الامام البنا وجامعة الدول العربية

إعداد/ موقع الإمام الشهيد حسن البنا

جامعة الدول العربية هي منظمة إقليمية تضم دولاً عربية في آسيا وأفريقيا، حيث نشأت في 22 مارس عام 1945م، وهي الفكرة التي شجعها الإخوان المسلمين وأيدوها، حيث طالب الإمام حسن البنا كثيرا بوحدة العالم العربي والإسلامي في كيان واحد. حتى أن صحيفة النذير (1938- 1939) فتحت صفحاتها أمام الجميع للمطالبة بوحدة الشعوب العربية والعمل على الاستقلال. حتى أن الإخوان دعموا الوفود السبع المشاركة في وضع ميثاق الجامعة العربية حيث أقام المركز العام للإخوان حفلات تكريم لهم.

كما نشد أن الإمام البنا لهذه الجامعة العزة والريادة من اجل تبنى قضايا الأمة العربية والإسلامية، وقد تقدم الإمام البنا بكثير من القضايا إلى الجامعة وأمينها العام مثل قضية مصر ووادي النيل وقضايا المغرب العربي وفلسطين وغيرها من القضايا

آمالنا في الجامعة العربية

من أول يوم ارتفع صوت الإخوان المسلمين هاتفا بتحية الجامعة العربية والأخوة الإسلامية إلى جانب الرابطة القومية والحقوق الوطنية وكان ذلك منذ سبعة عشر عاما، وكان الإخوان ينظرون من وراء سجف المستقبل القريب فيرون أن الدنيا ستصير ولا شك إلى التجمع والتكتل، وأن عصر الوحدات الصغيرات والدويلات المتناثرة قد زال أو أوشك أن يزول.

وكان الإخوان حينذاك يشعرون بأن ليست في الدنيا جامعة أقوى ولا أضمن ولا أقرب من الجامعة التي تجمع العربي بالعربي، فاللغة واحدة تنظمها الفخامة والجزالة والرصانة والوضوح في نسق واحد، والأرض واحدة تمتد من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب في اتصال والتحام لا تقسمها الفواصل الكونية ولا التضاريس الأرضية، والآلام والآمال واحدة يمثلها التاريخ الضخم المشترك في القديم والجديد حتى المثل العليا في الدين تنظمها وحدة عجيبة أعلنها القرآن الكريم في قول الله العلى الكبير: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا﴾[الشورى: 13].

وهكذا كان تحقق هذا الأمل رسميا بتكوين الجامعة العربية من جماع ما نهدف إليه ونعده لمواجهة المستقبل القريب والبعيد، فالجامعة العربية الآن هي عدة الحاضر وأمل المستقبل، ووجب إذن على رجال الجامعة أن يقدروا هذه التبعة بقدر ما لهذه القوة المعنوية من أثر، وأن يحسنوا الانتفاع بها كأداة تساعدهم على تحقيق رسالتهم من جمع كلمة العرب ولم شتاتهم وتوجيههم وجهة واحدة إلى تحقيق المثل العليا التي كانت ولا تزال ولن تزال رسالة العرب في الحياة.

والذي ينظر نظرة بسيطة إلى هذه المساحة الممتدة الكبرى من الأرض التي تسكنها الأمة العربية ويتكون منها مجموعة الوطن العربي يتبين أية مسئولية ملقاة على رجال الجامعة العربية، وأي آمال معلقة ينتظر منهم تحقيقها. فمعظم أجزاء هذا الوطن لا يزال مغلوبا على أمره ينتظر من الجامعة العربية نجدته وإسعافه لتحقيق حريته أو إتمامها، ليتمكن من أداء ما عليه من واجب الجهاد في سبيل تحقيق رسالة العرب وتمكين المثل العليا من السيادة في المجتمع الإنساني. ونجدة العرب لهذه الأقطار وإسعافهم الصادق والسريع لها هو ما ينتظره الآخرين المسلمون من الجامعة العربية متى وضعت اليوم بين يديها قضايا العرب لتعمل جهدها في سبيل إيجاد الحلول اللازمة والحاسمة لها. 

والإخوان المسلمون ينظرون إلى قضية مصر العربية كقضية أساسية تحل بحلها جميع قضايا العرب، لذلك فهم ينتظرون من الجامعة العربية خطوات حازمة في سبيل تحقيق الأماني المصرية التي هي أماني العرب. فمصر تتبوأ من العالم العربي مركز القلب وفيها تجتمع قوى العرب وآمالهم وأعمالهم في سبيل الجهاد(1).

جامعة شعوب عربية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

والله أكبر ولله الحمد.

حضرات السادة الفضلاء رئيس وأعضاء اللجنة التحضيرية لمؤتمر الوحدة العربية السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد: ففي هذه الساعات التاريخية الفاصلة في مستقبل الأمم والشعوب عامة والأمة العربية خاصة قدر لكم أن تعقدوا اجتماعكم هذا، وأن تطلعوا بأجل مهمة في تاريخ العالم العربي الحديث، بينما يتطلع إلى جهودكم مائة مليون عربي من أقصى العراق إلى أقصى المغرب، ومن ورائهم ثلاث مائة مليون مسلم (والإسلام عروبة بعد العروبة) والجميع يرقبون بلهفة وشوق وأمل عظيم ما تقررون، وينتظرون منكم وضوح المؤمنين، وعزائم المجاهدين، وصلابة الذين لا يخافون في الحق لومة لائم، ويسعدهم أن يفتدوا حقوقهم بأنفسهم وأولادهم ودمائهم وأموالهم. فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم.

وإني باسم الإخوان المسلمين في أنحاء المملكة المصرية وفى بلدان العالم العربي والإسلامي المختلفة أرفع إليكم أطيب التهاني وأجمل التحيات، سائلا الله تبارك وتعالى أن يبارك عملكم، وأن يرفع العقبات من طريقكم، وأن يوفقكم لخير أمتكم وبلادكم. إنه نعم المولى ونعم النصير.

أيها السادة الفضلاء:

إنكم لتدافعون عن أعدل وأنجح وأوضح قضية في التاريخ، فمن البديهيات التي لا تقبل الجدل أن العرب أمة، واحدة وأن هذا التعبير ليساوي في أحقيته ووضوحه واستقراره في النفوس والأذهان قول القائلين: "السماء فوقنا والأرض تحتنا"، فقد اصطلحت على تكوين هذه الوحدة العربية وتدعيمها كل العوامل الروحية واللغوية والجغرافية والتاريخية المصلحية، وأن العرب من خليج فارس إلى المحيط الأطلسي يتحدون بوحدتهم أية أمة متحدة في القديم والحديث، وليست تعوز هذه القضية الأدلة والبراهين ولكنها يعوزها ثبات المؤمنين وعدالة المنصفين، فإذا حققتم في نفوسكم الأولى وهو العهد بكم، وحقق حلفاؤكم الثانية وهو الظن بهم، فقد عاد الحق إلى أهله ووضعت الأمور في نصابها، ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ*بِنَصْرِ اللهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾[الروم: 4-5].

أيها السادة الفضلاء: 

إن بين يدي مؤتمركم ولجنتكم أمورا كثيرة أنتم مطالبون بدراستها وتمحيصها، وأهدافا كثيرة أنتم مطالبون كذلك بتحقيقها والوصول إليها، وإن من الخير للقضية العامة أن تصارحوا الشعوب والهيئات بما بين أيديكم، لتكون لكم مددا وعونا، وأن تصارحكم الشعوب والهيئات بما ترى ليكون ذلك لكم مكاشفة ونصحا، ولهذا أتقدم إليكم باسم الإخوان المسلمين بهذه الخواطر، راجيا أن نكون بذلك قد أدينا بعض الواجب وساهمنا في هذا الجهاد المبرور.

ومن تلك الأهداف:

أ- تحقيق مظاهر الوحدة العامة.

فهنالك خطوات أولية تعتبر وسائل عملية للوحدة المنشودة وهي في الوقت نفسه من حق الحكومات العربية الخالص التي لا ينازعها فيه منازع، ومن تلك الخطوات:

1-     رفع الحواجز الجمركية.

2-     إلغاء جوازات السفر ومنح حرية المرور والتنقل في أى قطر من الأقطار العربية لكل عربي بعد التأكد من شخصيته، وإباحة الهجرة والاستوطان على نظام واسع ميسر.

3-     التوسع في التعاون الاقتصادي وتأليف الشركات العربية الواسعة النطاق من سكان البلاد العربية جميعا في أى قطر من هذه الأقطار، ودراسة المشروعات العربية العامة دراسة مشتركة وإحياء ما تعطل منها؛ كمشروع سكة الحديد الحجازية التي أنشئت بأموال العرب والمسلمين جميعا وأوقافهم.

4-     تنمية التعاون الثقافي والتشريعي والعسكري، بتوحيد برامج التعليم ومناهجه، وتوحيد منابع التشريع وقواعده، وتوحيد نظم التدريب العسكري وأساليبه.

ومؤتمر الوحدة العربية مطالب من العرب جميعا بأن يعمل على تقرير هذه الخطوات، ورسم الخطط الموصلة إلى تحقيقها، وجمع الحكومات والشعوب العربية عليها.

ب- تحقيق الأماني القومية ومساعدة الأمم الناشئة على نيل استقلالها واستكمال نهوضها، ويأتي بعد الخطوة خطوة ثانية، فإن للبلاد العربية مطالب قومية وحقوقا سياسية لم تنلها بعد، ولا فائدة من ذكر العوامل التاريخية والحوادث التي أدت إلى انتقاص هذه الحقوق واغتصابها، ولكن الذى يفيد ويجدى الآن أن نواجه الأمر الواقع والوضع القائم ونجاهد في سبيل تحقيق هذه المطالب وتخليص تلك الحقوق، وعلى مؤتمر الوحدة العربية ولجنته التحضيرية أن يرسم للشعوب والحكومات طرائق هذا الجهاد المشترك، وأن يقرر تكاتف الجميع في سبيل كسب هذه القضايا التي منها:

1-     العمل على استكمال استقلال مصر والمحافظة على وحدة وادي النيل، فكل محاولة يراد بها انتقاص استقلال مصر أو تقييد هذا الاستقلال أو تمزيق وحدة وادي النيل عمل ظالم، يؤثر في كيان الأمة العربية العام. وعلى كل شعب عربي وحكومة عربية أن يشد أزر مصر حكومتها وشعبها في سبيل هذه القضية حتى تفوز فيها ويجب أن يكون مفهوما للرأي العام العالمي كله أن مصر حين تتمسك بوحدة وادى النيل لا تعتدى بذلك على شعب من الشعوب ولا تستعبد أمة من الأمم ولا تطمع في توسعة حدودها أو زيادة مساحة أرضها أو تنمية ثروتها على حساب غيرها، فكل هذه مزاعم باطلة لا وجود لها، ولكن مصر حين تتمسك بالنيل الأعلى تحقق ذلك وحدة شعبها، فمصر والسودان أمة واحدة تحافظ على صميم كيانها وتضحى بكثير من مواردها وثروتها وجهودها، وإن حاجة هذا الجزء من الأرض إلى مصر لأعظم بكثير من حاجتها هي إليه.

2-     العمل على استكمال استقلال البلاد الشامية على اختلاف أقسامها، وإذا أصرت لبنان ومثيلاتها على المحافظة على استقلالها فليكن ذلك لها، حتى يقنعها الزمن وتثبت لها الحوادث أن من خيرها -بل من ألزم اللوازم لها- أن تعود إلى أحضان أمها "سوريا الكبرى" وإن ذلك لقريب. فنحن في عصر الوحدات القوية والكتل الشعبية الجامعة، وما دامت ستتفق مع غيرها من الشعوب العربية على كل مقومات الوحدة العملية فحسبنا ذلك منها الآن، ولعل من الخير للمؤتمر وللبلاد الشامية خاصة والعربية عامة ألا يجعل من هذه القضية عقبة نصطدم بها في فورة الشعور وثورة الحماسة، حتى يفصل فيها الزمن والزمن جزء من العلاج.

3-     العمل على حل قضية فلسطين حلا يتفق مع وجهة النظر العربية ويؤدى إلى سلامة هذا الجزء من الوطن العربي وهو منه بمثابة القلب من الجسد، وإلى المحافظة على أن يظل عربيا خالصا، وإلى دفع العدوان اليهودي وذبذبة السياسة الدولية عنه بكل الوسائل، فإن العرب جميعا -وفى مقدمتهم أعضاء اللجنة- يدركون مدى الأخطار العظيمة التي تهدد كيان الأمة العربية وتحطم آمالها إذا استقرت قدم اليهود في فلسطين، والشعوب العربية كلها قد وطدت العزم على أن تنقذ فلسطين مهما كلفها ذلك من الجهود والتضحيات.

وإننا لنعطف على اليهود في محنتهم، ولكن ليس معنى هذا العطف أن يكون إنصافهم ظلم غيرهم وإيواؤهم بإخراج سواهم من ديارهم أو مضايقتهم في أوطانهم. وفى ممتلكات الدول الحليفة وأراضيها ما يتسع لأضعافهم وما هو في حاجة ماسة إلى كفايتهم ونشاطهم.

4-     مساعدة بقية أقطار الجزيرة العربية (العراق وملحقاتها والمملكة السعودية وملحقاتها واليمن وملحقاتها) على استكمال استقلالها ونهضتها ودفع الدسائس السياسية المختلفة عنها، وبخاصة وهي الآن في مهب عاصفة قوية من التنافس الدولي الشديد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، هي أمامها أحوج ما تكون إلى من يشد أزرها ويبصرها بمواقع الخير والشر لحاضرها ومستقبلها، وليست هناك فرصة للنظر والاختيار أبدع ولا أوسع من هذه الفرصة التي إن أفلتت اليوم فلن تعود إلا بعد حين.

5-     العناية بتحرير الأقطار العربية في شمال إفريقية وإدخالها في دائرة الوحدة.

فلوبيا بقسميها "برقة وطرابلس" يجب أن تعود إليها حريتها واستقلالها، وأن يظل قطرا واحدا تحت لواء حكومة من أهلها بعد أن زال عنها سلطان الغاصب المعتدى، وإن شأنها في ذلك شأن الحبشة سواء بسواء، فإن كان البريطانيون قد حاربوا وحدهم الطليان حتى أجلوهم عن الحبشة ثم سلموها موحدة مستقلة لإمبراطورها السابق، فإن من واجبهم -وقد طردوا هذا العدو البغيض عن لوبيا لمساعدة أهلها ومساعدة الشعوب العربية لهم في ذلك- أن يعيدوها لأهلها موحدة مستقلة كذلك، وليس هناك ما يدعو إلى تمزيق وحدتها وتقسيم أرضها ومعاملتها بغير الأسلوب الذى عوملت بها سابقتها.

وتونس والجزائر ومراكش بلاد عربية وقعت تحت الاستعمار الفرنسي باسم الحماية تارة والاستعمار تارة أخرى، وقد جاهدت في سبيل حريتها واستقلالها بها جهاد الأبطال، ولم تعترف بهذه الأوضاع التي رسمتها لها السياسة الاستعمارية في يوم من الأيام، ثم ساهمت أخيرا في المجهود الحربى للحلفاء مساهمة عظيمة أطلقت ألسن زعماء الأمم المتحدة بالثناء عليها وسجلها المستر تشرشل في خطبه بالإعجاب والإكبار، وما كان جيش فرنسا الحرة الذى حارب في صفوف الحلفاء في شمال إفريقية وفى إيطاليا وفرنسا إلا هؤلاء الجنود البواسل من أبناء هذه الديار العربية الصميمة. ومن واجب المؤتمر العربي أن يطالب بحقوق هذه البلاد كاملة، وأن ينقذ من براثن الظلم والعدوان عشرين مليونا من العرب لا يزالون مستمسكين بعروبتهم مطالبين بحريات بلادهم مهما أراد المستعمرون أن يظهروهم بغير هذا اللون.

لقد حاول هؤلاء الغاصبون خلال هذه السنوات الطوال أن ينالوا من وطنية هؤلاء العرب المجاهدين بالتجنيس وبالإرهاب والضغط الشديد، وأن ينالوا من عروبتهم بالثقافة الأجنبية ومحاربة اللغة العربية والغزو الاجتماعي، وأن ينالوا من دينهم بالتبشير ومقاومة الأوضاع الإسلامية فلم يجدهم كل ذلك نفعا، وما زال شمال إفريقية وسيظل عربيا مسلما.

ونرى أن من واجب اللجنة أن تدعو إلى المؤتمر ممثلين من أبناء هذه البلاد ومن أبناء فلسطين [و] أن يبسطوا أمامهم قضاياهم ومطالبهم.

ونحن حين نرى أن يطالب مؤتمر الوحدة بهذه الحقوق للبلاد العربية ويلح في المطالبة بها والثبات عليها، وأن يحتفظ لنفسه وللشعوب العربية والحكومات العربية بحق التمثيل في مؤتمر الصلح القادم ـ لا نعتمد في ذلك على قوة السلاح وكثرة الجيوش والأساطيل، فحسب العالم ما قاسى من الاعتماد على القوة ونبذ القانون والعدالة، ولكنا نعتمد على أن هذا حق العرب الطبيعي، وعلى أن ميثاق الأطلنطي الذي قيد به الحلفاء أنفسهم وأيدوه بكثير من التصريحات قد ضمن هذا الحق لكل الشعوب.

وعلى أن الشعوب العربية قد ساهمت في المجهود الحربي مع الحلفاء مساهمة جليلة لا شك أنها كانت من عوامل النصر والظفر لهم- وقد اعترفت بذلك حكوماتهم وشعوبهم وصحافتهم. وتعتمد أخيرا على هذا التطور في التفكير العالي وهذه اليقظة في الضمير الإنساني. ويا ويح الدنيا إذا كانت ستسوسها وتصرفها من جديد الأفكار الرجعية وتتحكم فيها المطامع الاستعمارية.

وإنا لنعلم حق العلم أن الطبيعة البشرية في كثير من الأحيان تنسى إنصافها الذي أعلنته ساعة الشدة لتعود إلى ظلمها الذي ألفته حين الرخاء ﴿وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِىىَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ﴾[الزمر:8]، ولكنا نعلم كذلك أن الدرس الحاضر كان من القسوة والفظاعة وعمق الأثر في النفوس والأرواح والشعوب والحكومات بحيث لا يعرض له النسيان بمثل هذه السهولة.

ولا شك أن من الخير -كل الخير- للأمم المتحدة أن تقوم في الشرق أمة عربية قوية لها من حقها ومجدها وجلال تقاليدها في ماضيها وحاضرها ما يجعلها أقوى دعائم السلام في أسيا وإفريقية خاصة وفى مستقبل البشرية عامة.

ج- الكيان السياسي العام للأمم العربية المتحدة:

وتأتى بعد الخطوة السابقة خطوة ثالثة يكمل بها بناء الوحدة العربية تلك هي لون الكيان السياسي العام لهذه الحكومات العربية المتحدة. ولا نظن أن الوقت قد حان أو أن الظروف قد تهيأت لمثل هذا البحث، كما لا نظن أن مهمة المؤتمر أن يختار شكل الحكومات، فإن ذلك متروك للشعوب نفسها يتخير كل شعب منها لنفسه النوع الذي يريد، ولكن الذي يجب أن يعمل له المؤتمر بهذا الخصوص ويقرره من الآن:

أن يحتفظ للحكومات العربية المستقرة بحق التمثيل فيما إذا أجرى استفتاء للشعوب العربية المحررة أو التي لم تستقر حكوماتها الوطنية بعد.

وأن يقرر من الآن لونا من ألوان الارتباط السياسي بين الحكومات العربية كمجلس استشاري أعلى تستطيع بواسطته أن يتصل بعضهما ببعض بطريقة دائمة منظمة، ويكون أساسا لوحدة أتم وأكمل في المستقبل إن شاء الله.

د- تحديد الصلة بين البلاد العربية وجاراتها من الممالك الإسلامية غير العربية:

وهذا المعنى وإن كان لا يتصل بمهمة المؤتمر صلة مباشرة، إلا أنه مما يعزز الوحدة العربية وتهتم له الحكومات والشعوب معا. فهناك أقطار ليست عربية ولكنها تجاور بلاد العرب وتجمعها بها جامعة المصلحة والجوار من جانب والعقيدة الإسلامية والذكريات التاريخية من جانب آخر؛ كالأفغان وتركيا وإيران وغيرها.

وإذا كنا في العصر الذي تحاول فيه كل أمة من الأمم أن تتلمس الروابط والجامعات بينها وبين غيرها، فإن من واجب المؤتمر العربي أن يقرر أن بين العرب وبين هذه الأمم محالفة طبيعية، وأن يعلن أن من خير العرب، وأن من خير هذه الشعوب معا أن تدعم هذه المحالفة الطبيعية بمحالفات سياسية واتفاقات يتحقق بها تعاون الجميع على خيرهم وخير الإنسانية، وبذلك يضع المؤتمر لبنة أخرى في بناء التعاون الإنساني المنشود.

هـ- المطالبة بحقوق الشعوب الإسلامية المظلومة ورعاية الأقليات المسلمة في مختلف البلاد والأقطار:

وهناك شعوب إسلامية وأقليات وجاليات عربية في كثير من البلاد والأقطار، بلاد الحلفاء وبلاد الأعداء، كالشعب الأندونيسية، والتركستان، والمسلمين في الهند، والمسلمين في الصين والفلبين، والمسلمين في روسيا وفى البلقان، وكل هؤلاء يضرب عليهم الاستعباد باسم الاستعمار، وتهضم حقوقهم، ويحال بينهم وبين الرقى والنهوض، فإذا كان هذا الوقت هو الوقت الذى يترقبه المظلومون لينالوا حقوقهم وليصلوا إلى حريتهم، فإن أول من ينطق بلسان هؤلاء ويطالب بحقوقهم هو المؤتمر العربي بحكم الروابط الكثيرة بين العرب وبين هذه الجماعات، فعلى المؤتمر أن يطالب باسم الإنسانية وباسم التطور الجديد في نظام العالم بتحرير الشعوب المستعبدة من هؤلاء، وإنصاف المظلومين من هذه الأقليات، ودراسة القضايا المعلقة التي طال عليها الأمد ولم تمتد إليها يد العدالة والإنصاف.

ولون الحضارة التي يجب أن تصطبغ بها الأمة العربية.

ولعل من أهم واجبات المؤتمر أن يعنى بدراسة هذه الناحية دراسة دقيقة، وأن يكون لنفسه رأيا يوجه به الأمم والحكومات العربية، فذلك أجدى من هذه الذبذبة في التفكير والتنفيذ معا. ولعل هذه الناحية الاجتماعية لا تقل أهمية عن الناحية السياسية إن لم تزد عنها.

والرأي العام العربي يذهب في هذه الناحية مذهبين مختلفين، فمن الناس من يدعو إلى الحضارة الغربية ويحض على الانغماس فيها وتقليد أساليبها (خيرها وشرها وحلوها ومرها ونافعها وضارها ما يحب منها وما يكره وما يحمد منها وما يعاب). ويرى أنه لا سبيل للنهوض والرقى إلا بها (ومن زعم لنا غير ذلك فهو خادع أو مخدوع).

ومن الناس من ينفر من هذه الحضارة أشد النفير ويدعو إلى مقاومتها أشد المقاومة ويحملها تبعة هذا الضعف والفساد الذي استشرى في الأخلاق والنفوس، ولا شك أن كلا الطرفين قد تطرف، وأن الأمر في حاجة إلى دراسة أعمق وأدق، وإلى حكم أعدل وأقرب إلى الإنصاف والصواب.

لقد وصلت الشعوب الغربية من حيث العلم والمعرفة واستخدام قوى الطبيعة والرقى بالعقل الإنساني إلى درجة سامية عالية يجب أن نؤخذ عنها ويجب أن يقتدى بها فيها، وهي ـ إلى جانب ذلك ـ قد عنيت بالتنظيم والترتيب وتنسيق شؤون الحياة العامة تنسيقا بديعا يجب أن يؤخذ عنها كذلك، وهذه الحقائق لا يكابر فيها إلا جاهل أو معاند.

ولكن هذه الحياة الغربية والحضارة الغربية التي قامت على العلم والنظام، فأوصلها إلى المصنع والآلة وجبى إليها الأموال والثمرات، وملكها نواصي الأمم الغافلة التي لم تأخذ في ذلك أخذها ولم تصنع صنيعها. هذه الحياة المادية الميكانيكية البحتة مع ما صحبها من خصومة حادة بين علماء الدنيا وحراس الدين، قد أعلنت هذه الأمم عن أخص خصائص الإنسانية في الإنسان، عن الغرائز ومستلزماتها، والمشاعر ومطالبها، والنفس وعالمها، وطرائق تنظيم ذلك كله وضبطه ضبطا يضمن خيره ويحبس شره، ودفعت بها دفعا عنيفا إلى التبرم بالعقائد والأديان والخروج عليها خروجا قاسيا شديدا وإقصائها إقصاء تاما عن كل نواحي الحياة الاجتماعية العملية.

فأسقطت الحياة الغربية من حسابها جلال الربانية، والتسامي بالنفس الإنسانية، والاعتقاد بالجزاء الأخروي، واضطربت بذلك بين يديها المقاييس الخلقية، وانطلقت غرائز الشر من عقالها تحت ستار الحرية الشخصية أو الاجتماعية، ونجم عن ذلك أن تحطمت الفضائل في نفوس الأفراد، وتهدمت الروابط بين الأسر، وفسدت الصلات بين الأمم، وصارت القوة -لا العدالة- شريعة الحياة واندلعت نيران هذه الحرب فتذوق جمرها المحاربون والآمنون على السواء.

وقد أدرك هذه الحقيقة أخيرا ساسة الأمم الغربية أنفسهم، فهبوا ينادون بوجوب العناية بالشئون الروحية، ويتغنون بالمثل الخلقية العليا، ويهيبون بالحكومات أن تصبغ المدارس ومناهج التعليم والتربية بعد الحرب بهذه الصبغة، وأن تعود بالشعوب إلى العقائد والأديان الموروثة في الكتاب الأبيض الذي أصدرته الحكومة الإنجليزية للتعلم بعد الحرب، وفى تقارير الأحزاب التي وضعت في ذلك، وفى مناقشات مجلسي العموم واللوردات.

ونحن العرب قد ورثنا مفاخر هذه الحياة الروحية ومظاهرها، فأقطاب الرسالات العظمى وأنبياؤها المطهرون في أوطاننا نشؤوا، وعلى أرضنا درجوا، ورموز الديانات المقدسة لا زالت شامخة باذخة في ديارنا تهوى إليها قلوب المؤمنين بالكتب والرسل في أنحاء الأرض، وهذا القرآن الكريم الذى ورثناه -نحن العرب- فخلد لغتنا، ورفع الله به ذكرنا، وخاطب فيه نبينا العظيم: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾[الزخرف: 44] كما خاطبنا فقال: ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾[الأنبياء: 10]. هذا القرآن قد حدد الأهداف الروحية تحديدا دقيقا مبسطا بعيدا عن الأوهام الخيالية والفروض الفلسفية، ووفق بينها وبين مطالب الحياة العملية توفيقا عجيبا لم يستقم لغيره من الكتب ولم يتح لسواه من مناهج الحياة ونظمها.

فإذا كنا نحن العرب نملك هذه الثروة الروحية الجليلة التي:

تصل القلب الإنساني بجلال الربانية فتملؤه بذلك إشراقا وريا.

وتكرم في الإنسان معنى الإنسانية فترفع في عينه قيم الفضائل العليا.

وتذكر الناس بجزاء الآخرة، فتسمو بهم عن الوقوف عند أغراض الحياة الدنيا.

وتوثق بين بنى الإنسان رابطة من الأخوة لا تمتد إليها يد التفرق والبلاء.

وتقيم ميزان العدالة الاجتماعية بين مختلف الطبقات على أساس من التعاون والرضا.

وتضع لأصول المشاكل حلولا ترتكز على الحق لا على الهوى!

إذا كنا نملك هذا كله، فإن من العقوق لمجدنا وكتابنا وللإنسانية كذلك ألا نتقدم للدنيا بهذا الدواء الواقي والعلاج الشافي.

ولهذا نعتقد أن من واجب المؤتمر: أن يقرر وجوب تمسك البلاد العربية بقواعد حضارتها التي تقوم على ما ورثت من فضائل نفسانية وأوضاع أدبية ودوافع روحية، على أن تقتبس من الحضارة الغربية كل ما هو نافع مفيد من العلوم والمعارف والصناعات والأساليب، وعلى أن تدعو أمم الغرب إلى الانتفاع بهذا الميراث الروحي الجليل ونبصرها بما فيه من خير، ونذكرها بما يحتويه من نفع وبر، وبذلك تقوم الصلة بيننا وبينهم على أساس من التعاون المشترك، يتآزر فيه العقل والقلب على إنقاذ الإنسانية واستقرار الأمن والسلام.

وقد يقال: إن هذا المعنى ينحدر بالعاملين له والداعين إليه إلى معنى من التعصب الديني أو التحزب المذهبي يمزق وحدة الوطن المجتمع ويفرق بين المسلم وغير المسلم، وهذا وهم خاطئ؛ فنحن إنما ندعو إلى الفضائل الروحية والمثل الدينية العليا التي يدعو إليها أهل الأديان جميعا، كما ندعو إلى الانتفاع في حياتنا العملية بهذا التراث "القرآن المجيد" الذي هو للمسلم دين ونظام، ولكل عربي قومية ومجد، وللدنيا بأسرها طمأنينة وسلام.

أيها السادة الفضلاء:

حين نريد لأوطاننا وشعوبنا على أيديكم الوصول إلى هذه الأهداف والحصول على كامل الحرية والاستقلال، لا ننكر ولا نغفل أن بيننا وبين دول العالم وشعوبه صلات يجب أن تبقى، ومصالح يجب أن تنظم، حتى يقوم التعامل على أساس من الحب والتعاون والإنصاف. وإن من واجب مؤتمركم الموقر أن ينظم ذلك كله بحيث لا تسوى مصالح الدول والشعوب على حساب العرب، كما لا يحال بين دولة وبين مصالحها الحقيقية التي لا تنتقص من استقلالنا، وألا تقف عقبة دون رقينا ونهوضنا.

أيها السادة الفضلاء:

إن يومكم هذا له ما بعده، وإنكم لتضعون بقراراتكم التي تقررون لبنات الأساس في نهضة العرب الحديثة، بل في نهضة العالم الإسلامي كله. وإنكم متى سموتم عن الاعتبارات الشخصية ونصحتم بتقدير المصلحة العامة على المصالح الفردية، فإنكم بإذن الله موفقون. فاقدروا تبعتكم، وحققوا الأمل في وطنتيكم، وثقوا بمقدرة شعوبكم وتأييد الله إياكم. والله معكم.

وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته(2).

 من المرشد العام إلى الجامعة العربية

أرسل فضيلة المرشد العام الخطاب التالي إلى الجامعة العربية

حضرة صاحب السعادة الأمين العام للجامعة العربية:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد: فقد كانت الجامعة العربية -ولا زالت- أعز أماني الغيورين على حرية الأمة العربية واستقلالها ونهضتها، ولهذا اتخذ العرب يوم تكوين مجلس الجامعة وإعلان ميثاقها عيدا من أعيادهم القومية وتفاءلوا خيرا، إذ احتلت الجامعة مكانها الأدبي والسياسي اللائق بكرامة العرب وعظمة تاريخهم بين المنظمات الدولية الإقليمية، وأصبح معلوما لدى الجميع أنها أداة نافعة صالحة للتعبير عن شعورهم المشترك وتنسيق جهادهم الموحد في سبلهم المقدسة.

وقد رأت السياسة البريطانية -أخيرا- أمام نضوج الوعي القومي وإلحاح الأمة العربية المتواصل في المطالبة بحقها الطبيعي في الحرية والاستقلال أن "تسد الفراغ" في احتياجاتها الدفاعية بأن تلجا إلى عقد معاهدات انفرادية مع أمم الجامعة العربية، وحاولت ذلك مع مصر ثم العراق، وهاهى ذي تغرى بذلك شرق الأردن واليمن والمملكة العربية السعودية.

ولما كانت قضية العرب واحدة هي قضية الحرية والاستقلال والنهوض برسالة العروبة الكبرى رسالة الخير والحق والسلام، ولما كان ميثاق الجامعة العربية ينص في مادته الثانية على أن: "الغرض من الجامعة توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيها وتنسيق خططها السياسية تحقيقا للتعاون بينهما وصيانة لاستقلالهما وسيادتهما"، وهذه المعاهدات الانفرادية بين الدول العربية وبين إنجلترا -سواء السابقة منها أو المزمع عقدها- لا تتفق بحال مع حرية هذه الدول واستقلالها الصحيح وهو ما أنشئت من أجله الجامعة. ذلك فضلا عن أنه ليس بين أية دولة من دول الجامعة العربية رابطة واحدة من الروابط التي نص عليها ميثاق هيئة الأمم المتحدة في مادته الثانية والخمسين تخولها حق اتفاق إقليمي معها. ولما كانت المعاهدات الانفرادية التي تحاول إنجلترا أن تستدرج إليها الدول العربية تهدد -ولا شك- وحدة الجامعة وسلامة الروابط بين أعضائها اليوم وغدا.

ولهذا يرجو الإخوان المسلمون مجلس الجامعة في دورته الحالية أن يقرر فورا أن من الواجب:

1-     عدم ارتباط أية دولة من الدول الممثلة فيه إطلاقا بأية دولة من الدول الكبرى بمعاهدة، وخاصة الدول التي تحتل وطنا من هذه الأوطان.

2-     إيقاف سير المحادثات التي تجرى الآن مع بعض دول الجامعة وبريطانيا.

3-     إعلان بريطانيا إعلانا اجتماعيا من قبل الجامعة العربية بوجوب سحب قواتها على الفور من جميع البلدان الأعضاء، وإعلان فسخ معاهدة العراق 1920، ومعاهدة مصر 1936، ومعاهدة شرق الأردن عام 1945، لاستنفادها الأغراض التي وقعت من أجلها، ولمجافاتها روح العصر الذي نعيش فيه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(3).

الإخوان المسلمون وقضية طرابلس

أعد قسم الاتصال بالعالم الإسلامي بالمركز العام للإخوان المسلمين مذكرة عن قضية طرابلس، وقام وفد من "الإخوان" بالإسكندرية بتقديمها إلى سعادة الأمين العام لجامعة الدول العربية، وقد استهلها بما يأتي: حضرة صاحب السعادة الأمين العام للجامعة العربية.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فقد سبق لقسم الاتصال بالعالم الإسلامي بالمركز العام للإخوان المسلمين أن تقدم إلى سعادتكم بعدة مذكرات عن قضايا بعض الأقطار العربية والإسلامية، والقسم عندما يهتم بقضايا هذه الأقطار العزيزة إنما يقوم بواجبه نحوها، فهو يعمل مع أبنائها المجاهدين على المطالبة بحقوقها والاطمئنان على مصيرها ومستقبلها، وخاصة في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها أقطاره هذه.

واليوم يتقدم إليكم القسم بمذكرة موجزة عن قضية قطر عربي إسلامي عزيز، قريب إلى قلب سعادتكم، عاصرتم أدوار قضيته، وجاهدتم في سبيل حريته واستقلاله، وهو الآن في أمس الحاجة إلى عنايتكم بقضيته العادلة، وخاصة في هذا الظرف الدقيق الذي يقف فيه على مفترق الطرق، ألا وهو طرابلس الغرب (ليبيا).

تعلمون سعادتكم القضية الطرابلسية من بدء خطواتها، وجهاد أبنائها في سبيل الحياة الحرة الكريمة للاحتفاظ باستقلالها وسيادتها وطرد المستعمر الغاصب من أرضها، وأعجب من ذلك كله ما يذاع من فتح باب هذه البلاد العربية لهجرة اليهود (والبولونيين منهم خاصة) بعد أن نبذتهم أوطانهم في أوروبا، وبهذا تصبح طرابلس فلسطينا ثانية.

هذا بعض ما يظهر في الأفق السياسي لهذه البلاد، مما ينذر بمستقبل مظلم لها، وهو إن دل على شيء فإنه يدل على تبيته الدول المستعمرة للأقطار والشعوب العربية من الإمعان في سياستها الاستعمارية الرجعية وعدم الاعتراف بحقوقها وأمانيها، وإن استهتارهم بحق الشعب الطرابلسي الشقيق هو استخفاف بالشعوب العربية والإسلامية جميعا، وانتهاز لغفلتها عن المطالبة باستقلالها وحريتها.

وغير خاف على سعادتكم أن هذا الموقف يتطلب من الأمم العربية والإسلامية عامة ومن قادتهم خاصة يقظة وانتباها، وعملا حاسما، وانتهازا للفرصة السانحة لنيل حقوق هذه الأمم المغتصبة التي اعترف بها الحلفاء في مناسبات كثيرة، ونصارحكم أن الإخوان المسلمين ومن ورائهم الرأي العام العربي والإسلامي قلقون على مصير طرابلس خاصة، وأقطار المغرب عامة، وقد سبق أن تقدمنا إلى سعادتكم بمذكرة تطالب فيها الجامعة العربية بأن تقف موقفا إيجابيا من قضية أقطار شمال أفريقيا، باختيار ممثلين لأقطاره في لجان الجامعة الفرعية وتعيين أبنائه في وظائف الأمانة العامة للجامعة، واليوم نرجو أن تقف الجامعة هذا الموقف من قضية طرابلس، وتسعى لإقامة حكومة عربية مستقلة فيها باعتبارها من الأقطار المستقلة التي تم تحريرها من نير الاستعمار الإيطالي، وأن تمثل في لجان الجامعة، وتشترك في وظائف الأمانة العامة، وتساهم مكاتب الدعاية العربية في لندن وواشنطن في إظهار عدالة القضية الطرابلسية خاصة وقضية المغرب عامة.

ثم لا نكتمكم أننا في حيرة شديدة من موقف الجامعة السلبي نحو بلاد أفريقيا الشمالية عامة، ولا سيما بعد حوادث الجزائر الدامية المحزنة وشقيقاتها الأخرى، ونعتقد أن هذه الحيرة تساور نفس كل عربي حر، ونود أن تتكرم الجامعة وأمانتها العامة بإزالة هذه الحيرة.

وفى انتظار العمل الإيجابي لقضية هذه الأقطار العزيزة من سعادتكم، ومن الجامعة العربية.

وتفضلوا بقبول وافر التحية والاحترام. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(4).

قضية اليمنيين الأحرار

بين سيف الإسلام إبراهيم والمرشد العام

من الجمعية اليمنية الكبرى إلى أمين الجامعة العربية

حضرة صاحب السمو الملكي سيف الحق الأمير إبراهيم بن الإمام.

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

وبعد: فقد وصل خطابكم الكريم الذي تخطرونني فيه بقرار اللجنة السياسية للجمعية اليمانية الكبرى، من حيث تفويضي في أن أتحدث باسمها أمام الجامعة العربية وغيرها من الهيئات والحكومات، كما وصلني معه صورة من خطاب سموكم لسعادة أمين الجماعة العربية بهذا الخصوص.

وإني لأشكر لسموكم وللجمعية اليمانية الكبرى من كل قلبي ما أوليتموني من ثقة وما أحطتموني به من ظن جميل، معتقدا أننى أضعف من أن أنهض بهذا العبء إلا بفضل الله تبارك وتعالى وجميل تأييده، وأرجو أن يعينني الله على أن أكون عند حسن ظنكم.

وإنا لنهتم بقضية اليمن العربي اهتمامنا بأقرب أوطاننا إلينا وأحبها إلى نفوسنا.

والله نسأل أن يحقق آمالنا وآمالكم، وأن يكتب لليمن ما يصبو إليه شعبها المجيد من حرية وسعادة وعزة وكرامة ونهوض وارتقاء. آمين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(5).

حول الحديث التي نسبته إحدى الصحف

إلى سيف الإسلام عبد الله

إلى سعادة أمين الجامعة ومعالي وزير الخارجية

حضرة صاحب المعالى وزير الخارجية المصرية.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد: فأبعث إلى معاليكم مع هذا بصورة من التصريح الذي نشرته جريدة البلاغ في عددها الصادر بتاريخ 5- 4- 1948 ونسبته إلى سمو الأمير سيف الإسلام عبد الله. ولما كان هذا التصريح وأمثاله لا يتفق مع الحقيقة ولا يزيد الأمور إلا تعقيدا ولا مصلحة فيه لأحد؛ لهذا أرجو التفضل بالاتصال بسموه ليتحرز من أولئك الذين لا يهمهم إلا الاستغلال الحزبي والصيد في الماء العكر.

وتستطيع حكومة اليمن أن تتصل رسميا بالحكومة المصرية أو بأمانة الجامعة العربية إذا كان عندها ما يدعو إلى ذلك، وحينئذ يستطيع الإخوان أن يقدموا الدليل القاطع على نبل مقصدهم، وسلامة موقفهم، وبعدهم كل البعد عن كل شبهة أو اتهام. 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(6).

أراضي فلسطين

حضرة صاحب السعادة

الأمين العام لجامعة الدول العربية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:

بمناسبة انعقاد اللجنة الاقتصادية والزراعية لجامعة الدول العربية يسرنا -إذا أذنتم- أن نتقدم إلى سعادتكم وإلى حضرات السادة الأماثل أعضاء اللجنة الاقتصادية ببعض الملاحظات والمقترحات التي نعتقد أنها تنير السبيل ولعل بعضها -أو لعل كلها- موضع نظركم ومحل دراستكم وأنتم حملة لواء القضية العربية منذ القديم، فإن يكن ذلك فهو من جانبنا أداء لبعض الواجب.

أولا- إن النظر في هذه القضية من شأنه أن يدعو إلى تمثيل فلسطين بأحد رجالاتها المعروفين استكمالا للناحية الشكلية للجنة ومظهرها الرسمي، وتجلية لدقائق القضية الفلسطينية، وتمكينا للجنة الموقرة (مع كل الثقة برجالها الأكارم) أن تنتهج الخطة المثلى في سياسة الإنقاذ، وإذا اعتذر باختلاف الأحزاب الفلسطينية، فقد كان في الوسع أن يدعوا منفردين أو مجتمعين بصورة غير رسمية، ولسعادة أمين الجامعة العربية من مكانته الشخصية في البلاد العربية عامة وفلسطين خاصة ما يذلل كل ذلك.

ثانيا- يذاع أن تسرب الأراضي من العرب إلى اليهود إنما ينجم عن فقر الفلاح الفلسطيني، والذي نعتقد أنه لا يخفى عليكم أن حالة الفلاح الفلسطيني في جملتها حسنة، بل أرقى بكثير من حالة الفلاح المصري، وإنما يقع الفلاح الفلسطيني تحت إغراء شديد من مال اليهود الذي يرفع سعر الفدان إلى خمسة أمثاله وعشرة أمثاله.

وهذه الحملة الصهيونية لا يمكن أن تقاومها الثروة المحلية ولا الوطنية الفلسطينية؛ لأن اليهود إنما يجهزون بذلك على الدرع الوحيدة التي تحمى حق العرب في استمساكهم بوطنهم.

وهم لذلك يستمدون الأموال بوفرة لا من يهود فلسطين فحسب -على سعة ذات يدهم- بل من المؤسسات والشركات الصهيونية في جميع أنحاء العالم. ولهذا نعتقد أن السبيل الوحيد لإنقاذ أراضي فلسطين: أن يشعر العالم العربي كله بخطر المسئولية من تسرب أراضي فلسطين: هو أن ينشأ مثلا شركة عقارية عربية عالمية تشترك فيها الحكومات والأفراد تسمى بشركة إنقاذ أراضي فلسطين لحساب العالم العربي، وهذه المؤسسة العامة يكون لها وحدها التصرف في هذه الأراضي بيعا أو تأجيرا بالطريقة التي تجعل من المستحيل أن يتسرب دونما واحد منها إلى غير الأيدي العربية المؤتمنة عليها.

وختاما تقبلوا تحياتنا.

وقد رد الاستاذ عبد الرحمن عزام أمين عام جامعة الدول العربية على رسالة الإمام البنا بالخطاب التالي:

جامعة الدول العربية - الأمانة العامة - القاهرة في 5 رمضان1364 = 13 أغسطس1945

عزيزي الأستاذ الشيخ حسن البنا ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... وبعد.

وصلنا خطابك الكريم وعرفت ما به وحولته إلى رئيس اللجنة فخامة توفيق بك السويدي للاطلاع عليه أما بخصوص دعوة مندوبين من فلسطين للجنة فإنه نظرا لظروف محلية في فلسطين رأت اللجنة مراعاة لهذه الظروف أن ترسل عنها مندوبا لمقابلتهم جميعا وسؤالهم في كل ما خطر لها من الأسئلة وعاد المندوب ببيانات مفصلة بآراء جميع الأحزاب وكثيرا من الخبراء. 

وقد استفادت اللجنة من ذلك عند وضعها لمشروعها نرجو الله أن يجعل فيه الخير وان يحقق الآمال.

وتفضلوا وافر التحية

الأمين العام

عبد الرحمن عزام(7).

الإخوان المسلمون والمفتي الأكبر

كان للخبر المفاجئ الذي طيرته أسلاك البرق بمغادرة سماحة الحاج أمين الحسيني زعيم فلسطين وبطل العروبة أرض فرنسا أثر بالغ، اهتزت له جوانح العرب والمسلمين في أنحاء المعمورة، وتمنى كل قطر عربي أن يشرف بحلوله به، كما أبدى استعداده للذود دونه وبذل كل نفيس وغال في المحافظة عليه.

هذا وقد أرسل حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين البرقية التالية إلى بلودان لكل من حضرات معالي عبد الرحمن عزام باشا الأمين العام لجامعة الجامعة الدول العربية، ومعالي رئيس وفد المملكة العربية السعودية، ومعالي رئيس شرق الأردن، ودولة رئيس وفد مصر، ودولة رئيس وفد سورية، ودولة رئيس وفد لبنان، ودولة رئيس وفد العراق، وصاحب السمو الملكي رئيس وفد اليمن، وسعادة رئيس وفد فلسطين. وهذا نص البرقية:

بلودان: تواترت الأنباء بخروج سماحة السيد أمين الحسيني من فرنسا وتوجهه إلى الشرق العربي. فالإخوان المسلمون وكافة العرب والمسلمين يرجون من مجلس الجامعة الموقر الذي ترنو إليه الأبصار، معلقة عليه أعظم الآمال لإنقاذ فلسطين في اجتماعه الخطير: أن يقرر إعلان الترحيب بسماحة المجاهد العظيم في أى قطر عربي يهبط على أرضه ويختار الإقامة به، ويرجون استقباله بما يليق بمقامه الكريم وجهاده العظيم في سبيل العروبة والإسلام(8).

الكتيبة الأولى

للإخوان المسلمين

أرسل فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين أمس إلى سعادة عبد الرحمن عزام باشا الأمين العام للجامعة العربية في بيروت البرقية التالية:

بمناسبة انعقاد مجلس الجامعة الموقر للنظر في قضية فلسطين الشقيقة يرى الإخوان المسلمون ألا سبيل لإنقاذها إلا القوة ولهذا يضعون تحت تصرف الجامعة العربية عشرة آلاف من خيرة شبابهم المجاهدين ككتيبة أولى في جيش الإنقاذ للزحف العملي عند أول إشارة(9).

 وجوب انسحاب الحكومات العربية

من هيئة الأمم المتحدة

أرسل فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين إلى سعادة الأمين العام للجامعة العربية الكتاب التالي: 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:

الآن وقد جد الجد، وبدأت حكومات العرب وشعوبهم تتأهب لأقدس خطوة عرفها تاريخ الجامعة العربية في إنقاذ فلسطين الشقيقة، قرر مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين في جلسة مساء الأحد 27 من ذي القعدة 1366 الموافق 12 من أكتوبر 1947 أن يطالب الجامعة العربية الموقرة ودولها الكريمة باتخاذ الخطوات التالية:

أولا- وجوب انسحاب الحكومات العربية من هيئة الأمم المتحدة بعد أن ثبت أنها لا تعدو أن تكون ستارا قانونيا لتنظيم المطامع الاستعمارية بين الدول الكبرى.

ثانيا- مناشدة جميع الحكومات ذات الضمير الحي والمثل الكريمة في كافة أنحاء العالم -ولاسيما الدول الشرقية والإسلامية- أن تنسحب من هذه الهيئة الخانعة وقاية لشرف هذه الدول وكرامتها من أن تكون مطية لتقنين الظلم وتنظيم الاستعمار.

ثالثا- مبادرة الحكومات العربية بسحب الجنسية الوطنية من أبناء الجالية اليهودية في كل هذه البلاد إذا تخلفوا عن مسابقة أبناء البلاد مسلمين ومسيحيين في حمل نصيبهم الوطني العربي من العمل لإنقاذ فلسطين وعروبتها بالأنفس والأموال.

هذا يا صاحب السعادة أفضل ما تتخذه الجامعة والحكومات العربية ليستقيم به قرارها الحاسم في إنقاذ فلسطين الشقيقة.

وتفضلوا يا صاحب السعادة بقبول عظيم الاحترام. 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(10).

إلى السادة الأكرمين

أعضاء اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية

أيها السادة الفضلاء الأكرمين: إن مصر الثائرة الغاضبة لتحييكم وتسعد بمقدمكم وتفخر بجهادكم وتسأل الله لكم من أعماق القلوب كل توفيق وتأييد، وإن أمامكم اليوم أيها السادة لعملا كثيرا.

ومنذ امتدت أصبع الاستعمار إلى الوطن العربي من الخليج إلى المحيط إلى اليوم وقضية هذا الوطن واحدة هي الحرية والوحدة.

وقضية فلسطين التي أثارت غضبة العرب اليوم حلقة من حلقات هذه السلسلة سلسلة العدوان المتواصل الجريء الظالم على هذا الوطن، وهناك قضية وادي النيل وقضية المغرب العربي بأقسامه الثلاثة: تونس والجزائر ومراكش وقضية ليبيا، ويلحق بهذه القضايا الأربع ما هو من جنسها تماما مما يتصل بالعالم الشرقي والإسلامي، وهو عالم تربطنا به العقيدة والمصلحة معا وإلا لم يكن عربي الدم والجنس.

وعلى الجامعة العربية الناشئة الوليدة أن تنهض بهذه الأعباء الثقال جميعا، ونعتقد أن الجامعة العربية -رغم حداثة عهدها- ستنهض بها على خير حال وسيوفقها الله إلى النجاح الكامل في هذا الامتحان الرهيب إن شاء الله.

وقضية الساعة (قضية فلسطين) قد انتهى الأمر فيها من دور النقاش والجدل إلى دور الكفاح والعمل، واستنار الطريق كأوضح ما يكون أمام العاملين فليس هناك عذر لمتردد.

وصار من الواجب المحتوم على العرب والمسلمين جميعا وعلى الجامعة العربية بوصفها القيادة العامة لهذه الشعوب أمور ثلاثة:

1-     مصارحة أعداء البلاد في الداخل والخارج بالخصومة حتى يتحدد موقفهم من الشعوب وموقف الشعوب منهم، واعتبار الصهيونية مبدأ هداما شديد الخطورة على الأوطان العربية، ومؤاخذة كل صهيوني بجرمه بهذا الاعتبار، وإشعار الدول التي ناصرت الصهيونية هذه المعاني من السخط والألم بكل الوسائل الممكنة وهي كثيرة؛ كمقاطعة بضائعها، والتخلص من رءوس أموالها، وسلب حق الإقامة في ديارنا من رعاياها، وسحب امتيازات شركاتها وعدم التعاون معها في مصالحها المادية أو الأدبية المتصلة بنا وهكذا.

2-     وبذل المال من الحكومات ومن الشعوب. والمال بحمد الله كثير والنفوس مستعدة للبذل، وإنما ينقصنا تركيز القيادة وحسن التنظيم وتنسيق جهود الهيئات، وإننا لنرى مظاهر هذا الاتجاه بادية بين الهيئات والجماعات، وعلى الجامعة والحكومات أن تعنى بتشجيع هذه الجهود حتى يتكاتف الجميع على التركيز والتنظيم المنشود.

3-     وتجهيز الرجال. والنفوس العربية والإسلامية -بحمد الله- لا زالت تحن إلى الجهاد، وترغب الموت في سبيل الله وتؤثره على هذه الحياة الذليلة، وتتمنى الشهادة في سبيل الحق، والعدد كثير ولن نشكو في يوم من الأيام القلة. وعقبة الحصول على السلاح ميسرة مذللة إذا اتجهت إليها الهمم بصدق وحزم.

لقد أضعنا وقتا كثيرا في التردد وحسن الظن ولا نريد أن نتلاوم على الماضي، فلم تكن الفضيلة عيبا في يوم من الأيام. ولأن نكون فضلاء وبيدنا الحق أولى من أن نكون معتدين على الباطل، ولكن يكفينا ما مضى ولنتقدم بعزيمة اليوم. وإن النفوس لترقب هذا الاجتماع المبارك للجنة السياسية للجامعة بشغف ولهف، ونرجو أن يسفر عن هذا التحديد والتوجيه ورفع راية العمل والإذن بالجهاد. ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾[يوسف: 21](11).

مذكرة المركز العام للإخوان المسلمين

إلى اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية بشأن فلسطين

حضرات أصحاب السمو والدولة والمعالى والسعادة أعضاء اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية. حضرة صاحب السعادة الأمين العام للجامعة العربية: 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد: فمعذرة إذا رأيتم في هذه المذكرة خشونة الصراحة وقوة الحق، فإن هذه هي طبيعة القضية التي نعالجها ونواجهها جميعا الآن، ليس فيها إلا الخشونة والقوة، وسنحاول أن نضع بين يديكم في اجتماعكم هذا مشاعر الشعوب العربية وخوالج نفوسها أمام الحقيقة الراهنة التي صار إدراكها اليوم بديهيا أو كالبديهي للجميع سائلين الله لكم كل توفيق وتأييد.

يا حضرات السادة:

من الحقائق المسلم بها عند العرب والمسلمين كافة حكومات وشعوبا الآن: أن قضية فلسطين لم تعد قضية سكان هذه البقعة من الأرض، ولكنها أصبحت قضية الجامعة العربية بأسرها.. قضية سبع حكومات تنطق بلسان سبعين مليونا من العرب، هم مجموع هذه الأمة العربية على ظهر الأرض.. وتعبر عن مشاعر ثلاثمائة مليون من المسلمين غير العرب. وقد أصبحت كرامة هؤلاء العرب والمسلمين جميعا وقيمتهم الأدبية والمعنوية وقضاياهم الوطنية والاجتماعية كلها معلقة بهذه القضية. وما أثقلها من تبعة! وما أفدحه من عبء! وما أعظمه من مجد! وما أجله من جهاد! والتاريخ يسطر، والزمن يسجل، والعالم ينظر، والله يسمع ويرى. ﴿وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾[الحج: 41].

ومن الحقائق كذلك أن الشعوب العربية قد أعلنت استعدادها الكامل للعمل بكل ما فيها من قوة في سبيل كسب هذه المعركة، وعبرت عن هذا الاستعداد ببذل أموالها ورجالها، والتسابق في التطوع والتنافس في التبرع، والاهتمام الكامل بكل ما يمس القضية من قريب أو من بعيد، فلا عذر بعد اليوم للحكومات في التخلف عن سير الشعوب، والمفروض أن القيادة بيدها وأن التبعة أولا عليها.

ومن الحقائق كذلك أن الصهيونيين قد استكملوا عدتهم، وحشدوا قوتهم، واستعانوا بالدعاية والمال والعلم والوقت، وحكومة الانتداب، وظروف الحرب، والتقلبات السياسية، ومطامع الدول والأشخاص، حتى ركزوا أنفسهم أكمل تركيز، وصارت مستعمراتهم آية في التحصين، ومصانعهم على استعداد لصنع السلاح والذخيرة والمصفحات وبعض أجزاء السيارات والطائرات، وأنهم قد استوردوا من ذلك الشيء الكثير، مع دربة رجالهم، واكتمال تنظيمهم، ووحدة قيادتهم، وتماسك شعبهم في داخل فلسطين وخارجها، واستغفال بعض الحكومات والشعوب لإمدادهم والعطف عليهم ماديا وأدبيا، هذا في الوقت الذى حرم فيه عرب فلسطين من كل هذه المزايا، إذ كانت السلطة المنتدبة تحول بينهم وبين محاولة أى استعداد -فضلا عن الاستعداد نفسه- وتحكم بأقسى الأحكام على كل عربي يحمل السلاح أو يحرز الذخيرة، وكان دعاتهم وقادتهم جميعا في السجون والمنافي والمعتقلات، على حين شغلت الحكومات والشعوب العربية والإسلامية بقضاياها الخاصة عن التأهب لهذا الظرف وإعداد عرب فلسطين له، فلم يواجهون الموقف بشيء إلا الإيمان بحقهم وإيثارهم الحرية على الحياة.

وهذه الحقائق الثلاث توجب على الجامعة العربية -بصورة عامة- ولجنة فلسطين بصورة خاصة أن تنظر إلى الأمور نظرة فاحصة أكثر جدية واهتماما مما عليه الآن، وأن تتذرع بهذه الدعائم الخمس: الإخلاص، والوحدة، والعدة، والإسراع، والحزم، لتصدر حكومات الجامعة العربية عن شعور واحد ورأى واحد وهدف واحد يخلص له الجميع، هو أن تطهر فلسطين من الصهيونية الآثمة، ثم ليكن لأهلها بعد ذلك حق تقرير مصيرها بدون ضغط أو إكراه.

ولتكن الوحدة رائد الجميع لتحقيق هذا الهدف؛ وحدة الشعور ووحدة الغاية، ووحدة التفكير، ووحدة الوسيلة والعمل في ثقة وطمأنينة لا شك يعكرها ولا قلق يكدرها.

وليكن أول عمل تبذل فيه اللجنة قصارى جهدها هو توفير العدة الكاملة والعتاد اللازم (الأسلحة سريعة الطلقات، الذخائر الوافرة، المدافع الثقيلة بمستلزماتها، المصفحات والدبابات وجهاز النقل السريع، وتجهيز سلاح جوى قوى لمواجهة الحالة المنتظرة، مع إعداد الشعب لمواجهة الغارات الجوية، وتجهيز سلاح بحري قوى حتى يواجه قوافل المهاجرين ومهربي السلاح إلى تل أبيب والموانئ التي يستطيع اليهود أن يأمنوا فيها على ما يريدون.

كل هذه لوازم أساسية وضرورية ولا يقوم عذر للجنة أمام الله والناس والتاريخ. ما يقال من صعوبة الحصول عليها، فالمستعدون لتيسير هذه المهمة كثيرون، وما عند الحكومات أكثر. ولقد أصبح تباطؤ اللجنة في هذا الشأن -مع كثرة العطاءات التي بين يديه- لغزا يحار في فهمه المفكرون، ولا تفسير له -فيما نعتقد- إلا الخوف من التبعة المالية، مع أن ظروف الحرب غير ظروف السلم، ولا يضير القائد العسكري أن تنقذ أرواح الناس بأي ثمن من الأثمان.

كما أن من اللوازم الأساسية -كذلك- تجهيز الحملات الطبية، وتدعيم القيادات وأركان حربها بالضباط الأكفاء الأقوياء المؤمنين، فإن الأمر جد لا ينفع معه التهاون بحال، وهذا كله هين يسير إذا اتجهت إليه الهمم.

ومن الواجب أن يتم ذلك كله في سرعة تامة وحزم ومضاء، فإن الوقت لا ينتظرنا والله لا يقبل عذرنا، ولابد من عمل حازم سريع يطمئننا على مستقبل القضية في هذه الفرصة التي إن أفلتت منا فلن تعود إلينا.

ثم إنه غنى عن البيان أن نقول: إن أحاديث إرجاء التقسيم إلى حين وتوقيع الهدنة وفرض الوصاية وإعادة القضية إلى هيئة الأمم إلخ، كلها أمور الغرض منها كسب الوقت وتشتيت الشمل وتفريق الكلمة، ثم تعود السياسة الرخوة اللينة سيرتها الأولى من مصادرة كل حق، والاعتداء على كل عزيز متى اطمأنت إلى أنها قد وصلت إلى ما أرادت من ذلك، ومن تفريق الشعوب العربية عن الشعب الفلسطيني وتصرفه فيما لديه من عدة وسلاح – هذا الفخ حضراتكم جميعا أعرف الناس بداخله وخارجه، وأحرصهم من الوقوع فيه أو الرضا بها. وإن من الخير كل الخير للقضية الفلسطينية -أولا- ثم للقضايا العربية والإسلامية كلها –ثانيا- أن نظل هكذا مناضلين مكافحين حتى نصل إلى إحدى نتيجتين: إما جلاء الصهيونية عن فلسطين قاطبة إلى لا رجعة ولا كرامة. وإما أن يوافق اليهود على أن يعيشوا مع العرب في ظل الدولة الفلسطينية الحرة الواحدة على أن يرد إلى وطنه الأصلي كل يهودي دخيل بعد الحرب الماضية.

تمسكوا بهذا أيها السادة الأجلاء وثقوا كل الثقة أنكم بذلك ترضون الله وتطمئنون الشعوب وتسجلون في صفحات تاريخ هذه القضية صفحة رائعة من صفحات المجد والإباء(12).

احتجاج الإخوان المسلمين على مؤامرة حيفا

سعادة الأمين العام لجامعة الدول العربية

القاهرة: إن الاعتداءات الوحشية التي وقعت في دير ياسين وطبرية ونصر الدين وحيفا من عصابات اليهود المسلحة على الأطفال والنساء من عرب فلسطين، قد كشفت عن التآمر الوحشي بين حكومة الانتداب الخائن واليهود المجرمين لتسليمهم فلسطين العربية لإقامة دولتهم الصهيونية المزعومة.

وبعد أن تخلت حكومة الانتداب عن واجبها الرسمي في فلسطين أصبح لزاما على دول الجامعة نجدة عرب فلسطين بإرسال جيوشها الرسمية المنظمة وإعلان التعبئة الشعبية في البلاد العربية.

وهذه أمانة يفرضها الإسلام والعروبة على رجال الجامعة ويسجلها عليهم التاريخ.

حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين(13).

الإخوان يعملون

حضرة صاحب السعادة عبد الرحمن عزام باشا الأمين العام للجامعة العربية.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد.

فقد رأى المركز الرئيسي لجماعات أقسام البر والخدمة الاجتماعية للإخوان المسلمين المسجل بوزارة الشئون الاجتماعية تحت رقم 293 أن يقوم بنصيبه الأوفى في مساعدة اللاجئين الفلسطينيين بفلسطين، وبخاصة الموجودين منهم في منطقة الجيش المصري هناك، ولاسيما وقد أقبل الشتاء ببرده القارص، فرأى أن يؤلف من بين أعضائه لجنة لهذا الغرض على النحو التالي:

الصاغ محمود لبيب المفتش العام لفرق الإخوان المسلمين رئيسًا، الأستاذ صالح عشماوي وكيل هيئة الإخوان المسلمين وكيل أول، الأستاذ عبد الرحمن الساعاتي وكيل المركز الرئيسي للبر والخدمة الاجتماعية. 

وكيلاً ثانيًا، الأستاذ محمد طاهر الخشاب المحامي سكرتيرًا. الأستاذ سعد الدين الليلي المحرر بجريدة الإخوان سكرتيرًا ثانيًا. 

أعضاء

الدكتور محمد سليمان المدرس بكلية الطب ورئيس القسم الطبي الإخوان، الأستاذ الشيخ أحمد حسن الباقوري وكيل معهد القاهرة بالجامعة الأزهرية، الأستاذ الشيخ على جبر المدرس بالجامعة الأزهرية.

على أن تكون مهمتها محددة بتكوين لجان فرعية في المملكة المصرية لجمع الملابس والأغطية وتبرعات عينية لا نقدية خلال المدة من 15سبتمبر الجاري إلى 25منه تحت عنوان "أسبوع مساعدة اللاجئين بفلسطين" وعلى أن يسلم ما يجمع للجامعة العربية، أو وزارة الشئون الاجتماعية، أو الهلال الأحمر، وعلى أن يكون التوزيع في فلسطين نفسها، وأن يكون للمركز الرئيسي الحق في أن يوفد من قبله مندوبينا لملاحظة عملية التوزيع على مندوب الهيئة التي تتولاه، وسيكون كل ما يجمع أو يسلم بإيصالات واضحة، ويكون لكل متطوع لهذا العمل تذكرته الشخصية التي تثبت شخصيته، ومهمته لدى الجمهور مختومة بخاتم المركز الرئيسي لجماعات أقسام البر والخدمة الاجتماعية، فأرجوا التكرم بمخاطبة وزارة الشئون الاجتماعية عن طريق الأمانة العامة للجامعة العربية بالإذن لهذه اللجنة قبل الموعد المحدد بمدة كافية؛ لمزاولة مهمتها ليكون في خطاب الجامعة ما يعزز هذا الطلب.

 مع جزيل الشكر 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(14).

المصـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــادر

  1. مجلة الإخوان المسلمين، العدد (95)، السنة الرابعة، 22 ربيع الثاني 1365ﻫ- 26 مارس1946م، ص(3).
  2. جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (421)، السنة الثانية، 1ذو القعدة 1366ﻫ- 16 سبتمبر 1947م، ص(5-6).
  3. جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (544)، السنة الثانية، 28 ربيع الأول 1367ﻫ- 8 فبراير 1948م، ص(1).
  4. مجلة الإخوان المسلمين، العدد (71)، السنة الثالثة، 21شوال 1364ﻫ- 27 سبتمبر 1945م، ص(16).
  5. جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (450)، السنة الثانية، 6 ذو الحجة 1366ﻫ- 20 أكتوبر 1947م، ص(1).
  6. جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (595)، السنة الثانية، 27 جمادى الأولى 1367ﻫ- 7 أبريل 1948م، ص(2).
  7. الإخوان المسلمون، العدد (67)، السنة الثالثة، 15 رمضان 1364ﻫ- 23 أغسطس 1945م، ص(13).
  8. جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (34)، السنة الأولى، 12 رجب 1365ﻫ- 12 يونيه 1946م، ص(1).
  9. جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (440)، السنة الثانية، 23 ذو القعدة 1366ﻫ- 8 أكتوبر 1947م، ص(1).
  10. جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (445)، السنة الثانية، 29 ذو القعدة 1366ﻫ- 14 أكتوبر 1947م، ص(1).
  11. جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (492)، السنة الثانية، 26 محرم 1367ﻫ- 9 ديسمبر 1947م، ص(2).
  12. جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (605)، السنة الثانية، 10 جمادى الثانية 1367- 19 أبريل 1948، ص(1)
  13. جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (610)، السنة الثانية، 16جمادى الثانية 1367ﻫ- 25 أبريل 1948م، ص(2).
  14. مجلة الإخوان المسلمين، العدد (213)، السنة السادسة، 8ذو القعدة 1367ﻫ- 11سبتمبر 1948م، ص(8)
المقال التالي الامام البنا وكتاباته ومراسلاته في فتنة شباب محمد 1939م
المقال السابق الدستور في فكر الإمام حسن البنا