ردود الإمام حسن البنا حول بعض فتاوى شيخ الأزهر

 

كان الأزهر عبر تاريخه بمثابة الدائرة الواسعة التي تضم شراذم الأمة وفرقها وتعصم الأمة المباركة من التشرذم والتفرق، وهذا دور المؤسسات العلمية العريقة في كل مكان. ولذا حرص الإمام البنا على احترام الأزهر والأزهريين وكان محبا لهم.
 

حول حديث فضيلة شيخ الأزهر عن ثياب المرأة

نشرت مجلة روز اليوسف حديثًا لأحد محرريها، عزاه إلى فضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر عن ثياب المرأة، وما يجب أن تكون عليه شرعًا، وعن شئون أخرى تتصل بهذا المعنى، وقد كتب إلينا كثير من الإخوان يعلقون على هذا الحديث، ويستغربون ما ورد فيه من تصريحات، ويسألوننا بيان رأينا فى الموضوع.

ولما كان هذا الموضوع حيويًا وهامًا، وكان أهم أسس الإصلاح فى الواقع إصلاح شأن المرأة، رأينا أن نسأل الأستاذ المرشد رأيه فى هذا الحديث، ونوافى الإخوان به على صفحات "النذير"، وفيه الجواب الكافى عن كل ما ورد فى مكاتباتهم، وقد جعلنا نص كلام فضيلة شيخ الأزهر بين قوسين، وبعده كلام الأستاذ المرشد.

"يجوز للمرأة فى الصلاة أن تكشف وجهها وكفيها".

وذلك صحيح؛ بل يجب عليها كشفهما فى الإحرام، وذلك هو إحرام النساء.

"كذلك يجوز لها أن تكشف الوجه والكفين خارج الصلاة".

وفى هذا الحكم خلاف، وليس على إطلاقه؛ فمن الفقهاء من اعتبر جسم المرأة كله عورة حتى الوجه والكفين، وكل من أجاز كشفهما اشترط لذلك أمن الفتنة، فإذا لم تؤمن الفتنة لم يجز ذلك أمام غير المحارم.

والآية الكريمة تقول: }يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا [الأحزاب: 59]، وقد اختلف أهل التأويل فى صفة الإدناء المأمور به فى هذه الآية الكريمة؛ فقال ابن عباس وعبيدة: أن يغطين رءوسهن ووجوههن بالجلابيب؛ فلا يبدين إلا عينًا واحدة. وفى رواية عن ابن عباس وقتادة ومجاهد: أن يشددن جلابيبهن على جباههن. فهاأنت ترى من ذلك الاتفاق بين السلف على ستر معظم الوجه، وحمل الآية على ذلك.

"أجمع الفقهاء على أنه إذا كانت المرأة جميلة، وكان فى وجهها ما يثير الفتنة؛ وجب على الرجل أن يغض بصره".

وهذا غريب، والمقدمة فيه لا تعطى هذه النتيجة أبدًا؛ فإن المعقول، وهو الحكم شرعًا أن يقال: وجب على المرأة أن تغطى وجهها، وألا تكشفه للرجال حتى لا يفتتنوا بها، أما غض البصر فهو واجب عليه على كل حال، سواء أكانت المرأة جميلة أم دميمة؛ لأن ذلك هو مقتضى إطلاق الأمر بغض البصر فى الآيات، وفى الأحاديث الشريفة التى وردت بذلك.

"كذلك العكس؛ فإذا كان فى مظهر الرجل ما يثير الفتنة؛ وجب على المرأة أن تغض بصرها".

أما وجوب غض البصر من المرأة؛ فهو واجب عليها على كل حال كذلك، سواء أكان فى مظهر الرجل ما يثير الفتنة أم لا. وأما إذا كان فى مظهر الرجل ما يثير فتنة؛ فإن حكم الشرع فى ذلك أن يعمل هذا الرجل من جانبه على تخفيف مظاهر الفتنة وإزالتها؛ فيحلق شعره إن كان يرجله، ويرسله ويلتحى إذا كان حليقًا... وهكذا من الأمور التى تكف فتنته عن النساء، ويحتسب ذلك عند الله، بل للإمام نفيه من البلد كما فعل عمر  رضى الله عنه  بنصر بن حجاج. 

ونحب أن يتدبر هذا جيدًا شبابنا الذين يزججون الحواجب، ويصففون الطرر، ويبالغون فى الزينة حتى تصل بهم المبالغة إلى حد استخدام الألوان، ويتفننون فى التأنق، وكل ما يريدون من وراء ذلك أن يقع فى حبائلهم النساء. ليتأمل هذا الشباب هذه الأحكام، وليعملوا بها إن كانت قد بقيت فى نفوسهم بقية من غيرة على دين أو خلق، ولم يفسد عليهم هذا التحنث أصل العقيدة ورجولة أهل الإيمان.

"ولعل فى مقدورك أن تفهم من هذا أنه إذا كان الرجل واثقًا من نفسه، وقد أمن الفتنة جاز له النظر إلى وجه المرأة".

إن المعروف من أحكام الإسلام أمر الرجال والنساء بغض النظر مطلقًا حتى مع أمن الفتنة؛ فهذه الإباحة تتنافى مع هذا الأمر.

وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة أو أم سلمة وميمونة بالاستتار من ابن أم مكتوم، ولم يقل أحد: إنه كان يخشى أن تفتتنا به.

وكذلك أمر الفضل بن العباس، وقد كان رديفه أن يكف عن النظر إلى امرأة عرضت له فى الطريق، وأمر عليًا ألا يتبع النظرة النظرة؛ فإن له الأولى؛ وهى نظرة المفاجأة غير المقصودة، وعليه الثانية؛ وهى المقصودة. وهذا أمر مطلق بالكف عن النظر لرجل لا يقول أحد: إنه يخشى عليه الوقوع فى الفتنة بالنظرة، وقد ورد كذلك أن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، ولم يخصص أحد هذه النظرة بمخصص، وكل ذلك يدل على وجوب غض البصر عن الدميمة والجميلة للواثق وغير الواثق سدًا للذريعة.

"أما فى حالة الخوف –وكثير من الرجال يخاف عليهم– فقد وجب عليه ألا يطيل النظر".

فى هذا التعبير كثير من المرونة، والحكم فى ذلك أن يقال: فقد وجب عليه ألا ينظر.

"ويختلف الفقهاء بالنسبة للمرأة الجميلة؛ فبعضهم يرى أنه إذا كانت المرأة جميلة فاتنة وجب عليها أن تستر وجهها، ومن هذا نشأ البرقع والخمار واليشمك وغيرها".

لا أظن أن أحدًا من الفقهاء خالف الآخر فى وجوب الاستتار على المرأة الجميلة، وتعليل نشأة الخمار والبرقع واليشمك بوجود هذا الرأى للفقهاء فيه نظر؛ فإن التنقب والتقنع كان على عهد رسول الله  صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكان علامة الحياء عند نسائهم؛ فقد جاءت أم خلاد فسألت النبى صلى الله عليه وسلم عن ابن لها قتل فى سبيل الله -وهى متنقبة- فقال لها بعض أصحابه: "جئت تسألين عن ابنك وأنت متنقبة؟ فقالت: إن أرزأ ابنى فلن أرزأ حيائى... إلخ الحديث"، وقد أخرجه أبو داود. وقد روى كذلك أن أَمَةً تنقبت، فألقت القناع على وجهها، فرآها عمر فضربها بالدرة، وقال: "ألق القناع، أتتشبهين بالحرائر يا لكاع"، فهاأنت ترى أن القناع كان على عهد رسول الله  صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأنه كان علامة الحياء، وشعار الحرائر عندهم.

"ولكن فريقًا من الفقهاء لا يرى على المرأة تغطية الوجه، ويرى أن فى هذا تشددًا وغلوًا؛ بل ويرى أن تغطية الوجه مكروه فى الدين".

لم أسمع بهذا الرأى عن أحد من فقهاء المسلمين، وبالتالى لا أعلم من هم هؤلاء الفقهاء.

"أما فيما يتعلق بالجسم كله؛ فالدين يكره كل الملابس التى تجسم صورة المرأة ليس فقط بالنسبة للمرأة الجميلة، بل وبالنسبة لغير الجميلات من النساء؛ فهذه الملابس قد تثير الفتنة، وتلزم الرجال بما لا طاقة لهم عليه إذا كانت المرأة جميلة، وقد تبعث على السخرية بالمرأة إذا هى أظهرت عيوبًا فى جسمها".

تحريم الملابس التى تجسم صورة المرأة صحيح فى دين الله -تبارك وتعالى-، ويزاد عليها الملابس التى تشف عن البشرة ولو لم تكن مجسمة؛ فالرقيق الذى يشف، والضيق الذى يصف.. كلها محرمة فى الدين على النساء، والسر فى ذلك التحريم: خوف الفتنة، ووجوب ستر جسم المرأة عن غير محارمها من الرجال.

وكنت أحب أن ينتهز فضيلة الأستاذ الأكبر هذه الفرصة؛ فيبين لنسائنا المسرفات الحرمة الشديدة، والإثم الكبير فيما يتعلق بأنفسهن من تقصير الثياب، وتضييقها حتى تكشف الأذرع والسيقان وكثيرًا من أجزاء الجسم، وتشف وتصف، وتخالف كل ما أمر الله به، ومن الإسراف فى الزينة والتلوين، على ما فى ذلك من إنفاق المال، وإتلاف البشرة، والإضرار بالصحة، والتعرض للسخرية، والخروج على دين الله، وآداب الإسلام، وتسرب أموالنا إلى الأجانب فيما لا فائدة فيه.

كنت أحب من فضيلة الأستاذ الأكبر هذا، لا يقتصر على حكم الوجه والكفين فى وقت عرضت فيه كل مستورات الأجسام، وقد لعن رسول الله  صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة والواشمة والمتوشمة والنامصة والمتنمصة والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله، وهذا قليل مما يفعل نساؤنا اليوم، نسأل الله صلاح الحال(1).

 

حول حديث فضيلة شيخ الأزهر عن ثياب المرأة

ومركزها فى الحياة العامة

"لقد أباح الدين للمرأة أن تبيع وأن تشترى، وأباح لها الشهادة أمام القاضى، ونظارة الوقف والوصاية، وعلى وجه التقريب منحت المرأة كل ما يجوز للرجل -إذا استثنينا مركز القضاء الجنائى وخلافة الإسلام- فيصح للمرأة أن تكون وزيرة، وأن تكون عضوًا فى البرلمان".

يجب ألا يفهم هذا الكلام على إطلاقه؛ ففيه تفصيل كثير؛ فإن إباحة البيع والشراء للمرأة إنما يراد به الاعتراف لها بحق الملكية، لا أن تحترف التجارة، ولسنا نعرف من نساء السلف امرأة واحدة احترفت التجارة؛ بل إن ذوات المال فى الجاهلية كن يستأجرن الرجال، يعملون فى أموالهن، ولا يزاولن ذلك بأنفسهن، كما فعلت خديجة رضى الله عنها.

 وإباحة التجارة، والاحتراف مطلقًا للمرأة يتنافى مع فرض النفقة على الزوج لزوجته، وعلى الأب لابنته. وهكذا، ولا نريد أن نعرض لمفاسد هذه الإباحة الاقتصادية -وهى كثيرة-؛ لأنا نريد أن نقصر القول على الوجهة الشرعية البحتة.

 وإباحة الشهادة أمام القاضى ليس على إطلاقه كذلك؛ بل إن المرأة لا تكون شاهدًا بنفسها؛ بل لا بد أن تعززها فى الشهادة امرأة أخرى، أما نظارة الوقف، والوصاية، ونحوها فأمور شخصية بحتة، لا تستلزم من المرأة خروجًا عن مهمتها الأساسية، ولا هجرًا لبيتها، ولا تضييعًا لأولادها.

 وإباحة الوزارة للمرأة مع استثناء القضاء الجنائى مع أن الوزارة أجلّ منه شأنًا، وأعظم تبعة.. أمر غريب، ولا سيما إذا لاحظنا قول رسول الله  صلى الله عليه وسلم فيما يرويه أبو بكرة أنه قال: "لقد نفعنى الله تعالى بكلمة سمعتها من رسول الله  صلى الله عليه وسلم، أيام الجمل بعدما كدت ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم، قال: لما بلغ رسول الله  صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس ملكوا عليه بنت كسرى، قال: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"، أخرجه البخارى والترمذى والنسائى.

فإذا قيل: إن ذلك فى التمليك لا فى الوزارة، قلنا: إن مسئولية الحكم قد انتقلت إلى الوزراء؛ فهم المسئولون أمام الشعب، وإنما حرمت الولاية العامة على المرأة لضعفها عن القيام بالتبعات، ولأن ذلك ليس من مهمتها الطبيعية، وهو فى الوزارة كذلك. 

وأما إباحة عضوية البرلمان مطلقًا؛ فهو يتنافى مع خطر الخلوة، والاختلاط بالأجانب على النساء، ويتنافى كذلك مع تحريم النظر، ويؤدى إلى كثير من المفاسد، ومن قواعد الدين سد ذرائع الفساد، وهذا من أكبرها، ولا شك.

"ولا يجوز للمرأة أن تخلو برجل أجنبى غير محرم فى أى محل إقامة، أو طريق سفر؛ بل هى ملزمة بأن تصحب معها زوجها، أو أحد إخوتها، أو أباها، أو عمها… إلخ خيفة الفتنة والأقاويل".

هذا جميل حقًا، ودليله كلام رسول الله  صلى الله عليه وسلم "ألا لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا مع ذى محرم" أخرجه الشيخان، وفى معناه كثير من الأحاديث، ومن يصرح بهذا ويعتقده، لا بد أن يكون معنا فى أن المرأة لا تكون وزيرة، ولا عضوًا فى البرلمان بحال؛ فإن من مقتضى إسناد هذه الأعمال إليها الخلوة فى غير ذى المحرم؛ بل ربما اقتضى ذلك الخلوة مع غير ذى مسلم، والمرأة ما دامت قد تعرضت لمزاولة الأعمال العامة؛ فهى عرضة للخلوة بكل من أراد الخلوة بها، وكيف يكون الحال لو أراد رئيس الوزارة، أو رئيس البرلمان أن يخلو بالوزيرة والنائبة ليتفاهم كل منهما معها فى أمر خاص؟ وكيف يكون الحال لو أراد سفير دولة أجنبية أن يفعل ذلك؟ هل تمتنع من هذا اللقاء أم نشترط إحضار محرم من محارمها؟.

"لقد أجاز الدين للمرأة كل شىء معقول، وأجاز لها أن تتعلم، وتعرف كل شىء فى الدنيا".

أستبعد أن يصدر هذا الإطلاق من فضيلة الأستاذ الأكبر، وإن كان غير بعيد أن يكون الكاتب قد روى بالمعنى، فأخطأ التعبير؛ فإن الإسلام لا يجيز للمرأة ولا للرجل أن يتعلم إلا ما ينفع، وإلا لما حرم تعلم السحر والشعوذة والدجل مثلا؛ فالأولى أن يقال: "وأجاز لها أن تتعلم كل شىء ينفعها فى الدنيا أو فى الآخرة".

"هل معنى هذا أن فضيلتكم توافقون على أن يكون من بين طلبة الأزهر نساء؟" فابتسم فضيلته وقال: "إن الدين يجيز، ولكن فى الوقت الحاضر لا أوافق".

الدين يجيز للمرأة أن تطلب العلم، هذا صحيح، ولكن لا يجيز لها أن تكون بين طلبة الأزهر؛ بل لا بد من الفصل بين المتعلمات والمتعلمين فصلا لا يمكن كلا الصنفين من الاتصال بالآخر، حتى ولا فى حدائق المعاهد وأفنيتها، وتصريح فضيلة الأستاذ الأكبر بأنه لا يوافق فى الظرف الحاضر تقديرًا لفساد هذا العصر الحاضر، وإذا كنا لا نأمن على المرأة فى دور العلم؛ فهل نأمن عليها فى الشارع والسوق والديوان والمسرح والسينما، ونجيز لها كشف الوجه واليدين؟ كنت أحب أن يراعى هذا الفساد فى العصر، فينبه النساء إلى وجوب الحض الشديد على البعد عن كل ما يثير الشبه، ويوجب الفتن.

"بل إن الدين يطالب المرأة بأن تتعلم من أحكام الدين ما يعرض لها؛ فإذا كانت المرأة تزاول تجارة وجب عليها أن تعرف أحكام البيع والشراء، كذلك الحال فى المسائل الدينية؛ إذ عليها أن تتعلم كل ما يدور حول الصلاة مثلا، وإذا كانت ملزمة بالحج والزكاة وجب عليها أن تتعلم أحكام الحج والزكاة، والمرأة والرجل فى ذلك سواء".

كل ذلك صحيح، إلا أنه يلاحظ فى التمثيل بإجراءات التجارة ما تقدم فى الفقرة العاشرة.

"ثم إنى لا أرى ضرورة لذهاب النساء إلى المدارس؛ ففى إمكان الأب أن يتولى تعليم ابنته، والأخ تعليم أخته داخل المنزل".

أنا مع فضيلة الأستاذ الأكبر فى هذا الرأى ما دامت المدارس هكذا، والمناهج هكذا خلوا من بث روح الفضيلة فى نفوس طالباتها، بل إنها ليست كذلك فحسب، بل ما دام فيها الرقص التوقيعى، والتمثيل الذى يظهر الفتيات عاريات أو شبه عاريات، وحبذا لو كان فضيلة الأستاذ الأكبر قد انتهز الفرصة، فأبان حكم الله فى حفلات مدارس البنات التمثيلية، وإلزامهن لبس ثياب كاشفة، وتدريبهن على الرقص والغناء واللهو. ما دامت المدارس هكذا فالبيت خير منها ألف مرة، ولكنى لا أرى مانعًا من أن تتعلم البنت فى المدرسة إلى سن معقولة ما هى فى حاجة إليه فى مهمتها الطبيعية، ويجب أن تطالب الحكومة بإصلاح مدارس البنات، ونحن لا نشجع حرمان بناتنا من القسط اللازم من التعليم؛ بل نرى ذلك ضروريًا للأمة التى تريد أن تنهض، وأن يتكاتف أبناؤها جميعًا على خدمتها والرقى بها.

التعليم الدينى فى المدارس:

قال محرر المجلة: "إنى ألاحظ نقصًا فى التعليم الدينى فى المدارس الحكومية؛ فما رأى فضيلتكم فى ذلك؟" فأجاب فضيلة الشيخ: "فى الواقع إن الفساد لا ينشأ عن نقص فى التعليم الدينى؛ بل منشؤه نقص فى التربية العملية؛ لأن القدوة أفضل بكثير من التعليم فى اقتباس الخلق والسيرة الطيبة؛ فالذى يريد أن يحافظ على أولاده وبناته لا يجوز له أن يركن إلى المدرسة، بل عليه أن يهتم بالبيت؛ فيكون الأب مثالا صالحًا طيبًا لأولاده، والأم كذلك يجب أن تكون مثلا صالحًا طيبًا لأولادها وبناتها، والوالد والوالدة ملزمان برقابة الوسط الذى يختلط فيه الأولاد والبنات، ومن الواجب طبعًا أن تكون المدرسة مثالا صالحًا، أما إذا كان رب البيت يقصر فى واجباته؛ فلا يجوز له بعد ذلك أن يعيب على المدرسة والتعليم".

هذا كلام صحيح وجميل للغاية؛ فإن القدوة أعمق أثرا، وأخلد فى نفس الناشئين، ولكنه تناول ناحية واحدة، وأهمل ناحية أخرى لا تقل عنها أهمية.

 إن القدوة الحسنة هى أنجع وسائل التربية وتكوين الأخلاق، ما فى ذلك شك، بل لعلها الوسيلة الوحيدة الناجعة، ولكن التعليم ومعرفة أحكام الدين هل تنفع فيه القدوة، أو يدركه الإنسان بالتقليد لغيره كمعرفة أحكام الصلاة ونواقض الوضوء، وموجبات الغسل، ومفسدات الصوم، ومبيحات الفطر إلى غير ذلك من الأحكام؟ هل هذه تؤخذ بالقدوة كذلك؟ لا أظن أحدًا يقول بهذا.

فنحن نطالب الحكومة، ونريد أن يطالبها معنا فضيلة الأستاذ الأكبر بجعل دروس الدين فى المدارس أساسية، نقصد إلى هذا المعنى، ونلح فى وجوب إيجاد القدوة الصالحة معه، لا نريد أن يخرج المهندس والطبيب والمؤرخ والأديب والعالم الكيماوى والكونى من مدارس مصر وهو لا يعرف الأوليات فى أحكام الدين التى يعرفها الزارع فى حقله، والصانع فى مصنعه بترددهما على مسجد القرية، ولا سبيل إلى ذلك إلا التعليم، والقدوة وحدها لا تفيد فيه شيئًا.

"إن الواجب أن يكون الاحترام بين الرجال والنساء متبادلا فى كل ميادين الحياة، وإن الخير كل الخير فى صاحب الخلق القويم من الجنسين".

هذا صحيح، ولهذا كان من واجبنا أن نحافظ على أخلاق الجنسين محافظة تامة، بالقضاء على كل ذرائع الفساد من نظر واختلاط وخلوة وتهتك ومجون وعبث ورقص وصالات ومسارح، وإذاعات فاسدة عابثة، وروايات وكتب ومجلات خليعة فارغة جوفاء، لا خير معها، ولا غناء فيها، نريد أن يحارب كل ذلك؛ حتى تسلم لنا أخلاق الجنسين، فيتم بينهما الاحترام المتبادل، ويصلح الله فساد هذه البيوت.

واسمع يا محرر النذير:

أحب قبل أن أختم هذه الكلمة أن ألفت نظرك ونظر قرائك إلى هذه الأحاديث النبوية الكريمة، والنصائح المحمدية الغالية؛ فإن فيها تبصرة وذكرى:

1-     "ما تركت بعدى فتنة هى أضر على الرجال من النساء" أخرجه الشيخان، والترمذى عن أسامة بن زيد  رضى الله عنه .

2-     "الخمر جماع الإثم، والنساء حبائل الشيطان، وحب الدنيا رأس كل خطيئة" رواه رزين عن حذيفة  رضى الله عنه .

3-     "اتقوا النساء فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت من النساء" رواه مسلم عن أبى سعيد الخدرى  رضى الله عنه .

4-     "المرأة عورة؛ فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وإنها لا تكون أقرب إلى الله منها فى قعر بيتها" رواه الترمذى عن ابن مسعود  رضى الله عنه ، ورواه الطبرانى عن ابن عمر رضى الله عنه .

5-     قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم وهو خارج من المسجد وقد اختلط الرجال مع النساء فى الطريق فقال: "استأخرن فليس لكن أن تحققن الطريق عليكن بحافات الطرق؛ فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى إن ثوبها ليعلق بالجدار من لصوقها به" أخرجه أبو داود عن أبى أسيد.

6-     جاءت أم حميد امرأة أبى حميد الساعدى إلى رسول الله  صلى الله عليه وسلم، فقالت: "يا رسول الله إنى أحب الصلاة معك، قال: قد علمت أنك تحبين الصلاة معى، وصلاتك فى بيتك خير من صلاتك فى حجرتك، وصلاتك فى حجرتك خير من صلاتك فى دارك، وصلاتك فى دارك خير من صلاتك فى مسجد قومك، وصلاتك فى مسجد قومك خير من صلاتك فى مسجدى، قالت: فأمرت فبنى لها مسجد فى أقصى قعر من بيتها وأظلمه، وكانت تصلى فيه حتى لقيت الله عز وجل"، رواه أحمد، وابن خزيمة وابن حبان فى صحيحيهما.

7-     "النساء عورة، وإن المرأة لتخرج من بيتها وما بها بأس فيستشرفها الشيطان، فيقول: إنك لم تمرى بأحد إلا أعجبتِه، وإن المرأة لتلبس ثيابها، فيقال: أين تريدين؟ فتقول: أعود مريضًا، أو أشهد جنازة، أو أصلى فى مسجد، وما عبدت امرأة ربها مثل أن تعبده فى بيتها" الطبرانى عن إبراهيم الهجرى. 

وليس كل هذا تحقيرًا للمرأة، بل هو بعكس ذلك تمامًا، توقير لها، ومحافظة عليها. ونسال الله التوفيق(2).

 

حول حديث فضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الأزهر

عن القبعة فى الجيش

قرأنا فى حديث فضيلة الأستاذ الأكبر عن القبعة فى الجيش الذي أفضى به إلى محرر مجلة "الإثنين"، فرأينا أن نستطلع فيه رأى فضيلة الأستاذ المرشد العام للإخوان المسلمين، فأجاب بالبيان الآتى:

كان فضيلة الأستاذ الأكبر موفقًا كل التوفيق حين أشار على ولاة الأمور بأن يلبسوا الجيش المصرى العمامة، ويجعلوها له شعارًا، وذلك قول فضيلته: "ولو أن ولاة الأمور استبدلوا بالطربوش فى الجيش العمامة لرحبت بهذا التصرف؛ ليكون جنودنا على طراز الجنود الهنود".

ونحن نقول: لو أن ولاة الأمور فعلوا هذا لكانوا موفقين حقًا، ولرحبت الأمة جميعًا بهذا الصنيع، ولكان فى هذا إشارة وتعظيم وتنمية لروح الاعتزاز بالقومية، وإذكاء لروح الحماسة لمصر الناهضة، ولفت لأنظار شبابها ألا يتردَّوْا فى متالف المدنية المتبرجة السافرة، ولكانوا بذلك قد أخذوا بآداب الإسلام وهدى رسول الله  صلى الله عليه وسلم وصحابته من بعده، وأثابهم الله ثواب حسن الاقتداء، وهو الذى يقول لهم من غير تخصيص: }لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرا [الأحزاب: 21]، وسواء كان الجنود الهنود يلبسون العمامة أو لا يلبسون فحسبنا أن العمامة شعار رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، لا يختلف فى ذلك اثنان، وحسبنا أن نقرأ ما ورد فى فضلها مما رواه المحدثون:

1-     روى أبو داود بسنده عن ركانة قال: "سمعت النبى  صلى الله عليه وسلم يقول: فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس" ورواه أيضًا الترمذى عن قتيبة، وحسنه أبو داود، وضعف ابن تيمية إسناد هذا الحديث، ولكنه لم يمنع الاحتجاج به لاعتضاده بغيره.

2-     وروى الديلمى فى مسند الفردوس عن على فى صدر حديث له: "العمائم تيجان العرب" وصححه، ورواه مرة أخرى عن ابن عباس وزاد فيه: "فإذا وضعوها وضعوا عزهم"، وضعفه من هذا الوجه.

وثم أحاديث أخرى على هذا النحو، ومما لا شك فيه أن العمامة شعار العروبة. ولا تظن يا أخى أن العروبة مقصورة على سلطان الجزيرة العربية؛ فهذا التجنس الجغرافى لا يعرفه الإسلام، ولكن العروبة صفة ونسب لكل مسلم ينطق اللسان العربى، روى الحافظ أبو طاهر السلفى بإسناده عن أبى هريرة، يرفعه "من تكلم بالعربية فهو عربى، ومن أدرك له أبوان فى الإسلام فهو عربى". وروى مثل هذا فى أحاديث كثيرة تثبت أن العروبة اللسان والإسلام.

ثم قال فضيلة الأستاذ الأكبر بعد هذا: "على أنه لا يوجد ما يدعو إلى التحامل على فكرة يقصد بها دفع الضرر، ولا تخالف الإسلام فى شىء"؛ فأما أن فكرة القبعة فى الجيش يقصد بها دفع الضرر؛ فمما لا نوافق فضيلته عليه، فلم يشكُ الضباط ولا الجنود ضررًا فى زيهم القديم، وهم كانوا يلبسونه عشرات السنين، وقد صرحت الجرائد بأن الذى حدا إلى هذا التغيير مجرد إعجاب بعض الناس بهذا الشكل، والذين قالوا بهذا الضرر من أطباء الجيش: الدكتور سوسو باسيلى، والدكتور إبراهيم رزق معرضون لهوى فى نفسهم لا يخفى على ذى بصيرة. 

هذا من حيث القول بأن هذه الفكرة يقصد بها دفع الضرر، وأما أنها لا تخالف الإسلام فى شىء فمما لا نوافق فضيلته عليه أيضًا؛ فقد نهانا الإسلام عن التشبه بأهل الكفر فى زيهم، وهذا ولا شك من زيهم، وأقل ما فيه الكراهة، وسيأتى تفصيل ذلك عند كلامنا على مسألة اللباس، إن شاء الله. 

 وأما أنه لا يوجد ما يدعو إلى التحامل فلا نوافق عليه كذلك؛ فهناك أسباب كثيرة تدعو إلى المقاومة الشديدة لا التحامل وحده: هناك هذا التحلل من قوميتنا البادى فى أوساط الشبان والشابات، وهذا الإعجاب بمقومات غيرنا وإن كان فيه هدمنا، وقد انغمسنا فى هذا الإعجاب إلى أقصى حدوده، وهناك الاندفاع الذى يجعلنا نبدأ بالصغير من شئون القوم، ثم ننسى أنفسنا فنندفع إلى العظيم الكبير الذى يجتث الدين من أصوله.

لهذا كنت أتمنى أن يكون فضيلة الأستاذ الأكبر أول المتحاملين على هذا المشروع والمعادين له، والمنبهين إلى خطره ومخالفته لروح الإسلام، ولما نرجوه من تقوية الشعور بالقومية والاعتزاز بها، ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه(3).

 

حول حديث فضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الأزهر

عن القبعة فى الجيش

قرأنا حديث فضيلة الأستاذ الأكبر عن القبعة فى الجيش الذي أفضى به إلى محرر مجلة "الإثنين"؛ فرأينا أن نستطلع فيه رأى فضيلة الأستاذ المرشد العام للإخوان المسلمين، فأجاب بالبيان الآتى:

أما حكم اللباس فى الإسلام؛ فقد قال فضيلة الأستاذ الأكبر فى حديثه لمحرر الجريدة حينما سأله: وهل يبيح الإسلام لبس القبعة؟: "فى مسائل اللباس لم يحتم الإسلام لباسًا خاصًا؛ فقد ترك هذه المسألة لحاجات الناس وميولهم ومصالحهم؛ لأنه يرى فى هذه المسائل أنها تخضع للمناخ والمصالح المشتركة، والزى المحرم على المسلم هو ما يخرجه عن دينه لو ارتداه كالزى الخاص بالرهبان مثلا؛ فإنه لا يجوز للمسلم أن يرتديه". 

وهذا الرأى فى جملته لا بأس به، ولكنه يحتاج إلى زيادة تفصيل وإيضاح من جهة، والإجابة به عن إباحة لبس القبعة أمر فيه نظر.

وبيان ذلك أن الإسلام نظر إلى اللباس نظرتين:

 "أولاهما" أنه عادة من العادات تخضع للمصالح والمناخ، وأنواع الأعمال وهكذا، فلم يحتم على المسلم لباسًا خاصًا يكتسب صبغة دينية حتى ولا على علماء الإسلام أنفسهم؛ ولهذا ورد أن النبى  صلى الله عليه وسلم لبس جبة شامية، وفى رواية رومية ضيقة الكمين كما جاء فى حديث المغيرة من رواية الشيخين، وكانت له جبة كسروانية كما جاء فى حديث أسماء عند مسلم. كل ذلك لبيان أن الإسلام لا يحتم على المسلم لباسًا خاصًا، وأنه يترك هذه المسألة لحاجات الناس ومصالحهم.

والنظرة الثانية: أن الإسلام حرم بعض أنواع اللباس وأشكاله، لا لذاتها؛ ولكن لما ينشأ عن إباحة ارتدائها من المضار لمن يلبسها، ولم يكن هذا التحريم مقصورًا على ما يخرج المسلم من دينه فقط كثياب الرهبان، بل شمل أنواعًا وأشكالا كثيرة من اللباس.

حرم الإسلام لبس الحرير والتختم بالذهب على الرجال لما فى ذلك من معانى الترف والنعومة، وحرم الإسلام ثياب الشهرة لما يتبعها من العجب والخيلاء والمراءاة.

وحرم الإسلام طول الأكمام والذيول للرجال لما فى ذلك من السرف وقلة الاحتراز، والأحاديث فى كل ما تقدم كثيرة، كلها وردت من طرق صحاح لا مغمز فيها.

وحرم الإسلام كذلك كل لباس يضعف فى نفس المسلم معنى الفكرة الإسلامية، بأن تجعله شبيهًا بالكفار فى الهيئة، وإن لم يكن هذا اللباس خاصًا برجال دينهم، وقد وضع الإسلام فى ذلك وغيره قاعدته المعروفة "من تشبه بقوم فهو منهم"، وإنك لتجد هذا التحريم والنهى واضحًا فى كثير من الأحاديث النبوية، وآثار الصحابة رضوان الله عليهم..

1-     عن ابن عمر أن النبى  صلى الله عليه وسلم قال: "من تشبه بقوم فهو منهم" رواه أبو داود بإسناد جيد. 

2-     وعن جبير بن نفير عن عبد الله بن عمرو قال: رأى النبى  صلى الله عليه وسلم علىَّ ثوبين معصفرين فقال: "إن هذه من ثياب الكفار لا تلبسها" رواه مسلم. ولا شك أن الثياب المعصفرة ليست من خصائص رجال الدين الكفار، وإن غلبت عليهم، فأراد النبى  صلى الله عليه وسلم أن ينزه أمته عن هذا الشبه.

3-     وقد وفد بنو تميم على النبى  صلى الله عليه وسلم يفاخرونه، ويريدون الإسلام؛ فكان مما رد عليه حسان رضى الله عنه  فى قصيدته أمام رسول الله  صلى الله عليه وسلم أن قال بعد أبيات كثيرة:

فإن كنتم جئتم لحقن دمائكم              وأموالكم أن تقسموا فى المقاسم

فلا تجعلوا لله ندًا وأسلموا         ولا تلبسوا زيًا كزى الأعاجم

فانظر كيف اشترط عليه فى الإسلام ألا يجعلوا لله ندًا، وأن يكونوا مسلمين، وألا يلبسوا زيًا كزى الأعاجم، وأقره رسول الله على هذا!.

4-     روى البخارى فى صحيحه أن عمر  رضى الله عنه  كتب إلى المسلمين المقيمين ببلاد فارس: "إياكم وزى أهل الشرك"، وقد روى هذا الأثر من عدة وجوه، ومنها ما رواه الإمام أحمد فى مسنده عن أبى عثمان قال: جاءنا كتاب عمر  رضى الله عنه ونحن بأذربيجان "يا عتبة بن فرقد إياكم والتنعم، وزى أهل الشرك، ولبوس الحرير؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن لبوس الحرير، وقال: إلا هذا، ورفع لنا رسول الله  صلى الله عليه وسلم إصبعيه".

والآثار فى ذلك أكثر من أن تحصر عن رسول الله  صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام والتابعين لهم بإحسان، والحكمة فى ذلك واضحة ملموسة وهى: وجوب التمييز بين أهل الإسلام وغيرهم من جهة، وما يقذفه هذا التشبه بالظاهر من الإعجاب بالباطن والتقدير، الذى يضعف الحماسة للفكرة التى جاء بها الإسلام.

وقد أشار ابن تيمية فى أول كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم" إلى ما تورثه هذه المشاكلة من آثار النفوس، فقال: "إن المشاكلة فى الزى الظاهر تورث تناسبًا وتشاكلا بين المتشابهين، يقود إلى موافقة ما فى الأخلاق والأعمال. وهذا أمر محسوس؛ فإن اللابس ثياب أهل العلم مثلا يجد من نفسه نوع انضمام إليهم، واللابس لثياب الجند المقاتلة مثلا يجد فى نفسه نوع تخلق بأخلاقهم، والمخالفة فى الزى الظاهر توجب مباينة ومفارقة توجب الانقطاع عن موجبات الغضب وأسباب الضلال، والانعطاف على أهل الهدى والرضوان"، وقد أفاض فى ذلك إفاضة كثيرة، وبنى عليه كثيرًا من التفريعات.

إذا تقرر هذا، وعرف أننا الآن على مفترق طريقين: طريق الرجوع إلى الإسلام، أو طريق تقليد أوروبا بدافع الإعجاب بقوة الغالب، وبدافع الرغبة فى التمتع بهذه المظاهر الأوروبية الخلابة، والصراع قوى بين أنصار الفكرتين، وكل مشابهة إنما هى فى الواقع كسب لفريق الأوروبيين، مع أننا نعلم أنه لا خلاص لنا إلا إذا احتفظنا بمقوماتنا، ورجعنا إلى هدى ديننا.

ذلك كله يوجب علينا أن نقول: إن لبس القبعة أمر يحرمه الدين أشد التحريم؛ لما يستتبعه من مفاسد وأضرار، وإن كان الدين لم يحتم على المسلم لبسًا خاصًا.

وهذا كلام خاص عن رأى الإسلام فى اللباس والقبعة، ولنا كلمة أخرى عن واجب الإخوان إزاء ذلك(4).

المصادر

  1. مجلة النذير – السنة الثانية – العدد 18 – صـ11 : 13 – 1جمادى الأولى 1358هـ / 20يونيو 1939م.
  2. مجلة النذير – السنة الثانية – العدد 19 – صـ14 : 18 – 8جمادى الأولى 1358هـ / 27يونيو 1939م.
  3. مجلة النذير – السنة الثانية – العدد 20 – صـ14، 15 – 15جمادى الأولى 1358هـ / 4يوليو 1939م.
  4. مجلة النذير – السنة الثانية – العدد 22 – صـ14، 15 – 29جمادى الأولى 1358هـ / 18يوليو 1939م.
المقال التالي كتابات الإمام حسن البنا حول إصلاح التعليم
المقال السابق الدستور في فكر الإمام حسن البنا