو على السواء، فالإسلام لا يعرف إلا الوفاء والعدالة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾]المائدة: 8[. 

تلك أهدافكم يا رجال الغد وعدة الوطن وأمل المستقبل حدودها، ثم جاهدوا في سبيلها بالعلم والعمل والكفاح والأمل ولا تيأسوا من روح الله، فاليأس قرين الكفر ولا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس.

﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾]البقرة: 143[.

﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا في الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ في الأَرْضِ وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرونَ﴾]القصص: 5-6[.

والله أكبر ولله الحمد(21).

 

توجيهات

أمور ثلاثة

أيها الإخوان الأعزة... يا شباب العرب والإسلام،

أمور ثلاثة يجب أن تؤمنوا بها أعمق الإيمان:

•       آمنوا بالرسالة العليا التي اختار الله لها أجدادكم وآبائكم من قبل، واختاركم لها اليوم... رسالة المثل الإنسانية العليا التي تقررت نظريًا في القرآن الكريم، وعمليًا في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وتعلموا هذه المثل جيدًا، وطبقوها في حياتكم اليومية والعملية أفرادًا وجماعات.

•       وآمنوا بالأرض المجيدة العزيزة التي اختارها الله مواطن لكم، وجعلها مشرق شموس الرسالات، ومطلع أنوار الفلسفات، ومستقر الحضارات والمدنيات، فباركها بذلك وبارك ما حولها، فاعتزوا بأوطانكم، وادرسوا أمجادها، واعملوا على أن تعيش سعيدة بالحرية، ممتعة بالاستقلال.

•       وآمنوا بأنفسكم ومقدرتكم، بتأييد الله، ومعونته لكم على تحقيق هذه الغايات، والوصول إلى هذه الأهداف. والله معكم ولن يتركم أعمالكم.

واشعروا شعورًا قويًا بأن هذه الخواطر تتجاوب في نفوس سبعين مليونا من إخوانكم يؤمنون بما تؤمنون به، ويعملون لما تعملون له ولن يغلب هذا العدد من قلة. 

﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾[يوسف: 21](22).

 

توجيهات

فهم الإخوان للإسلام

يا أيها الإخوان في كل مكان،

في هذا المعترك العالمي الصاخب يشعر الإخوان المسلمون في أقطار الأرض بطمأنينة النفس، وسكون الروح، لأنهم مؤمنون، والإيمان روح، وريحان، وجنة نعيم.

لقد اهتدى الإخوان إلى الفهم السليم الكريم في كتاب الله فرضوا به، واطمأنوا إليه، واهتدوا إلى المثل الأعلى في القيادة، والأمانة، والزعامة، والإصلاح، محمد صلى الله عليه وسلم فتبعوا سبيله، وسلكوا طريقه، وكان لهم فيه أسوة حسنة، واهتدوا إلى التأييد الكامل والنصر التام في الاستناد إلى قدرة الله وإرادته، والاستمداد من عونه وعزته، ممتثلين أمره، غير متناسين لسنته في الكائنات، ومظاهر تصرفاته في الموجودات.

ومن كان كذلك، فمن أية ناحية يجد الشقاء إلى نفسه طريقًا!

وجرى الله الإسلام عنا خيرًا فهو فيض هذا النور، ومصدر هذا الإسعاد.

والله أكبر ولله الحمد(23).

 

نداء إلى الإخوان الطلاب عامة

والإخوان الطلاب بشبين الكوم خاصة

السلام عليكم ورحمة الله... وبعد،

فالآن وقد انتهت إجازتكم وعدتم إلى معاهدكم أحب أن أتقدم إليكم بالوصية بعد جميل العزاء في شهيدنا المبرور، وفقيدنا العزيز الطالب النجيب (صادق مرعى أفندي) عوضنا الله فيه الخير، وأجزل له، ولأسرته الكريمة، ولنا أجر الصبر آمين، فأوصيكم بثلاث فاذكروا دائما إلخ...

بسم الله الرحمن الرحيم

1- أنكم في دور العلم ومعاهده طلاب قبل أن تكونوا منتسبين إلى أحزاب أو هيئات، وأنكم أسرة واحدة تجمعها كرامة العلم وقدسية الزمالة، فاحفظوا على أنفسكم وحدتها، واحذروا كل فتنة، وأعرضوا عن اللغو، ولا تشغلوا أنفسكم إلا بالنافع المفيد.

2- ولا تنسوا أبدا أن خير ما تكسبونه لأنفسكم وتعتدون به لأمتكم في هذه المرحلة من حياتكم أن تنهلوا من العلم الذي بين أيديكم، وأن تستزيدوا منه ما وسعتكم الاستزادة، ولا يكن قصارى همكم أن تجتازوا امتحانا ولكن اجعلوا همكم أن قلوبكم ورؤوسكم بما يقيم مجد هذه الأمة على أساس متين.

3- والثالثة -يا شباب- أن تكونوا أمناء على النور الذي تحملونه في قلوبكم، وعلى معادن الخير التي أقرتها يد الله في حنايا ضلوعكم، واعلموا أن الأمل فيكم بقدر ما تحفظون من أخلاقكم، وليكن جهادكم لأنفسكم أول شعيرة وطنية ترضون بها ربكم، وتعزون بها أوطانكم، فوالله ما أودى بمجد هذا الوطن العظيم سلاح ولا رهبة إلا هذا الصغار في الخلق والعبث في الضمائر، والدنس في النفوس الرخيصة.

أما أنتم -يا طلاب شبين الكوم- فوصيتي لكم خاصة، أن تحتسبوا فقيدكم الكريم لله عز وجل، وأن تتركوا للقضاء ما يعين له من الحكم الرادع إن شاء الله، وأن يكون استشهاد فقيدكم العزيز عبرة تلمون بها شعثكم، وتجمعون بها شملكم، وتقطعون بها الطريق على فتنة يراد بها التفريق بين صفوفكم، وصرفكم عما أنتم بسبيله من طلب العلم والتفرغ له.

هذه وصيتي أزجيها إليكم وكلى فيكم أمل وثقة، والله على قلوبكم نعم الخليفة.

والسلام عليكم ورحمة الله(24).

 

المصادر

1-     جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (34)، السنة الرابعة، 17رمضان 1355ﻫ- 1ديسمبر 1936م، ص(2-3).

2-     جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (3)، السنة الخامسة، 25ربيع الأول 1356ﻫ- 4يونيو 1937م، ص(1، 6).

3-     مجلة الإخوان المسلمين، العدد (3)، السنة الرابعة، 7صفر 1355ﻫ- 28أبريل 1936م، ص(18-19).

4-     جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (37)، السنة الرابعة، 8شوال 1355ﻫ- 22نوفمبر 1936م، ص(9).

5-     جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (8)، السنة الخامسة، 1جمادى الأولى 1356ﻫ- 9يوليو 1937م، ص(1).

6-     مجلة النذير، العدد الأول، السنة الثانية، الاثنين أول المحرم 1358ﻫ- 21فبراير1939م، ص(3-5).

7-     مجلة النذير، العدد (7)، السنة الثانية، الاثنين 13صفر 1358ﻫ- 4أبريل 1939م، ص(3-6).

8-     مجلة النذير، العدد (23)، السنة الثانية، 7جمادى الآخرة 1358ﻫ- 25يوليو 1939م، ص (3-5).

9-     مجلة النذير، العدد (34)، السنة الثانية، الاثنين 3رمضان 1358ﻫ- 17أكتوبر 1939م، ص(3-4).

10-   الإخوان المسلمون، العدد (7)، السنة الأولى، 12ذو القعدة 1361ﻫ- 21نوفمبر 1942م، ص(5).

11-   الإخوان المسلمون، العدد (8)، السنة الأولى، 26ذو القعدة 1361ﻫ- 5ديسمبر 1942م، ص(3).

12-   الإخوان المسلمون، العدد (9)، السنة الأولى، 18ذو الحجة 1361ﻫ- 26ديسمبر 1942م، ص(3).

13-   الإخوان المسلمون، العدد (10)، السنة الأولى، 3محرم 1362ﻫ- 9يناير 1943م، ص(21).

14-   الإخوان المسلمون، العدد (13)، السنة الأولى، 29صفر 1362ﻫ- 6مارس 1943م، ص(3).

15-   الإخوان المسلمون، العدد (15)، السنة الأولى، 28ربيع الأول 1362ﻫ- 4أبريل 1943م، ص(3).

16-   الإخوان المسلمون، العدد (17)، السنة الأولى، 11جمادى الأولى 1362ﻫ- 15مايو 1943م، ص(3).

17-   الإخوان المسلمون، العدد (44)، السنة الثانية، 20شوال 1363ﻫ- 7أكتوبر 1944م، ص(3).

18-   الإخوان المسلمون، العدد (46)، السنة الثانية، 18ذو القعدة 1363ﻫ- 4نوفمبر 1944م، ص(10).

19-   الإخوان المسلمون، العدد (58)، السنة الثالثة، 20جمادى الأولى 1364ﻫ- 3مايو 1945م، ص(18).

20-   الإخوان المسلمون، العدد (59)، السنة الثالثة، 4جمادى الثانية 1364ﻫ- 17مايو 1945م، ص(14).

21-   الإخوان المسلمون، العدد (85)، السنة الرابعة، 8صفر 1365ﻫ- 12يناير 1946م، ص(3).

22-   الإخوان المسلمون، العدد (93)، السنة الرابعة، 8ربيع الثاني 1365ﻫ- 12مارس 1946م، ص(2).

23-   الإخوان المسلمون، العدد (94)، السنة الرابعة، 15ربيع الثاني 1365ﻫ- 19مارس 1946م، ص(2).

24-   الإخوان المسلمون اليومية، العدد (549)، السنة الثانية، 3 ربيع الآخر 1367ﻫ- 13 فبراير 1948م،ص(2).

 

المقال التالي الامام البنا وجامعة الدول العربية
المقال السابق كتابات الإمام حسن البنا حول سبل إصلاح الأمة الإسلامية