إعداد موقع الإمام حسن البنا
كانت الشعوب الإسلامية تعيش في كنف الخلافة الإسلامية ردحا من الزمان، ومع ضعفها بين الحين والأخر إلا أنها كانت بمثابة حامي الحمى للوطن الإسلامي.
وظلت بوجودها المظهري مصدر خطر على الأعداء الذين كانوا يتربصون بالوطن الإسلامي شرا وخيراته وثرواته، ولذا أغروا كل لئيم حتى نجحوا في إسقاطها في معقلها عام 1924م ولم يتحرك من أجل ذلك أحد سواء كان خوفا أو لانتشار القومية المقيتة بين الناس، أو للتخلف والفقر الذي كان يسيطر على نسبة كبيرة من الشعوب الإسلامية، بالإضافة لارتماء الطبقة المثقفة في أحضان المستعمر الغربي.
لم يهتم الإمام البنا بسوريا فحسب، لكنه اهتم بكل شبر كان تابعا للدولة الإسلامية، وندد بما يجري للمسلمين من مذابح على أيدي الاستعمار في مشارق الأرض ومغاربها، غير أن الشام كان لها وضعها الخاص لأن العدو الغربي وضعها تحت دائرة ضوء التمكين اليهودي بإقامة وطن قومي لهم في إحدى بلاد الشام وهي فلسطين التي تحتضن المسجد الأقصى.
بالإضافة إلى أنه كان يرى في بلاد الشام أملاً كبيرًا للعرب وللمسلمين، وينظر إليها بعين التقدير والمحبة والرجاء.
شكر الإخوان المسلمين فى سوريا على جهودهم
فى تأييد القضية المصرية والقضايا العربية والإسلامية
فضيلة الأخ المجاهد الشيخ مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان المسلمين بدمشق:
جهادكم المشكور فى سبيل القضية المصرية ودأبكم المتصل على استنفار الشعب السوري الكريم لتأييد كل القضايا العربية والإسلامية إنما هو أصدق برهان على السمو فى اعتناق فكرة الجهاد وهو أعظم مفخرة يلمع بها اسم الإخوان المسلمين فى جميع بقاع الأرض. حيا الله سوريا المجاهدة وحياكم وإخوانكم الأبطال وأعز بجهادكم العروبة والإسلام(1).
جهود الإخوان المسلمين فى قضية سوريا ولبنان
مذكرة:
إن اعتداء فرنسا على سوريا ولبنان ليس ظاهرة عرضية، بل هو مظهر مؤلم لفكرة رجعية عنيفة تسيطر على عقلية بعض الساسة الفرنسيين الذين يظنون أن البلاد العربية ميدان صالح للاستعمار السياسي العتيق، وأن الشعوب العربية شعوب همجية تقبل الاستعباد وترضاه، ويظنون أنهم يستطيعون أن يكونوا لهم إمبراطورية استعمارية فى البلاد العربية على حساب العرب، دون اكتراث بحيوية هذه الشعوب ومدنيتها، ولا بمبادئ الحرية التى آمنت بها جميع الشعوب الحديثة واعتنقتها الأمم المتمدينة، ولا بمبادئ القانون الدولي التى تفرض عليهم احترام تعهداتهم والتزامهم، بل ودون أى تقدير لمبادئ الإنسانية التى تأبى استعمال القوة والعنف ضد الشعوب العزلاء.
هذا هو الوصف الحقيقي لهذه المأساة وهو يفرض على الدول العربية -الممثلة فى الجامعة- أن تواجهه بصراحة وشجاعة، وأن تحسم مواطن العلة من أساسها دون اكتفاء بالحلول الظاهرية المؤقتة. فواجب الدول العربية اليوم هو أن تثبت لفرنسا وللعالم أجمع أن العرب لن يقبلوا منذ اليوم أن تستعمر بلادهم أو تستعبد أوطانهم، وأن الشعوب العربية القوية بإيمانها وشجاعتها، القوية بمدنيتها وثقافتها، القوية بوحدتها وتضامنها، قوة يجب أن يحسب لها حساب بين دول العالم، ويجب أن تحترم حقوقها ومبادئها، وأنها تستطيع أن تدافع عن استقلالها وسيادتها بنفس السلاح الذي نالته به "الإيمان والشجاعة والثبات والاتحاد". هذا هو الغرض الذي تجتمعون من أجله اليوم يا ممثلي العرب الأمجاد، وأنتم تعرفون طريق الدفاع عن استقلال الدول والشعوب وما يتطلبه من تضحية وجهاد، وقد سبقنا شعب سوريا المجيد الشجاع إلى سلوكه، فجدير بنا أن نسير معه فى طريق الحرية والمجد. وإن الإخوان المسلمين فى مصر ليعلمون حق العلم أنكم سوف تفعلون ذلك، وستثبتون للعالم أن ساسة العرب ليسوا أقل من شعوب العروبة إيمانا بحقوقها وحريتها. وإن الإخوان المسلمين يؤيدونكم بكل قواتهم ويقدمون لكم أرواحهم وأنفسهم لتقذفوا بها فى ميدان العمل، وقد رأوا أن من واجب هيئتهم -بصفتها ممثلة للرأي العام فى مصر- أن تطالبوا حكومات الجامعة بالوقوف فى هذه القضية موقفا حازما حاسما حتى تحرر سوريا ولبنان من الفرنسيين المستعبدين نهائيا باتخاذ ما يأتى:
1- قطع العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية مع الحكومة الفرنسية ووضع الأموال الفرنسية تحت الحراسة.
2- مساعدة الجمهوريتين العربيتين سوريا ولبنان على تكوين جيشيهما بأسرع ما يمكن بكل المساعدات الفنية والمالية.
3- أن تساهم جيوش الدول العربية والمتطوعين فى شرف تحرير سوريا ولبنان وطرد الفرنسيين منها إلى آخر رجل.
4- محاكمة جميع الفرنسيين الذين اعتدوا على الأهالي السوريين المدنيين والمدن السورية المفتوحة اعتداءات يحرمها القانون الدولي وتأباها الإنسانية على هذه الجرائم، ومعاقبتهم مع مجرمي الحرب الأوربية، وتعويض جميع الأضرار التى أحدثوها للأهالي والمدن من أموال الفرنسيين فى البلاد العربية(2).
عشرة آلاف متطوع
حضرة صاحب السعادة وزير سوريا المفوض بالقاهرة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: فإن الإخوان المسلمين فى المملكة المصرية يشاركون الحكومة السورية المجاهدة والشعب السوري الباسل الشعور والعمل والجهاد ضد الاستعمار والعدوان والظلم فى هذه الآونة الدقيقة من تاريخ العروبة.
وهم ينتهزون هذه الفرصة فيعلنون أن عشرة آلاف شاب من شباب الإخوان المسلمين يرجون قبولهم كمتطوعين فى الجيش السوري، وهم على أتم استعداد للسفر فى أى وقت ترى الحكومة السورية أن تدعوهم فيه إلى الانضمام إلى القوات المجاهدة وأداء الواجب المفروض على كل عربي.
فأشرف بأن أخطر سعادتكم بذلك انتظارا لأوامركم مع أصدق العواطف وأطيب التمنيات.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(3).
نداء إلى الأمة السورية الشقيقة
بمناسبة الانتخابات النيابية يوم 7 يوليو
إن الشعوب العربية فى مختلف أوطانها تنظر إلى الشعب السوري نظرة ممتازة؛ لأن سلفه حمل الأمانات الأولى إلى شعوب الأرض فى زمن التابعين عقب عصر الخلفاء الراشدين؛ ولأنه كان جرثومة النهضة العربية الحديثة لبعث العروبة ودعوتها إلى استئناف رسالتها من جديد.
وفى يوم الإثنين 18 من شعبان المبارك (7 "يوليو") يدعى هذا الشعب النبيل لانتخاب نوابه الذين توضع بين أيديهم أمانة التشريع، وتوكل إليهم دفة السفينة، وتسير بدلالتهم القافلة، ويعلق بذمتهم مصير البلاد؛ فى معايشها وإدارتها ونهضتها وعمرانها وفى سياستها الخارجية وروابطها بدول الجامعة العربية وتعاونها مع الحكومات الإسلامية.
نحن -جماعة الإخوان المسلمين فى مصر- نحترم المرشحين جميعا للنيابة عن الشعب السوري الشقيق، ولا نتدخل فى السياسة الداخلية لذلك القطر الحبيب؛ لأن رب الدار أدرى بالذي فيها. لكنا نذكر هذا القطر الإسلامي الممتاز بنزعته الإسلامية ووفائه لأمانات الإسلام، بأن الانتخاب الذي يباشره الشعب فى يوم الاثنين 7 تموز "يوليو" سيكون امتحانا لمدى تقدير الناخب السوري لهذه الأمانات، وتعلقه بالنظام الإسلامي، ورغبته فى أن يتولى أمر الأمة ويمثلها وينوب عنها رجال من أنصار هذا النظام ومن الأوفياء لتلك الأمانات.
إن الثناء بالخير شهادة، والانتخاب ثناء عملي بالخير، فلينظر امرؤ على ماذا يشهد، وبماذا يشهد، ولمن يشهد...
نحن لا نطعن فى أحد، ولا نحاول التأثير على أحد لصالح أحد، غير أننا إخوان مسلمون لجميع إخواننا المسلمين حيثما كانوا، ومن واجب هذه الأخوة فى الإسلام أن نذكر إخواننا جميعا بأن هذه الانتخابات امتحان نحب أن يجتازه كل من يدخله من أمة محمد بما يرضى الله ويعلى كلمته ويحقق رسالة خاتم رسله إلى الإنسانية جميعا.
إن النظام النيابي فى زماننا مظهر من مظاهر هيئة أهل الحل والعقد فى عصور سلفنا، وقد كان سلفنا يوسد مهمة الحل والعقد لرجال من الأمناء على النظام الذي تؤمن به كل أمة إسلامية. والأمة السورية من صفوة الأمة الإسلامية، فجدير بها أن توسد هذه المهمة لمن تأتمنهم على النظام الذي يحتل من القلوب شغافها. ولعلهم إن وفقوا إلى ذلك كانوا فيه قدوة لغيرهم من الأوطان الشقيقة.
ونحن نعتقد أن المواطنين السوريين الفضلاء من غير المسلمين يرون فى الإسلام وتعاليمه وشرائعه نظاما قوميا يتصل بصميم مشاعرهم العربية وتقاليدهم التى ورثوها من آبائهم وأجدادهم العرب الأمجاد، فتحدرت فى عروقهم مع الدماء الزكية لهذا الشعب العربي الكريم: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لّكَ وَلِقَوْمِكَ﴾[الزخرف: 44]، وبخاصة والإسلام الحنيف -كدين- قد آخى بين الأنبياء والرسل، ووحد بين الشرائع والكتب، وجعل من العقيدة الدينية سياجا منيعا للمصلحة القومية: ﴿لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾[الممتحنة:8].
فلا عجب أن يكون حضراتكم أول المناصرين لدعاته والمبتهجين لفوزهم فى معركة التنافس الشريف التى تدور رحاها الآن فى كل نواحي القطر الشقيق. والله نسأل أن يلهم الجميع الرشد ويسدد خطاهم إلى الخير، والله يتولى المؤمنين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(4).
حول مشروع سوريا الكبرى
بين ملك شرق الأردن والمرشد العام للإخوان المسلمين
رسالة الأستاذ حسن البنا
سيدي صاحب الجلالة الملك عبد الله المعظم حفظه الله:
أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وأصلى وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اعتصم بشرعته وعمل لخير أمته وحافظ على عهده وميثاقه وكلمته، وأحييك بتحية الإسلام الخالدة، فالسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فإن رسالتي إليك فى مشروع الدولة السورية رسالة محب فى الله وأخ فى الإسلام وشريك فى الانتساب إلى الدم العربي المجيد، فعفوا إذا وضعت عن هذا الكتاب ما يقضى به العرف من أساليب المجاملة التى تعودها الناس فى مخاطبة الملوك والرؤساء، وائذن لى مشكورا أن أخاطب جذوة الإيمان فى قلبك قبل التاج على رأسك، وأن أحتفى بعنصر النبوة فى محتدك قبل عزة الجاه فى منصبك، فإن العزة لله جميعا.
يا صاحب الجلالة:
لا ريب أن وحدة الأمم العربية جميعا أمل حبيب لا يجدر بعربي أن يكف عن التطلع إليه والعمل لتحقيقه، وهذا ما حدا بزعماء الدول العربية أن يجتمعوا فى صعيد واحد يتدارسون أمر هذه الوحدة الجليلة ويدفعون إلى الوجود ثمرتها الأولى فى ميثاق الجامعة العربية المقدس، ومن هنا يكاد يبدو مشروع الدولة السورية الكبرى -لولا ما يحيط به من أوضاع ومحظورات أملا مشتركا لا تفوق رغبة الأردن فيه رغبة أى عربي فى سوريا ولبنان وسائر بلاد الجامعة المفداة.
بيد أن الذي لا جدال فيه هو أن المشروع الذي تبدو سلامته واضحة من حيث المبدأ، قد عاصر التفكير فيه ظروف وملابسات تجعل الدعوة إليه ذات خطر مباشر وضرر بالغ على القضايا العربية عامة وعلى البلاد السورية خاصة، الأمر الذي نربأ باسمك وبتاريخ بيتك العظيم أن يقترن به أو يكون مجلبته لسبعين مليونا من العرب يؤيدهم ثلاثمائة مليون من المسلمين يحزنهم كل الحزن أن ينسب إلى واحد من أقطاب البيت الهاشمي ظل ريبة أو إثارة من تهمة. ونحن -الإخوان المسلمين- الذين يجدون من أدب الإسلام عاصما من متابعة المسرعين بسوء الظن وسهولة القذف، نرى لزاما علينا أن نضع بين يديك على سبيل النصيحة التى أوجبها الله على الناس لله ولكتابه ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم أمثلة للأضرار التى تهدد البلاد العربية من الدعوة لمشروع سوريا الكبرى:
أولا: إن الوحدة الاندماجية بين بلاد تم استقلالها وبلد لا يزال دون تمام استقلاله خطوات من شأنها أن تعصف باستقلال قطرين من أقطار العروبة أصبح استقلالهما مفخرة للعرب والمسلمين فى كافة أنحاء المعمورة، فضلا عن أن سريان طيف الاحتلال -ولو فى أرق صورة- على أطراف دولة كبيرة بعضها سوريا ولبنان من شأنه أن يعيد إحكام السلسلة التى اشتد أمل العرب فى استئصالها من سائر الأوطان العربية.
ثانيا: إن إنشاء دولة سورية تكون فلسطين بعض أجزائها -وهي بعد مثقلة بالخطر الصهيوني- من شأنه أن يفتح الأبواب المغلقة، ويرفع الحدود والحواجز المانعة من استمرار الزحف الصهيوني على سائر البلاد العربية؛ لأن نهضة العرب الاقتصادية لم تبلغ -بعد- النضج الذي يغلب بريق المزاحمة الصهيونية.
ثالثا: قد وضح من التمسك بمشروع سوريا الكبرى أنه لا يسعى إلى مجموعة الأمم العربية إلا أداة فرقة وعامل تمزيق للوحدة، وأن تحفز الأردن له وتحامل العالم العربي عليه من شأنهما أن يعرضا كيان الجامعة العربية المبارك لامتحان لا تؤمن عواقبه ومغباته، بعد أن صارت الجامعة العربية -رغم خطواتها الوئيدة- قذى فى أعين المستعمرين والغاصبين وسائر الكائدين للعروبة والإسلام.
رابعا: إن إثارة هذا المشروع فى وقت يشتعل الرأي العام العالمي اهتماما بالقضية المصرية، ويتلقى الاستعمار البريطاني فيه هذه الضربات القاسية التى تكشف عن مخازيه وآثامه تحت سمع الدنيا وبصرها على يد وفد وادي النيل الذي اتخذ من الإنذار بثورة العرب متحدين لنصرة الوادي الشقيق سبيلا لكسب التأييد العام للقضية –نقول: إن إثارة هذا المشروع المفرق فى وقت لا تعتز القضية المصرية فيه بأشد من وحدة العرب فى تأييدها، سينجم عنه -لا ريب- إصابة القضية المصرية بطعنة كانت تحب مصر أن تراك من أسبق الناس لدفعها عنها.
إنه ليسعدنا -يا سيدى- أن تطيش عنك سهام الذين يرجفون بأن الإنجليز حينما رهبوا عصا الجامعة العربية فى قضية وادى النيل- أرادوا أن يتخذوا مشروع" سوريا الكبرى" عصا لهذه الجامعة التى تحوطها قلوب العرب والمسلمين بكل دعاء وإكبار، ولا يمنعنا الحرص على سقوط هذه الهمة عن مقامك الكريم من أن نصارحك -فى أخوة وقوة- بأنه لا خلاف فى أن الثمرة الطبيعية الأولى لإثارة هذا المشروع الآن –ولو لم نردها أو نسع إليها- هى زلزلة القضية المصرية فى قمة غليانها، وخسارة ستة وعشرين مليونا من قلوب المصريين والسودانيين لا يجوز أن يزهد فى حبها وصداقتها عربي مسلم كعبد الله بن الحسين.
يا صاحب الجلالة:
مهما يكن من اقتناعك بهذه الحقائق أو انصرافك عنها فإنه لم يبق لتنفيذ فكرتك وسيلة مشروعة -وقد التزمت أمام الرأي العام العربي ألا تتجاوز الوسائل المشروعة- إلا أخذت بها ولجأت إليها، فلم يتخلف عن كل هذه الوسائل إلا ظل قائما وريبة مظلمة تحف بكلمة سوريا الكبرى وبكل اسم يقترن بها ويدعو إليها.
أما سوريا ولبنان، فإن كلمة سوريا الكبرى فى لغة مختلف الأوساط والهيئات فيهما لا تساوى إلا كلمة الخيانة العظمى، ومن النصح لك أن أكاشفك بأنه ما من مرشح فى الانتخابات السورية الأخيرة رمى -ولو باطلا- بتهمة أغلظ عند الرأي العام من كلمة سوريا الكبرى.
وأما فلسطين ممثلة فى هيئتها العربية العليا فرأيها فى المشروع قديم لا حاجة إلى إعادته، وهو ليس إلى جانب المشروع على أى حال. وأما سكان وادي النيل فقد كاشفتك فى أمانة لك وفى صدق إدراك لمشاعرهم بنظرتهم إلى معنى سوريا الكبرى ولا سيما فى هذه الأيام.
فما مقامك يا صاحب الجلالة على خطة تقف بك فى معزل عن عشرات الملايين من القلوب التى تتمنى أن تعبد الله بمحبة أهل البيت الهاشمي الكريم.
يا صاحب الجلالة:
إننا لا نزال نسجل لك -ولا نحب أن نسجل عليك- مع السرور والإعجاب ما أعلنته فى خطاب عيد الاستقلال الماضي: "إن عبد الله وابن عبده المؤمن بقدرته الربانية وعزته الصمدانية الراغبة عن كل جاه شخصي ونفع ذاتي، إلى كل ما ينفع العرب ويصون مستقبلهم ويحقق أملهم، ويقرر وينجز وحدة القطر الشامي على الطريقة التى تصون مصالحه القومية بمحض اختياره وتفاهم خياره".
جميل يا صاحب الجلالة أن تبرأ من طلب الجاه والمنفعة الشخصية، وهو الأمل فيك والعهد بك. ومن واجبى يا سيدي أن أسألك حق هذا التصريح الجليل بعد أن كشفت عما فى مشروع سوريا الكبرى من أضرار بالغة لأمم العروبة جميعا.
وجميل كذلك- يا صاحب الجلالة- أن تقرر فى ذروة تعصبك للمشروع، أنك لا تريد فرضه على القطر الشامي، بل تدعو إلى تحقيقه للشعب السوري الكبير على الطريقة التى تصون مصالحه بمحض اختياره وتفاهم خياره.
ومن حق كل عربي أن يسأل: هل بقي ريب فى أن اختيار الشعب السوري كله فى ناحية وهذا المشروع برمته فى ناحية أخرى؟ أم هل بقي ريب فى أن خيار كل من الأمة السورية واللبنانية قد أعلنوا بإجماع مجلسي النواب السابقين والحاليين، وبلسان الصحافة الحكومية والمعارضة وباسم الأحزاب السياسية والهيئات الوطنية الإسلامية رغبتهم بالإجماع عن هذا المشروع واستغناءهم عن الدعوة إليه؟!
يا صاحب الجلالة: الدين النصيحة والصدق أمانة والمكاشفة واجب.
إن مواصلة الدعوة إلى هذا المشروع بعد أن ثبت أنه ليست هناك وسيلة مشروعة تؤدى إلى تحقيقه لا يعنى إلا بإعطاء الحجة لمن يقولون إن جلالة الملك عبد الله شديد الإصرار على عرش دمشق ولو كلفه ذلك أن يزحف عليها بجيشه، بل لو اضطر أن يدخلها فى أكناف الجيوش الأجنبية، الأمر الذي نعيذ مكانتك فى القلوب بتاريخ أسرتك فى العالم العربي منه، ويومئذ –لا كان يومئذ- يعرف قلبك الطاهر فى لحظة من خلوته أن ملك دمشق على هذه الصورة -ولو ظاهرته أوروبا مجتمعة- لا يساوى ابتسامة المؤمن فى وجهك، ولا دعوة قلب صالح بالخير لك.
يا صاحب الجلالة:
إنني وطيد الأمل أن يلقى هذا الكتاب الصادق مكانه فى قلبك الصادق، وأن يكن ما ندعو إليه واجبا فى رأيك، فما أكثر ما بذلت فى سبيله، وقد بلغت، فحسبك أن يشهد الله والناس.
وإن ثقتي بصادق إيمانك لتدفع عنى الوجل من أن تفشل هذه السعاية البريئة، ومن أن تقفنا -لا قدر الله- موقفا لا نملك فيه لألسنة المرجفين عقالا، ولا نستطيع معه للمسرفين فى سوء الظن دفاعا، فضلا عن أن يفرقنا المبدأ- لا قدر الله- كما جمعتنا العقيدة، وأن نتجرع -آسفين- كأس الفراق فى الله بعد أن ذقنا هانئين حلاوة الحب فى الله.
يا صاحب الجلالة:
أناشدك الله الذى تلقاه فى صلاتك وتلاوتك، وأناشدك نبيه الذى يقول "ولا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم وجوه بعض"... وأناشدكم تاريخ العروبة الذى يعتز بجهاد البيت الهاشمي العريق أن تنفذ بقلبك إلى ما وراء هذه السطور والعبارات من حرارة الإخلاص، وتوقد الغيرة على بقاء كلمة العرب مجتمعة، وسيرتك على الألسن شذية عطرة، فتسوق الطمأنينة إلى نفوس العرب ونفسى، بانصرافك عن مشروع سوريا الكبرى استجابة لهذه النصيحة الصادقة النقية، وإن لك لأسوة حسنة فى جدك الأعظم صلى الله عليه وسلم يوم بدر إذ نادى فى الناس: "انزلوا حيث قال الحباب"
حفظك الله يا صاحب الجلالة، وأيد بك كلمة الحق والخير أبدا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رد على الرد
أرسل فضيلة المرشد العام مساء أمس إلى جلالة الملك عبد الله البرقية التالية:
جلالة الملك عبد الله المعظم -عمان: تلقيت بيد الشكر والامتنان رد جلالتكم الكريم، ورغم أنى كنت أؤمل أن يصادف رجائي لدى جلالتكم تمام القبول، فإنى استأذن جلالتكم فى أن أعتبر هذا الرد وعدا قاطعا للعالم العربي بأنكم لن تتجاوزوا فى فكرتكم الوسائل الحرة المشروعة، وبأنكم تشاطروننا الحرص التام على كيان الجامعة واستقلال البلاد العربية والاستعداد لتأييد القضية المصرية بحق وصدق.
ومع ذلك فلا زلنا نأمل أن تلتقوا معنا -على الأقل- فى أن من الخير تجنب إثارة هذا المشروع الآن. وفق الله ملوك العرب والمسلمين إلى ما فيه خير العروبة ونصرة الإسلام. آمين(5).
تهنئة المرشد العام لفخامة رئيس الجمهورية اللبنانية
بمناسبة إعادة انتخاب فخامة الشيخ بشارة الخوري رئيسا للجمهورية اللبنانية، بعث أمس حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ المرشد العام البرقية الآتية إلى فخامته:
"فخامة الشيخ بشارة الخوري رئيس جمهورية لبنان":
إلى لبنان الشقيق أجمل التهاني بإعادة انتخابكم. حقق الله آمال الوطن العزيز والعروبة المجيدة فى ظل رياستكم الرشيدة(6).
المصادر
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (242)، السنة الأولى، 25 ربيع الأول 1366ﻫ- 16 فبراير 1947م، ص(2).
- مجلة الإخوان المسلمين، العدد (62)، السنة الثالثة، 18 رجب 1364ﻫ- 28 يونيو 1945م، ص(1).
- مجلة الإخوان المسلمين، العدد (62)، السنة الثالثة، 18 رجب 1364ﻫ- 28 يونيو 1945م، ص(1).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (357)، السنة الثانية، 12 شعبان 1366ﻫ- 1يوليو 1947، ص(1).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (413)، السنة الثانية، 22شوال 1366ﻫ- 7 سبتمبر 1947م، ص(1، 5).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (639)، السنة الثالثة، 21 رجب 1367ﻫ- 30 مايو 1948م، ص(2).