إعداد موقع الإمام حسن البنا
الإخوان المسلمون جماعة نشأت على مفهوم الإسلام الصحيح والعقيدة السليمة، حيث التزموا بما جاء في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم واجتمعت عليه الأمة، وأمنوا بوسطية الإسلام دون غلو. ولم يكن لهم عقيدة أو دين غير العقيدة الإسلامية التي جاء بها الإسلام الحنيف، وهو ما جعل الإمام البنا يوضح ذلك.
عقيدتنا
1-أعتقد أن الأمر كله له، وأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم رسله للناس كافة، وأن الجزاء حق، وأن القرآن كتاب الله، وأن الإسلام قانون شامل لنظام الدنيا والآخرة.
وأتعهد بأن أرتب على نفسي حزبًا من القرآن الكريم، وأن أتمسك بالسنة المطهرة، وأن أدرس السيرة النبوية وتاريخ الصحابة الكرام.
2-أعتقد أن الاستقامة والفضيلة والعلم من أركان الإسلام.
وأتعهد بأن أكون مستقيمًا أؤدي العبادات وأبتعد عن المنكرات، فاضلا أتحلى بالأخلاق الحسنة، وأتخلى عن الأخلاق السيئة، وأتحرى العادات الإسلامية ما استطعت، وأوثر المحبة والود على التحاكم والتقاضي؛ فلا ألجأ إلى القضاء إلا مضطرًا، وأعتز بشعائر الإسلام ولغته، وأعمل على بث العلوم والمعارف النافعة فى طبقات الأمة.
3-أعتقد أن المسلم مطالب بالعمل والتكسب، وأن فى ماله الذي يكسبه حقًا مفروضًا للسائل والمحروم.
وأتعهد بأن أعمل لكسب عيشي، وأقتصد لمستقبلي، وأؤدي زكاة مالي، وأخصص جزءًا من إيرادي لأعمال البر والخير، وأشجع كل مشروع اقتصادي إسلامي نافع، وأقدم منتجات بلادي وديني ووطني، ولا أتعامل بالربا فى شأن من شئوني، ولا أتورط فى الكماليات فوق طاقتي.
4-أعتقد أن المسلم مسئول عن أسرته، وإن من واجبه أن يحافظ على صحتها وعقائدها وأخلاقها.
وأتعهد بأن أعمل لذلك جهدي، وأن أبث تعاليم الإسلام فى أفراد أسرتي، ولا أدخل أبنائي مدرسة لا تحفظ عقائدهم وأخلاقهم، وأقاطع كل الصحف والنشرات والكتب والهيئات والفرق والأندية التى تناوئ تعاليم الإسلام.
5-أعتقد أن من واجب المسلم إحياء مجد الإسلام بإنهاض شعوبه، وإعادة تشريعه، وأن راية الإسلام يجب أن تسود البشر، وإن من مهمة كل مسلم تربية العالم على قواعد الإسلام.
وأتعهد بأن أجاهد فى سبيل أداء هذه الرسالة ما حييت، وأضحى فى سبيلها بكل ما أملك.
6-أعتقد أن المسلمين جميعًا أمة واحدة تربطها العقيدة الإسلامية، وأن الإسلام يأمر أبناءه بالإحسان إلى الناس جميعًا.
وأتعهد بأن أبذل جهدي فى توثيق رابطة الإخاء بين جميع المسلمين، وإزالة الجفاء والاختلاف بين طوائفهم وفِرقَهم.
7-أعتقد أن السر فى تأخر المسلمين ابتعادهم عن دينهم، وأن أساس الإصلاح العودة إلى تعاليم الإسلام وأحكامه، وإن ذلك ممكن لو عمل له المسلمون، وأن فكرة الإخوان المسلمين تحقق هذه الغاية.
وأتعهد بالثبات على مبادئها، والإخلاص لكل من عمل لها، وأن أظل جنديًا فى خدمتها أو أموت فى سبيلها(1).
عقيدة الإخوان المسلمين
فى رأى الأستاذ "أرنست رينان*
باريس
14 أكتوبر سنة 1934م
أخي العزيز
وبعد.. فبينما كنت يومًا بمسجد باريس إذ وجدت بين الجرائد المعروضة هناك "جريدة الإخوان المسلمين" التى طالما حدثتني عنها وعن رجالها وأنا بمصر.
تحت عنوان "عقيدتنا" قرأت عقائد وتعهدات صادفت فى نفسي إعجابًا وتقديرًا، وبعد دراسة عامة لهذه المبادئ وجدتها جديرة بالعرض بعد ترجمتها على الأستاذ "أرنست رينان" أستاذ الدراسات العربية والإسلامية بجامعة السوربون، وأخذ رأيه فيها، ففعلت، أخذها الأستاذ، ثم أعادها بعد أيام، وقد كتب عليها ما ترجمته:
"إن هذه الكلمات عميقة المبحث والمقصد، وهي لا شك مستمدة من نفس المنهج الذي رسمه محمد صلى الله عليه وسلم، ونجح فى تنفيذه؛ فأسس به دينًا وأمة ودولة، وقد زيد فيها بما يتناسب مع روح العصر مع التقيد بروح الإسلام".
وفى عقيدتي أنه لا نجاح للمسلمين اليوم إلا باتباع نفس السبيل التى سلكها محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه، غير أن تحقيق هذا على الحالة التى عليها المسلمون اليوم بعيد، وليس معنى هذا القنوط أو القعود عن العمل.
إنى لم أوفق إلى اليوم إلى موضوع الرسالة التى أقدمها لامتحان الدكتوراة، ولن أنكر عليك أنه كان لهذه العقيدة وتعليق الأستاذ عليها فى نفسي أثر كبير فى توجيه فكرتي فى اختيار الرسالة، وسأخبرك عن الموضوع عند اختياره.
هذا هو القسم الخاص بعقيدة الإخوان المسلمين من خطاب خاص أرسله صديقنا المفضال الأستاذ "أحمد عزت" -عضو بعثة المعارف للتخصص فى علوم النفس والاجتماع بباريس- إلى شقيقه "السيد أسعد راجح أفندي" السكرتير الثاني لمكتب الإرشاد العام بالقاهرة، وفيه يرى القراء أن الأستاذ "أرنست رينان" أعرب عن رأيه فى "عقيدتنا" بجلاء ووضوح، وقد كان صريحًا فى إبداء رأيه بقدر ما كان دقيقًا فى هذه الصراحة، وبقدر ما كان موفقًا فى هذه الدقة أيضًا، ويمكنك أن تخرج من هذا الرأي الدقيق الذى ألقى من وراء البحار فى عقيدة الإخوان المسلمين بعدة نقاط..
فأولا: "عقيدة الإخوان المسلمين مستمدة من نفس المنهج الذي وضعه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم"؛ هذا هو التعبير الفرنسي الذي استطاع الأستاذ الذي لا يتصل بالإسلام إلا بصلة العلم أن يعرب به عن رأيه، أما نحن فنقول: "من نفس المنهج الذي بعث الله به محمدًا صلى الله عليه وسلم". ومعنى هذا أن الأستاذ أرنست رينان يرى أن "عقيدة" الإخوان المسلمين إسلامية بحتة، لم تخرج عن الإسلام قيد شعرة. ولقد صدق؛ فما من كلمة واحدة فى عقيدة الإخوان إلا وأساسها كتاب الله -تبارك وتعالى-، وسنة رسوله، وروح الإسلام الصحيح، وقلِّب كل فقرة من فقراتها ما شئت؛ فلن ترى فيها إلا حقيقة إسلامية أمر بها الإسلام، ونادى بها الدين، وندب إليها القرآن الكريم، وحض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وموطن العبرة فى هذه الفقرة أن الأستاذ أرنست رينان استطاع بدقة بحثه وصفاء فكرته أن يصور الإخوان المسلمين، وأن يفهمهم ،ويفهم أنهم للإسلام وللإسلام وحده على بُعد الشقة وانقطاع الصلة فيما بيننا وبينه، على حين يظن بعض الناس الظنون بالإخوان المسلمين، ويتساءلون عن ماهية منهاجهم، وكنه مقاصدهم، ويتشككون فى عقيدتهم ومسالكهم. يا أبناء أمتنا العزيزة علينا المحببة إلينا، نحن مسلمون وكفى، ومنهجنا منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفى، وعقيدتنا مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله وكفى؛ فإن لم يعجبكم قولنا فخذوا بأقوال الأجانب عنا ومن لا يمتُّون بصلة إلينا.
إننا لا نرى مسوغًا للتشكيك فى الإخوان المسلمين بعد وضوح أمرهم ونصاعة عقيدتهم إلا أمرين لا ثالث لهما؛ إما أن هذا المتشكك لم يدرس الإسلام دراسة صحيحة تمكنه من تشرب روحه، وإدراك مراميه ومقاصدهم؛ فهو يرى فى مقاصد الإخوان ما يخرج عن روح الإسلام؛ لأنه لم يعرف من هذا الروح إلا دائرة ضيقة لا تسمن ولا تغنى من جوع، وإما أن يكون هذا المتشكك مريض القلب، سيئ الظن، غير سليم الصدر؛ فهو يتظنى ويتجنى ويتلمس للبرآء العيب، وكلا الأمرين وبال على صاحبه وهلاك للمتصف به.
ثانيًا: هذا المنهج قد استطاع به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم "أن يكون دينًا وأمة ودولة"؛ إي وربى إنه لحق؛ فهو الإسلام أفضل الأديان وأتمها، وخير الشرائع وأعمُّها، والدين الذى يشبع نِهَمَ الإنسانية الروحي، ويوفر لها ما تصبو إليه من راحة الضمير وسعادة النفس، وهو الإسلام أقوى رابطة تربط أواصر الحب فى نفوس الأمة، وتقوى علائق الوئام بين الشعوب، وتسير بالعالم سيرًا حثيثًا فى طريق الوحدة العامة التى هى أسمى مطامح المصلحين والحكماء، وأساس خير البشرية جمعاء، وهو الإسلام الذى يقيم الدولة على أصول العدل، ويبنى الحكم على قواعد تقرير الحقوق، ويعطى كل ذي حق حقه من طبقات الأمة؛ فلا مغبون ولا مهضوم، ولا ظالم ولا مظلوم؛ فما أجمل أن يدرك حقيقة الإسلام من لم يتشرفوا بعدُ بهدايته، وأجمل منه أن يذيعوا هذه الآراء فى روعة القمر ووضوح الصباح.
والعبرة فى هذا أن يسمع زعماء الشعوب الشرقية الذين أرادوا أو يريدون أن يتلمسوا لأممهم منهجًا أوفى من الإسلام ليشيدوا عليه النهضة، ويكونوا به الدين والأمة والدولة.
ثالثًا: لا نجاح للمسلمين اليوم إلا باتباع نفس السبيل التى سلكها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه. ذلك رأى الفيلسوف رينان وهو ما سبقه به ذلك الإمام الإسلامي الكبير الذي قال من قبل: "إنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها"، وقد أيدت ذلك التجارب، وأكدته الحوادث؛ فمنذ فارقت الأمم الشرقية تعاليم الإسلام، وحاولت استبدالها بغيرها؛ مما توهمت فيه صلاح أمرها، وهي تتخبط فى دياجي الحيرة، وتقاسى مرارة التجارب الفاشلة، وتؤدى ثمن هذا الانحراف غالبًا من كرامتها وأخلاقها وعزتها ومرافقها.
والعجب أنه إلى هذا الحد لم يتنبه كثير من الشعوب الشرقية إلى هذه الحقيقة الناصعة؛ فصارت تندفع فى طريق البعد عن روح الإسلام وتعاليم الإسلام غير متعظه بهذه النكبات التى تتوالى على رأس الشرق كل يوم.
إن عدة الشرق خلقه وإيمانه، فإذا فقدهما فقد كل شىء، وإذا عاد إليه عاد إليه كل شىء، واندحرت أمام الخلق المتين وأمام الإيمان واليقين قوة الظالمين؛ فليجتهد زعماء الشرق فى تقوية روحه، وإعادة ما فقد من أخلاقه؛ فذلك هو السبيل الوحيد للنهوض الصحيح، ولن يجدوا ذلك إلا إذا عادوا إلى الإسلام، واستمسكوا بتعاليم الإسلام }إِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد: 38]
رابعًا: تحقيق هذا المنهج على الحالة التى عليها المسلمون اليوم يرى الأستاذ "رينان" تحقيق ذلك بعيدًا؛ لأنه يعلم الهوة السحيقة التى أوجدتها الحوادث السياسية والاجتماعية بين المسلمين ودينهم، ويعلم أثر الوسائل الذاتية الفعالة التى استخدمها خصوم الإسلام فى إبعاد المسلمين عن الإسلام فى العصر الحديث، ويعلم أن المسلمين الآن أنفسهم صاروا حربًا على دينهم، يكسرون سيفهم بيدهم، ويُسْلِمون المدية لمن يريد ذبحهم باختيارهم، ويتصدعون بالهدم مع من يهدمون دينهم، وهو معقد رابطتهم وأساس قوتهم.
والإخوان المسلمون يعتقدون هذا ويرونه كما يراه الأستاذ، وما تصوروا حين هبوا للعمل أنهم سيسيرون فى سبيل هينة لينة؛ بل علموا ما ينتظرهم من عقبات؛ فأعدوا لذلك أنفسهم وأموالهم وعقيدتهم وإيمانهم، وانتظروا تحقيق موعود الله -تبارك وتعالى- فى قوله: }وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ [الحج: 40].
خامسًا: ليس معنى هذا القعود عن العمل: "أجل أجل.. فلن تزيدنا العقبات إلا همة، ولن تزيدنا المصاعب إلا مضيًا فى سبيل الجهاد ونحن نقرأ قول الله تعالى: }إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف: 87]. فهيا هيا أيها الإخوان المسلمون؛ فإن النصر مع الصبر، والنجاح مع الثبات، والعاقبة للمتقين.
ولكَمْ كان الأستاذ دقيقًا حين يرى أن "عقيدة" الإخوان المسلمين "عميقة المبحث والمقصد"، وحين يرى "أنها وإن زيد فيها ما يناسب روح العصر"؛ فهي "مقيدة بروح الإسلام"، وهكذا الإسلام تنتظم روحه العصور أجمع، وتشمل الدنيا وما فيها، وهكذا الإخوان المسلمون قد استطاعوا أن يستمدوا من روح الإسلام ما يوافق روح العصر، ويصوروا عقيدتهم للناس كاملة، يبدو فيها الروحان جميعًا، ولكَمْ نتمنى أن يكون فينا من ينظر إلى "عقيدتنا" تلك النظرة الفاحصة ليخرج بعدها بمثل هذا الحكم السديد.
وأما بعد.. فإننا نشكر للأستاذ الكبير أرنست رينان إنصافه، ونشكر لصديقنا الأستاذ عزت رقيق خطابه، ونبيل عمله، وجميل تأثره بعقيدتنا الخالصة للإسلام والشرق. ونسأل الله له التوفيق والتسديد(2).
المصادر
- جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية – السنة الثانية – العدد 2 – الغلاف – 26محرم 1353هـ / 11مايو 1934م.
- جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية – السنة الثانية – العدد 31 – صـ3 : 7 – 28شعبان 1353هـ / 6ديسمبر 1934م.
* أرنست رينان هو أستاذ الدراسات العربية والإسلامية بالسوربون بباريس فى ذلك الحين (1934م)، وهو حفيد رينان الكبير الناقد والمؤرخ والمستشرق الفرنسي الذي توفى 1892م.