إعداد موقع الإمام حسن البنا
ظل الإسلام يشكل مصدر قلق للغرب المحتل وأتباعهم من الحكام المستبدين الذين حاولوا جاهدين الاحتفاظ بالسلطة حتى ولو على رقاب العباد، وشكلت في مواجهة المصلحين كثير من الجبهات التي دعمها الغرب في محاولة لطمس الهوية الإسلامية لدى الشعوب المؤمنة بها، وكحائط صد من زحف هذه المارد الإسلامي إلى الدول الغربية، وهي من الأسباب التي دفعت المحتل لغرس البذور الصهيونية في قلب العالم الإسلامي بفلسطين، مما دفع لحركات المقاومة أن تتشكل لمواجهته.
لم تكن قضية فلسطين حجر الزاوية لجماعة الإخوان المسلمين فحسب، بل أصبحت قضية الأمة الإسلامية بسبب المقدسات الإسلامية التي تضمها وبسبب ضعف شعبها.
غير أن دور الإخوان المسلمين نحو القضية الفلسطينية كان كبيرا ومتنوعا ما بين إعلاميا أو ماديا وعبر عن هذه الحالة الأستاذ بيان نويهض بقوله: أن اهتمام الإخوان المسلمين بتحرير فلسطين كان اهتماما صادقا ومرتكزا على الإيمان الديني العميق.
ولذا فقد حظيت القضية الفلسطينية بالكثير من اهتمام الإمام حسن البنا وكتاباته التي كانت ترجمة عملية لما قام به الإخوان بعد ذلك على الأرض من دعم القضية ماديا وعسكريا.
رسالة الأستاذ حسن البنا إلى مفتي فلسطين الشيخ أمين الحسيني عام 1931م
المؤتمر الإسلامي الأول
بسم الله الرحمن الرحيم
حضرة صاحب السماحة السيد محمد أمين الحسيني مفتي فلسطين الأكبر
نحمد إليكم الله الذى لا إله إلا هو، ونصلى ونسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الذين جاهدوا فى الله حق جهاده، ومن تبع هداهم إلى يوم الدين.
وبعد.. فإن العالم الإسلامي كله يقدر لكم حسن جهادكم، وسديد رأيكم فى الدعوة إلى هذا المؤتمر المبارك، وجمعية الإخوان المسلمين بالقاهرة والمحمودية وشبراخيت وبورسعيد والإسماعيلية بالديار المصرية تقدم لسيادتكم جزيل شكرها وجميل تقديرها، ونرجو التكرم بعرض هذا البيان على هيئة المؤتمر الموقرة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حسن البنا
حضرات السادة المحترمين أعضاء المؤتمر الإسلامي.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد.. فإن أربعمائة مليون من المسلمين فى أنحاء المسكونة يرمقون نتيجة المؤتمر بقلوب تخفق بالأمل والإشفاق، وتنتظر منكم المواقف المشرفة التى ترفع رأس الإسلام والمسلمين، ومن ورائهم أصحاب المطامع يتربصون بالمؤتمر الدوائر، ويحيكون له الدسائس.. ولن يتربصوا به إلا إحدى الحسنيين، وسيرد الله أهل الكيد بغيظهم لم ينالوا خيرًا.
أيها السادة أعضاء المؤتمر:
يجب أن تقدروا هذا تمام التقدير، ويجب أن تثبتوا للأمانة التى أخذتموها على عاتقكم، وهى النظر فى خير المسلمين بحكمة وإخلاص، ويجب أن تتصل قلوبكم بقلوب المؤمنين التى تحوطكم، وبأرواحهم التى ترفرف على مؤتمركم، وبآمالهم التى تحوم حولكم، والله من وراء الجميع محيط، يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور.
أيها السادة أعضاء المؤتمر:
إن الإخلاص أساس النجاح، وإن الله بيده الأمر كله، وإن أسلافكم الكرام لم ينتصروا إلا بقوة إيمانهم وطهارة أرواحهم، وذكاء نفوسهم، وإخلاص قلوبهم، وعملهم عن عقيدة واقتناع جعلوا كل شىء وقفًا عليهما حتى اختلطت نفوسهم بعقيدتهم، وعقيدتهم بنفوسهم، فكانوا هم الفكرة، وكانت الفكرة إياهم، فإن كنتم كذلك ففكروا والله يلهمكم الرشد والسداد، واعملوا والله يؤيدكم بالمقدرة والنجاح، وإن كان فيكم مريض القلب معلول الغاية مستور المطامع مجروح الماضي فأخرجوه من بينكم، فإنه حاجز للرحمة حائل دون التوفيق، وقد أعلم الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأن وجود قوم معروفين بسيماهم بين المؤمنين مثبط لهممهم فقال تعالى: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأوْضَعُوا خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَارِهُونَ﴾[التوبة: 47-48].
فابدأوا عملكم أيها السادة الكرام بتصحيح الإخلاص وتحقيق النية فى العمل يكن صرح عملكم مشيدًا وأثره خالدًا إن شاء الله تعالى، وإن جمعية الإخوان المسلمين تشارككم فيما تقررون، وتقاسمكم على البعد عبء ما تحملون، تبعث إليكم بتحيات أعضائها مشفوعة بالإجلال لأشخاصكم، والتقدير لعملكم، والإعجاب الكبير لفكرتكم، ولولا أعذار قاهرة، وظروف طارئة لكان من أعضائها بينكم من ينادى بكلمتها، ويمثل هيئات إدارتها، وإن ثقتها بكفاءتكم تخفف عنها ألم التخلف مع القاعدين، وقد أعذر الله للمتخلفين إذا نصحوا لله ولرسوله والله غفور رحيم، وهى لذلك تدلى بنصيحتها مجملة فى المقترحات الآتية بعد تقديرها لما تستطيعه الأمم الإسلامية من وسائل العمل.
مقترحات جمعية الإخوان المسلمين:
أولاً: الدفاع عن فلسطين
أمر الدفاع عن فلسطين، والمقدسات الإسلامية عامة أمر يهم المسلمين جميعًا، ولسنا بصدد استعراض أدوار قضية العدوان والدفاع، فذلك شىء ألممتم به حضراتكم كل الإلمام، ولكن المهم الآن أن تفكروا فى الوسيلة العملية لكف المعتدين وشل حركاتهم فى حدود السلم والقوانين.
لقد علمنا أن الخطب والاحتجاجات لا تجدى ولا تسمع، وترى الجمعية أن من واجب المؤتمرين أن يعالجوا:
1-مسألة شراء الأرض بفلسطين: إن اليهود يحاربون الفكرة الإسلامية بذهبهم، وإذا تمكنوا من شراء أرض فلسطين صار لهم حق الملكية فقوى مركزهم وزاد عددهم، وبتوالي الأيام تأخذ المسألة شكلاً آخر، وقد نظم اليهود هذه الحركة وجعلوا لها صندوقًا خاصًا يجمعون فيه الاكتتابات لهذه الغاية.
فحبذا لو وفق المؤتمر إلى إيجاد نواة لصندوق مالي إسلامي، أو شركة لشراء أرض فلسطين المستغنى عنها، وتنظيم رأس المال وطريق جمع الاكتتابات وسهوم هذه الشركة. إلخ.
والجمعية تكتتب مبدئيًّا فى هذه الفكرة بخمسة جنيهات مصرية ترسلها إذا قرر المؤتمر ذلك على أن تتوالى بعدها الاكتتابات، ولا يضحك حضراتكم هذا التبرع الضئيل فالجمعية تقدر الفكرة، وتعلم أنها تحتاج إلى الآلاف من الجنيهات، ولكنها جرأت على ذلك إظهارًا لشدة الرغبة فى إبراز الفكرة من حيز القول إلى حيز العمل.
2-تأليف اللجان فى كل البلاد الإسلامية للدفاع عن المقدسات: كذلك تقترح الجمعية أن يعالج المؤتمر موضوع تأسيس لجان فرعية لجمعية رئيسية مركزها القدس أو مكة، وغايتها الدفاع عن المقدسات الإسلامية فى كل أنحاء الأرض، وتكون هذه اللجان الفرعية كلها مرتبطة تمام الارتباط بالمركز العام.
ثانيًا: لنشر الثقافة الإسلامية
المسلمون الآن فوضى فى ثقافتهم، وهذه الفوضى فى الثقافة تؤدى إلى فوضى فكرية وتباين فى العقائد والأفكار والمشارب والأخلاق، فإذا دام الحال فسيأتي يوم يتنكر فيه المسلم للمسلم من التنافر والتناكر فلا يفهم أحدهما الآخر، واعتبر ذلك بما تراه بين أبناء المعاهد التى تربى أبناءها تربية دينية والتي تربى أبناءها تربية يسمونها علمانية فى البلد الواحد.
فليفكر المؤتمرون فى الوسائل التى تؤدى إلى توحيد الثقافة الإسلامية وتقريب مسافة الخلف بين أنواعها، وجعلها مؤسسة على الفكرة الإسلامية، ونصيرة لها شاملة للتوفيق بين هذه الفكرة وبين الأفكار الحديثة، وترى جمعية الإخوان أن من الوسائل إلى هذه الغاية:
1-إنشاء جامعة فلسطين: على نحو كلية عليكرة بالهند تجمع بين العلوم العصرية، والعلوم الدينية، وترفرف عليها روح الإسلام وتصطبغ بصبغته، مع احتوائها على الكليات العلمانية فى العلوم والآداب والسياسة والقانون والتجارة والاقتصاد والطب والفلسفة وغير ذلك.
2-إنشاء جامعة أخرى: بمكة على هذا النحو حتى ينجح مشروع جامعة القدس إن شاء الله تعالى.
3-نداء علماء المسلمين: أن يؤلفوا لجانًا فنية لتهذيب الكتب الإسلامية القديمة، وتصنيف كتب جديدة تفي بحالة العصر الجديد مع التفكير فى مناهج التعليم بأنواعه.
4-نداء أغنياء المسلمين للاكتتاب: فى صحيفة عامة يومية إسلامية تصدر فى القاهرة، ويكون لها مثيلات فى الحواضر الإسلامية تحمل فكرة القادة الإسلامية إلى الشعوب، فإن الصحافة الشرقية تقف من الشئون الإسلامية موقفًا لا يرتاح إليه الضمير.
5-العناية بالوعظ والإرشاد: والتفكير فى أنجع الوسائل لتخريج الوعاظ.
وترى الجمعية أن من أهم الوسائل تربية الوعاظ تربية دينية عملية تكون أشبه بتربية الصوفية المحققين فى الجمع بين العلم والعمل، ويكون ذلك بالسعي لدى أولى الأمر فى الأقطار الإسلامية لافتتاح أقسام الوعظ، وتعديل مناهجه تعديلاً صالحًا.
ثالثًا: لربط الشعوب الشرقية
لا سلاح للشرق يرهب غاصبيه إلا الاتحاد والتكاتف، وقد أدركت أمم المطامع ذلك، فهى دائمًا تحول دون هذه الوحدة بمختلف الوسائل إما بتسميتها تعصبًا أو بإفهام البسطاء أنها تنافى الوطنية والقومية، وإما بمغالطة الناس بأنها فكرة عتيقة يجب التبرؤ منها، وكل ذلك غير صحيح فهذه أوروبا تنادى بالوحدة وتنشرها بين أممها، وعصبة الأمم صورة مصغرة لذلك، ولم يقل أحد فى الدنيا: إن التفكك والانقسام أفضل من الوحدة والوئام، ولكنها مطامع وأهواء تلبس الأمر غير حقيقته.
فالوحدة ضرورية لحياة الشرق ضرورة الهواء والماء والغذاء لحياة الشخص، وترى الجمعية أن من الوسائل التى تؤدى إلى ذلك:
1- تقوية رابطة التعارف بين المؤتمرين أنفسهم.
2- تأليف لجان لهذا التعارف فى كل بلد فيه أجناس مختلفة من الشرقيين كالقاهرة وبغداد وغيرهما.
3- دعوة زعماء الشعوب الشرقية إلى طرح المطامع، وتقدير الموقف الدقيق الذى يحيط بهم فى هذه الأيام.
رابعًا: للدفاع عن العقيدة الإسلامية:
إن أعداء الإسلام من الملاحدة والمبشرين يجدّون فى تشويه عقائده، وإدخال الشكوك على أبنائه ويبتكرون الوسائل المختلفة لذلك، ومن ورائهم أغنياؤهم يمدونهم بالغي، وفى طغيانهم يعمهون.
ومن واجب المؤتمر التفكير فى أنجع الوسائل لدفع عدوانهم ودرء خطرهم.
وترى الجمعية أن من الوسائل الناجعة فى ذلك:
1- أن ينشر أعضاء المؤتمر فكرة تأليف اللجان التى تتولى تحذير الناس من دسائسهم، والرد عليهم بما يكفهم.
2- أن تشجع الجمعيات الإسلامية التى أرصدت نفسها لهذه الغاية.
3- أن يعنى الوعاظ بدراسة هذه الناحية ويحذروا الناس منها.
مشروعات إسلامية أخرى:
1- مشروع سكة الحديد الحجازية.
2- مشروع مكتب الاستعلامات الإسلامي.
تقترح الجمعية أن يفكر المؤتمر فى إنقاذ سكة الحديد الحجازية من اليد الأجنبية، ويعمل على بدء العمل فى تنميتها حتى ينتفع المسلمون بها فى أقرب فرصة ممكنة.
وتقترح كذلك أن يدرس المؤتمر مشروع مكتب الاستعلامات الأوروبي، ويوقف الناس على مبلغ الفائدة التى تعود على المسلمين من ورائه ثم تجمع الاكتتابات مبدئيًّا له، وتؤلف اللجان التى تقوم بأداء هذه المهمة.
وختامًا فالمؤتمر الإسلامي خطوة واسعة فى طريق الإصلاح المنشود للإسلام والمسلمين ترجو الجمعية أن يكون لها أثرها، وأن يتجدد انعقاد المؤتمر بعد مدة معلومة.
ولتثقوا أيها السادة بأن العالم الإسلامي من ورائكم يجود بالنفس والمال فى سبيل إعادة مجد الإسلام، ووصول الأمم الإسلامية إلى حقوقها المنقوصة مصداق قول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِى التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِى بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾[التوبة: 111-112].
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(1).
فلسطين المجاهدة
أفاضت الجرائد والمجلات فى وصف الحوادث المؤثرة فى البقعة المقدسة للوطن الإسلامي العام "فلسطين المباركة"، وليست قضية العرب فى حاجة إلى الإيضاح والجلاء، ولقد كان وعد بلفور المشئوم ضربة قاضية وجهت إلى الأمة العربية فى الصميم، وأخذت دولة الانتداب تعمل منذ صدوره سرًا وعلانية على غزو فلسطين بجيوش من مهاجري اليهود، ولم تبال فى هذا السبيل بظلم العرب واغتصاب أرضهم وإخراجهم من ديارهم، وما حادث "وادي الحوارث ببعيد".
وزاد الطين بلة تدفق هذه السيول المهاجرة بعد طردها من ألمانيا، وقد أخذ العرب يقنعون حكومة الانتداب بخطر هذه الهجرة وهى لا تلقى لهم بالاً، فلم يسعهم أمام هذا الخطر الداهم إلا أن يرفعوا صوتهم بالاحتجاج فى مظاهرة سلمية استأذنوا الحكومة فى القيام بها، ولكن الحكومة التى تمالئ اليهود حرمت عليهم حتى حق الشكاية، وحتى صيحة الألم بعد أن أمَضَّتْهم وهددتهم تصرفاتها فى أنفسهم وأموالهم، ولم تكتف بهذا التحريم، بل قابلته فى مظاهرتهم السلمية بما لم يكونوا ينتظرون من الفواجع وضروب العنت والإرهاق. كرام يعتقلون، وأبرياء يسجنون، وأرواح تزهق، ودماء كريمة تسيل، وشهداء يذهبون ضحايا القيام بالواجب والدفاع عن النفس والوطن فى تلك الحوادث التى علم بها الخاص والعام، والآن وقد وردت الأنباء بهدوء الحال بعض الشيء على أثر وعد الحكومة بالتفاهم مع اللجنة التنفيذية للعرب، فإن على المسلمين واجبًا مقدسًا يجب أن يضعوه نصب أعينهم دائمًا، هو أن يتذكروا أن مطلب العرب الأسمى يتلخص فى وقف الهجرة الصهيونية، وتحقيق وعود حكومة الانتداب التى قطعتها على نفسها للعرب إبان الحرب فى حكم أنفسهم بأنفسهم. وما دام هذا المطلب غير محقق فإن الأمة الفلسطينية ومن ورائها العالم الإسلامي لا تسكت عن المطالبة به بكل وسيلة مشروعة، وأن يتذكروا دائمًا أن هذه الاضطرابات والحوادث فى فلسطين تركت وراءها جرحى يجدون مس الألم ويحتاجون إلى التطبيب والمواساة، وأيتامًا وأرامل لا عائل لهم، فعليهم أن يفكروا فى وسائل المعونة العملية، ومن أهمها: جمع الاكتتابات وإرسالها إلى فلسطين، وجزى الله جماعة الدفاع عن الإسلام خير الجزاء على ما قامت به فى هذا السبيل من عمل مبرور وسعى مشكور، وإن الإخوان المسلمين ليضمون صوتهم إلى أصوات إخوانهم فى آفاق الأرض فى مطالبتهم بحقوق العرب الأمجاد فى نصرة فلسطين المجاهدة(2).
من أجل فلسطين المجاهدة الباسلة
نداء من مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين بالقاهرة إلى شعب الجماعة بالقطر المصري وإلى الشعوب الإسلامية عامة وإلى مواطنينا المسيحيين الأعزاء
أيها الإخوان: هذا يوم من أيام الله يختبر الله به العزائم، ويبتلى به الهمم، ويمحص به الصادقين، ويظهر فيه قول الله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾[آل عمران: 142].
هؤلاء إخوانكم الفلسطينيون البواسل وقفوا صفًا واحدًا، وقلبًا واحدًا، وكلمة واحدة، وكتلة صامدة يعاهدون الله وإخوانهم ووطنهم ألا يضعوا راية الجهاد إلا مكللة بالنصر محفوفة بالفوز، أو يموتوا دون الغاية، وفداء للوطن ومقدساته.
أيها الإخوان: ثمانمائة ألف عربى ما بين مسلم ومسيحي وقفوا يذودون عن المقدسات العزيزة والتراث الخالد، وينوبون عن مسلمي الأرض ومسيحيي الأرض فى حفظ المسجد المقدس والدفاع عن فلسطين بلد الذكريات والأنبياء، ويدفعون عنها حيف اليهود وظلم الإنجليز، ويقاومون يد الاستعمار الباطشة الفاتكة، وهم فى هذا يقومون بالواجب عنكم، ويحتملون آلام الجهاد دونكم، وأنتم جميعًا آمنون وادعون.
أيها الإخوان: إن وطنكم لا تنتهى حدوده بحدود مصر، بل تمتد إلى كل شبر أرض فيه مسلم يقول: لا إله إلا الله، وإن قلوبكم التى تخفق لمصر وتحنو عليها وتعمل لها بحكم البر بالوطن يجب أن تخفق لفلسطين، وتحنو عليها، وتعمل لها بحكم الدين والجوار والإنسانية والوطن أيضًا.
لقد وقفتم بالأمس إلى جانب الحبشة موقفًا كريمًا، فقفوا اليوم بجانب فلسطين مثل ذلك الموقف أو أسمى، فإن فلسطين ألصق بكم جميعًا وأقرب إليكم جميعًا، وقد وقع عليها من الظلم ما لا يعلم مداه إلا الله.
أيها الإخوان: إخوانكم الفلسطينيون الآن فى الميدان يجوعون ويجهدون ويخرجون ويقتلون ويسجنون فى سبيل الله وفى سبيل البلد المقدس، وهم إلى الآن فى أشرف المواقف يقومون بأمجد الأعمال، ويبدون من ضروب البسالة ما هو فوق الاحتمال والطاقة، فهم قد أعذروا إلى الله وإلى التاريخ، فإذا ضعفت هذه الحركة أو وهنت فأنتم المسئولون عن هذا الضعف وهذا الوهن، وهى جريرة يؤاخذ بها الله أشد المؤاخذة، ويحصيها التاريخ فى أسود صحائفه، فانتهزوا الفرصة وقوموا بواجبكم إلى جانب إخوانكم، والله معكم ولن يتركم أعمالكم.
وإن مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين، وقد أقضت هذه الحوادث مضجعه فى الوقت الذى يهيب فيه بالشعوب العربية مسلمها ومسيحيها أن يمدوا يد المعونة لفلسطين المجاهدة الباسلة يقرر ما يأتى:
أولاً: تأليف لجنة مركزية من أعضائه لتلقى تبرعات الإخوان وإرسالها إلى اللجنة العربية العليا.
ثانيًا: تأليف لجان فى شعب الإخوان لتلقى التبرعات وإرسالها إلى اللجنة المركزية.
ثالثًا: شكر الشعب الفلسطيني الباسل على موقفه المشرف وتأييده فيه كل التأييد.
رابعًا: إرسال برقية احتجاج إلى المندوب السامي بفلسطين ووزير خارجية إنجلترا وسكرتارية عصبة الأمم.
خامسًا: دعوة سمو الأمير عمر طوسون والهيئات العاملة بمصر إلى العمل على مساعدة فلسطين.
سادسًا: رجاء لجنة مساعدة الحبشة فى أن تحول وجهها شطر فلسطين، وأن تمدها بما بقى عندها من أموال.
سابعًا: موالاة الكتابة تذكيرًا بالواجب نحو فلسطين، وحث التجار الذين يساعدون اليهود على التضامن مع العرب فى مقاطعة المعتدين الغاصبين(3).
لجنة مساعدة فلسطين
إلى صاحب السمو الأمير عمر طوسون
حضرة صاحب السمو الأمير الجليل عمر طوسون.
تتشرف اللجنة المركزية لمساعدة فلسطين التابعة لجمعية الإخوان المسلمين جريًا على ما اعتادته الأمة المصرية، بل والعالم الإسلامي من الفزع إلى سامي عطفكم فى الملمات، والاستئناس بحازم رأيكم كلما دجت الخطوب، تتشرف برفع هذا إلى سموكم موجهة أنظاركم العالية إلى ما يعانيه الإخوان المجاهدون أبطال فلسطين من آلام الموت والفاقة التى أنزلتها بهم القوى الغاشمة.
وإن صاحب السمو ليقدر معنا أن فلسطين الجارة العزيزة -وفيها بيت المقدس الذى يجمع المسلمون والمسيحيون على إكباره ومنعه، والذود عن كرامته- جديرة بأن نتقدم إليها وفى طليعتنا سمو الأمير الجليل عمر طوسون بما يستطاع من بر ومساعدة.
تألفت اللجنة المركزية لمساعدة فلسطين من شباب جمعية الإخوان المسلمين الذين بايعوا الله على التقوى والإيمان والفناء فى سبيل إعزاز الدين، وقد تكونت من بينهم اللجان للخطابة فى المساجد، وجمع ما يجود به المسلمون، وبث الدعاية الواسعة لنجاح هذا المقصد الجليل. وقد توجهنا إلى سموكم بهذا راجين أن تجد فلسطين الجريحة من بركم وعطفكم -ما وجدته الحبشة- الآسي الرقيق، والبلسم الشافي.. ولنا رجاء آخر أن تتفضلوا بصفتكم أحد رئيسي لجنة مساعدة الحبشة بإرسال ما تبقى من الأموال التى جمعت لغرض مساعدة الأحباش إلى اللجنة العربية فى فلسطين، وسيجزيكم الله الجزاء الأوفى.
وتفضلوا يا صاحب السمو بقبول عظيم احترامي(4).
إلى صاحب الغبطة الأنبا يؤنس
حضرة صاحب الغبطة الأنبا يؤنس رئيس لجنة مساعدة الحبشة.
بكل احترام يتشرف رئيس لجنة مساعدة فلسطين بجمعية الإخوان المسلمين بالقاهرة بأن يرفع إلى غبطتكم هذا الرجاء الحار، يحفزه إليه ما يعهد فى غبطتكم من أسمى عواطف الرحمة النبيلة والبر بالإنسانية المعذبة، تلك العواطف التى حدت بكم إلى تجشم المتاعب فى سبيل مساعدة الحبشة.
وتعلمون -يا صاحب الغبطة- أن فلسطين الشقيقة العزيزة مهد الشرائع والأنبياء قد بطشت بها القوة الغاشمة فأسالت دماء أبنائها من المسلمين والمسيحيين على السواء، وخربت ديارهم وعطلت مصالحهم وقضت على موارد أرزاقهم، وإن بيت المقدس هو بيت القصيد من هذا العدوان الصارخ، ويحاول اليهود بكل عملهم هذا أن يستولوا عليه وعلى غيره من الأماكن المقدسة التى أجمع المسلمون والمسيحيون على تقديسها وإكبارها والذود عنها.
ونحن فى مصر -مع الأسف الشديد- لا نملك إلا أن نقدم ما تسخو به الأكف من مال لمساعدة هؤلاء الأبطال الذين ألمت بهم الفاقة، حتى إن لجنة التموين والإغاثة (التموين) بالقدس وحدها تصرف يوميًا (140) مائة وأربعين قنطارًا من الدقيق لإطعام الجائعين، وذلك عدا ما يصرفه غيرها من اللجان الكثيرة.
ومن أجل ذلك توجهنا إلى غبطتكم راجين أن تشملوا هؤلاء المجاهدين الأبطال بعطفكم الأبوي، فتأمروا بإمداد أبناء فلسطين ما تبقى من أموال لجنة مساعدة الأحباش إلى اللجنة العربية العليا بالقدس، ونعتقد أن حضرات أعضاء اللجنة الكرام يسرهم أن يحققوا هذا الرجاء؛ فيكونوا بذلك قد قاموا بخدمة الجارتين العزيزتين فى وقت واحد، وفى محنة متشابهة، وإن رأيتم فضلاً عن ذلك أن تتكرموا بدعوة المحسنين من المصريين بالتبرع لهذا الغرض النبيل فهو العهد بكم، والمأمول فيكم، وكان لكم الشكر مضاعفًا، وتفضلوا بقبول فائق الاحترام(5).
رد حضرة رئيس اللجنة المركزية للإخوان المسلمين
على خطاب من سماحة المفتي الأكبر السيد أمين الحسيني
إلى الإخوان المسلمين
حضرة صاحب السماحة المفتي الأكبر السيد محمد أمين الحسيني وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
ورد خطابكم الكريم ونعتقد أننا ما قمنا أو نقوم إلا ببعض ما يجب علينا نحو فلسطين المجاهدة، إن الفلسطينيين إخواننا وبلدهم بلدنا وقضيتهم قضيتنا، فكل مجهود فى سبيل مساعدتهم فى جهادهم النبيل أقل مما يجب.
إننا نألم لفلسطين كما تألم لنفسها -والفارق بيننا وبينكم أنكم تألمون فتعملون وتجاهدون، وفى العمل راحة، وفى الجهاد للحرية تنفيس- أما نحن فنألم ولا نستطيع أن نعمل فهو ألم دفين وهمٌ كمين، ونسأل الله أن يوفقنا إلى أداء بعض حق إخواننا علينا.
فإلى سماحتكم وإلى الإخوان المجاهدين نعتذر عن قصورنا، وإلى الله نضرع أن يوفقنا إلى عمل جدى نافع، وأن يؤيدكم بروح منه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(6)
رد حضرة رئيس اللجنة المركزية للإخوان المسلمين
على خطاب من السيد عوني بك عبد الهادي
السكرتير العام للجنة العربية العليا بالقدس
إلى الإخوان المسلمين
سيدي المفضال عوني بك عبد الهادي
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وبعد، فقد تلقيت بيد الامتنان كتابكم الكريم، وأبلغته الإخوان المسلمين، ونحن ما قمنا إلا ببعض ما يجب علينا نحو إخواننا المجاهدين أيدهم الله ونصر قضيتهم، ولا زلنا نشعر بقصورنا عن أداء الواجب كاملاً، فنحن بالاعتذار إليكم أحق منا بالشكر منكم، فتقبلوا معذرتنا، ونسأل الله أن يوفقنا إلى عمل جدى نافع. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(7).
اليوم الخامس عشر بعد المائة فى سبيل الله
يصل هذا العدد إلى أيدي القراء من الإخوان المسلمين وغيرهم، وقد مضى على الأبطال المجاهدين فى البقعة المباركة "فلسطين" مائة يوم وخمسة عشر يومًا.
ليتصور المسلمون هذا الوقت الطويل يمضى على أقل من مليون من خيرة العرب الأمجاد، ومصالحهم كلها معطلة، وحوانيتهم مغلقة، ومصانعهم مقفلة، وحقولهم جدباء، وموارد أرزاقهم ناضبة، والجنود محيطون بهم من كل مكان، يقتلون ويأسرون حتى ترملت الحرائر وجاع الأطفال وذهب المال وضاع العيال، كل ذلك وهؤلاء الأبطال لا تلين لهم قناة، ولا ينال منهم يأس، ولا يعطون الدنية، ولا يقبلون المذلة والضيم، ولا يفرطون فى الوديعة المقدسة التى شاء الله أن يكونوا حراسها الأمناء.
إن الفلسطينيين الأبطال حين يقومون بهذا الواجب ويحتلون كل هذه البلاد لا ينقذون فلسطين وحدها، بل ينقذون العالم الإسلامي كله والشرق كله من شر مستطير وخطر داهم، فإن اليهود إذا استوطنوا فلسطين -ولن يتم لهم هذا الاستيطان- فسيكونون أشد العقبات فى سبيل نهوض الشرق وتقدمه واتصاله، وسيجلبون إليه أفظع النكبات الخلقية والأدبية، إلى جانب أنهم سيستنزفون دمه وماله، ويرمون أقطاره بالخراب الاقتصادي والاضطراب المالي، وسوف لا تقف مطامعهم عند حد فلسطين، فإن فلسطين أضيق من أن تتسع لستة عشر مليونًا، وأقل من أن ترضى مطامع اليهود الذين ضاقت بهم بلدان العالم كله فلفظتهم إلى فلسطين.
مائة يوم وخمسة عشر يومًا تمر على الفلسطينيين الأمجاد وهم يقارعون ويجالدون ويجاهدون ويكافحون لا يبالون، أوقعوا على الموت، أو وقع الموت عليهم، حتى أنطقت بطولتهم البكم، وأسمعت ثورتهم الصم، وحتى كان من البريطانيين أنفسهم من اقتنع بأحقية مطالبهم وضم صوته إلى أصواتهم، ونعى على أمته مناصرة الباطل ومقاومة الحق، ونادى بوجوب النزول على حق فلسطين، وكل ذلك وإنجلترا تترقب لا تريد إغضاب اليهود، ولا تود خسارة عطف العالم الإسلامي، وهى فى ذلك تضع ذهب اليهود فى كفة وعواطف المسلمين فى كفة أخرى، واليهود يبذلون عن سعة، ويميتون القلوب والضمائر بالبذل، ويشترون العطف بالمال، ويمنون إنجلترا ويعدونها، فماذا فعل المسلمون لقاء ذلك؟
لو أن الأربعمائة مليون مسلم فى العالم -أربعمائة مليون نحلة صغيرة- وأخذت كل واحدة منها تطن فى جانبها لأقلق دوى هذا الطنين بال إنجلترا، ولأزعجها وهددها ورجح كفة العرب وانتصرت قضية فلسطين، فكيف وهم أربعمائة مليون آدمي، يستطيع كل منهم أن يقول وأن يبذل وأن يعمل.
الحق أن العالم الإسلامي كله قصر تقصيرًا عظيمًا فى قضية فلسطين، وأن فلسطين قد برهنت للدنيا كلها على أنها تستحق أشرف حياة وأنبل مطلب، وأنها جديرة بأن تمنح أفضل ما يمنح المجاهدون الصابرون الشرفاء من عز الحياة وفوز النصر.
ولئن خمدت جذوة فلسطين، وسوف لا تخمد إلا بخمود الباطل إن شاء الله، فلا إثم على فلسطين ولا حرج، فقد قضت الحق وقامت بما هو فوق الطاقة، ولكن الإثم كل الإثم على المسلمين فى أنحاء الأرض.
إن إنجلترا لا تفكر فى أن يصبح المسلمون بقلوبهم وعواطفهم وألسنتهم إنجليزًا صميميين، أو بعبارة أخرى: إنجليزًا متعصبين صهيونيين يصفقون للسير "وكهوب"، ويحثونه على التقتيل والتخريب والتدمير، ومن ظهر بذلك من العرب، فإن إنجلترا نفسها تعلم أنه أول المنافقين وشر المخادعين، فما هذا التخاذل الشائن والسكوت المعيب؟ وليس فى الدنيا قوة تتحكم فى القلوب، أو تحبس العواطف، لقد كنا نعزو غفلة المسلمين عن مساعدة فلسطين فى أول الثورة إلى يأسهم من نجاحها وضعف ثقتهم بمصابرة الفلسطينيين لخصومهم فيها، وما كانت بطولة فلسطين يومًا من الأيام فى ميزان الشك والريبة، وهم أحفاد الأبطال الأماجد. وكنا نتمنى أن تزول هذه الغفلة إذا صمدت فلسطين واشتدت ثورتها، وها هى الثورة تمتد إلى الشهر الثالث والناس هم الناس، فما هذا أيها المسلمون وأنتم جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر؟!
أيها المسلمون، أيدوا فلسطين، وابذلوا فى سبيلها، وإعاناتكم تصل ولا يكلفكم ذلك شيئًا، فبنك مصر والبنك العربي واللجنة العليا، كلها تتلقى ذلك وتوصله، وارفعوا الاحتجاجات إلى الحكومة البريطانية متتالية متتابعة، وصوروا فيها آلامكم وعواطفكم وشعوركم، وأشعروا اليهود فى كل مكان أنكم عليهم غاضبون، واعلموا أن ذلك أضعف الإيمان ليس وراءه من الإيمان حبة خردل(8).
الجيش البريطاني فى فلسطين والعمال المصريين
والرديف السوداني
نشرت البلاغ بتاريخ 19/9 أن قيادة الجيش البريطاني قد اتفقت مع بعض المقاولين على استئجار عمال مصريين للقيام بالأعمال الحربية التى يحتاج إليها الجيش فى فلسطين، من مد الطرق وتمهيدها وغير ذلك من الأعمال، وإنها كذلك ستستأجر بعض جنود الرديف السوداني لأعمال حربية هناك، وقد اتفقت فعلاً مع عدد منهم وهم على أهبة السفر.
إن بريطانيا حين تفعل هذا تهزأ بعواطف المسلمين فى أقطار الأرض، وتدوس كرامتهم، وتحرج صدورهم، وتستخف بشعورهم، وإن العمال المصريين أو السودانيين -وهم يعلمون أنهم سيذهبون للعدوان على إخوانهم المجاهدين من العرب الأمجاد- إن قبلوا ذلك أو أقدموا عليه، فإنهم يسجلون على أنفسهم جمودًا فى الضمائر وموتًا أدبيًا وعارًا لا يمحى أبد الدهر، وعليهم أن يعلموا أن واجب الجوار والوطن المتحد واللغة والمصالح المشتركة والدين، كل ذلك كان يفرض عليهم أن يكونوا فى صفوف المجاهدين لا فى صفوف خصومهم، وإنهم إن كانت معيشة الحياة الدنيا متعذرة عليهم من غير هذا الباب، فإن الموت خير وأبقى من حياة لا تأتى إلا بمثل هذه الوسيلة التى تتنافى مع الوطنية والدين والشرف، فليحذر المصريون والسودانيون الأطهار.
"فتوى ونداء"
وصل إلى علم مكتب الإرشاد العام أن قيادة الجيش البريطاني تسعى لاستئجار عمال مصريين وسودانيين للعمل فى مساعدة الجيش البريطاني فى فلسطين ضد المجاهدين العرب البواسل، فمكتب الإرشاد العام يعلن أن قبول مثل هذا العمل كبيرة من أفظع الكبائر التى تسجل على صاحبها عند الله أشد العقاب، ويخشى عليه سوء الخاتمة والخروج بذلك من الإسلام، فإن الله تبارك وتعالى يقول: ﴿إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾[الممتحنة: 9] وهذا فى مجرد التولي والموادة، فكيف إذا أضيف إلى ذلك المشاركة والمساعدة؟ فليحذر المسلمون الوقوع فى مثل هذا الإثم العظيم.
وإن المكتب بهذه المناسبة يهيب بالعالم الإسلامي من جديد أن يتدخل تدخلاً فعليًا فى قضية فلسطين بإمدادها بالمساعدات المادية والأدبية، وألا يدخر المسلمون وسعًا فى ذلك، فقد جاوز الأمر حد الاحتمال، ولقى المجاهدون طوال ستة أشهر من الشدائد ما هو فوق طاقة البشر، وإنا لعظيمو الأمل فى ملوك المسلمين وأمرائهم أن يعاودوا الكرة من جديد فى إفهام بريطانيا خطأ هذه السياسة التى ستجعلها تخسر صداقة المسلمين والعرب جميعًا، ونأمل بفضل مساعيهم الموفقة أن تحل قضية فلسطين العادلة حلاً يصون حقوق العرب فى البلاد المقدسة إن شاء الله(9).
نداء
أذاع ملوك العرب بيانًا لإنهاء حالة الإضراب القائمة فى فلسطين منذ أشهر، وقد يتسرب إلى أذهان البعض أن معنى هذا وضع حد لقضية فلسطين والوقوف عن مناصرتها؛ لذا تلفت جمعية الإخوان المسلمين نظر الشعب المصري والشعوب الإسلامية إلى أنه إذا كانت المعونة واجبة فى أثناء الثورة، فهى الآن أوجب للحالة التى نشأت عن الجهاد المستمر طوال تلك المدة فى استبسال وتضحية لم يشهد لهما العالم ضريبًا، مما كان له أثره من التخريب والتدمير وترك أطفال لا عائل لهم مما يستدر العطف ويفتت الأكباد، وجمعية الإخوان المسلمين تناشد الشعب المصري والعالم الإسلامي أن يستمر فى مؤازرة فلسطين فى هذه الآونة الدقيقة، وأن يواصل جمع الإعانات لها حتى تصل بإذن الله إلى الغرض المنشود بحل قضيتها وتحقيق مطالبها، وها هو يوم فلسطين يوم 27رجب وما بعده نرجو أن يكون مظهرًا رائعًا للعواطف النبيلة نحو فلسطين المجاهدة الباسلة بإجزال التبرعات وتقديم المساعدات(10).
بيان وذكرى إلى المسلمين عامة
ليكن يوم المولد النبوي الشريف يوم ذكرى لفلسطين
أيها المسلمون، ستحتفلون قريبا بذكرى المولد النبوي الشريف، وما أحراكم أن تذكروا فيه فيما تذكرون من حوادث جسام ابتلى بها العالم الإسلامي، الحالة الدامية فى فلسطين الشهيدة وما آلت إليه بعد جهاد استمر عشرين عامًا، وكيف أنها باتت على شفا التهويد، بعد أن أعمل فيها الاستعمار المسلح النار والحديد.
ستذكرون شهداء فيها علقوا بالعشرات على أعواد المشانق، وبينهم الشيخ الذى جاوز الثمانين.
ستذكرون حرمات الدين المقدسة التى انتهكت شر انتهاك.
ستذكرون المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وقد احتله جند الاستعمار يحول فيه بين العبد وربه، ويقطع على المصلى تضرعه ودعاءه، ويختلط فيه صوت المؤذن بصلصلة السلاح.
ستذكرون قضاة الشرع الشريف يؤخذون من دور القضاء، ويعتقلون وهم فى مجالس الحكم، ثم يرسلون إلى السجون كالمجرمين.
ستذكرون المئات من المعتقلين مكبلين بالحديد يستعذبون رنين القيود.
ستذكرون المئات من المجاهدين الذين هجروا بيوتهم وعائلاتهم، وهبوا خفافًا وثقالاً يذودون عن شرف الإسلام الرفيع بالدم النجيع، ويدفعون عن الدين والوطن الدنايا بأكرم المنايا، ويحرسون المسجد الأقصى المبارك والأماكن الإسلامية المقدسة بدمائهم وأرواحهم التى بذلوها رخيصة فى سبيل المحافظة على بقائها إسلامية عربية.
ستذكرون النساء يعتدى عليهن الجند فى خدورهن، ويسلب حليهن من أعناقهن ومعاصمهن، ويقود عددًا منهن إلى ظلمات السجون.
ستذكرون هذا فى يوم المولد النبوي الشريف، وأكثر من ذلك مما ابتليت به فلسطين المقدسة من أفانين العذاب.
ولكن ما فائدة الذكرى إذا لم يعقبها عمل نافع يصد الأذى ويوقف المعتدى عند حده؟
وما قيمة الأنات التى يصعدها المسلمون بكرة وعشيًّا على الحالة فى فلسطين إذا لم يتفاهموا فيما بينهم على طريقة يتبعونها لتخفيف الويلات عن البلاد المقدسة، وشد أزر سكانها المسلمين، وحماتها المجاهدين.
إذن فالواجب على المسلمين كافة أن يجعلوا من يوم المولد النبوي الشريف يومًا لفلسطين يقدمون فيه الاحتجاجات على السياسة الظالمة فيها، ويقيمون صلاة الغائب على شهدائهم فى المساجد، ويعقدون الاجتماعات لنصرتهم، ويجمعون الإعانات لتخفيف الويلات عن الألوف من منكوبيهم. وهذا بعض ما يجب على المسلمين نحو فلسطين فى مثل هذا اليوم الذى ترتبط ذكرياته الخالدة بتاريخ البلاد المقدسة وأمجادها.
هذه صرخة من أعماق القلوب يوجهها المركز العام لجمعية الإخوان المسلمين فى القطر المصري إلى كل مسلم ومسلمة فى العالم، بل إلى كل رجل ذى وجدان حى وضمير شريف؛ ليساهم قدر طاقته فى يوم المولد النبوي الشريف فى إنقاذ فلسطين مما يحقق بها من أذى وبلاء.
وعسى أن يثبت المسلمون فى هذا اليوم أنهم بنيان ذو أساس متين، وكتلة واحدة لا يتطرق الوهن إلى صفوفها، فيؤكدون للعالم بأسره أن قضية فلسطين هى قضية المسلمين عامة، وأنهم لا يفرطون بمثقال ذرة من حقوقها ﴿إِنَّ فِى ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾[ق: 37](11).
فى سبيل فلسطين
سعادة علوبة باشا بمصر الجديدة:
الإخوان المسلمون يؤيدون قرارات اللجنة البرلمانية لإنقاذ فلسطين، وينتظرون عملا جديا وموقفا حازما قويا، ويضعون دماءهم وأموالهم وأوقاتهم تحت تصرف اللجنة فى سبيل فلسطين العربية المجاهدة(12).
فلسطين العربية المسلمة لا بد أن نعمل لإنقاذها
ذلك حق مصر الطبيعي وواجبها الذي لا محيص عنه
يسرنا أن نرى رجال مصر السياسيين يقومون بقسط وافر فى الدفاع عن قضية فلسطين الشهيدة. ذلك أن معالي علوبة باشا وكثيرين من رجال مصر العاملين عقدوا اجتماعا خاصا للنظر فى واجب مصر نحو الشقيقة، وإن كانت المهمة تستدعى منهم نشاطا عمليا أضعاف هذا النشاط القولي وقد تكلموا عن خطأ السياسة الإنجليزية فى تحيزها لليهود وتمسكها بوعد "بلفور" وإنكارها لخدمات العرب وتضحياتهم فى الحرب العالمية. على أننا نعرف أن السر فى تمسك إنجلترا بهذه السياسة أن "جاسوسا يهوديا" أطلع إنجلترا على الغازات السامة التى كانت تستعملها ألمانيا فى الحرب العظمى، وإزاء ذلك وعد الوزير الإنجليزي هذا اليهودي بتأسيس وطن قومي فى فلسطين. ولما كانت جميع القوانين المدنية تسمح للجار بحق التدخل فى سياسة جاره (وهذا ما يسمونه بالشفعة)، فكان جديرا بمصر أن تعرض لهذه المسألة وتهتم لها وتتدخل إلى حد بعيد.
على أن المسألة ليست جيرة فقط، بل مسألة وحدة بين العرب والمصريين، وحدة فى الدين واللغة والدم والمصاهرة، ولا تعترف بهذه التقسيمات الجائرة الشاذة التى أملتها الأهواء السياسة الأوربية الاستعمارية ويشهد على ذلك تاريخ "إبراهيم باشا".
والشاهد على ذلك أن القاهرة كانت عاصمة الخلافة، وهاهى ذى قبور الأولياء والأئمة العرب تشهد على هذه الرابطة القوية.
وإذا نظرنا إلى المسألة من ناحية السياسة الخارجية لوجدنا لمصر الحق فى التدخل بالقوة المسلحة لمنع هذا التقسيم.
ونحن نسائل إنجلترا: لماذا تدخلت فى مسألة "السوديت" الأقلية الألمانية فى تشكوسلوفاكيا؟ ومن المعروف أن إنجلترا بعيدة كل البعد عن أوربا الوسطى، ولكنها تتدخل لمصلحة أصحاب البنوك اليهود بإنجلترا.
على أن الحالة فى فلسطين على عكس الحالة فى أوروبا، فهذا الشعب العربي له الأكثرية وهم أهل البلاد الأصليون، فكل أجنبي يجب أن يخضع لنظام العرب، ولا يسعنا -نحن الإخوان المسلمين- إلا أن نلح على الحكومة المصرية بوجوب التدخل فى هذه المسألة تدخلا جديا حازما، وقد ثارت من ناحية أخرى الحكومة العراقية والسورية وبعض الجارات.
كما أننا نحذر إنجلترا من سوء العاقبة، فهى بدفاعها عن اليهود تعجل بانفجار بركان السخط الإسلامي والعالمي على السياسة الإنجليزية.
ومن الغريب أننا نسمع كبير أساقفة "كانتربرى" يهدد بوقوع حروب عالمية قريبة لا تبقى ولا تذر، حفظا لكيان عصبة الأمم التى سجلت أكبر المخازى لسياسة إنجلترا.
وأين تلك العصبة التى أهملت حق مصير الشعوب وتركت لإنجلترا حق تعذيب الشعوب وإبادتها وتوزيع الأراضي حسب ما تراه؟
هل نصت على ذلك نصوص الانتداب؟
يقول كبير الأساقفة للكنيسة الإنجليزية: ربما احتجنا لحرب تقضى على الجيل الحاضر والجيل المستقبل؛ لأننا فى حاجة إلى حرب ضروس تشيد "عصبة الأمم" كما كانت حاجتنا للحرب العالمية 1914 لإنشاء هذه العصبة.
لعل السر فى سياسة إنجلترا اليهودية قد أصبح غير مستقر بعد هذا الخطاب، وبعد أن شهد العالم أكبر جريمة "إنسانية" تمثل على مسارح السياسة المخزية الإنجليزية.
إنجلترا تريد أن تدفع العالم إلى حرب تقضى على جيلين؛ لأن يهود تشكوسلوفاكيا ويهود فلسطين يحرسون طريق الإمبراطورية البريطانية.
نعم تخشى إنجلترا ألمانيا فى البلقان إلى البحر الأسود إلى آسيا، وتخشى إنجلترا الإمبراطورية العربية التى تمتد من المحيط الأطلنطي إلى المحيط الهندي.
فلم تكتف بتقسيم جزيرة العرب إلى ولايات وإمارات وممالك تحت لوائها، فجاءت بالحرس اليهودي يسهر على المحافظة على أنابيب البترول الذي يغذى الأسطول الإنجليزي والطيارات الإنجليزية.
نعم تجد فى إنجلترا صاحب البنك ومدير الشركة والسماسرة والمقاولين من اليهود الأغنياء، فكيف لا يخدمون اليهود الفقراء الذين يخدموهم للحصول على المواد الأولية والدفاع عن المواصلات الإمبراطورية.
هذه هى السنة السياسية الإنجليزية منذ حاربت إمبراطورية "محمد على" والوحدة بين مصر وفلسطين.
من المفروض أن اليهود أقلية فى كل أمة من أمم العالم. وإذن فإنجلترا أحد شيئين: إما أنها يهودية. أو أن الشعب الإنجليزي مستعبد لخدمة اليهود. وستكون إنجلترا مسؤولة عن تعكير صفو العالم لتدخلها فى سياسة الأمم تحت ستار "الأقليات"، "عصبة الأمم" إلخ.
ومما يؤسف أن "الأمير عبد الله" تقدم أخيرا باقتراح لم يرض أحدا لا من الجانب العربي -وهو صاحب الكلمة- ولا اللجنة الإنجليزية.
ولعل الأمير قد نسى خداع إنجلترا لوالده المرحوم "السلطان حسين" وأخيه "الملك فيصل".
و"لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين". وإن فى ذلك لعظة للمتقين(13).
احتجاج شديد
على حوادث فلسطين الأخيرة
أرسل صاحب الفضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين البرقية التالية إلى فخامة المندوب السامي ووكالة فلسطين والدفاع - القدس:
جمعية الإخوان المسلمين وفروعها بمصر تنظر باستفظاع وغضب شديدين إلى هذه المجازر التى يقترفها مجرمو اليهود فى إخواننا عرب فلسطين الأبرياء بتوالي الاعتداءات المسلحة عليهم بحماية السلطات البريطانية التى تعتبرها المسئولة الوحيدة عن هذه الفظائع بسبب تسليحها لليهود وتسامحها معهم، فى الوقت الذي علقت فيه على المشانق عشرات العرب لأتفه الأسباب، فالمسلمون الذين استفزتهم جرائم اليهود المنكرة يطلبون منكم صيانة أرواح إخوانهم عرب فلسطين، أو أن تعلن بريطانيا عجزها عن ذلك ليقوموا هم بحماية إخوانهم المهددين(14).
أول الغيث
تفتيش دار الإخوان بالقاهرة، مصادرة كتاب النار والدمار فى فلسطين، الإخوان ينتظرون هذا، وأكثر منه، وهم به مسرورون
فى كتاب النار والدمار وصف صادق للفظائع التى ارتكبتها انجلترا المتمدينة فى فلسطين الحرة الأبية العربية المجاهدة من تقتيل، وتدمير، ونفى، وتعذيب، وسجن، وإرهاق، وإهانات متلاحقة لرجال القضاء الشرعي، وأحرار البلاد الشقيقة، وفيه استنهاض لهم المسلمين أن يجاهدوا فى سبيل فلسطين الباسلة، وبيان أنهم إن لم يفعلوا ذلك اليوم من أجل فلسطين فهم سيضطرون إلى أن يدفعوا عن أنفسهم فى المستقبل غائلة الخطر اليهودي بعد أن ترسخ قدمه -ولن ترسخ- على قيد خطوات من الحدود المصرية، وحينئذ لا تنفع الجهود، ويصدق علينا المثل السابق "أكلت يوم أكل الثور الأبيض".
هذا هو الكتيب الذى قامت من أجله الحكومة المصرية، وقعدت، وأرسلت ضابطًا من ضباطها ومعه قوة من البوليس لمهاجمة دار الإخوان بالقاهرة، وتفتيشها بأمر من النيابة ومصادرة هذه الرسالة.
انجلترا التى ارتكبت هذه الفظائع كل وقت، وتنكل بإخواننا هذا التنكيل تستحى أن يذاع ذلك عنها، وأن ينشر فى العالم، فهلا استحت من ارتكابه، وهلا ذكرت أنها بهذه الأعمال الوحشية قد فقدت هيبتها وسمعتها وشرفها السياسي والدولي، ولإنجلترا عذر فى أن يقلق بالها، ويقض مضجعها، ويؤذى مسمعها صوت الأحرار المجاهدين حين يطلعون العالم على ما ترتكبه من الفظائع والآثام، ولكن ما بال الحكومة المصرية تشايع انجلترا فى هذا الشعور وتجاملها على حساب فلسطين العربية المسلمة، وتعمل لحسابها فى خنق الحركات التى يراد بها تأييد قضية إسلامية عادلة كقضية العرب الفلسطينيين؟! وقد كان الأولى بها أن تقوم بمناصرتهم، وتقاوم ظلم الإنجليز الصارخ بكل وسيلة.
إنه الضعف ضعف الهمم، وضعف الإيمان، وضعف الشعور بالروابط المقدسة التى تربطنا بالبلاد الشقيقة، هذا الضعف هو الذى يدفع حكومة مصر إلى أن تقف من القضايا الإسلامية الهامة هذه الواقف المزرية المخجلة.
أيها الجالسون على كراسي الحكم, أما آن لكم أن تفقهوا بعد أن من استعز بغير الله ذل، وأن الناس من خوف الذل فى الذل, ومن خوف الفقر فى الفقر, وأن من حرص على الموت وهب الله له الحياة, وأن الله يقول فى كتابه: ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ للهِ جَمِيعًا﴾ [النساء: 138-139[ فأن أردتم القوة الصحيحة فالتمسوها فى طاعة الله وأداء فرائضه، ومناصرة أحكامه، وتأييد المجاهدين فى سبيل حماية أرض الإسلام ومقدسات المسلمين: ﴿وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾]التوبة: 16[.
أصدقوا الله ساعة من نهار، وجربوا هذه الطريق, فقد جربت طريق الضعف والاستسلام طويلا, وثقوا أنكم الرابحون على كل حال ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾]الزمر: 36[.
أما الإخوان المسلمون فلن يضيرهم هذا، ولن يغير من خطتهم، ولن يثنى من عزائمهم، وهم سيقومون بواجبهم نحو إخوانهم فى فلسطين بكل وسيلة، ولن يدخروا وسعًا، ولن يرهبوا تبعة، وقد وطنوا النفس على أن يحتملوا نتائج أعمالهم كاملة وأسعد أوقاتهم يوم يكون لهم بأبطال فلسطين المجاهدين أسوة حسنة فتراق دماؤهم وتفيض فى الميادين أرواحهم وتمتلئ بهم السجون وينفون ويعذبون، وكل ذلك فى سبيل الله هين، وإن الموت فى سبيل الحق لهو عين البقاء.
لقد تقدم الإخوان فى مرات سابقة إلى النيابة يطالبون إليها أن تسوقهم إلى القضاء, وأن تزج بهم إلى السجون, ولكن النيابة -عفا الله عنها- أبت عليهم ذلك، ولا ندرى أهي مكرهة على ذلك أم مختارة، فعلم ذلك عند الله والراسخين فى العلم، ولكنها على أى حال حرمتهم شرف الدفاع والاحتجاج فى ميدان القضاء، وتسجيل استنكارهم لما يحدث فى فلسطين فى سجلات المحاكم, وحرمتهم كذلك أجر التضحية وثواب المشاركة فى حمل مصاعب الجهاد, ونحن فى هذه المرة كذلك سنطلب إلى النيابة أحد أمرين إما إحالتنا إلى القضاء إن كان فى عملنا جريمة قانونية، وإما إعادة الكتاب إلينا لنتولى توزيعه من جديد, ولنذيع على الناس قاطبة مثلاً مما يرتكبه الإنجليز من الفظائع الدامية فى فلسطين الشهيدة.
إن دعوة الإخوان أوسع مما تظن الحكومة المصرية، ولسنا ممن يتحدثون عن أنفسهم، ولا عن دعوتهم، ولاعن برامجهم ومناهجهم، ولكنا ممن يباشرون ذلك بالعمل، ويزاولونه بالتنفيذ، ويظهرون للناس بأعمالهم لا بأقوالهم، وإن الإخوان ليعلمون أن دعوتهم هذه عدوة الاستعمار، فهو لها بالمرصاد، وعدوة الحكومات الجائرة الظالمة، فهى لن تسكت على القائمين بها، وعدوة المستهترين والمترفين والأدعياء من كل قبيل، فهم سيناهضونها، وكذلك دعوة الحق فى كل مكان، ولا تزال كلمة ورقة بن نوفل للرسول صلى الله عليه وسلم ترن فى أذن كل أخ مسلم "ليتنى فيها جذعًا إذ يخرجك قومك" فقال صلى الله عليه وسلم أو مخرجي هم قال: نعم. لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا أوذى"، والإخوان مع هذا قد وطنوا الأنفس على أن يحتملوا فى سبيل أداء الواجب والقيام بحق الدعوة كل شىء، وهم يتعجلون ذلك ولا ينفرون منه ولا يتمنون لقاءه، ولكن يصبرون له وعسى أن تكون هذه المهاجمة أول الغيث فتكون البشير بقرب ساعة النصر, ويأبى الله إلا أن يتم نوره فلتفعل القوة ما تشاء، وليستعد الإخوان وليرددوا دائمًا هذا النغم العذب اللذيذ إن ينصركم الله فلا غالب لكم(15).
مذكرة المركز العام للإخوان المسلمين
عن الحالة فى فلسطين الشهيدة
إلى حضرة صاحب الدولة رئيس وزراء دولة إيران
حضرة صاحب الدولة رئيس مجلس وزراء دولة إيران الفخمة المعظم.
سراي الزعفران- القاهرة:
يغتنم المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين فى القطر المصري فرصة تشريفكم هذه الديار ليقدم لكم أولا أحر التهاني والتبريكات لمناسبة عقد خطوبة صاحب السمو الإمبراطوري ولى عهد إيران على حضرة صاحبة السمو الأميرة فوزية، سائلين الله -سبحانه وتعالى- أن يجعله فاتحة عهد يمن وسعادة للمملكتين المصرية والإيرانية العريقتين فى الحضارة والمدنية، الشقيقتين فى الدين والآمال والتقاليد.
ثم إننا نرى -لزاما علينا- أن نوجه أنظار دولتكم -كرئيس لحكومة إسلامية ذات شأن وكيان- إلى قضية إسلامية بين الحياة والموت وعليها يتوقف نجاح الإسلام أو خذلانه، ونعنى بها: فلسطين القطر الشهيد، والجارة العزيزة لمصر، والشقيقة لإيران والممالك الإسلامية الأخرى.
فهذا القطر الإسلامي المقدس الذي يضم الشيء الكثير من أمجاد الإسلام وآثاره الخالدة، والذي يقطنه شعب أبى باسل من سلالة الصحابة والفاتحين، والذي جبلت ذرات أرضه بدماء المجاهدين من أبطال الإسلام الميامين. هذا القطر الذى يضم المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وأضرحة أنبياء الله العظام وأوليائه الكرام، والذى ما زال فخورا بالاحتفاظ بإسلاميته وعروبته مدة أربعة عشر قرنا، والذى حافظ سدنته عليه بأغلى المهج وأكرم الدماء. أجل يا صاحب الدولة: إن هذا القطر قد بات مهددا بالتهويد، وسدنته بالفناء أو الجلاء، وذكرياته الخالدة بالزوال والعفاء.
ذلك أن الإنكليز -بتأثير اليهود ونفوذهم المالي- يريدون أن يطمسوا من فلسطين كل معالم الإسلام لتصبح لليهود مملكة موهومة، وأن يحولوا المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله إلى كنيس يهودي كما دلت على ذلك كتابات اليهود وأقوال زعمائهم الصريحة، وأن يفنوا آخر مسلم فى فلسطين ليخلوا لليهود المجال الفسيح لتوطيد دعائم ملكهم. وهاهم الإنكليز يسيرون على سياسة الإفناء بخطوات واسعات دون أن يردعهم ضمير، أو يستمعوا إلى صوت مستجير.
ولا نريد فى هذه المذكرة الموجزة أن نشرح لدولتكم الفظائع الشنيعة التى ارتكبها الاستعمار الغاشم فى فلسطين حتى بدل أمنهم خوفا، وحول جنتها إلى جحيم وقوده أبطال فلسطين الأمجاد، فدولتكم مطلعون على بعض هذه الفظائع مما تقرؤونه فى الصحف والبرقيات لأننا على يقين من أن قضية فلسطين تهمكم وتهم الشعب الإيراني النبيل، باعتبارها جزءا من القضية الإسلامية العامة، إلا أننا نؤكد لكم ما تقرؤونه عن هذه الفظائع إن هو إلا نقطة من بحر، وأن البلايا النازلة بهذا القطر الشهيد تفوق كل حصر؛ فالسجون مكتظة بالعلماء والوجهاء وكرام الوطنيين، والزعماء شردوا تحت كل كوكب، والشهداء الأبرار سقطوا بالمئات بين معلق على أعواد المشانق ومجندل برصاص الاستعمار، والبيوت نسفت، والأعراض انتهكت، وبيوت الله أغلقت أو احتلتها الجنود، وكتاب الله مزق وديس بالمناسم والأقدام، زد على ذلك حوادث التعذيب التى يتفنن فيها المستعمرون بما لا عين رأت ولا أذن سمعت.
وها قد مضى على الثورة عامان كاملان، والدماء تسيل، والأرواح تزهق، والرصاص يمزق الأجساد، وروح الإرهاب تسود البلاد من أقصاها إلى أقصاها، وجنود الاستعمار الغلاظ يدكون بحديدهم ونارهم معالم البلاد، ويهلكون الزرع والضرع والعباد.
يا صاحب الدولة:
إنه ليس من المروءة ولا من الإنسانية فى شىء أن نترك هذا القطر الشهيد الشقيق يلفظ أنفاسه دون أن يمد له العالم الإسلامي يد المساعدة، فقضية فلسطين هى قضية العالم الإسلامي بأسره، وهى ميزان كرامته ومقياس هيبته وقوته، وقد كان لحضرة صاحب الجلالة الإمبراطورية "شاهنشاه إيران" ولحكومته الفخيمة وللشعب الإيراني النبيل مواقف مشرفة من هذه القضية الحقة أثقلت موازينها، آخرها تصريح مندوب إيران فى مجلس العصبة فى العام الماضي، فقد كان له أطيب الوقع فى العالمين الإسلامي والعربي، كما كان له قيمته لدى دول العصبة، فحرى بإيران المسلمة أن تواصل مساعيها المشكورة لحل القضية حلا عادلا، ولوضع حد لفظائع الاستعمار الغاشم فيها، ولتخليصها من كارثة التهويد الذى أصبح خطره على الأبواب ينذر العالم الإسلامي كله بشر واقع، ماله من دافع.
واسمحوا لنا -كمصريين- أن نصارحكم بأن هذه القضية لن تسير خطوة واحدة فى طريق الحل إلا إذا تضافرت الحكومات الإسلامية ووقفت صفا واحد لنصرتها، فالكابوس اليهودي جاثم على صدر بريطانيا يحركها كما يشاء، ولن تغير خطتها إلا إذا رأت من المسلمين موقفا حازما، ولقد أدركت مصر هذه المسألة فسارعت هيئاتها المختلفة، من برلمانية ودينية ووطنية إلى الاحتجاج ورفع الصوت، وسخت أيدى المحسنين بالتبرع لألوف المنكوبين والجرحى، وقامت فيها المظاهرات الصاخبة، وعقدت الاجتماعات الحاشدة اللاهبة، فحبذا لو تتضافر القوى فى إيران ومصر وغيرهما من أقطار الإسلام، ويواصل المسلمون الجهود فى هذه السبيل.
وإننا لعلى يقين تام من أن كل حركة مباركة تقوم بها إيران فى هذا الصدد سيكون لها أثرها فى رفع الحيف وإعادة الحق إلى نصابه وتأثيرها فى نفوس مجاهدي فلسطين.
ختاما نرجو أن ترفعوا لمقام صاحب الجلالة الشاه خالص الولاء والاحترام وأن تتفضلوا بقبول تمنياتنا وإجلالنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(16).
صناعة الموت
أجل صناعة الموت. فالموت صناعة من الصناعات، من الناس من يحسنها فيعرف كيف يموت الموتة الكريمة، وكيف يختار لموتته الميدان الشريف والوقت المناسب، فيبيع القطرة من دمه بأغلى أثمانها، ويربح بها ربحا أعظم من كل ما يتصور الناس، فيربح سعادة الحياة وثواب الآخرة، ولم تنتقص عن عمره ذرة، ولم يفقد من حياته يوما واحدا، ولم يستعجل بذلك أجلا قد حدده الله.
ومن الناس جبناء أذلة، جهلوا سر هذه الصناعة وغفلوا عن مزاياها وفضائلها، فمات كل واحد منهم فى اليوم ألف موتة ذليلة، وبقى وموتاته هذه حتى وافته الموتة الكبرى ذليلة كذلك، لا كرم معها ولا نبل فيها فى ميدان خامل خسيس ضارع، وقضى ولا ثمن له، وأهدر دمه ولا كرامة.
إن القرآن الكريم علم المسلمين سر هذه الصناعة وأرشدهم إلى فضائلها وأرباحها ومزاياها وندبهم إليها فى سور كثيرة مثل قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُّلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ*تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ*يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِى جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ*وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّن اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾[الصف: 10-13]. وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِى التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ﴾[التوبة: 111]. إلى آيات كثيرة لا يحصيها عد ولا يتناولها حصر.
وقد عرف هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلف هذه الأمة، وعرفوا أنهم لن يتجاوزوا قدرا قد أمضى وسلف، ولن يحرموا أجرا قد عظم وكتب، ولن يستبقوا أجلا قد قدر وحدد، فأحسنوا هذه الصناعة أيما إحسان وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لولا أن أشق على أمتى ما قعدت خلف سرية، ولوددت أن أقتل فى سبيل الله، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل". وهذا صحابي جليل يستشهد، فيسأله الله عما يتمناه، فيتمنى أن يعود إلى الدنيا ليقتل مرة ثانية فى سبيل الله. وهذا أبو بكر يقول لخالد فى وصيته العظيمة: "يا خالد احرص على الموت توهب لك الحياة".
ثم جاءت من بعد ذلك خلوف من المسلمين ركنوا إلى الدنيا فى العبث واللهو، وأهملوا مواد القوة، وجهلوا صناعة الموت، وأحبوا الحياة، وتنافسوا على لقب كاذب، وجاه زائل، ومال ضائع، ومظهر زائف. وتعس عبد الدينار. عبد الدرهم. عبد القطيفة. فوقعوا فى الذلة، واستمكن منهم العدو، وخسروا سيادة الدنيا. وما أعظم تبعتهم فى الآخرة، وحق عليهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: فقد تداعت على المسلمين الأمم، ونزع الله من قلوب أعدائهم المهابة منهم، وقذف فى قلوبهم الوهن، وإنما الوهن حب الدنيا وكراهة الموت.
وكاد هذا الخلق الذليل يستبد بمشاعر المسلمين وعواطفهم، ويرين على قلوبهم وأرواحهم، ولكن رحمة الله التى يتدارك بها أهل هذا القرآن دائما لم تدعهم هكذا، فكانت "قضية فلسطين".
انجلى الصدأ عن المعدن النفيس، وبرزت النفس فى ثوبها الحقيقي اللامع المجاهد، وتكشف الصدف عن لؤلؤه، وتمحص الذهب الخالص تحت نار الضغط الأثيم، وذهب فريق من أبطال المسلمين وجدة السلف يحسنون من جديد صناعة الموت، ويطلبون عن طريقها حقهم فى الحياة، وسرى هذا التيار من نفس الفئة المجاهدة القليلة فى جوار الحرم المقدس إلى كثير من شباب الإسلام والعرب، فخفقت قلوبهم، واهتزت أريحيتهم، واضطرمت بهذا الشعور القرى والشوارع والميادين والبيوت والمدارس والمساجد فى عاصمة العباسيين بغداد، وعاصمة الأمويين دمشق، وفى القاهرة عاصمة مصر ومعقل صلاح الدين، والتي أذاقت الصليبية أمر الهوان فى حطين، وقذفت بهم بعد ذلك إلى البحر، وردتهم عن البيت المقدس خائبين مدحورين. ولئن شاءت السياسة الموضعية أن تكبت هذا الشعور فى بعض المواطن وأن تضعف من مظاهره العملية، فهى بذلك إنما تزيده قوة، وتزيد النفوس به تأثرا وانصهارا، حتى إذا انفجر فلن ينفع فى كبته بعد ذلك جهد الجاهدين ولا حذر المتخوفين.
أيها الفلسطينيون البواسل من شباب محمد وحماة بيت المقدس: صبر جميل. ولقد ربحتم كثيرا، ولو لم يكن من نتائج ثورتكم المباركة الحقة إلا أن كشفتم غشاوات الذلة وحجب الاستسلام عن النفوس الإسلامية، وأرشدتم شعوب الإسلام إلى ما فى صناعة الموت من لذة وجمال وروعة وربح لكنتم الفائزين، ولكن أبشروا فليس ذلك ربحكم فقط، ولكنكم ربحتم معه إعجاب العالم وثواب الله، وستربحون النصر المؤزر فى القريب إن شاء الله. والله معكم ولن يتركم أعمالكم.
وأنتم أيها المسلمون فى أقطار الأرض: اذكروا هذا الدرس جيدا، واعلموا أنه جاءكم فى أمس أوقاتكم حاجة إليه، وتلقيتموه والعالم على فوهة بركان، فإياكم أن ترجعوا بعد اليوم "غنما" يصرفها الذئب أنى شاء لتكون له فى الحرب فداء وفى السلم غذاء، ولكن تجهزوا لتحرروا ولتدفعوا عن أنفسكم كل كافر خوان لا عهد له ولا ذمة ولا موثق له ولا أمان.
أيها المسلمون فى أقطار الأرض:
إن فلسطين هى خط الدفاع الأول؛ والضربة الأولى نصف المعركة، فالمجاهدون فيها إنما يدافعون عن مستقبل بلادكم وأنفسكم وذراريكم كما يدفعون عن أنفسهم وبلادهم وذراريهم، وليس قضية فلسطين قضية قطر شرقي ولا قضية الأمة العربية وحدها، ولكن قضية الإسلام وأهل الإسلام جميعا، ولا محل للتدليل على حقوق العرب فيها، ولا محل لإيضاح هذه الحقوق وبيانها، ولا محل للأقوال والخطب والمقالات. ولكن الساعة ساعة العمل. احتجوا بكل مناسبة وبكل طريق. قاطعوا خصوم القضية الإسلامية مهما كانت جنسياتهم أو نحلهم.
تبرعوا بالأموال للأسر الفقيرة والبيوت المنكوبة والمجاهدين البواسل. تطوعوا إن استطعتم -لا عذر لمعتذر- فليس هناك ما يمنع من العمل إلا ضعف الإيمان.
ولا يهلك على الله إلا هالك.
﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ﴾[الحج: 40](17).
النفير
أين أمير المؤمنين؟
أيها المسلمون اسمعوا:
إننا ننسى كثيرا وتمر بنا العبر والذكريات فلا نعتبر ولا نتذكر. وعبرة الأسبوع الماضي ليست من الطراز الذي يصح أن ينسى أو يجهل أو يتغافل عنه الناس وإن بلغت الغفلة منتهاها من الرؤوس والنفوس. إن عبرة الأسبوع الماضي نفير عام ونذير للعالم الإسلامي، إنه إعلان الحرب بقسوتها وفظاعتها وتدميرها ومهالكها، فهل استعد المسلمون لهذا اليوم وعرفوا السبيل إلى انتهاز الفرصة؟ أكبر الظن أن الله تبارك وتعالى أخر تلك الساعة ليعذر إلى المسلمين فى أقطار الأرض.
لقد تصورت الحرب معلنة تخوضها الأمم وتصلاها الشعوب، وتمثلت الأرواح الزاهقة والدماء الجارية والأطفال الأذلاء باليتم والأرامل الثاكلات، فما رأيت فى ذلك كله أفظع من أن يقف المسلم أمام المسلم ليقاتله، ولينهل من دمه فى ميدان لا ناقة له فيه ولا جمل ولا ذنب ولا جريرة إلا أنه "عبد" لم يتحرر من القيود المفروضة عليه بعد. ولكم كان يرتسم أمام نظري هذا التحذير النبوي الكريم بأظهر صورة: "لا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم وجوه بعض" لقد ذقنا مرارة هذا الموقف فى الحرب العامة وشربنا من كأسه العلقم والصاب، ولقد كادت المأساة تتكرر ومن يدري فلعل فى ضمير الغيب من ذلك ما لا يعلم الناس! فهل ستقف هذه الهمم التى تحركت للعمل؟ وهل ينسى المسلمون هذا الدرس القاسي ويذهب من آذانهم وقلوبهم صوت النفير؟!
أيتها الشعوب الإسلامية: لا تضيعي بعد اليوم دقيقة واحدة فى غير استعداد لتتحرري ولتتقوى ولتستطيعي بعد ذلك أن تختاري الميدان، لا أن تساقي سوق السوائم والأنعام.
اجتمع زعماء الدول الأربعة زعيم الجرمان وزعيم الإنكتار وزعيم الفرنجة وزعيم اللاتين على لغة ذلك الزمان لينظروا فى مصير الحرب، وليحددوا مستقبل الناس ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾[يوسف: 21] ﴿للهِ الأمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ﴾[الروم: 4] وأخذ العالم يرقب حكم هؤلاء القضاة، وكان بحث وكانت مداولات انتهت بالنزول على حكم القوة وتسوية المشكلة على حساب الضعيف. وفى العالم أربعمائة مليون من المسلمين؛ أهل القرآن وأتباع محمد صلى الله عليه وسلم نبى العزة والكرامة والشرف والعدالة والخير والإنصاف، فأين أمير المؤمنين وأين مكانه بين أولئك الزعماء؟ وأية ذلة هذه التى لحقت بهذه الأجيال من أمم الإسلام حتى أخرجوا من شئون أنفسهم وبلادهم، وصاروا أرقاء لما يقضى به منطق الأقوياء! ورحم الله زمانا كان العالم فيه يترقب الكلمة من أمير المؤمنين فتهتز لها الدنيا وتتقزع الأفلاك، ويلتفت الدهر، "فوا معتصماه"! وانتهى مؤتمر القوم بتحرير السوديت، وما كانت ديارهم تحرق وما كان زعماؤهم يعذبون، وما كان شبابهم يقتل ويسجن وينفى، وما كانت بيوتهم تنسف، ولم يطغ عليه سيل هجرة أجنبية تغتصب أرضهم وتستأثر دونهم ببلادهم، ولكنها العنصرية. وكفى وهذه فلسطين الباسلة تطالب بتقرير المصير وبتحقيق الوعود، وتقاسى من عنت الانتداب والصهيونية، ما لم يسمع بمثله فى أشد عصور الظلام حلكة، والعالم يسمع والدنيا ترى، ولا يعقد مؤتمر فى القاهرة، ولا فى بغداد، ولا فى المدينة، ولا فى دمشق، ولا فى غيرها من بلاد المسلمين ليعترف فيه الزعماء بحق المجاهدين؛ لأنه ليس للمسلمين دولة كالريخ، وليس لهم أمير كالفوهر يقول كما قال هتلر: "لا أريد أن يكون فى فلسطين سوديت أخرى".
أيها المسلمون ما أحوجكم إلى القوة. وما أحوجكم إلى الوحدة؛ وهى أول لبنة من لبنات هذه القوة. وأنا أكتب هذه الكلمات، وفى الجزيرة مجتمع كريم يضم زعماء الفكر وقادة الرأي فى بلاد الإسلام ليصدروا حكمهم وليقولوا كلمتهم فى قضية الإسلام؛ قضية فلسطين، ونحن ننتظر منهم موقفا حازما، ومن المسلمين تأييدا لهم صادقا. وبمثل هذه المؤتمرات نخطو إلى الوحدة المنشودة ونقطع مراحل الطريق. فإلى الأمام(18).
كلمة الأسبوع
مؤتمر لندن لبحث قضية فلسطين
تطورت القضية الإسلامية العربية الكبرى فى فلسطين خلال الأيام الأخيرة تطورا عسكريا وسياسيا عظيما، وانتهى فى ناحيته السياسية بتفكير الحكومة البريطانية فى مؤتمر لندن، وعدولها عن فكرة التقسيم، وللإخوان المسلمين ملاحظات وكلمات حول هذا المؤتمر البريطاني القادم.
فالإخوان المسلمون لا يقرون أبدا دعوة اليهود إليه، فليس اليهود طرفا آخر فى القضية، وإنما هم نزلاء مغتصبون جاءوا تحت حماية الحراب وفى ظل المخادعة إلى أرض ليست لهم، فضايقوا أهلها وأثاروا هذه المشاكل فيها ولا يعرف العرب هؤلاء اليهود، ولا يعترفون بهم، وإنما المشكلة على أرض فلسطين بين العرب أصحابها الحقيقيين وبين الإنجليز الذين دخلوا عليهم فى ظروف حرب عالمية طارئة، فاستغلوا ضعفهم وتاجروا على حسابهم فإذا أصرت الحكومة البريطانية على دعوة اليهود إلى هذا المؤتمر، فلن يكون هذا دليلا على قبولنا لهذا الوضع أو اعترافنا بحق يهودي فيه؛ ولتتحمل الحكومة البريطانية تبعة عملها. والإخوان المسلمون كذلك يعجبون أشد العجب من هذا التفكير الملتوي الذي يحاول إبعاد المفتي الأكبر وهو زعيم فلسطين، وممثل أهلها جميعا عن قضية هو أول من يفكر العقلاء فى التفاهم معهم فيها، وإذا لم يدع الحاج الحسيني إلى مؤتمر فما قيمة قراراته فى نظر العرب؟ وإذا كان الإنجليز يريدون أن يفرضوا على العرب رأيا، فلماذا يتعبون أنفسهم فى عقد المؤتمرات والدعوة إلى المفاوضات، وهل لم تكفهم التجارب القاسية التى تقابل بها آراؤهم المفروضة حتى يحاولوا أن يضيفوا إلى فشل السياسة البريطانية فى فلسطين فشلا آخر؟ خير للحكومة البريطانية أن تواجه الحقائق وألا تعمد إلى منطق النفاق فى قضية واضحة كل الوضوح، فتوجه دعوتها إذا كانت جادة إلى سماحة المفتي وإلى أعضاء اللجنة العربية العليا وهم زعماء البلاد الحقيقيون، ونتفاهم معهم على أساس واضح معروف يحقق أماني العرب القومية، ويريح بال العالم الإسلامي الذى يزن بريطانيا الآن بميزان ما تعمل فى فلسطين، والإخوان المسلمون يحذرون الحكومة البريطانية خداع مفاوضاتها السابقة؛ فإن عرب فلسطين غير من عرفت من المفاوضين الآخرين، وهم قوم ذاقوا لذة الجهاد والكفاح، فليست تغرهم المطامع الدنيوية والأعراض الزائلة، ولا تؤثر على زعمائهم الألقاب والمناصب، ولا تجدى معهم سياسة التفريق والمخادعة, فليكن الإنجليز صرحاء معهم واضحين، والإخوان المسلمون يحذرون مندوبي الحكومات الذين دعتهم بريطانيا إلى هذا المؤتمر أحابيل السياسية البريطانية، ومجاملة إنجلترا على حساب جزء كريم عزيز من أرض الوطن الإسلامي العام فإنه لن تقر من شعوبهم أعمالهم إلا ما يحفظ حق الإسلام والعرب فى الأرض المقدسة، وإن الرأي العام الإسلامي العربي لهم بالمرصاد فليتفاهموا فيما بينهم على الأساس الذى يجب أن يكون عليه عملهم، ويواجهوا من سيفاوضونهم من البريطانيين فى صف واحد واضح الرأي. مجتمع الكلمة لا يفلح معه التأثير ولا التفريق(19).
كلمة الأسبوع
ماذا أعددنا للمستقبل؟
شغلت الأذهان فى الأسبوع الماضي بحوادث الخلاف بين فرنسا وإيطاليا، فلإيطاليا مطامع ومطالب لم تنته بعد، وهى تريد تسوية مصالحها والحصول على رغائبها على حساب الآخرين من دول أوروبا المغتصبة، تريد امتيازات فى تونس، وامتيازات فى قناة السويس، وامتيازات فى صومال فرنسا حتى تمكن لنفسها فى مستعمراتها وتستعد لفريسة جديدة، وقد تظاهر النواب الإيطاليون لهذا واحتجت فرنسا عليه، وتلا ذلك مظاهرات فى القطرين، وزعموا أن مظاهرات تقوم فى تونس لتأييد فرنسا -كل ذلك متوقع وأكثر منه منتظر؛ فإن الأهواء والمطامع لا تقف عند حد، ولاسيما إذا ما أمدتها القوى وصحبها الغرور. ستظل إيطاليا تطلب، وستعود ألمانيا إلى الطلب وستداور إنجلترا وتحاور، وتراوغ فرنسا وتماطل، وتتدخل أمريكا حينا وتحايد حينا بحسب مصالحها التى سترتبط حتما بهذا النزاع من جهة اليابان، وستظل أوروبا فى هذا القلق والاضطراب، وليست الحرب بعيدة عن الوقوع، وهي إن لم تقع فستقع تقلبات فى مصائر الأمم والشعوب المستعمرة تتغير بها الوضعيات والأشكال والنظم، فماذا أعددنا للمستقبل؟ يقولون: إننا سنفاوض إيطاليا وإننا متحالفون مع إنجلترا، وإن فى ذلك ضمان لسلامة وطننا والمحافظة على استقلاله. فهل هذا صحيح؟ وهل يكفينا فى هذا العصر الذى ضاعت فيه الحقوق، وامتهنت المعاهدات، وديست المواثيق، ومزقت الاتفاقات بيد القوة الباطشة وبلسان الحديد والنار، أن نعتمد على المحالفات والمفاوضات والمعاهدات. إن الجو مكفهر ملبد بالغيوم، مؤذن بالحوادث الجسام، ولا ينفعنا إلا الإعداد السريع القوى فى كل ناحية من النواحي. إن هذه الطريقة الديوانية التى تجرى عليها كل أمورنا الإصلاحية الآن (طريقة البحوث والتقارير والخبراء واللجان) طريقة لا نتيجة لها إلا استنزاف الوقت والمال، والمال قليل مطلوب لكثير من الشئون، والوقت ضيق لا يحتمل كل هذا الإبطاء. لم يعد يصلح عندنا إلا الإصلاح العاجل الحاسم الجريء. وإذا قيل إن المال عقبة، فلا أعتقد أن أمة لها مثل ميزانيتنا، وهي تنفق من هذه الميزانية على تشجيع فرق التمثيل والرقص، وعلى تجميل الشوارع والميادين، وعلى إقامة الولائم والتماثيل، وعلى المعارض الدولية والمؤتمرات، وملاحق الصحف الأجنبية فى دعاية لا تستحق ثمن الورق الذي كتبت عليه، وعلى علاوات وترقيات وتعينات ليس أصحابها فى حاجة إليها، وليست الأمة فى حاجة إليهم جميعا، هذه الميزانية التى يبعثر منها هذا القدر الكبير فى هذه التوافه من [غير شك للجريء من الأمور] إذا توجهت إليه الهمة وانصرف نحوه التفكير.
أيها الحاكمون: تحرروا بربكم من هذا الأسلوب الديواني، وانصرفوا فى إجزاء الأعمال، وأنفذوا، فإن الخطأ فى الإنفاذ درس يستحق ما ينفق عليه، فالفائدة محققه إن أخطأتم أو أصبتم، ولكن لا فائدة مطلقا مع هذه الدراسات التى لا نجني منها إلا تسويد الأوراق وحفظها فى مكاتب الوزراء. نريد أن تشعر الحكومة ويشعر الشعب كله على مختلف طبقاته بالخطر المحدق بنا والمحيط بالعالم والذي يهدد الناس، ونريد أن يستغل هذا الشعور فى أن يقوم كل إنسان بواجبه حتى نحافظ على أنفسنا ووطننا فى هذا المعترك الثائر فى كل ناحية من نواحي الدنيا، وحتى ننجو من خطر المطامع والأهواء.
أعلنت حكومة لندن الإفراج عن معتقلي "سيشل" من زعماء فلسطين الكرام ولم تسمح لهم بالعودة إلى فلسطين. وتقول الأنباء: إن فى عزم الحكومة البريطانية أن تسمح لهم بتمثل شعبهم فى مؤتمر لندن إن أرادوا ذلك ودعاهم الشعب اليوم، فأما الإفراج فهو حق لا فضل لأحد على الزعماء فيه، ولقد كانت إنجلترا ظالمة معتدية حين ساقتهم إلى المنفى وهم أبرياء لا ذنب لهم إلا حرية الضمير والإخلاص للوطن. فحسن أن تعود إلى الحق، وأحسن منه أن يكون رجوعها كاملا لا نقص فيه ولا قيود معه، وإذا كان الزعماء لا يستطيعون العودة إلى فلسطين الآن، فكل بلد إسلامي يقصدونه غير فلسطين فهو لهم، ولا يضيرنا الأسماء ولا تحجرنا جغرافية الحدود- وهم حين يمثلون أمتهم لا يكون ذلك بإرادة إنجلترا ولا بسلطانها، ولكنه مستمد من شعور الشعب الذى يؤمن بنزاهة زعمائه ويمنحهم حق التكلم باسمه – وإذا صح ما يقال من أن الحكومة المصرية قد اشترطت لاشتراكها فى المؤتمر أن يدعى إليه ويمثل فيه سماحة المفتي الأكبر الحاج أمين الحسيني باعتباره زعيم فلسطين المجاهد، فهذا إدراك للحقائق وحزم منها تستحق أن تشكر عليه.
صدرت الأهرام فى يوم من أيام هذا الأسبوع وفى صدرها صورة لرئيس الوزراء ورئيس الوفد المصري فى تكريم المستر "هوبكنسون" وتقول الأنباء إن الرئيسين قد تصافحا. جميل أن يجتمع هذان الزعيمان اللذان يمثلان أكبر الأحزاب المصرية وجميل أن يتصافحا، ولكن حبذا لو كان هذا فى حفل غير حفل المستر "هوبكنسون"، وحبذا لو أثمرت هذه المصافحة تفاهما يؤدى إلى التفاهم والتعاون على خدمة الشعب الحائر المتألم، وحبذا لو أثمر هذا التعاون منهاجا إسلاميا يحقق الآمال وتصلح به الأحوال(20).
صورة المذكرة التى قدمت للسفير البريطاني
بشأن فلسطين ومفتيها الأكبر
سعادة السفير البريطاني بمصر:
إن الإخوان المسلمين الذين يؤمنون بأن قضية فلسطين هى قضية الإسلام والعروبة ليعجبون من التناقض فى تصريحات وزير المستعمرات البريطانية، إذ بينما يصرح فى جلسة مجلس العموم فى 7- 12- 1938 بأمر الحكومة البريطانية فى اختيار ممثلي عرب فلسطين، يصرح فى جلسة 14- 12- 1938 بأنه مصرُّ على عدم توجيه الدعوة لسماحة المفتي.. وليس من شك أن هذا تدخل صريح يرمى إلى الحيلولة بين زعيم فلسطين الأوحد وبين حضور المؤتمر الذى سيتناول قضية القطر الشقيق المجاهد.
لقد استفتت الحكومة البريطانية الشعب الفلسطيني فى هذا الشأن تحت سيف الأحكام العسكرية، فكانت نتيجة الاستفتاء أن أعلن العرب -مسلمين ومسيحيين- أنهم يضعون ثقتهم التامة فى سماحة زعيمهم المفتي الأكبر.. ولن يتنازل المسلمون عامة وأبناء فلسطين خاصة عن ذلك الرأي الذي اتفق عليه إجماعهم.
إن هذا الموقف الشاذ الذى يقفه وزير المستعمرات إلى جانب المواقف التى وقفها من قبل متحيزا للصهيونية، ومتحاملا على العرب، ومناوئا لمطالبهم العادلة المشروعة، ليثير مخاوف الإخوان المسلمين ويحملهم على المطالبة بعدم تولية أعمال مؤتمر فلسطين وإسناد رئاسته إلى المستر "شمبرلن" ليعمل على حل هذه القضية بما يقتضيه العدل والإنصاف.
إن عرب فلسطين قد سطروا جدارتهم للحرية الكاملة لا بحقوقهم المشروعة فحسب، ولكن بدماء زكية أراقها شهداؤهم وأرواح طاهرة بذلها شبابهم.. إن هذا الشباب الأبي قد أعلن كلمته فى حزم وقوة، ولن يثنيه عن تنفيذ إرادته عسف أو اضطهاد أو تنكيل..
والإخوان المسلمون يقفون فى المحنة القاسية التى تجتازها فلسطين إلى جانب إخوانهم عرب القطر المجاهد، فإن أنصفتهم الحكومة البريطانية فذاك، وإلا فسيبذلون أرواحهم وأموالهم فى سبيل بقاء كل شبر من فلسطين إسلاميا عربيا حتى يرث الأرض ومن عليها...
ونرجو أن ترفعوا هذه المذكرة لحكومتكم(21).
فى 27 رجب
إلى الإخوان المسلمين
أيها الإخوان:
بين هذه التنقلات الدائمة فى مدن الصعيد المبارك وقراه أذكركم من كل قلبي بيوم فلسطين يوم 27 رجب.
فلسطين الباسلة المجاهدة الشهيدة تدعوكم بلسان المسجد الأقصى المبارك، وبلسان الشهداء من أبنائها المجاهدين، وبلسان أراملها الطاهرات، وأطفالها الأبرياء الذين جنت عليهم القوة الغاشمة والجبروت الظالم، فأصبحوا ولا عائل لهم ولا سند، وبلسان هذا العدوان الصارخ من الصهيونيين شذاذ الآفاق وحثالة الشعوب، وبلسان الأخوة الإسلامية التى تجعل من المسلمين جسمًا واحدًا إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر..
فلسطين الباسلة المجاهدة الشهيدة تدعوكم لتثبتوا وجودكم، ولتظهروا غضبكم، ولتقدموا مساعداتكم، حتى يعلم الغاصبون الطامعون أن المسلم لن ينسى أخاه ولن يقصر فى واجبه..
ابعثوا بالاحتجاجات الكتابية، وألفوا اللجان، اجمعوا الإعانات، تنازلوا عن النعيم والترف بها لواحدا فى سبيل فلسطين، وابعثوا بما تقتصدونه وتجمعونه من الأهالي إلى "اللجنة المركزية لمساعدة فلسطين بدار الإخوان المسلمين" لتبعث بالأموال المجموعة إلى الأرامل والأيتام من أبناء المجاهدين..
وإن اللجنة لتنتظر منكم بيانًا وافيًا بأسماء أعضاء لجان فلسطين الفرعية، وبالوسائل العملية الإيجابية التى ستساعدون بها إخوانكم المجاهدين فى يوم الإسراء المبارك..
احذروا أن تقصروا فتندموا أشد الندم فى الدنيا وتسألون عن ذلك فى الآخرة.
وفق الله المسلمين لخيرهم، وتحرير أوطانهم، واستعادة مجدهم.
والله أكبر ولله الحمد(22)
الإضراب العام يوم الجمعة 2 نوفمبر
احتجاجا على وعد بلفور المشئوم
الإخوان المسلمون يشاركون إخوانهم أهل فلسطين الإضراب يوم 2 نوفمبر ويضمون جهودهم إلى جهادكم حتى يتم النصر إن شاء الله(23).
هبي ريح الجنة
ليست هذه الكلمة مقالا يكتب ولكنها نصيحة خالصة بريئة، نتقدم بها إلى الذين يناصرون الصهيونية اليهودية ويريدون أن يغتصبوا حق العرب المقدس فى وطنهم الغالي فلسطين.
نريد أن نقول لهم: إن العرب حين يذودون عن فلسطين ويطالبون بحقها، يشعرون من أعماق قلوبهم أن صميم وحدتهم وسلامة أوطانهم وحقيقة استقلالهم كل ذلك مرهون بهذا الجزء من أرضهم، وبأن يظل لهم فلا تقوم فيه دولة لسواهم، فدفاعهم عن فلسطين دفاع عن صميم كيانهم، فضلا عن الاعتبارات الدينية والاقتصادية والخلقية الأخرى، والعرب يدركون هذه الحقيقة فهم لا يجاملون أهل فلسطين ولكنهم يحافظون على وجودهم وعلى أرضهم.
وحقيقة أخرى: هى أن قيام كيان يهودي صهيوني فى فلسطين يهدد السلام العالمي، ويصبح خطرا على دول أوروبا وعلى أمريكا نفسها، ويفسد الصداقة المنتظرة، ويحول دون التعاون المترقب بين الشرق والغرب وبين أربعمائة مليون مسلم فى أفريقيا وآسيا وبين أوروبا وأمريكا، وذلك أيضا فضلا عن الاعتبارات السياسية والاقتصادية الأخرى.
وحقيقة ثالثة: وهي أن العبرة التاريخية تطالعنا بأن الحرب الأولى إنما كانت شرارتها المباشرة قنبلة سراييفو، وبأن الحرب الثانية كانت شرارتها المباشرة دانزج والممر البولوني، ونرجو مخلصين ألا تكون شرارة الحرب الثالثة فلسطين الشهيدة، فإن العالم لم يفق بعد مما لقى من صدمات.
وكلمة مخلصة ليهود العالم الذين لاشك أننا نرثى لهم فى محنتهم ونشاركهم آلامهم وإن كنا لا نرضى بحال أن تسوى على حسابنا. نريد أن نقول لليهود فى كل مكان: إنهم يغررون بأنفسهم ويخدعونها ويمنونها بالباطل حين يرتقبون الهدوء والسلام فى فلسطين، فإن سبعة عشر مليونا من أى جنس (وهم كل اليهود فى العالم) لو فرضنا أنهم احتشدوا فى فلسطين لا يمكن أن يعيشوا عنوة فى بحر متلاطم من سبعين مليونا من العرب الأباة البواسل ومعهم ثلاثمائة مليون من المسلمين الغيورين الأمجاد، فعليهم أن يكونوا طوال النظر، وأن تمتد نظرتهم إلى النتائج البعيدة ويقدروها حق قدرها. وحقيقة ختامية نصارح بها إنجلترا وأمريكا واليهود الصهيونيين معا، وهى أنه إذا كان اليهود فى فلسطين قد أعدوا عدتهم من ذخيرة وسلاح وتجهزوا للعدوان الصارخ وليفرضوا أنفسهم بالقوة القاهرة، فإن هناك ملايين من المصريين ومن العرب فى كل مكان ومن المسلمين يتضرعون إلى الله فى سجودهم أن يرزقهم الشهادة فى سبيله، وألا يكون موتهم هكذا حتف أنوفهم كما يموت البعير. وكان أشد ما يحز فى أنفسهم أنهم لا يعرفون ميدانا للاستشهاد، فإذا كانت إنجلترا وأمريكا واليهود الصهيونيون قد اعتزموا أن يتفقوا على ظلم العرب واغتصاب أرضهم، فإن هذه الملايين حينئذ تكون قد وجدت ميدانها المرتقب، وإنها لتتقدم إليهم شاكرة أن أتاحوا لها هذه الفرصة. وسيعلم الظالمون حين تلتقي القلوب المؤمنة بالأسلحة الخائنة، وحين تهتف هذه النفوس المشوقة للقاء الله: "هبي ريح الجنة" لمن العاقبة؟ العاقبة للمتقين(24).
سماحة مفتي فلسطين الأكبر
حضرة صاحب السعادة السفير البريطاني بالقاهرة:
جزع الإخوان المسلمون والعرب والمسلمون قاطبة من تجدد المطالبة بتسليم زعيم فلسطين الأوحد ومفتيها الأكبر صاحب السماحة السيد محمد أمين الحسيني، ولن تنتج هذه المطالبة سوى إثارة شعور العرب والمسلمين فى العالم واكتساب عدوانهم وزيادة تعقيد المشاكل الكثيرة التى بينكم وبينهم. فنرجو أن تنصحوا لحكومتكم بأن تسلك سبيل الرشاد، فتفسح صدرها لسماحته، وتكف الأذى عنه، وتسمح له بحقه الطبيعي فى العودة إلى فلسطين أو تسهل له الإقامة فى أحد الأقطار العربية، وبذلك تكسب صداقة العرب الحقيقية وشكرهم الصميم.
2 أبريل سنة 1946
حضرة صاحب السعادة وزير أمريكا المفوض بمصر:
علمنا بالأسف الشديد أن حكومتكم قدمت مذكرة لفرنسا تؤيد بها بريطانيا فى مطالبتها تسليم حضرة صاحبة السماحة السيد محمد أمين الحسيني زعيم فلسطين ومفتيها الأعظم، فدهشنا لموقف حكومتكم الغريب من العرب والمسلمين ومناهضتها لعظيم من عظمائهم وزعيم من زعمائهم الدينيين إرضاء لشهوات اليهود الصهيونيين.
إن من العار أن تبنى دولة عظيمة كدولتكم سياستها على شهوات فئة باغية كل همها إيقاد نار العداوة والبغضاء بين الدول والشعوب.
ونحن باسم الإخوان المسلمين ومن ورائهم كافة العرب والمسلمين فى مختلف أقطارهم نحذر حكومتكم من الاسترسال فى هذه السياسة الصهيونية الجائرة، فإنها وحدها هى التى تضمن لكم أن تخسروا معركة السلم فى العالم العربي والإسلامي كله بعدما كسبتم معركة الحرب بصورة حاسمة، وإذا خسرتم صداقة العرب والمسلمين فلن تجدوا عوضا عنها عند اليهود والصهيونيين.
لذلك نرجوكم أن تطلعوا حكومتكم وفخامة رئيس جمهوريتكم على حقيقة الموقف فى البلاد العربية والإسلامية، وتكاشفوها بالمنزلة الرفيعة التى يحتلها سماحة المفتي الأعظم من قلوب أبناء العروبة والإسلام قاطبة، وتبينوا لهما جسامة الخسارة التى تصاب بها دولتكم ومصالحها فى الشرق من جراء إعلانها عداوتها للعرب والمسلمين بمناهضتها للمفتي الأعظم. كما نرجو أن تؤكدوا لحكومتكم استعدادنا لبذل دمائنا فى سبيل إنقاذ رجالاتنا متى لزم الأمر.
وإذا أرادت حكومتكم أن تسلك سبيل الرشاد، فعليها أن تعمل لإعادة سماحة المفتي الأعظم حالا لفلسطين أو لبلد من بلاده العربية، فذاك أكرم لها وأدعى لبقاء حسن الصلات بيننا وبينها(25).
الدفاع عن مجاهد عربى توطن فى مصر
حضرة صاحب الدعوة وزير الداخلية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(وبعد) فقد أدهشنا موقف الداخلية من الأستاذ محمد على الطاهر، ذلك المجاهد العربي الذي قضى فى مصر أكثر من ثلاثين سنة صحفيا قديرا، وعاملا مجاهدا فى سبيل العروبة والوطن.
فكان غريبا بعد ذلك أن يقال: إنه من غير المرغوب فيه أن يعود إلى مصر إذا غادرها لأى قطر من الأقطار.
وإن مصر المضيافة التى تستقبل المهاجرين من كل جنس بالبشاشة والترحاب، وتفسح لهم من أرضها ومواردها، والله يعلم ما يعود عليها بسبب ذلك من أضرار لن تضيق بعربي مجاهد يهتف بحقها، ويعمل مع العاملين لحريتها واستقلالها، ويعتبر بحكم الروابط الكثيرة وهذه الإقامة الطويلة كأنه ابن من صميم أبنائها.
ومصر التى ارتضاها العرب مقرًّا لجامعتهم لا يصح أبدا أن تضيق بواحد من أبنائهم، ولقد نادى جلالة الملك حفظه الله بالقومية المشتركة، فكانت تلك إشارة كريمة إلى ما يجب أن يلقاه العرب فى هذه الديار من كرم وإيثار.
ولهذا أكتب إلى دولتكم راجيا أن يكون موضوع الأستاذ محمد على الطاهر موضع عنايتكم، وأن تأمروا باتخاذ كل ما يمكن من التسهيلات لتنقل رجال العروبة والإسلام من مصر وإليها مشكورين(26).
الإخوان المسلمون والمفتي الأكبر
كان للخبر المفاجئ الذي طيرته أسلاك البرق بمغادرة سماحة الحاج أمين الحسيني زعيم فلسطين وبطل العروبة أرض فرنسا أثر بالغ، اهتزت له جوانح العرب والمسلمين فى أنحاء المعمورة، وتمنى كل قطر عربى أن يشرف بحلوله به، كما أبدى استعداده للذود دونه وبذل كل نفيس وغال فى المحافظة عليه.
هذا وقد أرسل حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين البرقية التالية إلى بلودان لكل من حضرات معالي عبد الرحمن عزام باشا الأمين العام لجامعة الجامعة الدول العربية، ومعالي رئيس وفد المملكة العربية السعودية، ومعالي رئيس شرق الأردن، ودولة رئيس وفد مصر، ودولة رئيس وفد سورية، ودولة رئيس وفد لبنان، ودولة رئيس وفد العراق، وصاحب السمو الملكي رئيس وفد اليمن، وسعادة رئيس وفد فلسطين. وهذا نص البرقية:
بلودان: تواترت الأنباء بخروج سماحة السيد أمين الحسيني من فرنسا وتوجهه إلى الشرق العربي. فالإخوان المسلمون وكافة العرب والمسلمين يرجون من مجلس الجامعة الموقر الذى ترنو إليه الأبصار، معلقة عليه أعظم الآمال لإنقاذ فلسطين فى اجتماعه الخطير: أن يقرر إعلان الترحيب بسماحة المجاهد العظيم فى أى قطر عربى يهبط على أرضه ويختار الإقامة به، ويرجون استقباله بما يليق بمقامه الكريم وجهاده العظيم فى سبيل العروبة والإسلام(27).
الإخوان المسلمون
يؤيدون عرب فلسطين فى موقفهم اليوم
أرسل المركز العام للإخوان المسلمين البرقيتين الآتيتين لمناسبة إضراب فلسطين اليوم:
نائب الهيئة العربية العليا- بالقدس:
الإخوان المسلمون بمصر يشاركون إخوانهم عرب فلسطين فى الاحتجاج على الاعتداءات الصهيونية الأثيمة. ويرجون لفلسطين العربية الخلاص من نير الاستعمار الإنجليزي والصهيوني. ويأملون النصر القريب للعروبة والإسلام.
المندوب السامي لحكومة فلسطين- القدس:
الإخوان المسلمون بمصر يحتجون على الاعتداءات الصهيونية ضد إخوانهم عرب فلسطين، ويرون فى موقف الحكومة الإنجليزية السلبى من هذه الاعتداءات تآمرا مع الصهيونيين المعتدين على العرب البرءاء الآمنين(28).
الإخوان يرفضون
تقرير لجنة التحقيق
أرسل فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين البرقية التالية إلى سكرتير هيئة الأمم المتحدة بمناسبة ما نشر عن تقرير لجنة التحقيق الخاصة بفلسطين:
الإخوان المسلمون بمصر والعالم العربي والإسلامي يرفضون بشدة تقرير لجنة التحقيق الباطل ويستنكرون ما جاء فيه، ويعلنون أن فلسطين عربية وستبقى كذلك، وأنهم سيناهضون أى اعتداء على عروبتها بكل قوة(29).
الإخوان المسلمون وفلسطين
أرسل فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين إلى سكرتير هيئة الأمم المتحدة البرقية التالية:
الإخوان المسلمون بمصر والعالم الإسلامي -بمناسبة عرض قضية فلسطين على الهيئة- يعلنون أشد الاستنكار للاقتراحات المقترحة على لجنة التحقيق، وعزمهم على مقاومة كل مشروع يقضى بتقسيم فلسطين ويخالف عروبتها(30).
من المرشد إلى هيئة الأمم
أرسل فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين إلى كل من سكرتير هيئة الأمم المتحدة وجنرال مارشال وزير خارجية أمريكا البرقية التالية:
المركز العام للإخوان المسلمين يعتبر قضية عرب فلسطين قضية جميع مسلمي العالم. وإن الاستجابة لمطامع الصهيونيين وإقامة دولة يهودية فى أى جزء من فلسطين سيحول الشرق جميعه إلى ميدان لمجازر بشرية لا يتحمل مسئوليتها إلا الذين ناصروا باطل الصهيونيين ضد حق العرب الصريح، وإن ديننا ليأمرنا بمقاومة هذا العدوان الاستعماري بكل ما لدينا من قوة. لقد تمتع اليهود طوال الحكم العربي بالأمان الذي حرموه فى المدنية الحاضرة، وإن السبيل الوحيد إلى إقرار السلام فى الشرق، إعلان استقلال فلسطين وانسحاب الجيوش البريطانية منها وإقامة حكومة عربية ديموقراطية(34).
الكتيبة الأولى
للإخوان المسلمين
أرسل فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين أمس إلى سعادة عبد الرحمن عزام باشا الأمين العام للجامعة العربية فى بيروت البرقية التالية:
بمناسبة انعقاد مجلس الجامعة الموقر للنظر فى قضية فلسطين الشقيقة يرى الإخوان المسلمون ألا سبيل لإنقاذها إلا القوة ولهذا يضعون تحت تصرف الجامعة العربية عشرة آلاف من خيرة شبابهم المجاهدين ككتيبة أولى فى جيش الإنقاذ للزحف العملي عند أول إشارة(35).
وجوب انسحاب الحكومات العربية
من هيئة الأمم المتحدة
أرسل فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين إلى سعادة الأمين العام للجامعة العربية الكتاب التالي:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
الآن وقد جد الجد، وبدأت حكومات العرب وشعوبهم تتأهب لأقدس خطوة عرفها تاريخ الجامعة العربية فى إنقاذ فلسطين الشقيقة، قرر مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين فى جلسة مساء الأحد 27 من ذى القعدة 1366 الموافق 12 من أكتوبر 1947 أن يطالب الجامعة العربية الموقرة ودولها الكريمة باتخاذ الخطوات التالية:
أولا- وجوب انسحاب الحكومات العربية من هيئة الأمم المتحدة بعد أن ثبت أنها لا تعدو أن تكون ستارا قانونيا لتنظيم المطامع الاستعمارية بين الدول الكبرى.
ثانيا- مناشدة جميع الحكومات ذات الضمير الحى والمثل الكريمة فى كافة أنحاء العالم -ولاسيما الدول الشرقية والإسلامية- أن تنسحب من هذه الهيئة الخانعة وقاية لشرف هذه الدول وكرامتها من أن تكون مطية لتقنين الظلم وتنظيم الاستعمار.
ثالثا- مبادرة الحكومات العربية بسحب الجنسية الوطنية من أبناء الجالية اليهودية فى كل هذه البلاد إذا تخلفوا عن مسابقة أبناء البلاد مسلمين ومسيحيين فى حمل نصيبهم الوطني العربي من العمل لإنقاذ فلسطين وعروبتها بالأنفس والأموال.
هذا يا صاحب السعادة أفضل ما تتخذه الجامعة والحكومات العربية ليستقيم به قرارها الحاسم فى إنقاذ فلسطين الشقيقة.
وتفضلوا يا صاحب السعادة بقبول عظيم الاحترام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(36).
خطاب من المرشد العام
إلى حاخام وكبار الطائفة الإسرائيلية
أرسل فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين إلى سيادة "حايم ناحوم" حاخام الطائفة الإسرائيلية وحضرات كبار مواطنينا الأعزاء أفراد الطائفة الإسرائيلية الكتاب التالي:
تحية طيبة مباركة. وبعد:
فقد قرأت بجريدة "أخبار اليوم" "وجريدة الزمان" أمس أن الحكومة المصرية قد أخذت التدابير اللازمة لحماية ممتلكات اليهود متاجرهم ومساكنهم.. إلخ فأحببت أن أنتهز هذه الفرصة لأقول أن الرابطة الوطنية التى تربط بين المواطنين المصريين جميعا على اختلاف أديانهم فى غنى عن التدبيرات الحكومية والدولية والحمايات البوليسية.
ولكن ونحن الآن أمام مؤامرة دولية محكمة الأطراف تغذيها الصهيونية لاقتطاع فلسطين من جسم الأمة العربية وهى قلبها النابض، وأمام هذه الفورة الغامرة من الشعور القومي المتحمس فى مصر وغير مصر من بلاد العروبة والإسلام، لا نرى بدا من أن نصارح سيادتكم وأبناء الطائفة الإسرائيلية من مواطنينا الأعزاء بأن خير حماية وأفضل وقاية، هى أن تتقدموا سيادتكم -ومعكم وجهاء الطائفة- فتعلنوا على رؤوس الأشهاد مشاركتكم لمواطنيكم من أبناء الأمة المصرية مشاركة مادية وأدبية فى كفاحها القومي الذى اتخذوه مسلمين ومسيحيين لإنقاذ فلسطين، وأن تبرقوا –سيادتكم- قبل فوات الفرصة لهيئة الأمم المتحدة وللوكالة اليهودية ولكل المنظمات والهيئات الدولية والصهيونية التى يهمها الأمر بهذا المعنى، وبأن المواطنين الإسرائيليين فى مصر سيكونون فى مقدمة من يحمل علم الكفاح لإنقاذ عروبة فلسطين.
يا صحاب السيادة:
بذلك تكونون قد أديتم واجبكم القومي كاملا وأزلتم أى ظل من الشك يريد أن يلقيه المغرضون حول موقف المواطنين الإسرائيليين فى مصر، وواسيتم الأمة العربية كلها والشعوب الإسلامية فى أعظم محنة تواجهها فى تاريخها الحديث، ولن ينسى لكم الوطن والتاريخ هذا الموقف المجيد.
وتفضلوا بقبول احتراماتي وتحياتي(37).
نداء
من المركز العام للإخوان المسلمين
إلى العرب والمسلمين عامة وإلى شعب وادي النيل والإخوان خاصة:
أيتها الأمة المجيدة، أمة العروبة والإسلام:
لقد برح الخفاء، ووضح الصبح لذي عينين، وتمت المؤامرة الظالمة التى مثلتها الصهيونية على مسرح هيئة الأمم المتحدة، متقمصة أشخاص مندوبي دول المطامع والأهواء صغيرها وكبيرها، ومأجوري السياسة، وتجار الأصوات، ورعاديد الضمائر والقلوب.
ولم يبق إلا أن تعتمدوا بعد الله على أنفسكم، وتعملوا لأوطانكم، وتجاهدوا بكل وسيلة فى استخلاص حقكم، وإجلاء الدخيل البغيض عن أرضكم.
ولستم بحمد الله قلة، فأنتم فى فلسطين وحدها أكثر عددا من خصومكم، وأنتم فى غير فلسطين سبعون مليونا من العرب وأربعمائة مليون من المسلمين، ولستم أقل منهم عدة، وأنتم بعد ذلك تفضلونهم بهذا الإيمان بحقكم، وبتأييد الله إياكم، ومناصرته لكم، ولينصرن الله من ينصره. إن الله لقوى عزيز.
ولقد أتاح الله لكم بهذا القرار العابث ميدانا من ميادين الغنيمة فى الدنيا، والكرامة فى الآخرة كنتم تشتاقون وتحنون إليه: ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا﴾[التوبة: 52] ففيم التردد والقعود، وقد هبت ريح الجنة معطرة بنسمات الاستشهاد.
إن على الحكومات العربية والإسلامية أن تنسحب فورا من هذه الهيئة التى انتحرت بيدها وسجلت على نفسها القصور والعجز وخراب الذمة وفساد الضمير.
وإن على الشعوب العربية الإسلامية أن تستعد وتتهيأ، فإن الدفاع عن فلسطين وإنقاذ عروبتها دفاع عن كل وطن عربى وإسلامي، فهى الخط الأول الذي إن فقدناه فقدنا كل ما بعده والضربة الأولى نصف المعركة.
وإنا لنرجو أن نسمع غدا- إن شاء الله، ولا أكثر من الغد فالوقت ثمين- صوت "اللجنة العامة لإنقاذ فلسطين بوادي النيل" يعلن النفير العام، وينظم الجهود المبعثرة، ويوجه كتائب الله إلى الشهادة لأسمى غاية فى أكرم ميدان.
وسيرى الذين هزءوا بحق العرب وسخروا من قوتهم أنهم كانوا جاهلين عابثين، ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَىَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾[الشعراء: 227].
والله أكبر ولله الحمد(38).
من المرشد إلى المفتي
أرسل فضيلة المرشد العام إلى سماحة الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين البرقية التالية:
لن يزيدنا عبث هيئة الأمم إلا جدا فى أمرنا، واستمساكا بحقنا، وجهادا فى سبيل وطننا، وسيريهم الله منا ما لم يكونوا يحتسبون. ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾[يوسف: 21](39).
خطبة المرشد العام للإخوان
أيها الإخوان:
ليس لهذا العدوان الذي اجتمعنا اليوم من أجل التفكير فى وسائل رفعه عن أرض العروبة والإسلام نظير فى تاريخ البشرية كلها، فلم يحدث أن تآمرت طائفة من الناس على وطن أمة من الأمم فاحتلته بالخديعة، ثم اقتطعت منه ما شاءت بالإرهاب، ثم سخرت أمم المادة والشهوات لتحكم لها بما أرادت بشراء الذمم واحتكار الضمائر والمساومة على الأصوات، ثم زعمت أنها ستقيم دولة وتنشئ حكومة لتعيش بين هذه المجموعة الضخمة من الأمم رغم أنفها.
هذه قصة من الظلم والجور لم تشهد الدنيا لها نظيرا، ولكنها الليالي من الزمان حبالى التى تحدث عنها الشاعر الغابر.
ضرر عام لا خاص
وإن قرار التقسيم الظالم الذى يقر قيام دولة صهيونية فى قلب بلاد العرب لا ينال فلسطين وحدها، ولكنه يتعدها إلى كل وطن عربى آخر بجوارها، ثم إلى الأوطان الإسلامية جميعا. فإن اليهود لا يخفون نواياهم، ولكنهم يجاهرون بها ويهتفون بأن ملك إسرائيل من الفرات إلى النيل، ويخطب بذلك خطباؤهم، ويرسمون فى الخرائط صورة دولتهم المستقبلة فى زعمهم على هذا الوضع، بل إنهم ليحلمون بيثرب موطن بنى قريظة وبنى النضير سابقا، ومهوى قلوب المسلمين وأفئدتهم جميعا اليوم، ومستقر أكرم إنسان عرفته الإنسانية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
إنهم ليقولون ذلك فى صراحة ويفكرون فيه ويرسمون له الخطط والوسائل ولن يصلوا إلى شىء بإذن الله: ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا﴾[الكهف: 5].
جس نبض وفاتحة لا خاتمة
على أن هذا القرار -فيما أعتقد- عنوان لكتاب ضخم صفحاته محاولات الاستعمار التالية، وهو -ولا شك- خلل فى الدماغ العالمي وعرض لمرض خطير هو الجشع والنهم فى نفوس الدول المستعمرة، إن تهاون العرب وأمم الشرق جميعا فى مقاومته بكل وسيلة، فسيتلوه خطوات ترمى كلها إلى فرض العبودية على هذه الأمم العربية والإسلامية والشرقية من جديد. ويومئذ نقول كما قال الأول "أكلت يوم أكل الثور الأبيض". ولات حين مندم!! على أننا استفدنا من هذا القرار كثيرا ورب ضارة نافعة، فقد انكشفت غشاوة التضليل والثقة بأقاويل أمم الغرب ودوله وحكوماته ومواثيقه عن بصائر وأبصار العرب والمسلمين والشرقيين الذين أخلصوا كل الإخلاص لمبادئ العدالة والإنصاف العالمية، وأرادوا بصدق أن يتعاونوا مع هؤلاء المضللين على تحقيقها واعتمدوا عليهم فى ذلك، وضحوا فى سبيل انتصارهم بالكثير، فى الوقت الذي لم تتغير فيه طبائع الجشع الاستعماري فى أنفسهم ذرة. وقد جمع هذا القرار الكلمة المفرقة والجهود المبعثرة، ودفعنا دفعا إلى وحدة الكلمة وتسوية الصف، ولا يجمع القلوب كالمصائب، ولا يوحد الجهود كالنكبات، ولا يدفع الأمم إلى العمل المشترك كمثل هذا العدوان الصارخ. وأقنعنا هذا القرار أخيرا بأن ملاذنا الأخير هو الإسلام الحنيف والعروبة المجيدة والشرق المضيء؛ المضيء بلمع الحضارات وأنوار الرسالات وشموس الفلسفات منذ وجدت الأرض إلى أن يرثها الله ومن عليها، وها قد وقف دعاة الخير والحق والنور والعدالة وجها لوجه أمام أنصار المادية والظلم والعدوان وعبيد الذهب وأسرى الهوان والأهواء، وسيكون النصر بإذن الله لنا: ﴿فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾[النساء: 19]. والعاقبة للمتقين.
سنقاوم بكل شدة
إن العرب والمسلمين فى بقاع الأرض سيقاومون بكل ما فيهم من شدة هذا العدوان الصارخ ولن يستسلموا أبدا لمشيئة الأمم المتحدة المزيفة ولا لإرهاب الصهيونية الذليلة وقوتها المصطنعة، وسيرى الذين يشكون -أو يشككون- فى مقدرة العرب وقوتهم واستعدادهم للدفاع أنهم واهمون. ولئن كنا قد تراخينا فى الماضي عن حقنا ولم نستعد له الاستعداد المسلح -كما فعلت الجماعات الصهيونية- فذلك لأنه كان عندنا بقية من إيمان وأمل فى الضمير العالمي ومبادئ الحق والخير التى هتف بها هؤلاء الساسة فى ساعة العسرة، وكنا نريد أن نسد الذريعة ونقطع مادة الاتهام وسوء الظن ونقف عزلا أمام العالم لنبرهن على رغبتنا الأكيدة فى أن يسود السلام.
أما الآن وقد فجعنا فى كل هذه الآمال وكفرنا بهذا الإيمان بهذه الحكومات الجاحدة المضللة حكومات الغرب ودوله، فإننا بحمد الله نملك من القوة المادية والمعنوية ما نصل به إلى النصر إن شاء الله: ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾[الشعراء: 227].
عندنا القوة بإذن الله
إننا معشر العرب على اختلاف أدياننا ومذاهبنا قد تعلمنا سر الشهادة وتذوق أسلافنا حلاوتها من قبل، والمسيحية الرحيمة -وهى هدية فلسطين إلى البشرية- قامت على دماء الشهداء ولا زالت شهادتهم تاريخا يذكر لأخلافهم من بعدهم والإسلام الكريم -وهو هدية مكة إلى الناس جميعا- فرض على كل مسلم أن يكون جنديا للحق يذود عنه بنفسه وماله ودمه وروحه ولا يتردد فى ذلك أبدا: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِى التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِى بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾[التوبة: 111].
وأرض فلسطين المباركة قد روى ثراها بدماء عشرات الآلاف من صحابة نبينا صلى الله عليه وسلم، وتركوا لنا هذه الأمانة من بعدهم لنكون حراسها الأقوياء وجندها الأشداء، ولن تؤتى من قبلنا أبدا.
إننا نؤمن بأن آجالنا محدودة وأيامنا معدودة: ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾[النحل: 61]. وإننا نؤمن بأنه لن يصيبنا ضر إلا بقضاء الله، وأن ما أصابنا منه سنأخذ عليه أعظم الأجر وأجزل المثوبة: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِى سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يطئون مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ*وَلاَ يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[التوبة: 120-121]. ونؤمن بعد ذلك كله بأن الله لن يتخلى عنا أبدا: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ﴾[الحج: 40]. ومتى كان الله معنا فلنا الغلب بإذنه: ﴿إِن يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ﴾[آل عمران: 160].
نحن نؤمن بهذا كله، وهو سر قوتنا وانتصاراتنا من قبل، وسيكون –بتوفيق الله- سر قوتنا وانتصاراتنا من بعد. وهذه هى قوتنا وعدتنا الروحية التى لا تغلب، والتي هى أساس قوتنا المادية، والمال والسلاح والعتاد سيبارك الله فى القليل الذي بأيدينا منه وسنضيف إليه الغنائم من عدونا، وسنحصل عليه من كل مكان بأية وسيلة، وإذا صدق العزم وضح السبيل.
لقد مات لنا بالكوليرا عشرة آلاف ويزيدون بحسب الإحصاء الرسمي، وهم –لا شك- أضعاف ذلك، ماتوا – رحمهم الله- غرقى فى القيء والآلام والسقام، ونحن على استعداد لنقدم أضعاف أضعاف هذا العدد ليموت فى أكرم ميدان غريقا فى الدم الزكي الحار الطهور، دم الشهداء الأعزة الأقوياء. وقد علمنا أن الفناء فى الحق هو عين البقاء: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ﴾[آل عمران: 169].
أمة موحدة فى الجهاد
وسيرى أولئك الشاكون أننا ننهض بهذا العبء جميعا أمة واحدة متراصة الصفوف موحدة الجهود، وها هى ذى بشائر هذه الوحدة تتجلى فى هذا الاجتماع الذي يحضره الآباء الكرام ممثلو غبطة البطريرك ومواطنينا الأعزة الأقباط. وإنى لأبعث إليهم من هذا المنبر تحية التقدير والإكبار لهذه المشاركة المباركة التى أعادت إلى نفوسنا أجمل الذكريات. وأسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظ على هذا الوطن وحدته ويضاعف قوته حتى يصل إلى حقه كاملا بإذن الله.
اللجنة العليا
إن واجبنا منذ هذه اللحظة العمل، فلم يعد فى الوقت متسع يضيع فى التردد أو التفكير أو الكلام. ولهذا سنقترح عليكم تأليف لجنة عليا تقوم بتنظيم الجهود وتنسيقها فى سبيل استعادة فلسطين العربية، وتشرف على جمع التبرعات وتجهيز المتطوعين بالتدريب والعتاد والسلاح والاتصال بالهيئات واللجان فى الداخل والخارج بهذا الخصوص، وتشرف على كل ما يتصل بهذا الجهاد المرير المبارك المثمر إن شاء الله، وستباشر هذه اللجنة مهمتها وسنطلب إلى الحكومة أن تيسر لها سبيل النهوض بها، فإن استجابت لها فذاك، وإلا فإن الشعب سيعرف كيف يحاسبها على ذلك أشد الحساب والكلمة للشعب على كل حال..
ومن الإنصاف أن نقول إن الجامعة العربية قد تبنت هذه القضية تبنيا كريما وأن الحكومات المشتركة فى الجامعة قد سارت قدما بخطوات طيبة إلى الآن.
وإن عليها بعد ذلك ألا تتراجع وأن تنفذ قراراتها بحزم وعزيمة، وأن تأخذ الأهبة من الآن لكل الاحتمالات وأن تساعد الشعوب المتحمسة على أداء واجبها، فإن قصرت فى ذلك فإن إثم التقصير سيقع عليها ولن تصبر عليها الشعوب، فإن الوقت وقت جد لا هزل معه.
موقف الأجانب واليهود
ولقد عرض أحد الخطباء لموقف الأجانب فى مصر والمواطنين من الإسرائيليين فيها. وأحب أن أكون صريحا واضحا فى هذه النقطة وأن أقول بوضوح: إن موقفنا منهم سيكون بحسب موقفهم من قضيتنا، وهم لا يطمعون منا فى أكثر من المساواة، ونحن الآن فى محنة نبذل لها من أنفسنا ودمائنا وأموالنا، فليكونوا هم كذلك، وبقدر ما يقدمون من دليل على هذه المشاركة سيلقون من تقدير الأمة واحترام الهيئات والأفراد، ولن تغنى البلاغات الرسمية والتصريحات الحكومية شيئا عن هذه الحقائق الواقعة، فخير حماية للأجانب أو غيرهم هى عملهم وحسن تصرفهم وكسب عواطف هذا الشعب الطيب المسالم الكريم بمشاركته فى محنته ومساعدته فى حمل هذه الأعباء الثقال.
إلى النصر إن شاء الله
أيها الإخوة الفضلاء: نحن اليوم فى مؤتمر للدراسة والتذكير وأمامكم بعد ذلك مراكز التطوع للتمرين والتدريب، وجزى الله الأزهر الشريف –علماءه وطلابه وكلياته- خير الجزاء، فقد سبقوا الجميع إلى إعداد المراكز والتبرع بالمال والإعلان عن التطوع، وغدا -إن شاء الله- نلتقى فى الميدان، وبعد غد النصر إن شاء الله: ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾[يوسف: 21].
والله أكبر. الله أكبر(40).
إلى السادة الأكرمين
أعضاء اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية
أيها السادة الفضلاء الأكرمين: إن مصر الثائرة الغاضبة لتحييكم وتسعد بمقدمكم وتفخر بجهادكم وتسأل الله لكم من أعماق القلوب كل توفيق وتأييد، وإن أمامكم اليوم أيها السادة لعملا كثيرا.
ومنذ امتدت أصبع الاستعمار إلى الوطن العربي من الخليج إلى المحيط إلى اليوم وقضية هذا الوطن واحدة هى الحرية والوحدة.
وقضية فلسطين التى أثارت غضبة العرب اليوم حلقة من حلقات هذه السلسلة سلسلة العدوان المتواصل الجريء الظالم على هذا الوطن، وهناك قضية وادي النيل وقضية المغرب العربي بأقسامه الثلاثة: تونس والجزائر ومراكش وقضية ليبيا، ويلحق بهذه القضايا الأربع ما هو من جنسها تماما مما يتصل بالعالم الشرقي والإسلامي، وهو عالم تربطنا به العقيدة والمصلحة معا وإلا لم يكن عربى الدم والجنس.
وعلى الجامعة العربية الناشئة الوليدة أن تنهض بهذه الأعباء الثقال جميعا، ونعتقد أن الجامعة العربية -رغم حداثة عهدها- ستنهض بها على خير حال وسيوفقها الله إلى النجاح الكامل فى هذا الامتحان الرهيب إن شاء الله.
وقضية الساعة (قضية فلسطين) قد انتهى الأمر فيها من دور النقاش والجدل إلى دور الكفاح والعمل، واستنار الطريق كأوضح ما يكون أمام العاملين فليس هناك عذر لمتردد.
وصار من الواجب المحتوم على العرب والمسلمين جميعا وعلى الجامعة العربية بوصفها القيادة العامة لهذه الشعوب أمور ثلاثة:
1- مصارحة أعداء البلاد فى الداخل والخارج بالخصومة حتى يتحدد موقفهم من الشعوب وموقف الشعوب منهم، واعتبار الصهيونية مبدأ هداما شديد الخطورة على الأوطان العربية، ومؤاخذة كل صهيوني بجرمه بهذا الاعتبار، وإشعار الدول التى ناصرت الصهيونية هذه المعاني من السخط والألم بكل الوسائل الممكنة وهي كثيرة؛ كمقاطعة بضائعها، والتخلص من رءوس أموالها، وسلب حق الإقامة فى ديارنا من رعاياها، وسحب امتيازات شركاتها وعدم التعاون معها فى مصالحها المادية أو الأدبية المتصلة بنا وهكذا.
2- وبذل المال من الحكومات ومن الشعوب. والمال بحمد الله كثير والنفوس مستعدة للبذل، وإنما ينقصنا تركيز القيادة وحسن التنظيم وتنسيق جهود الهيئات، وإننا لنرى مظاهر هذا الاتجاه بادية بين الهيئات والجماعات، وعلى الجامعة والحكومات أن تعنى بتشجيع هذه الجهود حتى يتكاتف الجميع على التركيز والتنظيم المنشود.
3- وتجهيز الرجال. والنفوس العربية والإسلامية -بحمد الله- لا زالت تحن إلى الجهاد، وترغب الموت فى سبيل الله وتؤثره على هذه الحياة الذليلة، وتتمنى الشهادة فى سبيل الحق، والعدد كثير ولن نشكو فى يوم من الأيام القلة. وعقبة الحصول على السلاح ميسرة مذللة إذا اتجهت إليها الهمم بصدق وحزم.
لقد أضعنا وقتا كثيرا فى التردد وحسن الظن ولا نريد أن نتلاوم على الماضي، فلم تكن الفضيلة عيبا فى يوم من الأيام. ولأن نكون فضلاء وبيدنا الحق أولى من أن نكون معتدين على الباطل، ولكن يكفينا ما مضى ولنتقدم بعزيمة اليوم. وإن النفوس لترقب هذا الاجتماع المبارك للجنة السياسية للجامعة بشغف ولهف، ونرجو أن يسفر عن هذا التحديد والتوجيه ورفع راية العمل والإذن بالجهاد. ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾[يوسف: 21](41).
كلمة المرشد العام للإخوان المسلمين
ارتجل فضيلة المرشد كلمة قال فيها:
لبيك فلسطين. لبيك فلسطين. دماؤنا فداء فلسطين. أرواحنا للعروبة.
يا زعماء العرب ويا قادة الأمة العربية: إنى أنادى هنا الأمم المجاهدة.. الحجاز وسوريا والعراق وشرق الأردن ولبنان واليمن وأبناء وادى النيل وكل عربى يجرى فى عروقه دم العروبة الحر.
يا زعماء العرب: أنتم القادة وهؤلاء الجنود قد وقفوا دماءهم للدفاع عن فلسطين والعروبة.
يا زعماء العروبة: إن هذا الشباب ليس هازلا، ولكنهم جادون قد عاهدوا الله وعاهدوا الوطن أن يموتوا من أجله. إن كان ينقصنا اليوم السلاح فسنستخلصه من أعدائنا ونقذف بهم إلى البحر.
يا زعماء العروبة: لقد تألبت الدنيا تريد أن تسلب حقنا، ولقد عاهدنا الله على أن نعيش كراما أو نموت كراما.
وإنى أعلن اليوم من فوق هذا المنبر أن الإخوان المسلمين قد تبرعوا بعشرة آلاف متطوع هم على أتم استعداد لتلبية ندائكم فى سبيل إنقاذ فلسطين.
عاش جميع ملوك العرب وزعمائهم ورؤسائهم وعاشت الجامعة العربية(42).
ثم ماذا؟
كانت مأساة فلسطين على ما فيها من مرارة وقسوة خيرا وبركة على العرب والمسلمين، إذ جمعت كلمتهم ووحدت صفهم وصرفتهم عن الكلام المعسول والأمل الحلو والخيال الواهم إلى الجد والعمل.
ولقد اتخذت الجامعة العربية -ممثلة فى رؤساء العرب- قراراتها الموفقة ما نشر منها وما لم ينشر، وكان العزم وصدق التصميم باديا كأوضح ما يكون على قسمات وجوه هؤلاء الرؤساء الذين كان من حظهم أن يواجهوا هذه التبعة الثقيلة، تبعة إنقاذ فلسطين العربية ومكافحة قوى الظلم والطغيان والصهيونية والدولية على السواء، وجزى الله أمين الجامعة العربية أفضل ما جازى به مجاهدا عن أمته بما بذل من جهد تنوء به العصبة أولو القوة. ولقد صدر بيان الجامعة بعد ذلك، وحاول بعض الناس أن يقول: إنه مجرد من الخطوات العملية، وفاتهم أنه بيان لا قرارات، وأن الخطوات العملية لا يجوز أن تعلن على الناس، ونرجو أن نراها محققة قريبا -بل قريبا جدا إن شاء الله- وأن يلمس الجميع ما وراء هذا البيان من أعمال.
ويمكن أن نقول الآن: إن قضية فلسطين قد وضحت كل الوضوح، وأن وسائل النجاح فيها قد تحددت تمام التحديد، وصار إنقاذها اليوم فى كلمتين تحملان الكثير من المعاني والجهود: مال وسلاح. فعلى الأغنياء المال، وعلى الحكومات تيسير كل سبيل للحصول على السلاح، وأهل فلسطين جميعا على أتم استعداد لمواجهة الدنيا بأسرها، مجاهدين فى سبيل وطنهم وهم مؤمنون بالنصر، واثقون بتأييد الله، لا يريدون إلا استكمال العدة من السلاح وإن كان عندهم منه شىء فقديما قال المثل العربي: "إن ترد الماء بماء أكيس". ومن وراء أهل فلسطين فى هذا -ولا شك- مئات الآلاف من شباب العالم العربي والإسلامي يتحرقون شوقا إلى الموت فى سبيل الله، ويودون ألا يغلق فى وجوههم هذا الباب من أبواب الجنة، أو يحرموا تلك الفرصة السانحة ليكونوا شهداء.
وأحسب أن أمر فلسطين بعد اليوم ليس فى حاجة إلى مزيد كلام ولكن إلى عمل يتمثل فى مال وسلاح وشباب وكفى.
فلتحمل هيئة وادى النيل العليا لإنقاذ فلسطين عبء هذه القضية، ولتجند معها من تشاء، ولتسر بخطوات واضحة قوية فسيحة سريعة، فإن الجميع سيستجيبون للنداء، ولتجمع المال ولتعد السلاح ولتجند المتطوعين، ولن تجد أمامها عقبات بإذن الله. ولنطالب الحكومة المصرية بأن تبذل لها كل عون وتيسر لها كل سبيل ولا عذر لها فى التأخر، وأغلب الظن أنها ستبادر إلى كل ما يطلب منها من المساعدات، فهكذا وعدت ووعد الحر دين عليه.
وبعد هذا نريد أن نسأل: وقضية وادي النيل التى طال عليها الأمد وهي فوق رف مجلس الأمن حتى علاها الغبار أو كاد، والإنجليز يسيرون بخطوات سريعة لتحقيق سياستهم فى السودان ماذا أعدت الحكومة لها؟ وبقية القضايا العربية والإسلامية فى ليبيا والمغرب العربي والباكستان وغيرها. ألا يصح أن تظفر من شعب وادى النيل بلفته ولو بالكلام إذا عز العمل، وفى الكلمة الطيبة مواساة وعزاء؟ ومشاكلنا الداخلية فى مصر التى تتجدد وتتعقد وتتضاعف وتزداد والحكومة عاجزة عن علاجها حائرة فى مواجهتها. هل يصح أن تظل هكذا من غير حل أو علاج؟ إن الأمر جد خطير ولم يعد ينفع فيه ترقيع أو تفكير، بل لا بد من تجديد وتغيير. ﴿وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾[الحج: 41](43).
من المرشد العام
إلى سكرتير هيئة الأمم المتحدة
إلى المستر "تريجفى لى" سكرتير هيئة الأمم المتحدة:
إصراركم على المجاهرة بالتحيز للصهيونية والعمل بكل وسيلة على إنفاذ مشروع التقسيم الظالم تجاوز لاختصاصكم، واستفزاز للعالم العربي والإسلامي، وإشعال لنار العداوة والبغضاء، وتعريض لسمعة العاملين بهيئة الأمم المتحدة لاتهام جارح، وقرار هيئة الأمم غير ملزم، ومن واجبكم السكوت والتزام الحياد التام(44).
المرشد العام يحدث "الدفاع" الاطمئنان بالنهاية الظافرة
الإخوان المسلمون وفلسطين
تلقت وصيفتنا جريدة (الدفاع) الفلسطينية الرسالة التالية من غزة:
غزة- لمراسل الدفاع الخاص: قابلت فضيلة الشيخ حسن البنا المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين عند زيارته الأخيرة للمدينة، وقد عرضت على فضيلته الأسئلة الستة التالية، فتفضل وكتب ردودها بخط يده وهذه هى الأسئلة وأجوبته عليها:
1- ما هو شعور فضيلتكم عند زيارتكم الأولى لفلسطين؟
شعور الوطني الغيور حين يرى بقعة من وطنه المقدس. فلسطين تحتل من نفوسنا موقعا روحيا قدسيا فوق المعنى الوطني المجرد، إذ تهب علينا منها نسمات بيت المقدس المباركة وبركات النبيين والصديقين ومهد السيد المسيح عليه السلام، وفى كل ذلك ما ينعش النفوس ويغذى الأرواح.
2- هل أنتم واثقون من نصر الدول العربية وهل ترون أن الوسائل العملية التى قام بها العرب كافية لمواجهة الأحداث؟
إن نصر الدول العربية فى كفاحها ضد الظلم والعدوان محقق بإذن الله؛ لأنها تجاهد فى سبيل الحق، والحق مؤيد ومنصور ولا شك. ولئن كان فى وسائلنا العملية بعض النقص فنحن فى طريقنا إلى استكمالها، وما فى أنفسنا من إيمان بحقنا فيه كل التعويض بإذن الله.
3- هل ترون أن القضايا العربية فى مصر وفلسطين والعراق وبقية الدول تحل دفعة واحدة وبسياسة عامة منظمة أم تحل واحدة واحدة؟
قضية الحرية والعدل واحدة، ويجب أن تحل فى كل الدول والشعوب العربية والإسلامية بوسيلة واحدة كذلك؛ وهى التجمع، ووحدة الخطط والوسائل، وفى ذلك كل ضمان للفوز إن شاء الله.
4- ما هو رأى فضيلتكم فى طلب الهدنة التى تقدمت به بعض الدول الكبرى لوقف القتال فى فلسطين تمهيدا لحل قضيتها؟
لا يصح أن ننخدع بحال بهذه المناورات السياسية التى يراد بها تثبيط الهمم وتفريق الجهود، ويجب أن نظل على تعبئتنا وجهادنا حتى ننتصر بالعمل، فقد شبعنا من وعود السياسة والاعتماد على أساليبها العقيمة.
5- إلى أى حد وصلت استعدادات الإخوان المسلمين ومساعداتهم لنصرة عرب فلسطين؟ وهل دخل قواتهم المنظمة الميدان فى الأرض المقدسة؟ ومن أين تمون وتسلح هذه القوات؟ ومن يقوم بتكاليفها؟
الإخوان المسلمون يفتدون فلسطين بكل شىء، ولا يضنون بأرواح أو أموال فى سبيلها. وهم متعاونون تمام التعاون مع القيادات العاملة فى كل خططها، وللشئون العسكرية حرمتها. وأنا رجل مدنى. وللعسكريين أن يجيبوا على بقية هذا السؤال.
6- ما رأى فضيلتكم فى قضية اليمن؟
يريد الناس ويقدرون. ويريد الله ويقدر، وقدر الله نافذ، والله غالب على أمره. وما كنا نود أن تسير الأمور على هذا النحو، وكلنا نشجع الإصلاح فى اليمن وفى غير اليمن من بلاد العروبة والإسلام، ولكن لكل شىء عدته ووسيلته وظرفه ووقته، ويجب أن تنصرف الجهود الآن إلى هدف واحد: هو إقرار النظام والطمأنينة فى هذا الوطن العزيز، ومساعدته على النهوض، والفصل فى قضيته وفق إرادة الشعب اليمنى نفسه، فهو صاحب الكلمة فى حاضره ومستقبله، والأمور بيد الله تعالى(45).
عبد القادر الحسيني
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾[الحجرات: 15].
الشهيد العزيز الحميد السعيد الذى فقدته الأمة العربية أحوج ما تكون إلى عزم شبابه وفتوة جهاده وقوة مضائه.
والذى عاش من أجل العروبة والإسلام وجاهد فى سبيل العروبة والإسلام وقف فى أنبل مواقف البطولة والشرف والخلود. وإن شهادة فى الحق لهى عين البقاء. ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء.
كان عبد القادر الحسيني أبر الناس بوطنه وأمته، وكان أشد الناس عزوفا عن المطامع الشخصية والمنافع الذاتية، وأصفاهم نية فى جهاده الدائب المبرور المتواصل.
ولقد كان يقول لأصدقائه فيما بينه وبينهم: سأجاهد فى سبيل فلسطين المظلومة حتى تتحرر، ولن أقيم بها بعد ذلك وفى وطن العروبة والإسلام موضع لمستعمر، بل سأظل هكذا مجاهدا حتى يتحرر هذا الوطن كله أو أموت دون ذلك.
وإن المثل الذى ضربه من البسالة والإقدام لجدير أن يظل ماثلا أمام كل شاب من شباب العروبة والإسلام حتى يتحقق ما كان يصبو إليه، أو يلتقى وإياه فى ساحات الشهادة والخلود.
أتقن آباؤنا وأجدادنا -عليهم رضوان الله- صناعة الموت، وعرف أحدهم كيف يختار المكان الذى يموت فيه والأسلوب الذى يلقى الله عليه فى الزمان الذى قدر الله له، وكان عامة دعائهم فى سجودهم وأقصى أمانيهم فى حياتهم أن يموتوا شهداء وأن يجنبهم الله موتة الضعاف الجبناء. وبهذا الروح العالي استطاع هؤلاء الآباء والأجداد أن يعيشوا فى أرفع منازل الكرامة، وأن يموتوا فى أنبل مواقف المجد والبطولة: ﴿فَآتَاهُمُ اللهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآَخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾[آل عمران: 148].
ونسينا نحن هذه الصناعة وطال علينا الأمد فى مهاد الراحة والدعة، فطمع فينا من لا يدفع عن نفسه، وصرنا نهبا مقسما بين الأمم والشعوب، وبددنا هذا الميراث الضخم الذى أقامه هؤلاء الأسلاف الكرام بالكفاح والجهاد وبذل المهج والأرواح لله العلى الكبير.
ويوم ظهر فى هذه الأمة أمثال عبد القادر الحسيني من الذين آثروا ما عند الله على هذه الفانية، ودربوا من جديد على هذه الصناعة، صناعة الشهادة التى لا يتقنها إلا كل مؤمن كريم، وقرنوا القول بالعمل، فخاضوا المعارك الدامية مستبسلين على قلة العدد ووهن العدد، اعتقدنا أن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، وأن الدولة ستكون لأهل الإيمان من جديد. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وإذا كان عبد القادر الحسيني قد قضى شهيدا سعيدا حميدا، فإن فى آله الأمجاد وأصحابه الأكرمين من أهل الإيمان والجهاد خلف منه وما عند الله خير وأبقى. وإن أفضل ما نتقدم به إلى روحه الطاهر أن نعاهد الله على ألا يوضع السيف حتى تطهر الأرض المقدسة من هذا الرجس الصهيوني وتعيش فلسطين حرة أبية عربية نقية.
وإلى سماحة المفتي الأكبر وإلى الهيئة العربية العليا وإلى فلسطين المجاهدة وإلى العروبة الناهضة وإلى الإسلام العزيز أجمل العزاء فى وفاة الشهيد(46).
كلمة فضيلة المرشد
فى تأبين عبد القادر الحسيني
ألقى فضيلة المرشد العام كلمة جامعة فى حفل تأبين فقيد العروبة والإسلام الشهيد "عبد القادر الحسيني" بدار المركز العام أول أمس مرتجلا -كعادته- وقد وعدنا أن ننشر بعض الفقرات من هذا الخطاب الجامع فننشرها فيما يلي:
أيها السادة:
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، والحمد لله على كل حال، ونصلى ونسلم على أشرف المرسلين، وإمام المجاهدين، وأكمل الصابرين، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن عمل بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين.
أيها الإخوة: شكر الله لكم، وأجمل عزاءكم، وأحسن إليكم، وجزاكم عن الإخوان خيرا، إذ لبيتم دعوتهم، وشاركتموهم عاطفتهم، وهى عاطفة الجميع، نشترك فيها جميعا، من غير أن يتميز فيها رجل عن رجل، فهى عاطفة جامعة، وإنا نسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك هذه المشاعر ويتقبل تلك الدعوات، ويختم هذا الجهاد بالفوز المؤمل، والنصر العزيز، إنه نعم المولى ونعم النصير.
وبعد: فقد انتقلنا -نحن أبناء الشعوب الشرقية والإسلامية- من دور الكلام والخطب، إلى دور العمل والجهاد، وما هذه الاجتماعات إلا لتسجيل تلك الظاهرة لأنها بدء التحول فى تاريخنا الحديث، وذلك بعض ما نهدف إليه، حين نقيم أمثال هذه الاجتماعات، نقول بها لهؤلاء الغاصبين المستبدين: إننا اليوم غيرنا بالأمس، وإننا فى عهد جديد، كله يقظة وعمل، ورغبة فى الموت، وإقبال على الاستشهاد..
ذلك بعض ما نهدف إليه. أما البطل المجاهد "السيد عبد القادر الحسيني" فهو فى غنى عن التأبين، ولقد خلد بالسيرة الكريمة وبالموتة الطاهرة، فصدق ما عاهد الله عليه، وليس غريبا بأن يكافح هذا البطل ذلك الكفاح الفذ، حتى يقدم أخيرا دمه فداء لعقيدته ووطنه، فهكذا عرف من نشأته، ولا يزال شباب مصر يذكرون له وقفته الأبية فى الجامعة الأمريكية فى حفل تقديم الشهادات، إذ اجتمع القوم يخطبون ويتكلمون, وهم آمنون مطمئنون، وكأنهم ليسوا فى بلد دينه الشعبي والرسمي الإسلام، فضاق بطلنا ذرعا بهذا التلبيس، ولم يطق صبرا على ما يسمع فبرق صارخا فى وجه الباطل، يرد ويكشف عن خبايا التبشير التى كانت تدار سرًّا، وأردف ذلك باحتجاج عملى برفض الشهادة.
هذا الموقف من مواقف النضال العملي التى يعرفها الإخوان المسلمون لشهيد اليوم، قد تجلى فيه وهو طالب، فليس عجيبا -إذن- أن يمتد به هذا الخلق السامي النبيل، حتى يقدم حياته ثمنا لعقيدته ولوطنه وعروبته..
رحم الله البطل، وتقبل جهاده، وأفسح له فى جنته، وجمعنا وإياه فى مستقر الرحمة.
قدر الله.
ومن عجيب صنع قدر الله، أن يخص بعض الأفراد والأسر فى كثير من الأوطان بكثير من الخير والفضل، فيكتب عليها احتمال الأعباء، ويميزهم بفضل النهوض بالتبعات وبحقوق الأمم والشعوب، فى الوقت الذى لا يعرف فيه غيرهم إلا الدعة والسكون وحياة الترف والمتعة، هكذا كتب الله لآل الحسيني -لهذا البيت الكريم- أن يحمل عبء الجهاد لأوطان العروبة، ويقضى رجاله حياتهم فى الدفاع تارة، وفى المطالبة تارة، وفى السجون والمعتقلات، ثم فى ميادين القتال بعد ذلك حيث يموتون موتة الشرف والخلود، "والجود بالنفس أقصى غاية الجود" هكذا من صغيرهم لكبيرهم، من سماحة المفتي الأكبر إلى شباب آل الحسيني الأطهار وفى مقدمتهم الشهيد عبد القادر الحسيني.
هى الهمة أيها الإخوان. وكما قلت لكم: من عجيب صنع الله أن يدخر الأعباء والفضل والمثوبة لأفراد أسر خاصة، والله أعلم حيث يجعل رسالته، ومثل هؤلاء فى عناء ظاهر، ولكنهم فى سعادة حقيقية، فعلينا أن نشاركهم هذه المعاني العليا وأن نهنئهم بهذا الفضل..
الوطن الإسلامي
إن من المعاني التى نقف عندها فى سيرته، ما كان ينادى به أصدقاؤه فى خلوته بهم، كان يقول لهم: قد عزمت، وعاهدت الله على أن أظل مجاهدا فى سبيل فلسطين حتى تتحرر، فإذا تمت هذه الغاية، وكتب لنا النصر، فلا تظنوا أنى سأقيم فيها؛ لأن هناك أوطانا أخرى لا زالت يد المستعمر مضروبة عليها، ومن واجب كل عربى مسلم أن يجاهد لتحرير أرض الإسلام فى كل مكان، وسأكون أول مجاهد لهذه الغاية حتى ألقى الله.
هذا الإدراك العميق مع سعة الأفق، فيه معنى من المعاني التى يجب أن نقف عندها، لأنه ينفى تلك الصفة المخجلة التى استبدت بالنفوس عندنا، حتى إن الواحد لا يكاد يتجاوز إيمانه -إن اتسعت رقعته- أن يقف جهوده على أسرته وأمته، ولا يجاوز ذلك أبدا، ولا يتخطى الحدود، فهو يعيش فى حدود ضيقه.
أما سعة الأفق فى تحديد الوطن الإسلامي، على المعنى الذي تهدف إليه تعاليم دعوة الإخوان المسلمين. هذا المعنى لا يعرفه الكثيرون عندنا، وفى انطباع نفسه به، أصدق دليل على أنه عاش للشهادة وهو بمنزلتها العالية حقيق.
صراحة..
وبعد هذا أقول لكم فى صراحة: إن الطبقات الوسطى والفقيرة المستضعفة فى الشعوب، هى التى أدت واجبها كاملا، من مال ودم، ولقد شاهدنا بأنفسنا –نحن المتصلين بالشعب وبكل طبقاته- شاهدنا أن العامل الذي لا يكفي أجره قوت أولاده، يتبرع منه فى سبيل الله بجزء كبير، ورأينا فى ذلك مثلا كريمة، كما رأينا العامل يبذل روحه فيقدم نفسه، وأسرته أشد ما تكون حاجة إليه.
شاهدنا هذه المثل العالية، ولكن الأغنياء والأقوياء ما زالوا فى شح، فإذا طلب من الأغنياء المال بخلوا، وإذا طلب من الأقوياء الدم جبنوا وانكمشوا، وكان يجب أن يكونوا أول العاملين والمتقدمين.
إنهم بإحجامهم خذلوا القضية، وخذلوا العروبة والإسلام. ومما يؤسف أنهم مصرون على هذا التعويق والخذلان.
هذه الطبقة -أيها السادة- يجب أن تؤدى الواجب، والرجال الرسميون والمسئولون أيضا إلى الآن لم يعملوا شيئا، وكل ما عملوه أنهم عطلوا جهود العاملين.
إن أمامنا خطوات يجب أن نخطوها، فعلى رجالنا المسئولين أن يواجهوا الموقف بالصراحة الواجبة.
إنها تبعة كبرى، فالقضية قضية العروبة والأوطان الإسلامية، فلماذا توضع العقبات فى طريق العاملين لها؟ لقد قامت فلسطين الشعبية منذ سنة 1936 بدون حكومات ولا رسميين، فعرفت كيف يبذل الدماء رخيصة فى سبيل الوطن العربي المقدس، فليقل الرسميون: ماذا صنعوا وقد صدر قرار التقسيم منذ أربعة شهور، وأخذوا الفترة الكافية لأداء الواجب؟ إن الطبقات الشعبية قد أدت الواجب، ولكن غيرهم من القادرين والرسميين لم يعملوا للآن شيئا، فعلينا أن نلح حتى نحملهم على أداء الواجب وإلا كنا مقصرين.. وإننا نسجل هذه المعاني لنصل إليهم، فلعلها تخرجهم من سياسة المداولات والمناورات؛ فإن الموقف لا يحتمل تسويفا ولا مماطلة، وهو يطلب الحزم والجد والعمل، فاعملوا أيها الإخوان وسيرى الله عملكم ورسوله..
وحيا الله عبد القادر فى مثواه الكريم، وحسبنا أن نقدم له هذه الكتيبة من شهداء الإخوان المسلمين التى استشهدت أول أمس، لتلحق به، وتسير فى ركابه، وتقف معه فى جوار رسول الله وعلى بابه، ونعاهد الله ألا تهدأ لنا ثائرة، ولا يسكن كفاح، حتى تتحرر فلسطين، وتعيش عربية حرة، حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
والله أكبر والله الحمد(47).
فضيلة المرشد
برقية لأسر الشهداء
أرسل فضيلة الأستاذ المرشد العام البرقية التالية إلى أسر الشهداء:
تلقى المركز العام للإخوان المسلمين من قيادة معسكر الجنوب للإخوان نبأ استشهاد الأخ العزيز المجاهد ".........". ولقد حزَّ منا النبأ فى النفس وأدمى القلب، ولكن ما عند الله للشهداء الأبرار خير وأبقى والصبر شطر الإيمان. فأتقدم إليكم بجميل التعزية، وقد اختار الله له أفضل المواطن، وأسأل الله أن يلهمكم الصبر ويجزل لكم الأجر ويكتب لكم خير العوض(48).
مذكرة المركز العام للإخوان المسلمين
إلى اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية بشأن فلسطين
حضرات أصحاب السمو والدولة والمعالى والسعادة أعضاء اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية. حضرة صاحب السعادة الأمين العام للجامعة العربية:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: فمعذرة إذا رأيتم فى هذه المذكرة خشونة الصراحة وقوة الحق، فإن هذه هى طبيعة القضية التى نعالجها ونواجهها جميعا الآن، ليس فيها إلا الخشونة والقوة، وسنحاول أن نضع بين يديكم فى اجتماعكم هذا مشاعر الشعوب العربية وخوالج نفوسها أمام الحقيقة الراهنة التى صار إدراكها اليوم بديهيا أو كالبديهي للجميع سائلين الله لكم كل توفيق وتأييد.
يا حضرات السادة:
من الحقائق المسلم بها عند العرب والمسلمين كافة حكومات وشعوبا الآن: أن قضية فلسطين لم تعد قضية سكان هذه البقعة من الأرض، ولكنها أصبحت قضية الجامعة العربية بأسرها.. قضية سبع حكومات تنطق بلسان سبعين مليونا من العرب، هم مجموع هذه الأمة العربية على ظهر الأرض.. وتعبر عن مشاعر ثلاثمائة مليون من المسلمين غير العرب. وقد أصبحت كرامة هؤلاء العرب والمسلمين جميعا وقيمتهم الأدبية والمعنوية وقضاياهم الوطنية والاجتماعية كلها معلقة بهذه القضية. وما أثقلها من تبعة! وما أفدحه من عبء! وما أعظمه من مجد! وما أجله من جهاد! والتاريخ يسطر، والزمن يسجل، والعالم ينظر، والله يسمع ويرى. ﴿وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾[الحج: 41].
ومن الحقائق كذلك أن الشعوب العربية قد أعلنت استعدادها الكامل للعمل بكل ما فيها من قوة فى سبيل كسب هذه المعركة، وعبرت عن هذا الاستعداد ببذل أموالها ورجالها، والتسابق فى التطوع والتنافس فى التبرع، والاهتمام الكامل بكل ما يمس القضية من قريب أو من بعيد، فلا عذر بعد اليوم للحكومات فى التخلف عن سير الشعوب، والمفروض أن القيادة بيدها وأن التبعة أولا عليها.
ومن الحقائق كذلك أن الصهيونيين قد استكملوا عدتهم، وحشدوا قوتهم، واستعانوا بالدعاية والمال والعلم والوقت، وحكومة الانتداب، وظروف الحرب، والتقلبات السياسية، ومطامع الدول والأشخاص، حتى ركزوا أنفسهم أكمل تركيز، وصارت مستعمراتهم آية فى التحصين، ومصانعهم على استعداد لصنع السلاح والذخيرة والمصفحات وبعض أجزاء السيارات والطائرات، وأنهم قد استوردوا من ذلك الشيء الكثير، مع دربة رجالهم، واكتمال تنظيمهم، ووحدة قيادتهم، وتماسك شعبهم فى داخل فلسطين وخارجها، واستغفال بعض الحكومات والشعوب لإمدادهم والعطف عليهم ماديا وأدبيا، هذا فى الوقت الذى حرم فيه عرب فلسطين من كل هذه المزايا، إذ كانت السلطة المنتدبة تحول بينهم وبين محاولة أى استعداد -فضلا عن الاستعداد نفسه- وتحكم بأقسى الأحكام على كل عربى يحمل السلاح أو يحرز الذخيرة، وكان دعاتهم وقادتهم جميعا فى السجون والمنافي والمعتقلات، على حين شغلت الحكومات والشعوب العربية والإسلامية بقضاياها الخاصة عن التأهب لهذا الظرف وإعداد عرب فلسطين له، فلم يواجهون الموقف بشىء إلا الإيمان بحقهم وإيثارهم الحرية على الحياة.
وهذه الحقائق الثلاث توجب على الجامعة العربية -بصورة عامة- ولجنة فلسطين بصورة خاصة أن تنظر إلى الأمور نظرة فاحصة أكثر جدية واهتماما مما عليه الآن، وأن تتذرع بهذه الدعائم الخمس: الإخلاص، والوحدة، والعدة، والإسراع، والحزم، لتصدر حكومات الجامعة العربية عن شعور واحد ورأى واحد وهدف واحد يخلص له الجميع، هو أن تطهر فلسطين من الصهيونية الآثمة، ثم ليكن لأهلها بعد ذلك حق تقرير مصيرها بدون ضغط أو إكراه.
ولتكن الوحدة رائد الجميع لتحقيق هذا الهدف؛ وحدة الشعور ووحدة الغاية، ووحدة التفكير، ووحدة الوسيلة والعمل فى ثقة وطمأنينة لا شك يعكرها ولا قلق يكدرها.
وليكن أول عمل تبذل فيه اللجنة قصارى جهدها هو توفير العدة الكاملة والعتاد اللازم (الأسلحة سريعة الطلقات، الذخائر الوافرة، المدافع الثقيلة بمستلزماتها، المصفحات والدبابات وجهاز النقل السريع، وتجهيز سلاح جوى قوى لمواجهة الحالة المنتظرة، مع إعداد الشعب لمواجهة الغارات الجوية، وتجهيز سلاح بحري قوى حتى يواجه قوافل المهاجرين ومهربي السلاح إلى تل أبيب والموانئ التى يستطيع اليهود أن يأمنوا فيها على ما يريدون.
كل هذه لوازم أساسية وضرورية ولا يقوم عذر للجنة أمام الله والناس والتاريخ. ما يقال من صعوبة الحصول عليها، فالمستعدون لتيسير هذه المهمة كثيرون، وما عند الحكومات أكثر. ولقد أصبح تباطؤ اللجنة فى هذا الشأن -مع كثرة العطاءات التى بين يديه- لغزا يحار فى فهمه المفكرون، ولا تفسير له -فيما نعتقد- إلا الخوف من التبعة المالية، مع أن ظروف الحرب غير ظروف السلم، ولا يضير القائد العسكري أن تنقذ أرواح الناس بأي ثمن من الأثمان.
كما أن من اللوازم الأساسية -كذلك- تجهيز الحملات الطبية، وتدعيم القيادات وأركان حربها بالضباط الأكفاء الأقوياء المؤمنين، فإن الأمر جد لا ينفع معه التهاون بحال، وهذا كله هين يسير إذا اتجهت إليه الهمم.
ومن الواجب أن يتم ذلك كله فى سرعة تامة وحزم ومضاء، فإن الوقت لا ينتظرنا والله لا يقبل عذرنا، ولابد من عمل حازم سريع يطمئننا على مستقبل القضية فى هذه الفرصة التى إن أفلتت منا فلن تعود إلينا.
ثم إنه غنى عن البيان أن نقول: إن أحاديث إرجاء التقسيم إلى حين وتوقيع الهدنة وفرض الوصاية وإعادة القضية إلى هيئة الأمم إلخ، كلها أمور الغرض منها كسب الوقت وتشتيت الشمل وتفريق الكلمة، ثم تعود السياسة الرخوة اللينة سيرتها الأولى من مصادرة كل حق، والاعتداء على كل عزيز متى اطمأنت إلى أنها قد وصلت إلى ما أرادت من ذلك، ومن تفريق الشعوب العربية عن الشعب الفلسطيني وتصرفه فيما لديه من عدة وسلاح – هذا الفخ حضراتكم جميعا أعرف الناس بداخله وخارجه، وأحرصهم من الوقوع فيه أو الرضا بها. وإن من الخير كل الخير للقضية الفلسطينية -أولا- ثم للقضايا العربية والإسلامية كلها –ثانيا- أن نظل هكذا مناضلين مكافحين حتى نصل إلى إحدى نتيجتين: إما جلاء الصهيونية عن فلسطين قاطبة إلى لا رجعة ولا كرامة. وإما أن يوافق اليهود على أن يعيشوا مع العرب فى ظل الدولة الفلسطينية الحرة الواحدة على أن يرد إلى وطنه الأصلي كل يهودي دخيل بعد الحرب الماضية.
تمسكوا بهذا أيها السادة الأجلاء وثقوا كل الثقة أنكم بذلك ترضون الله وتطمئنون الشعوب وتسجلون فى صفحات تاريخ هذه القضية صفحة رائعة من صفحات المجد والإباء(49).
احتجاج الإخوان المسلمين على مؤامرة حيفا
معالي رئيس الديوان الملكي
عابدين:
الاعتداءات المروعة على عرب فلسطين قد كشفت عن تآمر حكومة الانتداب مع الصهيونية ضد حياة العرب ووجودهم وحقهم.
وشعب وادي النيل ينتظر من جلالة مليكه المعظم بعد أن انكشفت المؤامرة ولم يعد هناك مجال للانتظار أن يأمر الجيش المصري الباسل بالتقدم لإنقاذ النساء والأطفال الأبرياء من وحشية اليهود وغدرهم.
حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين
دولة رئيس الحكومة المصرية
القاهرة:
قد كشفت الاعتداءات الوحشية التى وقعت على النساء والأطفال من عرب فلسطين من العصابات اليهودية المسلحة عن التآمر الدنيء بين الإنجليز والصهيونيين.
وشعب وادي النيل ينتظر من حكومته أن تتخذ خطوات سريعة حاسمة لنجدة عرب فلسطين، وذلك بالتدخل العسكري المنظم، وإعلان التعبئة الشعبية العامة، وتشجيع التطوع الشعبي، وإمداد المجاهدين بالمهمات اللازمة، واتخاذ موقف حازم من اليهود المحليين الذين يشجعون الصهيونيين كل التشجيع. ولن يصبر الشعب بعد ذلك على هذا الموقف السلبي الحالي من الحكومة.
حسن البنا
سعادة الأمين العام لجامعة الدول العربية
القاهرة: إن الاعتداءات الوحشية التى وقعت فى دير ياسين وطبرية ونصر الدين وحيفا من عصابات اليهود المسلحة على الأطفال والنساء من عرب فلسطين، قد كشفت عن التآمر الوحشي بين حكومة الانتداب الخائن واليهود المجرمين لتسليمهم فلسطين العربية لإقامة دولتهم الصهيونية المزعومة.
وبعد أن تخلت حكومة الانتداب عن واجبها الرسمي فى فلسطين أصبح لزاما على دول الجامعة نجدة عرب فلسطين بإرسال جيوشها الرسمية المنظمة وإعلان التعبئة الشعبية فى البلاد العربية.
وهذه أمانة يفرضها الإسلام والعروبة على رجال الجامعة ويسجلها عليهم التاريخ.
حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين
جناب السفير البريطاني
القاهرة: المؤامرة الظالمة بين السلطات البريطانية والصهيونية على تسليم فلسطين العربية لهم وقتل أطفالها وشيوخها ونسائها ورجالها إرضاء للأهواء وخضوعا للتحكم اليهودي، أثارت نفوس الأمة العربية بأسرها وألهبت الشعور الإسلامي فى كل أنحاء العالم، وإن بريطانيا فى محنتها لأحوج ما تكون إلى قلب واحد من هذه القلوب التى أخرجها هذا العدوان من الإنجليز واليهود.
فنحمل الحكومة البريطانية التى خدعت العرب هذه الخديعة المنكرة تبعة ما حدث فى حيفا وما قبلها وما يحدث بعد ذلك، ولن تمر هذه الحوادث سهلة هينة دون أن تنتج أثرها العملي فى النفوس والأوضاع.
﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُون﴾[الشعراء: 227](50).
الإخوان المسلمون ولاجئو فلسطين
خطاب المرشد العام إلى وزير الشئون
حضرة صاحب المعالى وزير الشئون الاجتماعية:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: فقد كان من نتائج العدوان الصهيوني الغادر على الإخوة الأعزاء من عرب فلسطين أن هاجر آلاف منهم إلى الأوطان العربية المجاورة ومنها مصر، ولقد أعلنت الحكومة المصرية -استجابة لعواطف الشعب المصري الكريم، وتقديرا لمشاعره النبيلة نحو أعزائه من أبناء القطر الشقيق- أنها على استعداد لتوفير كل وسائل الراحة لهؤلاء المهاجرين، وألفت لهذا الغرض لجنة عليا برئاسة معاليكم وحصرت فى يدها الأمر، وأوصت بأن تكون المساعدات الشعبية لها عن طريقها.
وأول ما نلاحظه أن الحكومة قد أغفلت تمام الإغفال فى عضوية اللجنة كل الهيئات والجمعيات الشعبية التى كان لها نصيب موفور فى العمل لقضية فلسطين؛ كهيئة وادى النيل العليا، والإخوان المسلمين، والشبان المسلمين وغيرها، وكان من المناسب أن تدعى للمشاركة فى القيام بهذا الواجب المحتوم فى هذا الظرف الذى يتطلب كل القوى ويستلزم بذل كل مجهود.
كما نلاحظ أن الإجراءات التى اتخذت إلى الآن لم تكفل الراحة لهؤلاء المهاجرين الأعزاء حتى فى أضيق حدودها، ولم توفر لهم كثيرا من ألزم ضروريات الحياة (من مأوى صالح، وغذاء كاف، وأثاث نظيف مناسب، مما كان مثار ألم صارخ من الكثير منهم، ونذكر على سبيل المثال أن أكثر من ألف مهاجر جاءوا إلى القنطرة فأفردت لهم الحكومة معسكر الجنود البولنديين؛ وهو يبعد عن العمران نحو خمس كيلو مترات وليس صالحا للإقامة، ويصعب نقل مواد الغذاء الضرورية إليهم، فضلا عن وقوعه بجوار معسكر القوات البريطانية تماما، ولهذا أبى الكثير من المهاجرين النزول فيه واعتصموا بسيارات الأتوبيس التى نقلتهم إلى مصر، كما أن التفكير فى نقلهم إلى مكان الكورنتينة بالقنطرة قد أزعج الكثير منهم أشد الإزعاج.
وقياما بالواجب المفروض علينا نحو هؤلاء المهاجرين الأعزاء نعرض على معاليكم استعداد المركز العام للإخوان المسلمين بكل شعبه وفروعه وهيئاته وتشكيلاته للمساعدة التامة فى إغاثتهم والعمل على راحتهم، ويضع بين يدى معاليكم هذه المقترحات:
أولا- حصر الأسر القادرة على إعانة نفسها بما معها أو بما تستطيع الحصول عليه من مالها، وتوفير المساكن المناسبة لهم والإفراج عنهم ليعيشوا أحرارا حتى تزول هذه الغمة.
ثانيا- حصر الأطفال والفتيات والعجائز الذى لا عائل لهن، وتوزيع هذه المجموعة على الأسر الصالحة المأمونة لتقوم بكل ما يلزمها. والمركز العام للإخوان المسلمين مستعد لأن يستلم أى عدد تريده اللجنة من هؤلاء، على أن يوزعوهم على أسر الإخوان لتقوم بالواجب لهم من مأوى وغذاء وكساء وتربية وتعليم، حتى يأذن الله بالنصر، وعلى أن يوافى اللجنة بتقارير مستوفاة عن حالتهم كلما أرادت ذلك.
ثالثا- التفكير فى مأوى صالح للسكنى المريحة: كثكنات قصر النيل مثلا للأسر التى لا تستطيع أن تعيش على نفقة نفسها، على أن يكون لكل أسرة مسكنها الخاص ضمن المعسكر العام، وعلى أن يمنع الاختلاط بين الرجال والنساء فى الطعام وما إليه.
رابعا- حصر الشبان الأصحاء القادرين على العمل وتدريبهم تدريبا عسكريا وتسليحهم تسليحا وافيا وإرسالهم إلى الجبهة للقتال فى سبيل عروبة فلسطين المقدسة.
خامسا- الاشتراك مع الهلال الأحمر ومع الهيئة العربية العليا ومع اللجان الفرعية الفلسطينية عن طريق هذه الهيئة، للتفكير فى إعداد مهاجر صالحة داخل حدود فلسطين ينقل إليها المهاجرون المنتظر قدومهم إلى مصر، وينقل إليها من يستطيع العودة من المهاجرين الحاليين.
سادسا- المساهمة فى نقل العاجزين عن الهجرة من الشيوخ والأطفال والنساء والولدان الفقراء الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، وهم عرضة للقتل والتعذيب والفناء بأيدي الصهيونيين فى المواضع الشديدة الخطر كيافا ونحوها، وذلك بالاتفاق مع شركات البواخر المصرية على ذلك ودفع قيمة النقل كاملة أو مخفضة إليها من الاكتتابات الشعبية أو الرسمية إنقاذا لحياتهم من الإعدام المحقق.
هذه يا صاحب المعالى بعض المقترحات نضعها بين يديكم، ونحن على أتم استعداد للمساهمة فى معاونة اللجنة وإغاثة هؤلاء المهاجرين الأعزاء بكل ما ترون من وسائل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(51).
بيان للشعوب العربية
أيتها الشعوب العربية والإسلامية:
الآن وقد وصلت قضية العروبة والإسلام فى فلسطين المباركة إلى ما وصلت إليه، لم يكن بد من أن تصارحكم الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين -وهم الذين احتضنوا هذه القضية وكافحوا فى سبيلها الكفاح المرير منذ عشر سنوات أو يزيد- بهذا البيان، وتطلب إليكم- والكلمة لكم الآن- أن تهبوا أجمعين وتعملوا جاهدين على كسب هذه المعركة الفاصلة فى تاريخكم. ﴿وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾[محمد: 35]. ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ﴾[محمد: 11].
الخطر الصهيوني
أيتها الشعوب العربية والإسلامية:
إن الصهيونية التى كشفت القناع اليوم عن مقصدها وأغراضها ليست حركة سياسية قاصرة على الوطن القومي لليهود أو الدولة المزعومة بالتقسيم الموهوم، ولكنها ثمرة تدابير وجهود اليهودية العالمية التى تهدف إلى تسخير العام كله لحكم اليهود ومصلحة اليهود وزعامة مسيح صهيون، وليست دولتهم الخيالية التى يعبرون عنها بجملتهم المأثورة "ملك سليمان إسرائيل من الفرات إلى النيل" أو فى عرفهم إلا نقطة ارتكاز تنقض منها اليهودية العالمية على الأمة العربية دولة فدولة، ثم على المجموعة الإسلامية أمة بعد أمة. أما أمم الغرب فى أوروبا وأمريكا فقد تكفل الذهب اليهودي والإغراء الصهيوني بتوجيه زعمائها ورؤسائها وحكامها حيث يريد.
هجمة الصهيونيين:
وإن الصهيونية التى لا تتقيد بخلق ولا فضيلة ولا تؤمن بشريعة ولا قانون، إذا مكن لها فى الشرق -ولن يكون بإذن الله- فلن تقوم فى أية دولة من الدولة صناعة ناجحة ولا تجارة رابحة، وستقضى المنافسة الصناعية والتجارية على كل أمل لهذه الأمم العربية والإسلامية فى التقدم والنهوض، هذا فضلا عن الفساد الاجتماعي الذي تحمل جراثيمه هذه الرؤوس والنفوس الطريدة من كل دولة ومن كل أمة وكل فكرة وكل دعوة، مما يشيع فى هذه المجتمعات الكريمة أسوأ معاني الإباحية والإلحاد والتحلل وكل خلق فاسد مرذول.
ولقد تكشف هؤلاء الصهيونيون عن أبشع معانى الهمجية بهذه الفظائع التى ارتكبوها مع عرب فلسطين: من الغدر، والخيانة، والجبن، والنذالة، والاعتداء على النساء والشيوخ والأطفال، والتمثيل بجثث القتلى، والإجهاز على الجرحى، وعرض المحصنات الحرائر عاريات فى الطرقات والشوارع، وانتهاك حرمة المعابد والأديار والمساجد، ورفع علم الصهيونية المنكوس على أهلة المآذن إلى آخر هذا السجل من المخازى التى لا تغيب ولا تنسى، ولن يفلتوا من عقابها أبدا.
مؤامرة الإنجليز
أيتها الشعوب العربية والإسلامية:
لقد تواطأ الإنجليز مع اليهودية العالمية منذ سنة 1917 على الأمة العربية وسجلت الحكومة البريطانية على نفسها هذا التواطؤ بوعد بلفور المشئوم، ثم اغتصبت البلاد من أهلها العرب عقب الحرب العالمية الأولى وحكمتها باسم الانتداب الباطل، فجارت فى حكمها، ويسرت لليهود كل السبل ليتملكوا الأرض وينشئوا المستعمرات، وأغرتم بالتسلح والتدريب والتحصين وهيأت لهم وسائل ذلك كاملة، وأمدتهم بالسلاح والذخيرة، وسمحت لهم بإنشاء المعامل وإقامة المصانع ظاهرة، ومستورة فى تل أبيب وغيرها- وكل هذا فى الوقت الذى كانت تأخذ فيه العرب أشد المؤاخذة بأتفه الأسباب، وتحكم بالإعدام على كل من تقع عليه شبهة حمل السلاح أو حيازة السلاح.
حتى إذا تم لها ولليهود ما أرادت، فاجأت العالم بإعلان التخلي عن الانتداب بعد ثلاثين سنة تجسم فيها الظلم والجور والتضييق على العرب والممالأة والمحايلة والتدليل لليهود.
خديعة ساسة العرب
ثم زجت السياسة البريطانية الماكرة الملتوية بهذه المؤسسة الناشئة الحديثة العهد بمناورات البريطانيين ومزالق سياستهم فى هذا المأزق الحرج (مأزق اقتراح التقسيم والموافقة عليه) مع وقوفها موقف المتفرج تتلهى بتخبط الساسة وتنظر الضحايا وأشلاء القتلى وأنين المجروحين، ولم تكتف بذلك، بل خدعت ساسة الدول العربية وخدرت أعصاب أعضاء الجامعة العربية، حتى يفلت منهم الوقت، وتضيع الفرصة، وتتعقد الأمور، وتواجههم الحوادث بالأمر الواقع، وأوهمتهم أن الأمر سيتم صلحا بعد مناورات عسكرية طفيفة، وأن الأساليب السياسية ستغنيهم عن الجهاد الصحيح والخطط الحربية، وأن القضية ستحل فى قاعات هيئة الأمم المتحدة لا فى ساحات القدس وحيفا ويافا وتل أبيب ومستعمرات الجنوب والشمال، وأن حكومة الانتداب ستنهض بالتزاماتها كاملة فى صيانة الأمن والقضاء على محاولات عصابات الشر إلى آخر يوم من أيامه.
واطمأن رجالنا الرسميون إلى هذا الأمل فعالجوا الأمور على مهل حتى حدثت القارعة ووقعت الواقعة، وسقطت حيفا ويافا، واشتعلت القدس، وامتد الخطر إلى كل قرى الشمال، وصدم رؤساء الحكومات العربية ورجال الجامعة العربية بما لم يكونوا يحتسبون، واصبحوا يحملون أمام الله وأمام التاريخ وأمام الشعوب أثقل تبعة حملها حاكم أو زعيم.
فرصة العمل لم تضع أيتها الشعوب العربية والإسلامية:
إن هذا الذى حدث لم يكن غائبا عنا ولا مجهولا لدينا ولا غريبا فى حد ذاته، بل كان متوقعا فى أى لحظة من اللحظات، والحرب سجال واليهود يستعدون لهذا. ولقد صارحنا بهذا كل المسئولين اليوم منذ ثلاثين عاما أو تزيد، ولفتناهم إلى أهمية عامل الوقت ووجوب انتهاز الفرص وبذل كل مجهود فى الإعداد والاستعداد والعمل. ومهما يكن من شىء، فلا زال فى الوقت بقية، ولا زال شراع السفينة على سطح الماء يهيب بإنقاذها من الغرق، والعرب على ذلك قادرون بتأييد الله متى صدقت عزائمهم، واجتمعت كلمتهم، وسلكوا سبيل الجهاد الصحيح الذى لا خير إلا فيه ولا نجاة إلا به، والله تبارك وتعالى يقول: ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ*إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ*وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِين﴾[آل عمران: 139-141].
إعلان الجهاد المقدس
ولقد أعلن شيخ الأزهر وكبار علمائه وأئمة المسلمين وشيوخهم فى كل قطر "أن إنقاذ فلسطين قلب العروبة والإسلام واجب ديني على المسلمين عامة فى كل نواحي الأرض، يستوي فيه الملوك والأمراء والرؤساء والحكومات والشعوب، وأن السبيل إلى ذلك هو أن تتكاتف الحكومات الإسلامية والعربية على أن تتخذ –وفورا- كل ما تستطيع من الوسائل الفعالة الحاسمة عسكرية وغير عسكرية لإنقاذ فلسطين". كما أعلنت هذه المعاني بلسان الآباء المسيحيين ورعاة الكنائس على اختلاف مذاهبهم، ووردت الإشارة إليها -بل التصريح بها- فى بيانات رؤساء الدول العربية ورجال الحكومات الرسمية أو الشعبية.
وبهذا أصبح من الواجب المحتوم على كل حكومة عربية أو إسلامية وكل شعب عربى أو إسلامي مواصلة الجهاد بكل وسائله حتى تحرر فلسطين، ويقضى على عصابات الشر من الصهيونيين، وتنهزم اليهودية العالمية الباغية فى الأرض المباركة.
تسليم فلسطين خيانة:
وإذا كانت هيئة الأمم المتحدة أو بعض الحكومات تريد أن تتخذ من الموقف الحاضر ومن ظروف الدول العربية سببا للضغط عليها ولقبول هدنة عسكرية، أو وصاية دولية، أو مشروع آخر غير الاعتراف باستقلال فلسطين العربية الموحدة وسيادتها، وإذا كانت بعض الحكومات تميل إلى أن تنتصر لهذا الرأي لتلقى عن أكتافها عبء الكفاح والجهاد وتدع مصير فلسطين للأقدار، فإننا نعلن أن معنى ذلك تسليم فلسطين والقضاء على العروبة فيها وتمزيق شمل أهلها، وتمكين الصهيونيين من إعلان دولتهم واستكمال عدتهم وزيادة عددهم. وإن قبول مثل هذه الحلول أو الموافقة عليها خيانة عظمى لأمانة فلسطين أولا، ولأمانة الشعوب العربية والإسلامية بعد ذلك، وإنه لا سبيل إلا الكفاح المرير والجهاد الدائب حتى يفتح الله بيننا وبين الناس بالحق وهو خير الفاتحين.
مطالب للجامعة والحكومات:
وإن الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين لتطالب الجامعة العربية باتخاذ الخطوات الآتية فورا:
1- إعلان الاعتراف بفلسطين كلها (بحدودها المعروفة برا وبحرا) دولة عربية موحدة حرة مستقلة ذات سيادة، وأن كل قرار يخالف ذلك من أية جهة يعتبر عدوانا على الحكومات العربية والأمم العربية جميعا. وإن عصابات اليهود المسلحة من الهاجاناه والأرجون وشتيرن وغيرها قراصنة معتدون مطالبون بما اقترفوا من جرائم وما أراقوا من دماء، وأن الصهيونية الآثمة لا حق لها فى شبر واحد من أرض فلسطين.
2- مصارحة الشعوب بأنها قد أصبحت فى حالة حرب عنيفة مع الصهيونية المعتدية الآثمة، ومع اليهودية العالمية التى تؤازرها وتمدها بالمال والرجال والسلاح والنفوذ، وإعلان الجهاد المقدس واتخاذ التدابير التى يقتضيها هذا الوضع الجديد بفتح معسكرات التدريب للمتطوعين، والحصول على الأسلحة والذخائر، وإقامة المعامل والمصانع الحربية بأية طريق، بحشد القوات النظامية الكافية، وتكييف الحياة المدنية بالصورة التى تقتضيها حالة الحرب.
3- دعوة الحكومات والشعوب الإسلامية -وفى مقدمتها تركيا- للاشتراك مع الجماعة العربية فى هذه السبيل.
4- تحديد الموقف من اليهود المحليين لتحريم منح الجنسية المحلية لأي يهودي يعيش فى وطن عربى أو إسلامي لا يحمل جنسيته، بوضع أمواله وأملاكه تحت الحراسة، ومعاملته كما يعامل رعايا الأعداء، ومراقبة نشاط اليهود الذين يحملون الجنسية المحلية مراقبة دقيقة، وسحب هذه الجنسية من كل من يثبت عليه منهم أنه يساعد الصهيونيين بأي نوع من أنواع المساعدة أو يتصل بهم أى اتصال.
واجب الشعوب
أيتها الشعوب العربية والإسلامية:
إذا آثرت الحكومات القعود والتردد، ولم يكفها ما فات، ولم ترد أن تتدارك الموقف وتواجه الحوادث بالسرعة والحزم الواجبين، فإن الهيئة التأسيسية تهيب بكل شعب عربى وبكل أمة مسلمة أن تتخذ من جانبها هذه الخطوات:
1- إعلان استقلال فلسطين العربية وسيادتها وإعلان الجهاد ضد الصهيونية واليهودية العالمية.
2- إنشاء قيادة عسكرية شعبية لتنظيم التطوع والتسليح وتحويل حياة العبث واللهو إلى حياة جد وعمل وإيمان وجهاد وحقوق.
3- إنشاء هيئة شعبية اقتصادية لتنظيم مقاطعة اليهود المحليين مقاطعة شاملة.
4- إنشاء هيئة شعبية جامعة تضم كل الهيئات والأحزاب والطوائف لتنظيم حركة العصيان المدني إذا اعترضت الحكومات سبيل هذه الخطوات.
الإخوان طليعة المجاهدين
وإن مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين -وقد وكلت إليه الهيئة التأسيسية العمل على إنفاذ هذه القرارات- سيراقب فى لهفة وأمل خطوات الشعوب والحكومات، فإن أدت واجبها كاملا فذاك، وإلا فحسب الإخوان المسلمين أن يكونوا الطليعة الفادية المجاهدة، فإن عاشوا عاشوا سعداء فى ظل القوة والكرامة، وإن ماتوا ماتوا شهداء فى ساحات الشرف والبطولة. ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾[الروم: 4، 5].
والله أكبر ولله الحمد(52).
نحن والإعلانات اليهودية
حضرة الأستاذ المحترم مدير جريدة الإخوان المسلمين،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد.
فأظنكم لا تجهلون موقف الطائفة اليهودية بمصر من قضية إخواننا عرب فلسطين, وكيف وقفوا منها موقفًا غريبًا, فيه كل الاستهتار بعواطف المصريين ومشاعرهم, وكيف أباحوا لأنفسهم أن يكونوا عونًا للصهيونية المعتدية الآثمة, بالمال والنفوذ وكل وسيلة ممكنة, وكيف أنهم إلى الآن وقد بلغ الأمر ذروته لم يبد منهم دليل واحد على تقديرهم لحق هذا الوطن عليهم, وإحسان هذه الأمة إليهم, ولهذا يعتقد المركز العام للإخوان المسلمين أن من واجب الصحافة المصرية, وهى مرآة الرأي العام, أن تضرب تمام الإضراب عن الإعلان عن متاجرهم ومحلاتهم, وأن تكشف للأمة عن هذا الموقف الذى يقفونه فى أهم قضية يتعلق بها شرف العروبة وكرامتها, بل وجودها وكيانها.
وأن الأمل فى وطنيتكم أن تحققوا هذا الرجاء, وتستجيبوا لهذا النداء, وإنا لما تعملون لمنتظرون ﴿وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾]الشورى: 36].
ولكم التحية وجميل الاحترام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(53).
وفد الإخوان فى السفارات والمفوضيات
العربية والإسلامية وأمانة الجامعة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
تمر مشكلة فلسطين الآن بأدق مراحلها الحاسمة فى تاريخها وفى تاريخ الإسلام والمسلمين كما هو واضح من المعارك الدامية التى تجرى على أرضها المقدسة فى هذه الآونة.
ومشكلة فلسطين ليست مشكلة العرب وحدهم وإنما هى مشكلة العالم الإسلامي أجمع، والدفاع عنها جهاد فى سبيل الله، وإعلاء لشأن دينه القويم، ومحافظة على المقدسات الإسلامية العزيزة من المسجد الأقصى ثالث الحرمين وأولى القبلتين.
والمسلمون فى جميع بقاع الأرض مطالبون بالعمل على إبقاء فلسطين عربية، لهذا كان من الواجب أن نعمل على المعاونة الفعالة لإنقاذ هذه البلاد المقدسة وذلك:
1- الاعتراف باستقلال فلسطين عربية مسلمة.
2- الاهتمام بأمرها أمام الدول المتحدة والضغط فى ذلك على هيئة الأمم بكل الطرق لتؤيد هذا الاستقلال وتعترف به.
3- مؤازرة مندوبي العرب فى هيئة الأمم وفى مجلس الأمن ومعاونتهم فيما يقومون به من ضغط سياسى أمام الهيئة بالإشارة على مندوبكم بذلك.
4- معاونة فلسطين معاونة أدبية كالحملات الصحافية وإعداد الشعوب الإسلامية إلى ذلك.
5- المعاونة الرسمية بالاتصال بالدول الأعضاء فى الهيئة وبالممثلين السياسيين.
6- منع الرعايا اليهود المحليين من الاتصال بالصهيونيين فى فلسطين بكل أنواع الاتصال، والحيلولة دون وصول إمدادات عن هذا الطريق.
7- مراقبة الشواطئ والحدود حتى يحال بين وصول إمدادات من أى نوع إلى اليهود فى فلسطين من أية دولة أو من أى جنس.
8- تسهيل عملية التبرعات من أجل فلسطين والتطوع من الشعب.
9- تقديم السلاح والمعدات الحربية إلى فلسطين العربية.
وفى انتظار تبليغ هذه المذكرة إلى حكومتكم الموقرة تفضلوا بقبول فائق التحية وعظيم الاحترام(54).
مذكرة إلى مفوضيات الدول العربية
بشأن موقف أمريكا الأخير
حضرة صاحب السعادة ممثل المملكة اليمنية بالقاهرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
تنتهز الدول الغربية كل فرصة فتطعننا فى الصميم من خلف الظهور أو وجها لوجه دون مراعاة لذمة أو شرف أو ضمير- وعلى رأس هذه الدول أمريكا الصهيونية التى احتضنت هذه القضية الفلسطينية، وركزت جهودها فى محاربة العرب وفى مساعدة الباطل وإزهاق الحق، والوقوف فى وجه العدل وإقامة صرح الظلم، وبهرها بريق الذهب الرنان، وأسكرت قادتها دعاوى اليهود الباطلة ومفترياتهم الزائلة.
تلك هى أمريكا التى خذلت مصر فى قضيتها، وحاولت بكل الطرق إقرار مشروع التقسيم، هذا المشروع الذى ولد ميتا.
ثم أسرعت إسراعا يفوق الحد فاعترفت بالدولة اليهودية بعد انتهاء الانتداب البريطاني بإحدى عشرة دقيقة فقط، وكانت أول دولة وجهت هذه اللطمة القاسية إلى العرب والمسلمين ولا تخجل أن تقول إنها رسوله السلام فى الأرض وباعثة الحريات الأربع وصاحبة ميثاق الأطلنطي.
إن هذا التهجم من جانب أمريكا والتحدي السافر وسياسة العداء الصريح التى تتخذها معنا، فى الوقت الذي هبت فيه الشعوب والحكومات بقيادة أصحاب الجلالة والفخامة الملوك ورؤساء الدول والحكومات العربية تدافع عن فلسطين بكل الطرق المشروعة وتؤدب هذه العصابات الهمجية التى ارتكبت من الفظائع ما لم يرو التاريخ له مثيلا- ليوجب علينا أن نقطع علاقتنا بالدولة التى كانت أول من شجع هؤلاء المعتدين وصورت لهم باطلهم حقا.
إن انزلاق أمريكا واندفاعها يجب أن يقابل منا بحزم وحماسة وعمل إيجابي يكون عبرة لغيرها، وكفى أن بذلنا الود فلم نجد له موضعا، وذهبنا فى أودية السلام كل مذهب فلم نقابل بغير هذا التحدي والإصرار.
من أجل هذا يتقدم الإخوان المسلمون وكلهم أمل فى أن تنقض حكومتكم وجميع الحكومات العربية جميع اتفاقاتها التى سبق أن أبرمتها مع الحكومة الأمريكية، وأن تلغى ما سبق أن أبرمته مع الحكومة الأمريكية، وأن تلغى ما سبق أن منحتها من امتيازات اقتصادية أو سياسية، فالمال الذى تكسبه يتحول إلى مدافع ومصفحات ترسل إلى قلب العروبة تفتك بالأطفال والحوامل، وطائرات تغير على أوطاننا وأرضنا.
وبذلك نكون قد أدينا ما علينا نحو الله والوطن وفلسطين العربية إلى الأبد. ولله عاقبة الأمور.
وفى انتظار تبليغ هذه المذكرة إلى حكومتكم الموقرة. وتفضلوا بقبول فائق التحية وعظيم الاحترام(55).
بأي حق نحرم
من مراسل حربي؟!
دولة وزير الداخلية بالقاهرة:
موقف دولتكم من المراسل الحربى لصحف الإخوان يدعو للأسف والاحتجاج وبخاصة وقد وافقتم على المتقدمين قبله وبعده لمختلف الصحف والوكالات.
فأبرق إلى دولتكم مسجلا ذلك ومحتفظا بحق صحافة الإخوان فى الموافقة ولها من المرجحات والمبررات ما يجعلها أولى بذلك وأحق(56).
ثمن الحياة
حديث فضيلة المرشد العام فى الإذاعة اللاسلكية المصرية
أذاع أمس حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ المرشد العام بدعوة من هيئة وادي النيل العليا لإنقاذ فلسطين الحديث الآتي:
أيها المستمعون الكرام:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد: فحديث هيئة وادى النيل العليا لإنقاذ فلسطين معكم الليلة عن "ثمن الحياة"، وعجيب أن يكون ثمن الحياة هو حب الموت ولا ثمن لها إلا هذا.
ولهذا كان فيما أوصى به أبو بكر خالدا فى بعض غزواته: "يا خالد أحرص على الموت توهب لك الحياة".
والقرآن الكريم يقرر أن الفناء فى الحق هو عين البقاء، وأن ذات الموت فى سبيل الله هو حقيقة الحياة فيقول: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ*فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ*يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾[آل عمران: 169-171].
وتأمل هذه الإشارة اللطيفة فى تلك الآيات الكريمة: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ*وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ*مَن ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾[البقرة: 243-245] لنعلم أن الموت ثمن الحياة، وأن حب الحياة نذير الموت، وأن الأمة التى تريد أن تعيش كلها لابد أن تموت كلها لأنها لم تدفع من دمها ضريبة الحياة.
وليس حب الموت ثمن الحياة وحدها ولكنه ثمن الحياة. وثمن النصر وثمن العزة وثمن الخلود. وهى أطيب ما فى الحياة. وهذا قانون لم يتخلف من قبل ولا يتخلف اليوم ولن يتخلف من بعد لأنه سنة الله ﴿فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً﴾[فاطر: 43].
أيها المستمعون الكرام:
لقد أدرك أسلافنا هذه الحقيقة فحرصوا على الحياة العزيزة الكريمة بالإقدام على الموت فى ساحات المجد والبطولة وأغراهم بذلك قول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ﴾[التوبة: 111].
وقوله: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ اللهِ﴾[التوبة: 41]. وقول النبى صلى الله عليه وسلم: "ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا" وقوله: "لوددت أن أقتل فى سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل".
وبذلوا الثمن غاليا من دمهم وأرواحهم، وكان أحدهم يندفع إلى القتال حاسرا لا يبالى أوقع على الموت أم وقع الموت عليه، أو يقذف بنفسه من فوق الأسوار على الآلاف من جنود الأعداء، لا يرهب بأسهم ولا يخشى صولتهم، وليس له من رفيق إلا السيف ولا من درع إلا الإيمان.
وقف أبو دجانة يوم الحديقة وقد تحصن فيها مسيلمة وأصحابه يقول: "ما وقوفكم معشر المجاهدين وعدوكم يجد ما يشاء من طعام وشراب ولا عليه أن تطول بكم هنا الساعات والأيام، فقالوا: ماذا نصنع وهاأنت ترى ضخامة الأبواب وعلو الأسوار؟ فقال: "ضعونى فوق الجحفة وارفعوها على أسنة الرماح واقذفوا بى إلى الداخل بحذاء الباب ويكون الفتح إن شاء الله" فأنفذوا رأيه.
وفوجئ مسيلمة وأصحابه بصاعقة تنزل عليهم من السماء. ولم يدعهم أبو دجانة يفيقون من هول المفاجأة، بل أعمل فيهم السيف حتى وصل إلى الباب وتمكن من فتحه، وتدفق المجاهدون فكان الفتح. وكان أبو دجانة وحده بهذا الرأي فرقة "الكوماندو" أمام المهاجمين، وأول من هبط "بالباراشوت" على المحصورين وكان الإقدام والفداء ثمن هذا الانتصار على الأعداء.
أيها المستمعون الكرام:
هذه سنة أسلافكم من قبل. وها أنتم اليوم تدعون لتدفعوا ضريبة الحياة بعد أن اضطركم عدوان العصابات الصهيونية الآثمة على الآمنين من إخوانكم عرب فلسطين وما ارتكبوه معهم من فظائع تقشعر منها الأبدان، إلى أن تهبوا لنجدتهم وتنهضوا لنصرتهم وتؤدوا حق الروابط العزيزة التى تربطكم بهم، وتصونوا مقدسات الإسلام والمسيحية من فظائع هؤلاء المعتدين الذين لا يرقبون فى مؤمن إلا ولا ذمة.
فبادروا أيها القادرون إلى أداء الواجب كاملا غير منقوص، وابذلوا من مالكم وأرواحكم ومن أعز ما لديكم ما تشترون به كرامة الحياة وشرف الوجود. والله معكم ولن يتركم أعمالكم. وسيكون لكم النصر بإذن الله: ﴿إِن يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ﴾[آل عمران: 160].
أيها المستمعون الكرام:
ليس فى العالم منذ فجر التاريخ إلى اليوم قضية أفضل من القضية التى تنتصرون لها، ولا حق أوضح من الحق الذى تطالبون به، ولا ظلم أفدح من الذى تقاومونه، ولا عدوان أفظع من هذا العدوان الذى تقفون فى وجهه. ومهما تجمعت قوى الباطل عليكم وأبت الدول الاستعمارية الطامعة إلا أن تجحد حقكم، وتتنكر لصلتها بكم، وتهول بقوتها عليكم، فإن الله أقوى وأعز وأكبر وأجل. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. وليكن جوابنا لهم اليوم ما أجاب به المؤمنون من قبل: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾[آل عمران: 173] وستكون عاقبتنا كعاقبتهم ﴿فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾[آل عمران: 174]. ولن يعدو أمرهم هذا الوصف: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ﴾[آل عمران: 175] فلا تخافوهم وخافوا الله وحده وعنده النصر وهو ولى التوفيق.
أيها المستمعون الكرام:
إن هذا الموقف الجديد المجيد الذى تقفونه اليوم يفرض عليكم أن تصدقوا التوجه إلى الله عز وجل، وأن تسألوه من فضله التأييد والنصر، وأن تستعينوا على ذلك بالطاعة وعمل الخير والبعد عن المنكر والإثم، وأن تزنوا كل قول وعمل بميزان التبصر والحكمة والعقل، وأن تتطوعوا بالإنفاق والبذل، وأن تتجهزوا لمقتضيات القتال والغزو، فمن كان مستطيعا فبنفسه، ومن لم يستطع فيجهز غيره. ومن جهز غازيا أو خلفه فى أهله بخير فقد غزا. وإنه لأمر له ما بعده ولن يكون بعده إلا الخير إن شاء الله. ويأبى الله إلا أن يتم نوره. ومتى دفعتم الثمن فقد ضمنتم الجزاء. ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِى بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾[التوبة: 111]
وسلام الله ورحمته وبركاته على المجاهدين الأعزاء ورضوانه ومثوبته وجنته للشهداء الأوفياء.
والله أكبر والله الحمد(57).
صوت الشعب
قضى الأمر وانكشف المستور بظهور نوايا أمريكا الصهيونية وبريطانيا المخادعة إزاء الجهاد العربي فى فلسطين على نحو ما يراه القراء فى البرقيات المنشورة فى غير هذا المكان؛ من إتمام الصفقة بين الدولتين على حساب الحق والحرية والعدالة، والاتفاق فيما بينهما على الضغط المتزايد على الدول العربية لحملها على وقف القتال فى فلسطين إنقاذا للصهيونية الآثمة بعد أن تبين لهما رجحان كفة العرب البواسل رجحانا ينذر بفناء الصهيونية وتطهير الأراضي المقدسة منها إلى الأبد.
وما شككنا -قط- فى قدرة الصهيونية الأمريكية على دفع رئيس الولايات المتحدة إلى هذا الاتجاه الخطير المنافي لما يسمونه ميثاق الأمم المتحدة وأبسط الحقوق الإنسانية، والقاضي على شرف أمريكا كدولة ديموقراطية تدعى لنفسها حماية السلم ورعاية حقوق الشعوب إلى غير ذلك من المزاعم الباطلة التى تشيعها الدعاية الأمريكية.
ولم يخامرنا الشك –أيضا- فى خبث نية بريطانيا رغم ما تردد على ألسنة المسئولين فى لندن من حرصها على صداقة العرب وتحديها لأمريكا، وما شككنا فى أن المراد بهذا التشدد هو المساومة مع أمريكا، حتى إذا تمت الصفقة أسفرت بريطانيا عن نواياها الحقيقية، وراحت تعتذر للعرب بأن التزاماتها نحو ميثاق الأمم المتحدة ترتفع على التزاماتها بإزاء المعاهدات المبرمة مع الدول العربية!!
ولسنا بحاجة للتدليل على سخف هذا العذر الواهي وبطلانه بأكثر من القول بأن موقف أمريكا العدائي وتأييدها للصهيونية مناقض للميثاق المزعوم ذاته، وإقرار صديقتها بريطانيا لهذا الموقف الشاذ إهدار للميثاق وخرق لمعاهداتها.
ولكننا نتطرق من هذا إلى الأهم فنقول: إن الفرصة سانحة اليوم أمام الدول العربية المرتبطة بمعاهدات مع بريطانيا، وقد شاءت بريطانيا أن تضرب بالتزاماتها عرض الحائط، أن تتخلص نهائيا من آخر قيود المعاهدات البريطانية، وتعلن صراحة أن هذه المعاهدات أصبحت باطلة ما دام الجانب الآخر قد تخلص منه.
إننا نكتب هذه السطور قبل أن توافينا البرقيات من "ليك سكس" بما دار فى مجلس الأمن، ولكن كل القرائن تدل من تصريحات المسئولين فى واشنطن على أن شروط وقف القتال التى وضعها العرب بنزع السلاح من اليهود، ووقف الهجرة، وإلغاء قرار التقسيم، وسحب الاعتراف بدولة إسرائيل المزعومة ستقابل من أمريكا باعتراض شديد، بل وحث المجلس على رفضها رفضا باتا وحمل الدول العربية على الأخذ بقرار الكف عن القتال بلا قيد ولا شرط.
كما تدل أقوال الدوائر المسئولة فى لندن على أن بريطانيا تبذل أقصى ما فى وسعها لحمل الدول العربية على التسليم بقرار مجلس الأمن. وعلى أنها اتفقت نهائيا مع أمريكا على مواجهة الدول العربية فى مجلس الأمن بالأمر الواقع.
والآن وقد اتضحت للعيان المؤامرة الأمريكية الإنجليزية على حقيقتها. فماذا عسى أن يكون موقف الحكومات العربية!؟
إننا لا نستطيع أن نصدق أن الأقطاب والمسئولين العرب سيذعنون للأمر بوقف الجهاد بدون تحقيق الشروط التى طلبوها، فإن معنى ذلك إضاعة فلسطين وإضاعة شرفنا وسمعتنا وكياننا الدولي. وإلا ففيم كان القتال ولماذا دفعنا شبابنا وجنودنا إلى الموت؟!
إننا نعلم أن الموقف دقيق خطير، ونعلم أيضا -كما قلنا أمس- أننا نواجه العالم ممثلا فى الصهيونية العالمية والاستعمار الغربي والفاشية الإرهابية والرأسمالية الدولية والشيوعية الدولية.. أجل. نعلم كل هذا جيدا، ولكن نتائج هذا التحدي بالغة ما بلغت من السوء فإنها لا تساوى فتيلا إلى جانب نتيجة التسليم والعياذ بالله، هذه النتيجة التى تتلخص فى كلمة واحدة: وهي الموت الأدبي والموت السياسي!!
أيها الزعماء:
هذه الشعوب العربية والأمم الإسلامية قد هبت أجمعها نشوى بالجهاد المقدس، تترامى إلى ساحة الشرف وأرواحها فى أيديها مستهينة بالموت فلا تخذلوها، ولا تطفئوا هذه الحماسة المتفجرة المتأججة، بل زيدوها ضراما واشتعالا لتكتسح فى طريقها الاستعمار بكل ألوانه، ولا تفوتوا على هذه الشعوب الباسلة الفرصة الراهنة، فإنها الفرصة الوحيدة ليقظة الأمة العربية ونوال حقوقها المشروعة. وهيهات أن تعود!
لا تصدقوا دهاقنة الغرب وتنخدعوا بالوعود والعهود، فقد خبرناها وكفانا عظة بالماضي، وثقوا أن تلك المدافع المشرعة فى ميادين فلسطين إذا صمتت وتلك الحماسة المنبجسة من قلب كل عربى إذا خبت، فإنها سوف لا تعود إلى الانطلاق من جديد. وهيهات!!
أيها الزعماء:
لا تخشوا ما يلوحون به من قوة وبأس يتحدون به الحق، وثقوا بشعوبكم التى تشد ظهوركم أمام جبارة ليك سكس، ودعونا نصل إلى نهاية الشوط، فإذا قدر لنا أن نفنى جميعا فى ساحة الشرف، فإن ذلك أكرم من أن نعيش أذلاء تحت رحمة الإرهاب الصهيوني الغربي.
أدخلوا فى حساباتكم قبل أن تقولوا كلمتكم فى مصير هذه الشعوب أن لها الحق الأول فى تقرير مصيرها الممثل اليوم فى فلسطين، وأنه ما من قوة تكرهها على التسليم بحقوقها أو تحملها على الخنوع لطغمة دولية تريد إذلالها. فاذكروا ذلك فى كل كلمة تقولونها فى مجلس الأمن.. ألا هل بلغت اللهم فاشهد(58).
أحلام ثلاثة قرون وثلث
تبددت فى لحظة..!!
حضرات المستمعين: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد:
فكلمة هيئة وادى النيل العليا لإنقاذ فلسطين مع حضراتكم الليلة عن "أحلام ثلاثة قرون وثلث" شاء الله لها أن تبدد فى لحظة من لحظات اليقظة المباركة، وهكذا يتحقق المثل المعروف: لا قيام للباطل إلا فى غفلة الحق. بل ترى مصداق قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ*فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ*لاَ تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ*قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ*فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ*وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ*لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ*بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾[الأنبياء: 11-18].
أيها المستمعون الكرام:
قد يبدو العمل الذى تقوم به الدول العربية والجيوش العربية اليوم- كحملة تأديبية على الصهيونية الآثمة المعتدية- عملا عاديا للذين لا يدركون –بعد- أسرار المؤامرة الخطيرة التى دبرت منذ ثلاثة قرون أو تزيد واحضتنتها اليهودية العالمية، وتوارثها منذ ذلك التاريخ خلفا عن سلف وعملت دائبة فى سبيل تحقيق أهدافها عمل الجبابرة، لا تدخر وقتا ولا جهدا ولا مالا ولا دعاية ولا مخادعة خطوة بعد خطوة، حتى توهمت أن الثمرة قد نضجت وأن الساعة قد أظلت، فأسفرت النقاب عن وجهها الكالح وأعلنت فى آخر المطاف (دولة إسرائيل) التى ماتت يوم ولدت وقبرت يوم أعلنت. وتحقق فيها قول الشاعر العربي:
أتت البشارة والنعي معا يا قرب مأتمها من العرس
قد يبدو عمل الدول العربية اليوم عملا عاديا للذين لا يدركون سر المطامع الصهيونية. ولهذا أردت أن أستعرض فى هذه الكلمة -بإيجاز وعجلة- بعض المواقف والأهداف التى عملت -ولا زالت تعمل- لها اليهودية العالمية، حتى يظهر للناس جميعا مدى العمل العظيم الذى قامت وتقوم به اليوم الدول العربية أولا، ثم البلاد المجاورة لها فى الشرق ثانيا، ثم الحضارة الإنسانية كلها من شر مستطير كان يترقبها لو لم تتبدد هذه الأحلام.
فى سنة 1616 الميلادية ألف سير "هنري فيتش" المحامي الإنجليزي اليهودي كتابه الذي أسماه "نداء اليهود" دعاهم فيه إلى "إعادة إنشاء وطن مؤقت لليهود تمهيدا لتأسيس إمبراطورية عالمية واسعة الأرجاء"، وظلت هذه الدعوة حلما يداعب خيال صاحبها ومن وجهت إليهم حينا من الدهر.
وفى سنة 1839 (أى منذ مائة عام وعشرة) طلب السير "موسى حليم مونتيفور" الإيطالي اليهودي السمسار فى بورصة لندن من محمد على باشا (خديوي مصر وفاتح الشام) أن يمنحه أرضا فى فلسطين لينشئ فيها مزارع يهودية -بعد أن زار فلسطين مرتين ومكث بها مدة طويلة، وتبين أن عدد اليهود فيها كلها لا يزيد على ثمانية آلاف متفرقين فى عدة أماكن، ولكن الرجل اليقظ المحنك أدرك ما وراء هذا الطلب فرفضه بكل شدة. وقد كشف السير "موسى" فى مذكراته الخاصة طرفا من برنامجه هذا إذ قال: "سأبدأ بأن أطلب من محمد على منحى أرضا لمدة خمسين عاما ومائة أو مائتي قرية، وسأعطيه ربحا يتراوح بين عشرة وعشرين فى المائة، على أن يكون وضع المبلغ بأجمعه فى الإسكندرية بشرط أن تعفى الأرض والقرى التى ستمنح طول المدة من أية ضريبة يفرضها الباشا أو حاكم المناطق التى ستمنح فيها الأرض، وبشرط أن أحصل على حرية التصرف فى المحصول فى أية جهة من جهات العالم. فإذا حصلت هذه المنحة فإنني بعد عودتي من إنجلترا سأنشئ شركة تتولى زراعة الأرض وتشجع أبناء ديننا فى أوروبا على العودة إلى فلسطين. إن كثيرين من اليهود يهاجرون إلى ويلز الجنوبية الجديدة وكندا، ولكنهم يستطيعون فى الأرض المقدسة أن يجدوا فرص النجاح المؤكد. هنا سيجدون الآبار التى تم حفرها، وأشجار الزيتون والكرم التى تم زرعها، والأرض الخصبة التى لا يعوزها إلا القليل من الماء، وإنى لآمل أن أوفق تدريجا إلى إعادة الآلاف من أبناء ديننا إلى أرض إسرائيل".
وبالرغم من أن هذا الحلم قد تبدد برفض محمد على باشا، فإن السير موسى استطاع فى عام 1840م أن يحصل من "لورد بالمريستون" على وعد بأن يعتبر القناصل الإنجليز أنفسهم حماة لليهود فى الأقطار التركية، وما كان اليهود بحاجة إلى الحماية حينذاك، ولم يقع عليهم الاعتداء من أحد، ولكنها وسيلة إلى التدخل وذريعة إلى الإمساك بحبل من الناس والسلام. وفى عام 1945م استطاع هذا الرجل بدهائه وسعة حيلته أن يحصل على أرض فى فلسطين، عهد باستغلالها إلى خمسة وأربعين أسرة يهودية من يهود "سباط".
وفى الوقت الذي كان فيه سير "موسى مونتيفور" يحاول تسخير الإنجليز لتحقيق أية خطوة من برنامج اليهودية العالمية، كان يهودي آخر ألماني هو "موسى هيس" يحاول من جانبه تسخير فرنسا لهذا الغرض، ويحلم هو الآخر بإنشاء الدولة اليهودية بمساعدتها فيقول فى كتابه "روما والقدس" الذي نشره سنة 1862م:"إن العصر الذي يتحقق فيه أمل اليهود قد بدأ بالثورة الفرنسية. وإن ما علينا عمله اليوم لإعادة تأسيس وطن اليهود القومي أن نحتفظ دائما بالأمل فى بعثنا السياسي، وأن نوقظ هذا الأمل كلما نام، فإذا مكنتنا الحوادث التى تتأهب للوقوع فى الشرق من البدء عمليا فى إعادة إنشاء دولة يهودية، فإن الخطوة التالية ستكون إنشاء مستعمرات يهودية وهو عمل لا شك أن فرنسا ستمد له يد العون. إن الفرنسيين واليهود قد خلقوا بلا شك ليتبادلوا التعاون". ثم يقترح عمليا أن تنشأ جمعيات يهودية للزراعة والصناعة والتجارة تطبق المبادئ الاشتراكية.
وقد سبقه بمثل هذا الاقتراح الحاخام "كلبشار" من بلدة تورن، وضمن اقتراحه وجوب أن تنشئ جمعية الاستعمار اليهودية "قوة عسكرية منظمة من المواطنين تتولى رد هجمات البدو تؤدى أعمال البوليس وتنفذ القانون بالقوة وتحفظ الأمن فى البلاد". كأنه ليست هناك حكومة قائمة ولا دولة مسئولة حينذاك.
وفى عام 1870م انتقل النشاط اليهودي من إنجلترا وفرنسا إلى روسيا، فأسس "الحلف الإسرائيلي العالمي" -بناء على فكرة بعض اليهود الروس- ما أسماه مدرسة زراعية على مقربة من يافا. وما هى إلا لبنة من لبنات الاستعمار اليهودي للأرض المباركة، وكانت مساحة الأرض التى خصص لها ستمائة فدان منحتها الحكومة العثمانية وأطلق على هذه المؤسسة (ميكفح إسرائيل).
وفى عام 1878م أخذ الطلبة اليهود والروس ينتظمون فى عضوية أندية خاصة لتنظيم الهجرة إلى فلسطين عندما تسنح الفرصة، وأهم جمعية من تلك الجمعيات تكونت فى القسطنطينية باسم "بيلو" عام 1882م، وهو اسم منحوت من الأحرف الأولى للجمعية العبرية "بيت يعقوب تعالى هيا نذهب". وفى النداء الذى أذاعته هذه الجمعية على يهود العالم كشفت عن مقصدها فقالت إننا نريد وطنا فى بلدنا، فقد أعطتنا رحمة الله هذا الوطن، وهو لنا كما هو ثابت فى محفوظات التاريخ. إننا سنرجو من السلطان نفسه أن يمنحنا هذا الوطن، فإذا استحال الحصول عليه رجونا أن نقطن هذا الوطن على أن يكون دولة داخل دولة أخرى أعظم منها".
وفى نفس الوقت تأسست من اليهود الروس أيضا جمعية "محبي صهيون" ونجم عن هذا النشاط أن تأسست عدة مستعمرات يهودية صهيونية منها: "ريسون لوزيون" بقرب يافا، و(زيشرون يعقوب) فى سماريا.
وفى عام 1891م وضع اليهودي الروسي "أيلزوين يهودا" قاموسا للغة العبرية بعد أن هاجر إلى القدس، وحاول أن يبعث هذه اللغة ويجعلها لغة للتفاهم بين اليهود فى فلسطين أولا ثم فى غيرها بالتدريج لتكون من اللغات الحية.
وفى عام 1896م أصدر "تيودور هيرتزل" كتابه (الدولة اليهودية) وتزعم حركة المطالبة بها وتنظيم هجرة اليهود إليها، واستطاع أن يقابل السلطان عبد الحميد وأن يقدم له التماسا بأن يتنازل لليهود عن فلسطين لكى يؤسسوا فيها جمهورية يهودية وله فى نظير ذلك ما يطلب من مساعدات مالية كانت الدولة التركية فى أشد الحاجة إليها- ولكن السلطان عبد الحميد أخرسه بهذا الرد الحاسم، إذ أرسل إليه يقول: "أنصح الدكتور هيرتزل بألا يتخذ خطوات أخرى فى هذا الطريق، فإنى لا أستطيع أن أتنازل عن قدم مربعة من هذه الأرض -أرض فلسطين- لأنها ليست أرضى، وإنما أرض شعبي؛ شعبي الذى حارب فى سبيل هذه الأرض ورواها بدمه. دع اليهود يحتفظون بملايينهم، فإذا تفككت إمبراطوريتهم فإن اليهود قد يحصلون على فلسطين بدون مقابل، ولكنهم لن يصلوا إليها إلا على أشلاء أجسامنا بعد تمزيق أوصالها. إننى لا أستطيع أن أوافق على إجراء التجارب الجراحية على أجسام أبناء شعبي الأحياء".
وقد دعا "هيرتزل" إلى عقد مؤتمرات صهيونية دورية كان أولها مؤتمر "بال " الذي حدد غرض الصهيونية بهذه العبارة "إن غرض الصهيونية هو تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي فى فلسطين يضمنه القانون العام". ويلاحظ العدول إلى الوطن لغرضين: أولهما: عدم إزعاج اليهود فى الدول التى يتمتعون بجنسيتها المحلية. وثانيهما: مخادعة حكومة تركيا التى كانت المفاوضات لا تزال دائرة بينها وبين هيرتزل إلى عام 1902م حيث انتهت إلى نهاية رفضها اليهود إذ كان رد الحكومة التركية حازما وكانت شروطها تتلخص فى أن يتجنس اليهود المهاجرون بالجنسية التركية ويقضوا مدة التجنيد بالجيش التركي، ويوزعوا على جميع الولايات عدا فلسطين، ولا يزيد عدد المهاجرين إلى أية ولاية على خمسة أسر.
وقد حاول هيرتزل -بالرغم من هذا كله- أن يستعين بإنجلترا التى كانت قد احتلت مصر على أن تساعده لدى الحكومة المصرية على استعمار الأراضي الواقعة بين العريش وحدود فلسطين، ولكن لورد كرومر رفض باسم الحكومة المصرية أن يسمح بهذا الاستعمار خوفا من ثورة الشعب المصري.
ولكن هذه الجهود المتواصلة قد أنتجت أن عدد اليهود فى فلسطين قد زاد من 8000 إلى90 ألفا فى عام 1914م عندما أعلنت الحرب العالمية الأولى.
وفى 2 نوفمبر 1917م، وفى أثناء الحرب العالمية الأولى، وفى الوقت الذى كان العرب فيه يقاتلون إلى جانب الحلفاء أملا فى الحصول على حريتهم واستقلال بلادهم، واعتمادا على ما كان يبذله هؤلاء الزعماء العرب من وعود يقسمون عليها بشرفهم- أرسل مستر "آرثر جيمس بلفور" خطابه الذى عرف فيما بعد باسم (وعد بلفور) إلى اللورد "روتشيلد" بمساعي الدكتور "وايزمان" الذى أفضت إليه زعامة الصهيونية العالمية، وقد جاء فيه: "إن حكومة جلالة الملك تنظر بارتياح إلى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي، وستبذل ما تستطيع لتحقيق هذا الغرض، على أن يكون مفهوما جليا أنه لن يعمل شىء يضر بالحقوق المدنية والدينية للجماعات غير اليهودية بفلسطين، أو بالحقوق السياسية التى يتمتع بها اليهود فى أية دولة أخرى". وقد ظل أمر هذا الوعد مكتوما كبقية الاتفاقيات السرية التى عقدها الحلفاء بعضهم مع بعض، حتى أذيع رسميا فى مايو 1919م بنابلس على لسان الجنرال "ليوبس بولز" أى بعد عام ونصف من صدوره.
وبالرغم من غموض هذا الوعد والتوائه وعدم تحديده لأي التزام سياسى أو اجتماعي، فقد اتخذته الصهيونية ذريعة لأوسع خطواتها فى ظل الانتداب البريطاني الذي تقرر فى عصبة الأمم بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، واعتبرته ختام مراحل الكفاح السياسي فى سبيل تحقيق حلم الدولة اليهودية التى ألمعنا بها فى إيجاز، ملخصة من كتاب "حرب مائة عام فى فلسطين" للأستاذ محمود كامل المحامي الذي أهدى كثيرا من نسخه مشكورا لهيئة وادي النيل العليا والذي جاء على لطف حجمه وافيا شافيا. كما انفتح بهذا الوعد أمام الصهيونية العالمية مجال العمل الجدى بكل وسائله، فتدفق المهاجرون بالآلاف من كل مكان، وشريت الأرض من أهلها العرب بمختلف الحيل وبأي الأثمان، وجندت الجماعات اليهودية والأموال اليهودية والنفوذ اليهودي للدعاية بمختلف طرقها فى جميع الأوطان، وأنشئت المستعمرات وحصنت وبنيت على أدق القواعد العسكرية وجهزت بأحدث الأسلحة، وأنشئت المصانع والمعامل، ودربت العصابات المسلحة وترقبت اللحظة المناسبة لتقوم بما اعتزمته من بغى وعدوان، واتخذت اليهودية العالمية من الولايات المتحدة الحديثة العهد بالسياسة الدولية، ومن هيئة الأمم المتحدة -وهى ما زالت بعد تحت التجربة- أداة لتحقيق ما أملته فى سالف الحوادث على النحو المعروف، حتى انتهت إلى قرار التقسيم المشئوم التى اتخذته العصابات الصهيونية ذريعة للبطش والطغيان.
واشتعلت نار الحرب فى أرض السلام بين مجموعتين غير متكافئتين فى القوة، مكثت إحداهما تستعد لهذا اليوم ثلاثة قرون أو تزيد، وجردت الأخرى من كل وسائل الاستعداد، وقد وضعت الصهيونية فى حسابها كل شىء إلا أن تقف الدول العربية عسكريا إلى جانب عرب فلسطين بقواتها المنظمة وجيوشها المظفرة، فزادت بغيا وعتوا، وتجبرت فى الأرض فسادا وعلوا، وارتكبت من الفظائع ما لم يشهد التاريخ له مثيلا، وظنت أن قد قضى الأمر وكتب لها النصر، حتى أتاهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون، وأحاطت بهم الكتائب العربية من كل مكان، وحق عليهم قول الله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ﴾[الأنعام: 44]. فسقط فى يدهم وتبددت أحلام ثلاثمائة عام أو يزيد، وسيتحقق فيهم قول العلى الكبير: ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[الأنعام: 45].
أيها المستمعون الكرام:
لقد كشفت هذه الأيام القليلة التى دخلت فيها الجيوش المصرية فلسطين عن حقائق عجيبة وأمور غريبة؛ فهذه المستعمرات الصهيونية بما فيها من مخابئ وسراديب وقلاع وحصون وأسلحة وذخائر ومخازن ومعامل انتشرت فى كل مكان، وأحاطت بالمدن والقرى الفلسطينية العربية، وتاخمت حدود الدول المجاورة لفلسطين، ولم يكن وضعها هكذا عبثا، ولكنه كان لغاية معلومة ونهاية محتومة، أن تكون مراكز انقضاض على ما جاورها فى الداخل والخارج حتى يصبح ملك إسرائيل من الفرات إلى النيل. والعجيب كل العجب أن ينهار كل ذلك الاستعداد أمام أول صدمة، وأن تفجع الصهيونية فى آمالها العريضة قبل يوم الملحمة. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. فأي عمل عظيم قامت به الدول العربية! وأي خدمت جلى قامت جيوشها المظفرة للإنسانية!
بعد هذا كله ثلاث نصائح نوجهها مخلصين:
أولاها: إلى الصهيونيين أنفسهم أينما كانوا وحيثما وجدوا أن يستسلموا ليسلموا وأن يدعوا هذا الهوس السياسي، ويتخلوا عن هذا الحلم الخيالي الذي أضر بهم وبإخوانهم من اليهود فى كل مكان، فهى نكبة الأبد وشقاء الدهر. وإن من الخير لليهود أن يعيشوا مواطنين سالمين فى الدول التى ينتسبون إليها، لا أن تقوم لهم دولة تنتسب إليها أقلية منها وتعتبر الأكثرية أجنبية فى كل وطن.
وثانيتها: لأمريكا وروسيا وغيرهما من الدول التى خلا لها أن تداعب المجتمعات السياسية بالاعتراف بدولة لم توجد بعد. وإلى هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن أن يتخلوا عن هذه الخطة من النظر السياسي الضيق المحدود بالأطماع والأغراض، ويتصوروا الأمور على وضعها الحقيقي، وسيرون أن هذا المنطق السليم يفرض عليهم العدول عن تحدى أمة تعدادها سبعون مليونا من العرب، معها ثلاثمائة مليون من المسلمين لهم جميعا تاريخهم وماضيهم وكرامتهم وكيانهم، ولا يمكن أن ينزلوا عن أوطانهم وديارهم لمجرد رغبة دولة من الدول أو هيئة من الهيئات، كما يفرض عليهم هذا المنطق أن ينصحوا لليهود أو أن يبحثوا لهم عن وطن لا أصحاب له. وأرض الله واسعة.
وثالثها: للحكومات العربية والإسلامية والشعوب العربية والإسلامية.. لقد عرفت الطريق الحق فالزميه واستعينى بالله واصبرى: ﴿إِنَّ الأَرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾[الأعراف: 128].
وأنتم أيها المجاهدون الأحرار والمصابون الأطهار والشهداء الأبرار لكم جميعا سلام الله تحياته ورحمته وبركاته.
والسلام عليكم ورحمته أيها المستمعون الكرام.
والله أكبر ولله الحمد(59).
صورة من الماضي
أيها المستمعون الكرام:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد- فإننا فى حديث هيئة وادي النيل العليا لإنقاذ فلسطين الليلة نقدم إليكم "صورة من الماضي العزيز" يتجلى فيها الفارق بين "حكم وحكم" ولله عاقبة الأمور.
قال حيي بن أخطب النضيرى لكعب بن أسد القرظي يوم الأحزاب: يا كعب لقد جئتك بعز الدهر وببحر طام من الجند، وهؤلاء قريش وغطفان وأشجع وغيرهم من سادات العرب وقبائلهم حول المدينة، ولن يدعوها حتى يستأصلوا شأفة محمد وأصحابه لتكون لنا خالصة من دونهم ونرد إلى مواطننا من قبل. فهلم فانقض عهده، واغدر به، وكن معهم عليه، ولن تظفر بمثلها أبدا. ولكن سيد بنى قريظة لم يبادر إلى الإجابة ولم يسرع بالغدر، وكان فيما قال لصاحبه: ما جئتني إلا بذل الدهر وبجهام قد هريق ماؤه يرعد ويبرق وليس فيه شىء. ويحك يا حيي، فدعني وما أنا عليه، فإنى لم أر من محمد إلا وفاء وصدقا. ولكن حييا لم ييأس من صاحبه، وما زال يوحى إليه بزخرف من القول ويغره بالأماني ويفتل له فى الذروة والغارب حتى استجاب له ونقض العهد ومزق الصحيفة التى كانت بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأرسل إلى قريش أنه معهم فى حربه، وعلم رسول الله الخبر فأرسل إليهم سعدا بن معاذ سيد الأوس وسعد بن عبادة سيد الخزرج وعبد الله بن رواحة، فدخلوا معهم حصنهم وقال سعد بن معاذ: يا بنى قريظة قد علمتم الذى بيننا وبينكم من المحالفة، وإنى أخاف عليكم مثل يوم بنى النضير أو أمر منه فلا تنقضوا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالوا فى سخرية من رسول الله: لا عهد بيننا وبين محمد. فعادوا فأخبروا النبى صلى الله عليه وسلم، فما زاد على أن قال: "الله أكبر. أبشروا بفتح الله ونصره.
وأحاطت قريش وحلفاؤها بالمدينة من كل مكان، وأرجفت قريظة بالمسلمين داخل الخندق واشتد على الناس البلاء، وكان الأمر كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا*هُنَالِكَ ابْتُلِىَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا﴾[الأحزاب: 10-11].
وانطلقت ألسنة المنافقين بالسوء وبالكذب من القول، وكشفوا عن مستور النفاق ومكنون الغش والمخادعة. فقال معتب بن قشير (اخو بنى عمرو بن عوف): كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يخرج إلى ظاهر المدينة. ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا. وقال أوس بن قيظي: يا رسول الله – إن بيوتنا عورة فأذن لنا نرجع وكذب وصدق الله العظيم ﴿وَمَا هِىَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا﴾[الأحزاب: 13].
وثبت المؤمنون للمحنة القاسية والفتنة العاتية، وكان من نبأهم ما سجله القرآن الكريم لهم: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا*مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا﴾[الأحزاب: 22-23]. وكتب الله لهم تأييده وأيدهم بنصره ووقع الشقاق والخلاف فى صفوف المعتدين، وهبت عليهم الريح من كل مكان، وأخذتهم الصاعقة فولوا الأدبار: ﴿وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا﴾[الأحزاب: 25].
ونادى منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المسلمين: لا يصلين أحد العصر إلا فى بنى قريظة. فركبت خيل الله ورسوله وتلاحق المجاهدون، واعتصم القوم الغادرون بحصنهم خمسا وعشرين ليلة لم يخرجوا من وراء جدر مرة واحدة، حتى أيقنوا بالهلاك إن اشتد بهم ذلك الحصار، فأخذوا يتشاورون فقال لهم صاحب رأيهم: أرى أن نسلم مع هذا الرجل وندخل فيما دخل فيه الناس فنكون له ولأصحابه إخوانا. فثاروا به وقالوا: لا نفارق حكم التوراة أبدا. فعرض عليهم أن يقتلوا نساءهم وأبناءهم بأيديهم وأن يخرجوا من وراء هذه الحصون يقاتلون، فإن غلبوا ماتوا كراما، وإن غلبوا اتخذوا النساء والأبناء. فقالوا: نقتل هؤلاء وما خير العيش بعدهم؟ فقال لم يبق إلا أن تنزلوا على حكم محمد. فتبادلوا الرأي فيما بينهم، ثم ذكروا ما كان بينهم وبين الأوس من محالفة وود فى الجاهلية فقالوا: نستعين بهم فى هذه المحنة كما استعان بنو النضير بحلفائهم من الخزرج فى مثلها، واطمأنوا إلى هذه الفكرة، وبعثوا إلى الأوس من يبلغهم هذه المقالة التى أثارت فى الأوس فعلا شهامة العروبة وشمائل النجدة، ومشى جماعة منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا نبى الله! ألا تقبلوا من حلفائنا مثل الذي قبلت من حلفاء الخزرج؟ فقال صلى الله عليه وسلم -وكان مثال الرفق والحكمة- يا معشر الأوس ألا ترضون أن أجعل بيني وبين حلفائكم رجلا منكم؟ قالوا: بلى. قال: فقولوا لهم فليختاروا من شاءوا على أن ينزلوا على حكمه ففعلوا. فاختار اليهود سعد بن معاذ رضى الله عنهم، فأخذ العهد والموثق على الفريقين أن يرضى كلاهما بقضائه، حتى إذا اطمأن إلى ذلك حكم أن تقتل المقاتلة وتقسم الأموال وتسبى الذرية والنساء. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ: لقد رضى الله بحكمك هذا والمؤمنون يا سعد.
ولم يكن فى هذا الحكم جور ولا قسوة. ولقد كان أهل المدينة جميعا عرضة لهذا المصير بسبب هذه الخيانة العظمى من هؤلاء ونقضهم ميثاقهم وانضمامهم إلى صفوف الأعداء لولا لطف الله اللطيف الخبير.
أيها المستمعون الكرام: ما أشبه الليلة بالبارحة! لقد نزح اليهود إلى فلسطين مواطنين مستضعفين، لفظتهم الدول، واضطهدتهم الشعوب والأمم، ولم يجدوا الأمن والطمأنينة إلا فى كنف الخلق العربي وظل التسامح الإسلامي، وظلوا يتظاهرون بأنهم مواطنون طيبون مخلصون حتى إذا سنحت لهم الفرصة تآمروا على هذه الأوطان التى آوتهم بعد تشريد، وجمعتهم بعد فرقة وشتات، فنقضوا المواثيق، وتنكروا للعهود، ونسوا المعاملة الطيبة والحسنات السابقة، وانقلبوا وحوشا كاسرة يعيثون فى الأرض فسادا ويريدون أن يقيموا بالخيانة السافرة والقوة القاهرة والعصابات الغادرة دولة فاجرة تأذن الله لها أن تموت قبل أن تولد، معتمدين على مطامع الدول الاستعمارية، وتقلبات السياسة الدولية، ومحالفة من لا ضمير لهم من رجال السياسة وعبيد الجاه والمال، فواجهتهم الدول العربية بما لم يكونوا ينتظرون، وآتاهم الله من حيث لم يحتسبون، وأخذت بخناقهم الجيوش المظفرة فى كل ميدان، وشددت عليهم الحصار فى كل مكان خمسة وعشرين ليلة كذلك، حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم، وكان حكم الله ورسوله والمؤمنين أن تستمر هذه الحلكة على أشدها حتى ينزلوا عن حكم كحكم سعد، يستأصل المقاتلة، ويصادر الأموال، ويضرب الذلة على النساء والأطفال، ويريح العالم من هذا الهوس الصهيوني الذى يهدده بشر مستطير ويوم كيوم حيفا ويافا ودير ياسين وطبرية: ﴿وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ﴾[الشورى: 41]. ولكن الدعاية اليهودية الماهرة والسياسة الصهيونية الماكرة عرفت كيف تستخدم مجلس الأمن لتفريج كربتها وتأجيل نكبتها فكانت الهدنة، ولكن مع حكم غير حكم سعد، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
أيها المستمعون الكرام: لم ننته بعد، والرواية لم تتم فصولها. ولا ندرى ما يأتى به الغد. فيا أيتها الشعوب العربية: لا تتدعى اليقظة. ويا أيتها الحكومات العربية: كونى على حظر. ﴿فَلاَ تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَن يَّتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾[محمد: 35]. والله أكبر والله الحمد(60).
الكوكاكولا شراب محرم
منشور للإخوان المسلمين
أذاع حضرة الأستاذ الشيخ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين منشورا عاما على جميع مراكز الإخوان بالقطر المصري، أشار فيه إلى أن الحكومة الأمريكية وقفت من قضية العرب والمسلمين موقفا بعيدا عن الحق والعدل والإنصاف مشايعة للظلم والظالمين.
ولما كان مشروب الكوكاكولا مشروبا أمريكيا، فكان واجبا علينا أمام الله والوطن والدين والعروبة ألا نعاون من ينصر اليهود على المسلمين، فإن هذا لا يتفق مع الدين وأوامره السمحة الشريفة التى توصى بأن نكون أعداء لمن يشاقق الله ورسوله.
لذلك؛ فإنى أطلب إلى الإخوان جميعا أن يكون شراب الكاكولا شرابا محرما عليهم، فلا يدخلونه بيوتهم ولا مكاتبهم ولا يقدمونه إلى زوارهم. إن عليهم أن يقاطعوا هذا المشروب الأمريكي وكل ما هو أمريكي، وما على إخواننا الذي يتجرون فى هذا المشروب إلا أن يعيدوه بالثاني إلى شركاته الأمريكية، حتى نبرهن للأمريكان على أننا أمة تعرف واجبها، وأنها لا تمد يدها ولا تتعاون مع أعدائها والذين يظاهرون خصومهم علينا.
تلك وصيتي إليكم، بل هى وصية الله والقرآن.
والله أكبر ولله الحمد(61)
المركز الرئيسي لجماعات أقسام البر
والخدمة الاجتماعية للإخوان ومساعدة المشردين بفلسطين
أرسل المركز الرئيسي لجماعات أقسام البر والخدمة الاجتماعية للإخوان المسلمين إلى حضرة صاحب السعادة الأمين العام للجامعة العربية الخطاب التالي:
حضرة صاحب السعادة عبد الرحمن عزام باشا الأمين العام لجامعة الدول العربية.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد رأى المركز الرئيسي لجماعات أقسام البر والخدمة الاجتماعية للإخوان المسلمين المسجل بوزارة الشئون الاجتماعية تحت رقم 293 أن يقوم بنصيبه الأوفى فى مساعدة اللاجئين الفلسطينيين وبخاصة الموجود منهم فى منطقة الجيش المصري هناك، ولاسيما وقد أقبل الشتاء ببرده القارص، فرأى أن يؤلف من بين أعضائه لجنة لهذا الغرض على النحو الآتي: الصاغ محمود لبيب المفتش العام لفرق الإخوان المسلمين رئيسا. والأستاذ صالح عشماوي وكيل هيئة الإخوان المسلمين وكيلا أول. والأستاذ عبد الرحمن الساعاتي وكيل المركز الرئيسي للبر والخدمة الاجتماعية وكيلا ثانيا. والأستاذ محمد طاهر الخشاب المحامي سكرتيرا. والأستاذ سعد الدين الوليلى المحرر بجريدة الإخوان سكرتيرا ثانيا. والدكتور محمد سليمان المدرس بكلية الطب رئيس القسم الطبي للإخوان. والأستاذ الشيخ أحمد حسن الباقوري وكيل معهد القاهرة بالجامعة الأزهرية. والأستاذ الشيخ على جبر المدرس بالجامعة الأزهرية.
على أن تكون مهمتها محددة بتكوين لجان فرعية فى المملكة المصرية لجمع الملابس والأغطية والتبرعات عينية لا نقدية خلال المدة من 15 سبتمبر الجاري إلى 25 منه تحت عنوان "أسبوع مساعدة اللاجئين بفلسطين"، وعلى أن يسلم ما يجمع للجامعة العربية أو وزارة الشئون الاجتماعية أو الهلال الأحمر، وعلى أن يكون التوزيع فى فلسطين نفسها، وأن يكون للمركز الرئيسي الحق فى أن يوفد من قبله مندوبين لملاحظة عملية التوزيع على مندوبي الهيئة التى تتولاه وسيكون كل ما يجمع أو يسلم بإيصالات واضحة، ويكون لكل متطوع لهذا العمل تذكرته الشخصية التى تثبت شخصيته ومهمته لدى الجمهور مختومة بخاتم المركز الرئيسي لجماعات البر والخدمة الاجتماعية.
فأرجو التكرم بمخاطبة وزارة الشئون الاجتماعية عن طريق الأمانة العامة للجامعة بالإذن لهذه اللجنة قبل الموعد المحدد بمدة كافية بمزاولة مهمتها ليكون فى خطاب الجامعة ما يعزز هذا الطلب مع جزيل الشكر.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تحريرا فى 27 من شوال1367 أول سبتمبر1948(62)
الإخوان يعملون
حضرة صاحب السعادة عبد الرحمن عزام باشا الأمين العام للجامعة العربية.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد.
فقد رأى المركز الرئيسي لجماعات أقسام البر والخدمة الاجتماعية للإخوان المسلمين المسجل بوزارة الشئون الاجتماعية تحت رقم 293 أن يقوم بنصيبه الأوفى فى مساعدة اللاجئين الفلسطينيين بفلسطين، وبخاصة الموجودين منهم فى منطقة الجيش المصري هناك، ولاسيما وقد أقبل الشتاء ببرده القارص، فرأى أن يؤلف من بين أعضائه لجنة لهذا الغرض على النحو التالي:
الصاغ محمود لبيب المفتش العام لفرق الإخوان المسلمين رئيسًا، الأستاذ صالح عشماوي وكيل هيئة الإخوان المسلمين وكيل أول، الأستاذ عبد الرحمن الساعاتي وكيل المركز الرئيسي للبر والخدمة الاجتماعية.
وكيلاً ثانيًا، الأستاذ محمد طاهر الخشاب المحامي سكرتيرًا. الأستاذ سعد الدين الوليلى المحرر بجريدة الإخوان سكرتيرًا ثانيًا.
أعضاء
الدكتور محمد سليمان المدرس بكلية الطب ورئيس القسم الطبي الإخوان، الأستاذ الشيخ أحمد حسن الباقوري وكيل معهد القاهرة بالجامعة الأزهرية، الأستاذ الشيخ على جبر المدرس بالجامعة الأزهرية.
على أن تكون مهمتها محددة بتكوين لجان فرعية فى المملكة المصرية لجمع الملابس والأغطية وتبرعات عينية لا نقدية خلال المدة من 15سبتمبر الجاري إلى 25منه تحت عنوان "أسبوع مساعدة اللاجئين بفلسطين" وعلى أن يسلم ما يجمع للجامعة العربية، أو وزارة الشئون الاجتماعية، أو الهلال الأحمر، وعلى أن يكون التوزيع فى فلسطين نفسها، وأن يكون للمركز الرئيسي الحق فى أن يوفد من قبله مندوبينا لملاحظة عملية التوزيع على مندوب الهيئة التى تتولاه، وسيكون كل ما يجمع أو يسلم بإيصالات واضحة، ويكون لكل متطوع لهذا العمل تذكرته الشخصية التى تثبت شخصيته، ومهمته لدى الجمهور مختومة بخاتم المركز الرئيسي لجماعات أقسام البر والخدمة الاجتماعية، فأرجوا التكرم بمخاطبة وزارة الشئون الاجتماعية عن طريق الأمانة العامة للجامعة العربية بالإذن لهذه اللجنة قبل الموعد المحدد بمدة كافية؛ لمزاولة مهمتها ليكون فى خطاب الجامعة ما يعزز هذا الطلب.
مع جزيل الشكر.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(63).
من فضيلة المرشد العام
إلى رئيس هيئة الأمم المتحدة
أرسل فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين البرقية التالية لرئيس هيئة الأمم المتحدة فى باريس:
أرجو أن تبلغوا حضرات أعضاء الهيئة المحترمين الذين يمثلون دول العالم المتحضر أن المؤامرة التى تدبر فى الظلام بين اليهودية العالمية والحكومات الاستعمارية لن تثنى الشعوب العربية والإسلامية قيد شعرة عن مواصلة جهادها المرير بكل الوسائل للقضاء على عصابات الصهيونية وإجلائها عن الأرض المباركة والمحافظة على عروبة فلسطين. وأن ما يوجه إلى الحكومات العربية من ضغط أو تهديد لن يؤثر فى عزيمة الشعوب وتصميمها على الكفاح. وأن ما تسمعه الهيئة من المندوبين العرب من العبارات اللينة والكلمات المعسولة الطيبة لا تمثل الثورة المضطربة فى صدور الشعوب العربية والأمم الإسلامية، تلك الشعوب التى لن تهدأ حتى تنال هذه الشعوب حقها أو تفنى دونه(64).
من فضيلة المرشد العام
إلى سماحة رئيس المجلس الوطني
ودولة رئيس حكومة عموم فلسطين
أرسل فضيلة الأستاذ المرشد العام إلى كل من حضرتي سماحة مفتي فلسطين الأكبر ورئيس المجلس الوطني بغزة ودولة أحمد حلمى باشا رئيس حكومة عموم فلسطين البرقية التالية:
أقدم لكم وللشعب الفلسطيني الباسل المجاهد باسم الإخوان جميعا أطيب التحيات وأفضل التمنيات باجتماع المجلس الوطني وقيام حكومة عموم فلسطين الموفقة. حقق الله الآمال وكتب لكم دائما التأييد والتوفيق(65).
قرارات الهيئة التأسيسية
فى الساعة العاشرة من صباح يوم الخميس 27 من جمادى الآخرة 1367 الموافق 6 من مايو سنة 1948 اجتمعت الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين برئاسة فضيلة المرشد العام، وامتد اجتماعها إلى الساعة العاشرة من مساء هذا اليوم، ثم رفعت الجلسة واعتبرت مستمرة، واستأنفت فى الساعة العاشرة من صباح الجمعة إلى قبل الصلاة.
وقد استعرضت الهيئة الموقف فى فلسطين وفى مصر، وناقشت التعديلات التى تقدم بها مكتب الإرشاد العام فى النظام الأساسي للهيئة واتخذت بعد ذلك القرارات الآتية:
قضية فلسطين
أولاً: اعتبار الجامعة العربية والحكومات الممثلة فيها جميعا مسئولة مسئولية كاملة عما حدث فى فلسطين، وما كان من احتلال الصهيونيين للمدن والقرى العربية العزيزة، وما وقع لأهلها من مصائب ونكبات لم تقف عند حد الضحايا فى الأنفس والممتلكات، بل جاوزت ذلك إلى فوضى هجرة عربية أفسحت المجال أمام المعتدين على هذه البلاد.
ثانياً: مطالبة هذه الحكومات -وفى مقدمتها الحكومة المصرية- بالعمل السريع لاستدراك ما فات وإنقاذ عروبة فلسطين بكل الوسائل، وذلك باتباع الخطوات الآتية فورًا:
أ- إعلان الاعتراف بفلسطين كلها بحدودها المعروفة برا وبحرا دولة عربية موحدة، حرة مستقلة ذات سيادة. وإن كل قرار يخالف ذلك من أية جهة يعتبر عدوانا على الحكومات والأمم العربية جميعا، وإن العصابات اليهودية المسلحة من الهاجاناه والأرجون وشتيرن وغيرها قراصنة معتدون، مطالبون بما ارتكبوا من جرائم وما أراقوا من دماء، وأن الصهيونية الآثمة لا حق لها فى شبر واحد من أرض فلسطين.
ب- إعلان رفض أى مشروع تتقدم به أى هيئة محلية أو دولية على أساس غير هذا الأساس، سواء أكان هذا المشروع تقسيما أو وصاية أم هدنة أم غير ذلك.
جـ- مصارحة الشعوب العربية جميعا؛ بأنها قد أصبحت فى حالة حرب عنيفة مع الصهيونية المعتدية الآثمة، ومع اليهودية العالمية التى تؤازرها وتمدها بالمال والرجال والسلاح والنفوس، وإعلان الجهاد المقدس واتخاذ التدابير التى يقتضيها الوضع الجديد من:
1- فتح معسكرات التدريب للمتطوعين مهما كان عددهم وتزويدهم بالمدربين الفنيين والسلاح الكافي.
2- الحصول على الأسلحة والذخائر اللازمة، وإنشاء المعامل الميكانيكية، وتدعيم الصناعات العسكرية بكل ما يلزمها من آلات وخامات.
3- تقدم القوات النظامية الكافية واشتراكها فى عملية التحرير والإنقاذ.
4- تكييف الحياة المدنية بالصورة التى تقتضيها حالة الحرب، ووضع التشريعات التى تكفل الاقتصاد فى الاستهلاك من المواد اللازمة لها كمواد الوقود، وإغلاق الملاهي العابثة والامتناع عن الكماليات، ودفع الشعب بكل الوسائل إلى التزام هذه الأوضاع.
ثالثًا: تحديد الموقع من اليهود المحليين تحديدا واضحا بتحريم منع الجنسية المحلية لأي يهودي، واعتقال كل يهودي يعيش فى وطن عربى لا يحمل جنسيته، ووضع أمواله وأملاكه تحت الحراسة، ومعاملته كما يعامل رعايا الأعداء، ومراقبة نشاط اليهود الذين يحملون الجنسية المحلية مراقبة دقيقة، وسحب هذه الجنسية من كل من يثبت عليه منهم أنه يساعد الصهيونيين بأي نوع من أنواع المساعدة أو يتصل بهم أى اتصال.
رابعًا: مطالبة الجامعة العربية بدعوة الحكومات الإسلامية -وفى مقدمتها تركيا- للعمل على إنقاذ فلسطين ومكافحة اليهودية العالمية.
خامسًا: إصدار بيان عن الموقف فى فلسطين للشعوب العربية والإسلامية بهذه القرارات، ومطالبتها فى حالة ما إذا قعدت الحكومات عن العمل بالاعتماد على نفسها واتخاذ الخطوات التالية باسمها ممثلة فى هيئاتها وأحزابها وجماعاتها وطوائفها وهى:
1- إعلان استقلال فلسطين بكامل حدودها دولة عربية موحدة مستقلة ذات سيادة.
2- إعلان حالة الجهاد المقدس ضد اليهودية المعتدية واليهودية العالمية.
3- إنشاء قيادة عسكرية شعبية لتنظيم التطوع والتسليح.
4- إنشاء هيئة شعبية اقتصادية لتنظيم مقاطعة اليهود المحليين مقاطعة شاملة.
5- إنشاء جبهة شعبية جامعة لتنظيم حركة "العصيان المدني" إذا اعترضت الحكومات سبيل هذه الخطوات.
القضية الوطنية
سادسًا: مطالبة الحكومة المصرية بإخراج البلاد من هذا الركود الذى وقفت عنده فى قضيتها الوطنية الكبرى بمصارحة الأمة بما تراه، وعدم ضياع الوقت فى مشاورات ومداولات ومحادثات فى ظلام دامس لا يدرى أحد عنه شيئا، فإما أقرت الأمة الحكومة القائمة فى خطتها أو عارضتها فحلت ليحل محلها من ينهض بهذا العبء ويحقق للبلاد مطالبها الوطنية.
سابعًا: إعلان "معركة المصحف" حتى يتحدد موقف الدولة التى ينص دستورها على أن دينها الرسمي الإسلام، وموقف الأمة التى تعتز بأنها زعيمة أمم الإسلام من أحكام القرآن وتعاليمه فى هذا الوقت الذي انتشرت فيه الدعايات الخبيثة والدعوات الباطلة فى كل مكان. وحتى يظهر للناس كافة أنه لا علاج لما استشرى من أدواء الفقر والجهل والمرض والتحلل الخلقي والوطني إلا بالرجوع إلى أحكام الشريعة السمحة.
فى محيط الإخوان
ثامنًا: إقرار القراءة الأولى لمشروع تعديل النظام الأساسي للإخوان المسلمين الذي تقدم به مكتب الإرشاد العام، على أن تكون القراءة الثانية بعد ما أبدى من رغبات وأدخل من تعديلات فى اجتماع الهيئة القادم الذي حدد له يوم الجمعة 12 من شهر رجب 1367 الموافق 21 مايو 1948.
تاسعًا: تكليف مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين بتنفيذ هذه القرارات، وإبلاغها إلى البلاد العربية، وتوحيد الجهود مع الهيئات الشعبية لتحقيق هذه الأغراض(66).
المصادر
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (719)، السنة الثالثة، 2 ذو القعدة 1367ﻫ- 5 سبتمبر 1948م، صـ10-11.
- جريدة الإخوان المسلمين: العدد (17)، السنة الأولى، 20 رجب 1352ﻫ- 9 نوفمبر 1933م، صـ20.
- جريدة الإخوان المسلمين: العدد (6)، السنة الرابعة، 28 صفر 1355ﻫ- 19 مايو 1936م، صـ19-20.
- جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (7)، السنة الرابعة، 5ربيع الأول 1355ﻫ- 26مايو 1936م، ص(14).
- جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (7)، السنة الرابعة، 5ربيع الأول 1355ﻫ- 26مايو 1936م، ص(16).
- جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (8)، السنة الرابعة، 12ربيع الأول 1355ﻫ- 2يونيو 1936م، ص(4-5).
- جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (8)، السنة الرابعة، 12ربيع الأول 1355ﻫ- 2يونيو 1936م، ص(4-5).
- جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (18)، السنة الرابعة، 23جمادى الأولى 1355ﻫ- 11أغسطس 1936م، ص(1-3).
- جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (25)، السنة الرابعة، 13رجب 1355ﻫ- 29سبتمبر 1936م، ص(18).
- جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (29)، السنة الرابعة، 11شعبان 1355ﻫ- 27أكتوبر 1936م، ص(14).
- مجلة الفتح، العدد (600)، السنة (12)، 5 ربيع الأول 1357ﻫ- 5 مايو 1938م، ص(5).
- مجلة النذير، العدد (2)، السنة الأولى، 7 ربيع الثاني 1357ﻫ- 6 مايو 1938م، ص(19).
- مجلة النذير، العدد (3)، السنة الأولى، 14ربيع الثاني 1357ﻫ- 13يونيو 1938م، ص(19-20).
- مجلة النذير، العدد (8)، السنة الأولى، 20جمادى الأولى 1357ﻫ- 18 يوليو 1938م، ص(22).
- مجلة النذير، العدد (9)، السنة الأولى، 27جمادى الأولى 1357ﻫ- 25يوليو 1938م، (ص3-5).
- مجلة النذير، العدد (15)، السنة الأولى، 10 رجب 1357ﻫ- 5 سبتمبر 1938م، ص(3-5).
- مجلة النذير، العدد (18)، السنة الأولى، 2 شعبان 1357ﻫ- 26 سبتمبر 1938م، ص(3-5).
- مجلة النذير، العدد (19)، السنة الأولى، 9 شعبان 1357ﻫ- 3 أكتوبر 1938م، ص(1، 4).
- مجلة النذير، العدد (27)، السنة الأولى، 13 شوال 1357- 6ديسمبر 1938، ص(6).
- مجلة النذير، العدد (28)، السنة الأولى، 20 شوال 1357ﻫ- 13ديسمبر 1938م، ص(3-4).
- مجلة النذير، العدد (30)، السنة الأولى، 4 ذو القعدة 1357ﻫ- 27 ديسمبر 1938م، ص(23).
- مجلة النذير، العدد (27)، السنة الثانية، 6رجب 1358ﻫ- 22أغسطس 1939م، ص(10).
- مجلة الإخوان المسلمين، العدد (75)، السنة الثالثة، 21 ذو القعدة 1364ﻫ- 27 أكتوبر 1945م، ص(14).
- مجلة الإخوان المسلمين، العدد (76)، السنة الثالثة، 28 ذو القعدة 1364ﻫ- 3 نوفمبر 1945م، ص(3).
- مجلة الإخوان المسلمين، العدد (99)، السنة الرابعة، 21 جمادى الأولى 1365 ﻫ- 23 أبريل 1946م، ص(18).
- الإخوان المسلمون اليومية، العدد (22)، السنة الأولى، 28 جمادى الثانية 1365ﻫ- 29 مايو 1946م، ص(3).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (34)، السنة الأولى، 12 رجب 1365ﻫ- 12 يونية 1946م، ص(1).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (188)، السنة الأولى، 21 محرم 1366ﻫ- 15 ديسمبر 1946م، ص(3).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (410)، السنة الثانية، 18 شوال 1366ﻫ- 3 سبتمبر 1947م، ص(1).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (421)، السنة الثانية، 1ذو القعدة 1366ﻫ- 16سبتمبر 1947م، ص(1).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (435)، السنة الثانية، 17 ذو القعدة 1366ﻫ- 2 أكتوبر 1947م، ص(1).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (440)، السنة الثانية، 23 ذو القعدة 1366ﻫ- 8 أكتوبر 1947م، ص(1، 5).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (445)، السنة الثانية، 29 ذو القعدة 1366ﻫ- 14 أكتوبر 1947م، ص(1).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (484)، السنة الثانية، 17 محرم 1367ﻫ- 30 نوفمبر 1948م، ص(2).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (485)، السنة الثانية، 18 محرم 1367ﻫ- 1 ديسمبر 1947م، ص(1).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (485)، السنة الثانية، 18 محرم 1367ﻫ- 1 ديسمبر 1947م، ص(2).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (490)، السنة الثانية، 24 محرم 1366ﻫ- 7ديسمبر 1947م، ص(3، 5).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (492)، السنة الثانية، 26 محرم 1367ﻫ- 9 ديسمبر 1947م، ص(2).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (497)، السنة الثانية، 2 صفر 1367ﻫ- 15 ديسمبر 1947م، ص(1).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (503)، السنة الثانية، 9 صفر 1367ﻫ- 22 ديسمبر 1947م، ص(1).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (551)، السنة الثانية، 6 ربيع الثاني 1367ﻫ- 16 فبراير 1948م، ص(2).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (585)، السنة الثانية، 15 جمادى الأولى 1367- 26 مارس 1948، ص(3).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (598)، السنة الثانية، 2 جمادى الثانية 1367- 11 أبريل 1948، ص(1).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (602)، السنة الثانية، 6 جمادى الآخرة 1367ﻫ- 15 أبريل 1948م، ص(3، 5).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (602)، السنة الثانية، 6 جمادى الثانية 1367ﻫ- 15 أبريل 1948م، ص(2).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (605)، السنة الثانية، 10 جمادى الثانية 1367- 19 أبريل 1948، ص(1).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (610)، السنة الثانية، 16جمادى الثانية 1367ﻫ- 25 أبريل 1948م، ص(2).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (618)، السنة الثانية، 26 جمادى الثانية 1367ﻫ- 5 مايو 1948م، ص(2).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (621)، السنة الثالثة، 30 جمادى الثانية 1367ﻫ- 9 مايو 1948م، ص(1، 5).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (625)، السنة الثالثة، 4رجب 1367ﻫ- 13مايو 1948م، ص(1).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (631)، السنة الثالثة، 11 رجب 1367ﻫ- 20مايو 1948م، ص(2).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (631)، السنة الثالثة، 11 رجب 1367ﻫ- 20مايو 1948م، ص(2).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (632)، السنة الثالثة، 12 رجب 1367- 21 مايو 1948، ص(1، 5).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (635)، السنة الثالثة، 16 رجب 1367ﻫ- 25مايو 1948م، ص(2).
- مجلة الإخوان المسلمين، العدد (202)، السنة السادسة، 27 رجب 1367ﻫ- 5 يونيو 1948، ص(12-14).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (650)، السنة الثالثة، 3 شعبان 1367- 11 يونية 1948، ص(1، 5).
- جريدة طنطا، العدد (838)، السنة 23، 18 شعبان 1367- 26 يونية 1948، ص(7).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (718)، السنة الثالثة، 29 شوال 1367- 3 سبتمبر 1948، ص(3).
- مجلة الإخوان المسلمين، العدد (213)، السنة السادسة، 8ذو القعدة 1367ﻫ- 11سبتمبر 1948م، ص(8).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (737)، السنة الثالثة، 23 ذو القعدة 1367- 26 سبتمبر 1948، ص(2).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (743)، السنة الثالثة، 30 ذو القعدة 1367- 3 أكتوبر 1948، ص(2).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (621)، السنة الثالثة، 30 جمادى الثانية 1367- 9 مايو 1948، ص(1).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (627)، السنة الثالثة، 7 رجب 1367- 16 مايو 1948، ص(2).
- الإخوان المسلمون، العدد (67)، السنة الثالثة، 15 رمضان 1364ﻫ- 23 أغسطس 1945م، ص(13).
- مجلة النذير، العدد (35)، السنة الثانية، 10 رمضان 1358ﻫ- 24 أكتوبر 1939م، ص(8-10).
- مجلة النادي، 5 جمادى الأولى 1358ﻫ- 23 يونيو 1939م، ص(3).