إعداد موقع الإمام حسن البنا
انطلق الإمام البنا من قاعدة إسلامية في معالجة جميع قضايا الأمة والدولة فلم يفرق ما بين هو سياسي أو ديني أو اقتصادي واجتماعي.
فكتب في العديد من القضايا التي عاصرها وأنزلها حكمها في وقتها وفق الظروف السياسية التي تعيشها البلاد في ذلك الوقت.
كلمة الأسبوع
الفكرة القومية.... الخلاف فى مجلس النواب والشيوخ
كل يوم يقوم دليل جديد على فساد الحزبية فى مصر، وعلى سوء أثرها البالغ فى كل مرافق الحياة المصرية.
إننا أمة ناشئة، كل شىء فيها يحتاج إلى تجديد بعد هذا التحطيم الذي تناول كل شىء فى عصر السيطرة الأجنبية، والاحتلال الإنجليزي البغيض. نحن فى حاجة إلى تجديد أخلاقنا وأرواحنا وإلى وضع سياسة ثابتة لتعليمنا ناشئة أبنائنا، وإلى تقوية دفاعنا الوطني، وتكوين الجيش بكافة أسلحته، وما يتبع ذلك من معامل ومصانع ومرافق، وإلى استكمال نواحي النقص فى حياتنا الاقتصادية؛ فإن الشعب فقير والموارد محدودة والمطالب كثيرة وما خفي منها أعظم مما عرف. كل شىء فى مصر الناهضة المتوثبة يحتاج إلى عمل واثب وإلى مجهود كبير وإلى تعاون من كل القوى والمواهب، لقد برهن هذا الشعب المصري فى كل تاريخه على أنه أوفر الشعوب حيوية، وأشدها قابلية للتجديد والإصلاح لو وجد القيادة التى تدفعه إلى الغاية من غير تعويق. ولا يحول بيننا وبين القوة فى كل شىء حائل من حداثة عهد النهضة ولا من قلة الكفايات، ونضوب موارد المال، فقد تقوى هذا الشعب فى القديم، ووصل إلى حدود القوة بأقل من الوسائل التى بين يديه الآن.
إن العناصر السليمة فى مصر أوفر منها فى أى شعب آخر يريد النهوض، لكن الحائل دون النهضة والمانع من تقدم الأمة، والمعول الذى يهدم كل خير فيها، ويحطم كل عنصر سليم، شىء واحد فقط هو الحزبية البغيضة هو التفرق الشنيع، هو هذه الخصومة الحادة التى لا تبقى على شىء، هو الأنانية وحب المصلحة الخاصة الذى استولى على قادة مصر فأنساهم الأمة, وأنساهم الظروف التى تحيط بها وبهم وأنساهم التفاهم فى سبيل استغلال عناصر الخير فيها، وتوجيهها إلى العمل الصحيح، إن الفرصة مواتية لمصر فى كل ناحية فى الداخل وفى الخارج، فى الداخل شعور ملتهب وشباب متوثب واستعداد بديع للعمل واتجاه طيب للغاية وبخاصة بين المثقفين من الشباب المضحى، وفى الخارج ارتباك قام بين الخصوم ورعب مقذوف فى قلوبهم يوسع الخناق على الفريسة؛ لتفلت من يد الصياد ولتحتمي منه بما تشاء من أنواع الحماية، ولكن هذا الموقف البديع للغاية الذى أتاحه لنا القدر الموالي قد غفل عنه قادتنا كل الغفلة، وأهملوه كل الإهمال، وكيف تتخلص الفريسة وقد زاحت عنها يد الصياد؟ وهي قد حاكت لنفسها قبورا من الذلة المستكنة فى نفسها والوهم الضارب على فؤادها والشهوات المخيمة على تفكيرها والغفلة المستحكمة على بصائرها وأبصارها.
يا زعماء مصر وقادتها وحكامها وأولى الرأي فيها، ما أعظم تبعتكم بين يدي الله وبين يدي الأجيال القادمة إن ظلت الحالة على ما هى عليه الآن فأضعتم بتفرقكم واشتغالكم بخصوماتكم هذه الفرص المواتية على هذا الشعب الذي ائتمنكم على مقدراته فلم تحفظوا فيه حق أمانته.
يا زعماء مصر وقادتها وحكامها وأولى الرأي فيها، لا تزال هناك بقية من أمل وموضع من رجاء إن أردتم الإصلاح فطهروا أنفسكم من هذه الأدران، واطرحوا هذا الكبرياء الكاذب الذى يزينه لكم شيطان النفوس الجامحة، وفكروا فى مصر، واعملوا لمصر، وتعاونوا فى سبيل مصر، فإن تعلمتم ذلك فهو حظكم فى الدنيا وناجتكم فى الآخرة وإن لم تفعلوا – ولا أقول الثانية- فسيحيق بكم سوء تفريطكم، وسنحاسبكم أشد الحساب على إهمالكم، وسيدمغ تاريخكم بأشنع تهمة لوث بها تاريخ إنسان، وسنسير فى طريقنا وسنحاول أن نعمل لهذا الشعب ونسلك به مسالك الجهاد الصحيح فى سبيل استكمال حريته، واستعادة مجده والانتفاع التام بنهضته رضيتم بذلك أو وقفتم فى سبيله، ولن يدفع أمر الله دافع ولكنا نريد أن تكونوا معنا فنختصر الطريق فهل أنتم فاعلون؟
نادى الإخوان المسلمون فى وضوح وفى صراحة وفى جلاء بوجوب إلغاء الأحزاب السياسية الحالية جميعا فقد تكونت فى ظل حوادث قد انتهى أمرها، وصارت الآن هيئات أثرية لا هى جددت نفسها كما يقتضيه العصر ويتطلبه الوضع الجديد للبلاد، ولا هى سلمت الأمر لغيرها؛ ليقوم بحق هذا البلد وقيادته إلى الرقى والكمال، فكانت هذه الأحزاب علة هذا الشعب، وأكبر عائق له على النهوض. دعونا الزعماء إلى هذا وكتبنا لرئيس الحكومة؛ لعله ينهج ذلك النهج ويبدأ بحل حزبه فيكون سنة حسنة له أجرها وأجر من عمل بها، وطرق الإخوان كل باب إلى هذه السبيل، ولكن النفوس التى عاشت فى ظل الخصومة وتاجرت بها ولم تحسن بضاعة سواها عجزت عن الخير حين قدرت على الشر، وقعدت عن العمل حين أجادت المهاترة والكلام، وانحل أحد هذه الأحزاب، وانضم إلى شبيه له، ولكن ماذا عسى أن يفيد هذا فى الموقف؟ نحن نريد أن تسير الأمة كتلة واحدة إلى الأمام، إلى العمل الذي لا يحتمل التأخير ولا الإبطاء.
هل هناك فارق يفصل حدود الأحزاب القائمة بعضها عن بعض؟! رأيت تقسيم النواب فى المجلس إلى (وفدى وسعدى ودستوري ووطني) فسألت نفسي: ما الفرق بين هؤلاء جميعا؟ إن كلا منهم يقول إن حزبه يعمل لخير مصر ونهوض مصر وتقدمها، ولو سألت أحد حضرات النواب عن الفارق الذي يفرق بين حزبه وحزب غيره، لما أوضح لك فرقا جوهريا فى مبادئ ولا عقائد ولا أعمال، إذ إن ذلك غير موجود فعلا، وكل الذي يستطيع أن يقوله أى رجل حزبي فى هذا البلد: إن رئيس الحزب فلان ورئيس ذلك الحزب فلان وإن هذا يؤيد الحكومة وهذا معارض الحكومة ولابد من تأييد ولابد من معارضة؛ حتى يقوم النظام البرلماني. فسنقول لحضرته: هل إذا أخطأت الحكومة خطأ صارخا يؤيدها فيه نوابها، وهل إذا أصابت الحكومة صوابا واضحا ينقدها معارضوها؟ فإن قال: نعم قلنا: لعنة الله على الحزبية التى تبطل الحق، وتحق الباطل، وتحكم على الأعمال بأهواء الرجال وإن قال: لا، قلنا: فما قيمة الحزبية إذا ما دام التأييد والمعارضة على الإحسان والإساءة؟ يا قوم، تحرروا من هذه الأوهام الشكلية، وتخلصوا من عبث الأطفال وسلطانها الوهمي، وواجهوا الحقائق فى جرأة وفى شجاعة، وحطموا كل مظهر فارغ يقف فى سبيل النهوض الصحيح. إن كان هذا النظام الحزبي عائقا عن النهوض والعمل ومؤخرا للإنتاج الذي نحن فى أشد الحاجة إليه، ومفرقا لكلمة أمة مجتمعة لا قوة لها أمام عدوها الجاثم على صدرها إلا وحدتها واجتماعها، وهو فى الوقت نفسه لا لزوم له أبدا فإن أصول العمل والنهضة متفق عليها من الجميع. إن كان ذلك كذلك فلماذا لا تحطمون الحزبية؟ وإذا كان النظام البرلماني لا يقوم إلا على أساس الحزبية وشأنها ما عرفنا من بلاء ومصائب، فلماذا لا نستبدل بهذا النظام البرلماني نظاما نيابيا آخر نجتمع عليه كلمة أولى الرأي؟ يا قوم: إن الزمن لا ينتظركم والواجب لا يعذركم أو اتركوا المجال للعاملين.
قامت فى الأيام الأخيرة دعوة إلى الفكرة القومية، وهي دعوة كريمة ما فى ذلك شك، وخطوة إلى الإصلاح وإلى الوحدة المنشودة ما فى ذلك شك أيضا، ولكن هل تنجح هذه الدعوة؟ وعلى فرض نجاحها فهل تبقى طويلا؟ أما إن بقيت هذا الأحزاب وحدات قائمة فلن تنجح هذه الدعوة، ولن يضمن بقاؤها إن نجحت نجاحا وقتيا، فإن اعتزاز كل حزب بأنصاره، ورغبته فى سوق غيره فى تياره، ستحول دون التعاون المنشود أو دون استمراره على الأقل. فخير لهؤلاء الدعاة الفضلاء ومنهم من غير شك المخلصون الذين لا يريدون من وراء هذه الدعوة إلا الخير للبلد، خير لهم أن يضموا صوتهم إلى صوت الإخوان فى المناداة بحل هذه الأحزاب القائمة جميعا، والتفكير فى نظام نيابي يقوم على أساس الوحدة لا الفرقة والاجتماع لا التحزب ومتى توحدت الجهود فى هذه السبيل فسنصل إن شاء الله.
اجتمع مجلس الشيوخ والنواب وبدأت الجلسات بكلمات طيبة للغاية، وهي فى حلاوتها وعذوبتها كأنغام الدعوة إلى القومية والجبهة الوطنية، ولكن سرعان ما تكشفت الرغوة عن اللبن الصريح وغلب الطبع التطبع فثارت الزوبعة الحزبية بأقصى حدتها، وانتهى ذلك بانسحاب المعارضين فى كلا المجلسين ولا ندرى كيف يكون التعاون بين حضرات أعضاء المجلسين إذا كان هذا هو مظهر من مظاهره فى أول اجتماع؟ وهذا المظهر سيتجدد قطعا فى كل مناسبة ما بقيت هذه الأحزاب وحدات مستقلة، فلابد إذن من علاج واحد محتوم هو حلها، وتوحيد الأمة من بعدها، ونعتقد أن ذلك ما سيكون -إن شاء الله- إن لم يكن برضا الزعماء وتفكيرهم فسيكون بمعرفة الأمة لواجبها، وانقضاضها عمن لم يحسنوا قيادتها، ولم يعملوا لخيرها(1).
استجابة لنداء المركز العام للشبان المسلمين
إن هذه الدعوة الكريمة إلى توحيد الصفوف جمع كلمة الأمة التى أعلنها المركز العام للشبان المسلمين، لهى أمنية عزيزة طالما ترددت فى نفوس الإخوان المسلمين الذين طالبوا بها الشعب أمراءه وزعماءه غير مرة. ولئن كانت هذه الدعوة واجبة فى الأوقات العادية فما أشد وجوبها فى هذه الظروف العصيبة التى تجتازها البلاد الآن. وإنه ليسر المركز العام للإخوان المسلمين وشعبه فى جميع أنحاء البلاد الإسلامية أن يكونوا أول من يؤيد هذه الدعوة القوية المباركة، وأن يمدوا أيديهم للشبان المسلمين متكاتفين متضافرين، مهيبين بالجماعات الإسلامية والهيئات العاملة أن تستجيب لهذا النداء الكريم، وعلى الذين تصدروا لحمل أمانة القيادة فى هذه الأمة أن يعلموا أن الوقت قد آن ليقيموا الدليل على إخلاصهم وغيرتهم فى هذه الآونة العصيبة بإنكار ذواتهم متخلصين من جميع العوائق النفسية والحزازات القديمة، ويتقدموا إلى الصف تدعو هذه اللحظة التاريخية الرهيبة إلى التئامه على معنى الوحدة الصادقة التى تحفظ للبلاد كيانها وتعيد إلى مصر الإسلامية عزها ومجدها: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾[التوبة: 105](2).
اقتراح من المرشد العام
إلى الشعب العزيز - جبهة وطنية شعبية
أول أمس تحدثت على صفحات هذه الجريدة إلى رئيس الحكومة، وبالأمس تحدثت إلى الزعماء والساسة، واليوم أتحدث إلى الشعب نفسه، إلى الشعب صاحب الحق الأول والكلمة الفاصلة، وإذا حضر الأصيل بطل الوكيل.
أتحدث إلى الشعب لأقترح ناحية عملية، فقد طال بنا مدى القول، وأصبح لزاما أن نخرج من هذه الحيرة، وأن نجد الوسيلة التى تجتمع بها الكلمة، وتظهر بها إرادة الأمة، بعد أن آمنا جميعا أعمق الإيمان بأنه لا سبيل إلى النجاح إلا هذه الوحدة، وبعد أن عز علينا جميعا أن نقيم هذه الجبهة بين الهيئات والأحزاب المختلفة.
أريد أن أقترح على كل هيئة من هيئات الأمة: كهيئة المستشارين، ورجال القضاء، والمحامين، والمهندسين، والأطباء والتجار، والعمال والموظفين، ورجال الجيش، وذوي المهن الحرة.. إلخ أن تأخذ فى التجمع من الآن بعد أن فرقتها الحزبية السياسية تارة، واليأس والخمول وطول العهد بالكفاح والنضال تارة أخرى.
وأن يقوم من بينها من يدعوها إلى اجتماع وطني جامع تختار فيه كل هيئة ممثلين لها فى كل بلد من البلدان، حتى إذا دنت ساعة العمل أو ساعة الاستفتاء استطاعت الأمة أن توحد خطتها، وأن تقول كلمتها وتعلن إرادتها عن طريق هذه المجموعات التى يكون من السهل الميسور حينئذ أن تختار كل منها مندوبا عاما عنها، وأن تتألف من هؤلاء المندوبين "جبهة وطنية شعبية" لا سياسية ولا حزبية.
وليس فى هذا الاقتراح إقحام لهذه الطوائف فى الغمرات السياسية، إذ إن مهمة هذه الجبهة ستكون وطنية بحتة، والواجب الوطني حتم على كل أبناء الوطن، بل إن هذا فى الحقيقة إنقاذ لهذه الطوائف من هوة السياسة الحزبية المفرقة إلى بحبوحة الفكرة الوطنية المجردة.
ولست أجهل أن مثل هذا الاقتراح الآن قد لا يتفق مع الأوضاع السياسية الشكلية فى مصر، من وجود الدستور والبرلمان وقيام الأحزاب والهيئات، ولكنى أحب أن نواجه الحقائق، وألا تحول الشكليات بيننا وبين لب الأمور وصميمها.
فالحقيقة التى يشعر بها كل مواطن الآن أن زمام القيادة الشعبية قد أفلت من يد الأحزاب السياسية، وأن الانتخابات لم تعد توصل إلى معرفة إرادة الأمة معرفة حقيقية، وأن الخلاف بين الزعماء لم يعد على المناهج والآراء، ولكن على الأشخاص والأهواء، ولم تعد الأمة تحتمل الدوران فى هذه الحلقة المفرغة من الأوضاع السياسية الفاسدة التى لا تنتهي إلى شىء.
والفرصة السانحة الآن لا يمكن أن تعوض، والقضية المطروحة ليس قضية حزب أو هيئة أو جماعة أو حكومة أو إصلاح داخلي جزئي، ولكنها قضية مستقبل هذا الوطن وحريته، فلا يصح بحال أن ينفرد بالإفتاء والحكم فيها نفر من الناس كائنا من كان.
ولقد تألفت جبهة سنة 1936 من الزعماء وحدهم، فأنتجت معاهدة الشرف والاستقلال التى ما زلنا نكتوى بنارها إلى الآن، ولكنا فى سنة 1946 نريد أن نستفيد من الماضي، فلا تكون الجبهة جبهة الزعماء فقط بل جبهة الزعماء والشعب من ورائهم يرقبهم ويحاسبهم.
ولست أقصد بهذا الاقتراح أن تقم هذه الجبهة الشعبية للعمل وحدها توا، ولكنى إنما قصدت إلى أن تتكون وتتألف من الآن؛ لتكون دافعا لهؤلاء الزعماء إلى الوحدة ورقيبا عليهم بعد ذلك إذا ما عرضت معاهدة أو وضعت خطة لجهاد.
وقد تختلف هذه الأحزاب كلها عن العمل المنتج المجدي فى ساعة العسرة، فتكون هذه الجبهة بمثابة قيادة احتياطية تنفخ فى البوق، وترفع الراية التى نكسها الساسة والزعماء، وتقود الكتيبة التى تخلف عنها قوادها، ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾[الروم: 4-5](3).
فى بيان رئيس الحكومة بمجلس النواب
عن الحالة الحاضرة
ثلاثة أمور وضحت فى بيان رئيس حكومة مصر عن الحالة الحاضرة بمجلس النواب خلال هذا الأسبوع:
أما الأمر الأول: فهو أن مصر مستعدة كل الاستعداد للمساهمة بكل ما تستطيع فى سبيل إقرار السلام العالمي، وعودة الطمأنينة إلى قلوب البشر الواجفة الهالعة المضطربة. ولا شك أن ذلك فى الواقع هو شعور كل مصري بل كل إنسان فى العالم، ولا شك أن رئيس الحكومة حين أعلن هذا قد عبر عن خوالج النفوس فى أمته كلها، ولكن الذي نريد أن نلفت إليه النظر، ونحذر منه الشعب والحكومة معا أنه ليس معنى هذا أن تكون هناك تسوية ما –إذا فكرت الدول فى التسوية- على حساب المصالح المصرية فإن مصر حريصة على مصلحتها وعلى كرامتها، ويجب أن يكون ذلك مفهوما عند كل من تحدثه نفسه استضعافها أو الطمع فى التدخل فى شأنها. ونريد أن نقول: إن مقتضى حرص الحكومة المصرية على السلام العالمي يفرض عليها ألا تنساق وراء إنجلترا انسياقا أتوماتيكيا فى خصومة من تخاصم، وعداوة من تعادى؛ بل عليها أن تكون لنفسها رأيا مستقلا، وأن يكون لها تفكير مستقل عماده مصر، ومصالح مصر، وأن تقدم النصيحة للإنجليز إذا استدعى الأمر ذلك، فلا نرضى لأنفسنا ولا لحكوماتنا أن يفنى وجودها أمام قوة الإنجليز، وأمام الذعر من الموقف الحاضر.
والأمر الثاني الذي وضح فى بيان رئيس الوزراء: فهو أن مصر تعمل كل الطاقة بل فوق الطاقة للدفاع عن نفسها، وإعداد وسائل هذا الدفاع، ولا شك أن ذلك هو أول الواجبات على أمة فى فجر نهضتها تريد أن تحافظ على استقلالها، وتستعيد سالف مجدها وتتبوأ مكانها اللائق بها بين الأمم. ولقد أثبتت مصر أنها فوق المحن والحوادث وأنها كانت تخرج من كل محنة خروج الذهب صافيا نقيا بعد أن صهرته وطهره السبك، ولا ينقص الشعب المصري إلا أن يوجه توجيها صحيحا، وتنفخ فى إيمانه روح مخلصة؛ فإذا هو أسرع الشعوب إلى القوة والجد والعمل.
فعلى الحكومة المصرية أن تستعد استعدادا حقيقيا ودائما وألا يكون استعدادها هذا قاصرا على استيراد الذخائر والأسلحة والعتاد من المصانع الأجنبية، فإنها ما دامت كذلك ستظل تحت رحمة غيرها، ولكن عليها أن تنتهز الفرصة وتفكر فى المصانع والمواد.
لقد أثبتت التجارب أن الحديد موجود فى مصر بكميات هائلة، وأنه من أجود -إن لم يكن أجود الحديد فى العالم فيجب أن يدرس هذا حالا، ويوضع موضع التنفيذ، وإن مصانع الأسلحة لا يقف المال فى سبيلها عقبة بالصورة التى يتحدث عنها رجال التقارير واللجان. فإننا ننفق كثيرا فى توافه الأمور مما يكفي بعضه لكثير من المصانع التى نحن فى أشد الحاجة إليها، ولعل أكبر عقبة فى سبيل إنشاء هذه المصانع هى مصلحة المنتج الإنجليزي التى تستتبع مصلحة بعض الجيوب النفعية، ولو طهرت الأيدي، وسلمت الضمائر، وصحت العزيمة لهان كل شىء، ورأينا عشرات المصانع فى مصر، وحينئذ نكون قد استعددنا استعدادا صحيحا مركزا على فكرة الاستقلال الصحيح.
هذا من حيث الاستعداد العسكري.
أما من حيث وقاية المدنيين فنحن لا نريد الوقاية إلا للنساء والشيوخ والأطفال، أما هذا الشباب المصري فيجب أن يستفيد من هذا الدرس، ويجب أن يدخل مدرسة الحرب، ويجب أن يواجه شدائدها ولأواءها، ويجب أن يتطهر من خمول طال أمده، ومن رخاوة قضت على كل معانى الرجولة الصحيحة فى النفوس المائعة التى لم تحسن غير الترفه والاستمتاع فلنترك هذا الشباب ليكافح ويدفع عن نفسه أو ليمت كريما فى الميادين لا فى المخابئ، والجحور، فتلك موتة الأنذال، وإن من حرص على الموت وهبت له الحياة يجب أن يكون كل قادر جنديا تحت السلاح، وعلى الحكومة أن تجهز الأمة على هذا الأساس فتمد كل قادر فيها بما يمكنه من ذلك فى ساعة الخطر.
والأمر الثالث الذى عرض له بيان رئيس الحكومة: هو أن مصر قد أخذت من إنجلترا التأكيدات اللازمة أنها ستمدها بالقوات المختلفة التى تكفل تعاون الجيشين على رد كل عدوان، وليس ذلك مما يسر بل هو مما يؤسف، وإذا كان ذلك يبدو فى مظهر الضرورة الآن فعلينا أن نفهم هذا، وألا نترك أنفسنا دائما مضطرين، فنحن نريد أن نعتمد على أنفسنا قبل أن نعتمد على أية دولة كائنة ما كانت، إننا نريد أن ندعم هذا الاستقلال فى كل النفوس، وفى كل النواحي، وفى كل مظاهر الحياة، وأن المصرين لا تعوزهم الوضعية وهم الذين جاهدوا فى سبيل استقلالهم وقدسوا لذلك الدماء والأرواح والأموال ولا يعوزهم العدد فهم كثير بحمد الله، ولا يعوزهم البرهان فقد أقاموا الدليل على ذلك فى كل أدوار تاريخهم المجيد، وكم هزموا من جيوش وحطموا من أساطيل وردوا عن بلادهم عدوان المعتدين.
ولا يمكن أن يتصور مصري أن بلده يهاجم من عدو أجنبي كائنا ما كان، ثم يسكت على هذا العدوان أو يبخل بدمه وروحه فدية لإنقاذ الوطن العزيز، وإن الإسلام ليفرض على كل مسلم أن يجاهد المعتدين الطامعين فى بلده باليد والسيف والمال واللسان، ومن قصر فى ذلك فهو آثم فار لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا. فعلى حكومة مصر ألا تستضعف شعبها وألا تتجاهل أو تجهل ما فى مصر من خير وحيوية وأن تعتمد على نفسها وتثق بالله.
نريد بعد هذا أن نقول: ألم يأن للحكومة وللمترفين من أعيان هذا البلد ورؤوسه أن تخشع قلوبهم لذكر الله بعد هذا الدرس القاسي؟ وأن يفكروا فى العودة إلى حمى الله الذى لا تنتهك حرماته، ولا يضيع من احتمى ولا يضل ولا يشقى، فيجددوا بالله أيمانهم ويحسنوا به صلتهم، ويتقربون إليه بطاعته، ويبتعدون عن الإسراف فى معصيته والجرأة على حرماته، ويسيروا بهذا البلد على ضوء القرآن الكريم إلى الصبغة الربانية فى كل مظاهر حياته ﴿صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً﴾[البقرة: 138] وحينئذ ينزل عليهم النصر من كل مكان، ويرجون من الله مالا يرجو غيرهم من أهل الكفر والعدوان، ويتحقق لهم وعد الله تبارك وتعالى فلا يغلبون ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِىٌّ عَزِيز*الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِى الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُور﴾[الحج: 40-41] نرجو أن يكون ذلك والأمر لله(4).
حول قانون القرعة العسكرية
فى مجلس الشيوخ
اعترض الشيوخ المصريون على قانون القرعة العسكرية، وردوه على الحكومة المصرية.
لماذا؟ لأنهم يريدون جيشا كثير العدد، قوى الروح كريما محترما؛ يحمى الذمار، ويدفع العار، ويصون الاستقلال، وقانون القرعة كثير الإعفاءات كثير الامتيازات كثير الاستثناءات لا يوصل إلى هذه الغاية.
هكذا قال الشيوخ المصريون، وهكذا سلم لهم معالي وزير الدفاع بكل هذه النظريات، وبأن الحكومة هى الأخرى تريد هذا الجيش، وتعمل على وجوده بالتدريج، ويعتقد أن كرامة الدولة فى قوة جيشها.
جميل جدا -يا حضرات السادة المحترمين من مشرعين وحاكمين- والإخوان المسلمون يشاركونكم هذه الرغبة؛ بل إن نفوسهم لتلتهب شوقا إلى ذلك اليوم الذي يكون فيه كل مصري جنديا.
والإخوان المسلمون لهذا يريدون أن يولوكم على أقرب السبل وأهون الطرق وأيسر الوسائل؛ ليكون هذا الجيش القوى. القوى بروحه القوى بمعنوياته القوى بعدد وعدده. القوى الذي لا يغلب ولا يقهر لأنه يستمد النصر من السماوات وتقاتل معه الملائكة المقربون.
نريد أن ندلكم على هذا الجيش الذي تستطيعون لو أخذتم برأينا أن تحصلوا عليه فى أقرب الأوقات بأيسر النفقات.
ذلك أن تثيروا فى نفوس هذا الشعب روح الإيمان، وتجندوه باسم القرآن الكريم وفى سبيل الإسلام الغالي، تحت لواء محمد صلى الله عليه وسلم .
حينئذ تجدون هذا القروي الفقير المسكين قد جهز نفسه ولا يحتاج منكم تجهيزا، وأقبل إليكم سعيدا مسرورا يعرض دمه الغالي فى ساحة الجهاد الكريم لا يطالبكم بجزاء ولا شكور.
أيها المصريون، أيها الشيوخ المحترمون، وأيها الحكام المسيطرون، إن بين أيديكم كنزا ثمينا وطريقا مستقيما ووسائل معبدة، وإن الأمم الأخرى، والحكومات الأخرى لو أخرجتها وسائل الإقناع والتشويق إلى الجندية والجهاد، فذهبت تغرى أبنائها باللبن والعسل والجيش الميكانيكي المسرع والملابس اللامعة البراقة والمجد الحربي المشرق، وما إلى ذلك من المغريات التى تستخدمها دول الغرب فى هذه الأيام.
فالآن بين أيديكم أنتم ما هو أصدق من هذا، وأسمى وأقوى أثرا وأعظم نفعا وأكبر إقناعا وأشد قيادة للنفوس الجامحة والشهوات المتمردة، بين أيديكم الجهاد فى الإسلام، والنغم العذب المشجى من آيات القرآن الكريم، فهلا لجأتم إلى الإسلام فآمنتم به، واستمسكتم بتعاليمه وحملتم الشعب عليه، وجندتم الأمة جميعا تحت لوائه.
أى مسلم يسمع قول الله تعالى ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[التوبة: 42] ثم يقعد فى بيته ولا يمضي مع المجاهدين!
وأي مسلم يسمع قول الله تعالى ﴿فَلْيُقَاتِلْ فِى سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ وَممَن يُقَاتِلْ فِى سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾[النساء: 74]ثم لا يطمع فى هذا الأجر فيقاتل ويشترى الآخرة بهذه الدنيا الفانية!
وأي مسلم يسمع قول الله تبارك وتعالى ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾[الأنفال: 60]ثم يقعد عن تجهيز نفسه وإعداد عدته!
وأي مسلم يسمع قول الله تبارك ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِى سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ*وَلاَ يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[التوبة: 120-121] ثم لا يحتمل كل شدة ونصب ونفقة فى سبيل الله وفى انتظار أجره ومثوبته!
أيها الحكام المسلمون: كونوا مسلمين حقا، وأسمعوا الناس هذا النغم العذب من كتاب الله؛ تستثيروا من حماسة النفوس ما خمد، وتحيوا من كرائم الضمائر ما كاد يموت.
يقولون: إن فرنسا مدينة بنصف انتصاراتها وحماسة أبنائها للمارسليز، وأنا أقول لكم إن أثر هذا المارسليز لن يكون شيئا مذكورا أمام ما يبعث هذا النغم الحلو فى نفس المسلم من حماسة وصدق وإخلاص، وفناء فى الجهاد ولست أوازن بين هذا وذاك وكلن أذكركم والذكرى تنفع المؤمنين.
إلى القرآن أيها الناس، إلى كتاب الله الكريم، إلى الصف المحبوب ترفرف عليه راية النبوة وتظلل رأس قائده المؤمن تأييد الله ونصره، ويساير جنده الموفق جبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير(5).
إلى معالي قائد الجيش المرابط
حضرة صاحب المعالى القائد العام للجيش المرابط:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد: فتعلمون أن فكرة الإخوان المسلمين نشأت منذ أكثر من عشر سنوات، وقد تلقاها شباب مصر المباركة بقبول حسن، وانتظم فى سلكها العدد الكثير منهم فى المدن والقرى والجامعتين الأزهرية والمصرية.
وتعلمون أن هذه الفكرة تستمد أصولها من تعاليم الإسلام السامية الصحيحة البعيدة عن الذلة والضعة والخمول والجمود، والتي تفرض الجهاد العملي فريضة لازمة على كل مسلم؛ بل ومسلمة كذلك عند الاقتضاء، ولهذا كان كل أخ مسلم يشعر بهذا الواجب وبقدره، ولهذا شرع الإخوان المسلمون منذ مدة طويلة فى تكوين فرق الجوالة ورهوطها، وألحقوها بجمعية الكشافة الأهلية؛ حتى تسير فى حدود نظام موضوع مرضى عنه من الجميع، وقد انتشرت هذه الفرق فى شعب الإخوان، وصارت تضم خيرة شباب البلدان التى تكونت فيها؛ بل لا أكون مبالغا إذا قلت: إن كل عضو فى جماعة الإخوان المسلمين جوال مجاهد يحكم إيمانه بفكرته وإن لم يرتد ثياب الجوالين.
وكان أن وفق الله الحكومة إلى الاهتمام بتربية الشعب، تربية عسكرية تنفعه فى وقت السلم والحرب على السواء، ووقع الاختيار على معاليكم؛ لتنهضوا بعبء هذه الفكرة، فانتظر الإخوان خيرا من وراء هذه الحركة القومية وسألوا الله أن يجنب هذا المشروع عواصف السياسة الحزبية ونزعات الأهواء الشخصية.
ويستطيع الإخوان المسلمون أن يساهموا فى هذا المشروع الجليل على النحو الآتي:
أولا- بما أن فرق الإخوان كثيرة وقوامها عمال، وصناع، وزراع، وموظفون لا يستطيعون أن يغادروا أماكن عملهم إلى المعسكرات البعيدة فى حين أنهم يستطيعون المواظبة على التدريبات فى البلدان التى هم فيها، وهم منظمون، وعندهم ملابسهم، وأدواتهم، ومعداتهم، وهم بهذا الاعتبار خير نواة يعتمد عليها الجيش المرابط فى انتشار فكرته بين أبناء الشعب.
وعلى ذلك فإن فى وسع إدارة الجيش المرابط أن يعتبر هذه الفرق داخلة فى حدود إشرافها، وأن تمدها بما ينقصها من الإرشادات والأدوات والنظم والتدريبات.
ثانيا- الإخوان من الطلبة والموظفين الذي يتمتعون بأجازات طويلة يستطيعون أن يلتحقوا بالمعسكرات البعيدة طول هذه الأجازات.
ثالثا- فى الإخوان كثير من الموظفين قد خالطوا جميع الأوساط، وتقلبوا فى معظم بلاد القطر المصري وأفادوا من ذلك تجارب كثيرة، ولهم من إيمانهم وغيرتهم ومواهبهم ما يؤهلهم لأن يكونوا خير أعوان عاملين مع رجال هذا المشروع، فإذا رأيتم انتدابهم من مقار وظائفهم للعمل فى خدمة هذا الجيش فهم على استعداد لذلك لا يريدون من ورائه ترقية مادية ولا أدبية وإنما حسبهم أداء الواجب وكفى.
بهذه الوسائل الثلاث وبكل وسيلة ممكنة يستطيع الإخوان المسلمون أن يساهموا فى خدمة مشروع الجيش المرابط وقد انتدب مكتب الإرشاد وكيله الأستاذ أحمد أفندي السكرى والأخ عبد العزيز أفندي أحمد سكرتير عام جوالة الإخوان المسلمين للاتصال بمعاليكم فى هذا الشأن، والله نسأل أن يوفق الجميع لخير هذا الوطن العزيز.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(6)
حول قرض القطن
منذ يومين أذاع دولة رئيس الوزراء نداء على الأمة، يدعوها فيه إلى المساهمة فى اكتتاب قرض القطن، كما نشرت الجرائد اليوم أن هذا القرض قد غطى فعلا.
نحن أمة مسلمة يحرم عليها كتابها الربا ويقول فى صراحة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِىَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ*فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ﴾[البقرة: 278-279] ويقول فى آية أخرى: ﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾[البقرة: 275] والآيات والأحاديث فى ذلك أكثر من أن تحصر.
ويوم حرم الإسلام الربا هذا التحريم القاطع لم يحرمه تحكما فى أموال الناس، ولا تعطيلا لمصالحهم، ولكنه حرمه لما يترتب عليه من المضار الاقتصادية والاجتماعية، ولما يحمله من معنى المساومة على العاطفة الإنسانية، والأخوة بين البشر بدراهم معدودات.
ونحن نحاول أن نعود ما استطعنا إلى تعاليم هذا الدين الحنيف، ونتمسك بقواعده وأصوله حكومة وشعبا، ونتملص من آثار التفكير التقليدي، تفكير السير وراء الأساليب الغربية وحدها، وعلاج مسائلنا الاجتماعية وشئوننا الحيوية بغير نظر إلى حرام أو حلال.
وأولى الناس بذلك الحكومة لأنها القديرة، والناس لها تبع فإذا سهل لديها الحرام فهو على الناس أسهل، وإذا دفعتهم إليه دفعا –وهم له محبون- كانوا إليه أسرع، وعليها كما عليهم الإثم، ومن دعا إلى ضلالة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا.
وهناك أمور كثيرة تحمل طابع الربا وصورته فى التعامل بين الحكومة والجمهور، وتستطيع الحكومة أن تتملص من هذا الطابع البغيض بمجهود يسير لو كلفت نفسها عناء البحث.
ففى بنك التسليف، وفى الجمعيات التعاونية، وفى هذا القرض وأمثاله صورة من هذا، ولا شك أننا حريصون كل الحرص على المنافع التى تعود على الناس من وراء هذه الأعمال، ولا شك فى أن بنك التسليف وجمعيات التعاون خير من التعامل بين المرابين بالربا الفاحش والفلاح المسكين، ولاشك أن قرض القطن سينقذ الآلاف من المنتجين والتجار، ولكن ما الذى يمنع من التفكير فى أن توضع هذه العمليات الاقتصادية فى صور شرعية كأن تعتبر فوائد بنك التسليف أو الجمعيات التعاونية نفقات للموظفين والعاملين بالبنك، وتحتسب على هذا الاعتبار حسابا دقيقا يتراضى عليها الطرفان كما تعتبر سهوم القروض سهوما فى شركات مثلا؟!
وإذا كانت بعض الدول المعاصرة قد لمست أضرار الربا فحرمته بتاتا تحريما قانونيا، فكيف لا تفعل ذلك حكومة دينها الإسلام وكتابها القرآن؟
أنا لا أدعى أننى بهذه الكلمة قد حللت المشكلة، ولكن الذي أدعو إليه أمرين أولهما: أن تشعر الحكومات شعورا قويا بأن من واجبها ألا تحمل الأمة على ما يتنافى مع عقائدها وأحكام دينها وأن تخلع ثوب التقليد وتفكر فى الأمور بروح جديد هو روح الاستناد إلى الإسلام، وثانيهما: ندب أهل الخبرة فى الشرع والاقتصاد للدراسة الدائبة المنتجة التى تنتج التوافق بين ضرورات التعامل وأحكام الدين(7).
حول قرض القطن
جاءتنا هذه الكلمة من الأستاذ المفضال الشيخ محمد أحمد عثمان بجمعية مكارم الأخلاق الإسلامية معقبا على الكلمة السابقة حول قرض القطن، وقد عقب عليها الأستاذ المرشد العام بكلمة أخرى ننشرهما معا.
حضرة صاحب الفضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد: فإنى أحمد الله إليكم الذي ألهمكم وأعانكم على إخراج جريدة يومية تذودون فيها عن الحنفية السمحة وحقوق الوادي. تلك الصحيفة التى لا أستريح يوميا حتى أتصفح ما فيها، ولقد حدثتني نفسي أن أهنئ ثم حالت مشاغلي دون التهنئة فى حينها معتقدا أن هذا واجب المسلمين جميعا وأن كل فرد منا جدير أن يهنأ على هذا الخبر العظيم.
واليوم وفى الصفحة الثالثة من جريدتنا الغراء رأيت مقالكم (حول قرض القطن) صدره تتفجر منه ينابيع الحكمة ويحوطه النور السماوي، وخاتمته دفعتني إلى التحرير إذ تقررون فضيلتكم (إن قرض القطن سينقذ الآلاف من المنتجين والتجار، ولكن ما الذي يمنع من التفكير فى أن توضع هذه العمليات الاقتصادية فى صور شرعية كأن تعتبر فوائد بنك التسليف أو الجمعيات التعاونية نفقات للموظفين والعاملين بالبنك وتحتسب على هذا الاعتبار حسابا دقيقا يتراضى عليها الطرفان كما تعتبر سهوم القروض سهوا ما فى شركات مثلا).
هذه الجملة -يا سيدي الأستاذ- أوقفتني وقد يكون قصوري عن فهمها هو السبب لأننا جميعا نعلم أن قروض القطن وغيره لها فوائد من الحكومة ربحت عملية التسليف على القطن أم لم تربح، وسواء باعت الحكومة القطن بأقل من الثمن المقرر له أم لا، وفى بعض الصور التى اشترطتها الحكومات السالفة جعلت حصة للمساهم فى الربح الكبير، وليس للحكومة الرجوع عليه فى حالة الخسارة.
فالعملية من أساسها باطلة ولا يصح لحكومة ينص دستورها على أن دين الدولة الرسمي الإسلام أن تقدم عليها فضلا، عن دعوة الأمة إلى مشاركتها فى هذا الإثم.
أما الزعم بأن هذه العملية ستنقذ الآلاف من المنتجين والتجار فهو يتنافى مع القرآن الكريم: ﴿وَمَن يَّتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ﴾[الطلاق: 2-3] .
أما طريقة الاعتبار الفرضي الذي ورد فى المقال فإنى لم أتفهمه على وجهه، إذ كيف يسوغ لى أن أفرض أن الليل قائم مع وجود الشمس ساطعة تلهب حرارتها الآذان؟ وهل يكفي –يا سيدي- الأستاذ أن يرضى الطرفان عن طريقة ما حتى يصبح الحرام الخالص حلالا؟
الذي كنت أنتظره من أستاذنا المرشد العام أن يوجه الحكومة وجهة أخرى، وذلك بإيجاد شركة مساهمة لابتياع القطن من المزارعين، وتصريفه على أن توزع أرباح هذه الشركة أو خسارتها على المساهمين على غرار شركة المضاربة المعروفة فى كتب الفقه.
ثم الذي آلمني أكثر وهو لا شك يؤلم كل محب لفضيلتكم قولكم: (ولا شك أن بنك التسليف وجمعيات التعاون خير من التعامل بين المرابين بالربا الفاحش والفلاح المسكين) فهل يسمح لى سيدي الأستاذ أن أفهم أن فضيلته يجيز الربا القليل لأن المقال صريح فى أن التعامل مع بنك التسليف خير من التعامل مع المرابين بالربا الفاحش؟
أملى كبير أن يفصح فضيلة الأستاذ عن رأيه وأن نرى جريدة الإخوان وهي من الألسنة الناطقة بالمبادئ الإسلامية وقافة عند حدود القرآن الذي اتخذناه جميعا شعارا لنا.
ومع إجلالي وإكباري لفضيلتكم أرجو أن تتفضلوا بقبول فائق احتراماتي.
محمد أحمد عثمان – جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية بالقاهرة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
قرأت الكلمة الطيبة التى عقب بها الأخ المفضال الشيخ محمد أحمد عثمان على كلمتي حول قرض القطن، وإني لأتقبل نصيحته، وأشكر لحضرته غيرته، وأتمنى أن يوفقنا الله جميعا لخير أنفسنا فى الدين والدنيا، وأضع بين يديه ويدى القراء هذا التعليق اليسير، ذلك أن الغرض الذى رميت إليه من كلمتي كما لخصته فى نهايتها، إنما هو لفت نظر الحكومة إلى الخروج من حيز التقليد وحجابه الغليظ فلا نكون أسرى لما نتلقى عن الغرب بغير نظر أو تبصر، ثم دراسة هذه الشئون دراسة دقيقة تخلص الأمة المؤمنة بدينها من الحرج الشديد الذى تلقاه، ولم أقصد إلى تحليل الموضوع تحليلا علميا دقيقا إذ إنها مهمة تحتاج إلى اختصاص، ونسأل الله أن يوفقنا مع أهل الاختصاص بهذا الأمر لهذه الدراسة من شرعيين أو اقتصاديين هذه واحدة، والثانية أن ما أشار إليه فضيلة الأستاذ الشيخ عثمان من إنشاء شركة للقطن هو بعض ما قصدته بأن يكون القطن سهوما فهو يخصص وأنا أعمم ونحن ملتقيان، أما أمر بنك التسليف فالذي أقصد إليه أن تحسب النفقات التى يتكلفها البنك، وتضاف هذه النفقات على القروض بنسبتها على أنها نفقات لا فوائد، وأظن أن ذلك ليس فيه شىء من الربا، وإذا عمدت الحكومة إلى اعتبار البنك خدمة عامة كان ذلك أطيب وقد فعلت ذلك بعض الحكومات الأجنبية، فالحكومة الإسلامية أولى وأحق.
أما تحليل القليل من الربا فلا أذهب إليه بحال بعد أن حددت الآية الكريمة التحديد الذي لا يدع مجالا للاجتهاد بعد النص: ﴿فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ﴾[البقرة: 279] وكل ما يمكن أن يقال: إن هناك صورا من التعامل قد لا تنطبق عليها أحكام الربا فهذه ليست فى موضع البحث.
وأختم هذا التعقيب بما بدأنا به من شكر الأخ المفضال الشيخ عثمان وتقدير نصحه، والله أسأل أن يعيننا على النهوض بهذه الأعباء وهو المستعان(8).
سيناء والسودان
لا ندرى إلى متى يظل الساسة فى مصر على جهل تام بالحقائق القريبة، بل القريبة جدا التى يجب أن تكون أول المقررات التى تدرس للطلبة فى المدارس؟
وما ندرى إلى متى نظل مخدوعين بالتعاليم الاستعمارية التى شوهت الحقائق بين أيدينا، وتعمدت إخفاء الكنوز الدفينة المنثورة فى كل مكان من هذا الوطن الغنى القوى العزيز؟
ولا زلنا نذكر السورة الطويلة العريضة التى حفظناها -ونحن طلاب- من كتاب المستر هنري مارون عن مصر والسودان من أن مصر بلد زراعي، ولا يمكن أن تقوم فيه الصناعات لعدم ملاءمة جوها، ولخلوها من الخامات اللازمة والمواد الأولية الضرورية للنهوض الصناعي إلى آخر هذه الأقصوصة التى كذبها الواقع أوضح تكذيب.
أكتب هذا بمناسبة ما ورد فى بيان صدقي باشا على لسان أحد الساسة المصريين عن التعبير عن سينا المباركة بلفظ برية سيناء، ووصفها بعد ذلك بأنها أرض قاحلة ليس فيها ماء ولا نبات إلا أربعة بلاد جعلت للتموين وقت اللزوم.
وقد أثار هذا المعنى فى نفسى سلسلة من المحاولات التى قام بها المستعمرون منذ احتلوا هذه الأرض؛ ليركزوا هذا المعنى الخاطئ فى أدمغة السياسيين المصريين، وفى أبناء سينا أنفسهم، فأخذوا يقللون من قيمتها وأهميتها، ويضعون لها نظاما خاصا فى التعليم والتموين والحكم والإدارة، ويحكمها إلى العام الماضي فقط محافظ إنجليزي يعتبر نفسه مطلق التصرف فى كل مقدراتها، ويجعلون الجمرك فى القنطرة لا فى رفح إيذانا بأن ما وراء ذلك ليس من مصر حتى صار من العبارات المألوفة عند أهل سينا وعند مجاوريهم من المصريين أن يقال هذا من الجزيرة، وهذا من وادى النيل كأنهما إقليمان منفصلان.
مرت بنفسي هذه الخواطر جميعا فأحببت أن أنبه الساسة الكبار والساسة الصغار وأبناء هذا الشعب إلى الخطر الداهم العظيم الذي تخفيه هذه الأفكار الخاطئة، ولا أدرى كيف نقع فى هذا الخطأ الفظيع مع أن القرآن الكريم نبهنا إليه و لفت أنظارنا إلى ما فى هذه البقاع من خير وبركة وخصب ونماء؟ وأنها إنما أجدبت لانصرافنا عنها وإهمالنا إياها فذلك قوله تعالى: ﴿وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلآََكِلِيِن﴾[المؤمنون: 20]
إن سيناء المصرية تبلغ ثلاثة عشر مليونا من الأفدنة أى ضعف مساحة الأرض المنزرعة فى مصر، وقد كشفت البحوث الفنية فى هذه المساحات الواسعة أنواعا من المعادن والكنوز فوق ما كان يتصور الناس، واكتشف فيها البترول حديثا، ويذهب الخبراء فى هذا الفن إلى أنه فى الإمكان أن يستنبط من سينا من البترول أكثر مما يستنبط من آبار العراق الغالية النفيسة، وأرض سيناء فى غاية الخصوبة وهى عظيمة القابلية للزراعة، وفى الإمكان استنباط الماء منها بالطرق الارتوازية وإنشاء بيارات يانعة على نحو بيارات فلسطين تنبت أجود الفواكه وأطيب الثمرات، وقد تنبه اليهود إلى هذا المعنى ووضعوه فى برنامجهم الإنشائي وهم يعملون على تحقيقه إذا سنحت لهم الفرص، ولن تسنح بإذن الله.
فمن واجب الحكومة إذن أن تعرف لسيناء قدرها وبركتها ولا تدعها فريسة فى يد الشركات الأجنبية واللصوص والسراق من اليهود، وأن تسرع بمشروع نقل الجمرك من القنطرة إلى رفح، وأن تقيم هناك منطقة صناعية على الحدود. فلعل هذا من أصلح المواطن للصناعة، ويرى بعض المفكرين العقلاء أن من الواجب إنشاء جامعة مصرية عربية بجوار العريش تضم من شاء من المصريين، ومن وفد من فلسطين وسورية والعراق ولبنان وشرق الأردن وغيرها من سائر أوطان العروبة والإسلام، ويرون فى هذه البقعة أفضل مكان للتربية البدنية والروحية والعقلية على السواء.
وحرام بعد اليوم أن تظن الحكومة أو يتخيل أحد من الشعب أن سيناء برية قاحلة لا نبات فيها ولا ماء فهى فلذة كبد هذا الوطن ومجاله الحيوي ومصدر الخير والبركة والثراء، ونرجو أن يكون ذلك كله بأيدينا لا بأيدي غيرنا.
ولقد امتد إهمالنا لهذا الوطن العزيز، وانصرافنا عن دراسة الحقائق عن طبيعته ووضعيته إلى الجزء الجنوبي منه (السودان) بعد الجزء الشرقي (سيناء) فسمعنا دولة رئيس الحكومة فى بيانه يعرض للسودان فى موضعين، ويمر به فيهما مرورا خاطفا، ولكن يضم تحته كثيرا من المعاني التى تحتاج إلى تفكير، فيقول فى الموضع الأول فى صدد المحالفة والمعاهدة وإنها للحصول على جلاء عاجل: "ولتسوية مسألة السودان على قواعد الشرف والكرامة مع ضمان مصالح إخواننا السودانيين". وهنا نرى أن صدقي باشا مازال يسترسل مع النغمة الإنجليزية التى تفرق بين مصر والسودان، وتجعل منهما شعبين مختلفين ووطنين متباينين لكل منهما مصالحه الخاصة به، وذلك فهم عريق فى الخطأ ومصر والسودان وطن واحد وشعب واحد ومصالح السودانيين هى مصالح المصريين تماما، وإذا كان السودانيون يرون أن نقوم فى بلدهم حكومة سودانية داخلية تحت التاج المصري فليس ذلك منهم إلا مراعاة لبعض الأوضاع الخاصة فى السودان، كما تبيح الحكومة المصرية للقبائل العربية فى مصر أن يكون لها مشايخ منها لهم وضعيتهم الخاصة وتقاليدهم الخاصة ولا يقال: إن لهم بذلك مصالح تختلف عن مصالح الوطن العامة.
ويقول فى الموضع الثاني: "ومصر الحريصة على كرامتها واستقلالها وحقوقها فى النيل تعلم هى الأخرى مبلغ الفائدة لها من مصادقة دولة عظمى كبريطانيا". وهذا كلام يحتاج إلى تفكير حقا، فماذا يقصد دولة الباشا بحرص مصر على حقوقها فى النيل؟!
إن مصر لا تحرص على وحدة الوادي لمجرد حصولها على ما تحتاج إليه من هذا الماء، كما لا تحرص على الإسكندرية مثلا لأنها ميناؤها على البحر، فهذا التفكير المادي البحت بعيد عن الشعور المصري، وإن أراد الإنجليز دائما أن يصوروا الأمر بهذه الصورة، وجاراهم فى ذلك رئيس الحكومة، ووقع فى هذا الفخ كثير من الساسة المصريين، ولكن مصر حريصة على السودان لأنه جزء من حدود هذا الوطن، ولأن أبناءه مواطنون حقيقيون بدمهم ولغتهم وعقيدتهم وشعورهم وآلامهم وآمالهم وأنسابهم وألقابهم، وعلى الساسة المصريين أن يدركوا هذه الحقيقة ويؤمنوا بها مهما جهلها أو تجاهلها الساسة البريطانيون.
كم نتمنى أن نستقل ونتحرر فى أفكارنا ومشاعرنا لنتحرر بحق فى أوطاننا وتصرفاتنا ﴿وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾[الحج: 41](9).
دولة المساجد ووطنية الربانيين
من أخطاء الحكام المصريين أنهم متى أسندت إليهم مقاليد الحكم شعروا بهوة سحيقة بينهم وبين الشعب، ونظروا إلى الأمة نظرة الحيطة والحذر إن لم تكن نظرة الجفاء والخصومة، ولعل هذا أثر من آثار الحكم الاستعماري الذي رزح الوطن تحت أعبائه أكثر من نصف قرن كان فيه هؤلاء الساسة والحكام ما بين موظف أو صديق أو نصير حسن الظن بالغاصبين، فلا عجب أن تظل رواسب هذا الحكم الغاصب فى نفوس هؤلاء الحاكمين ولو فى عهد الاستقلال كما يزعمون!
والحاكم فى الإسلام راع يعلم ووالد وقائد، وفى الديموقراطية نائب ووكيل وشريك ومساعد. ولن تتوافر هذه المعاني جميعا إلا إذا توافرت المشاركة الوجدانية الكاملة فأصبح الحاكم يحس بإحساس المحكومين، ويشعر بشعورهم، ويتألم لألمهم، ويسر بسرورهم، ويصبح قلبه هو القلب الكبير المحيط بكل شئونهم.
وأشد ما تكون الأمة حاجة إلى هذه المشاركة الوجدانية التى تدفع إلى المشاركة الفعلية إذا واجهتها المصاعب وأحاطت بها الأزمات من كل جانب، ورحم الله عمر حين وقف على المنبر عام المجاعة ولبطنه قرقرة من الزيت فضرب عليه بيده وقال: قرقر أو لا تقرقر والله لن تأدم السمن حتى يخصب المسلمون.
هل للشعب فى الأزمات من قائد أحنى عليه وأعطف، وأعلم بمسالك الطريق وأعرف من حكامه؟ وهل للحاكمين من سند إذا أظلمت المسالك واشتدت الحوالك أقوى وأعز من الشعب؟ إليه يستندون من روحه وحماسته يستلهمون، وعليه بعد الله يعتمدون.
ولكن الحكام المصريين سرعان ما ينسون أو يتناسون هذه الحقائق جميعا فيقفون من الشعب موقف المتوجس المترصد، ويحشدون له من القوى الظاهرة والخفية ما يتصورون أنه كفيل بكبت مشاعره، وقتل عواطفه، وكبح إرادته، وخنق حريته باسم حماية القانون تارة وبحجة المحافظة على الأمن والنظام تارة أخرى.
ولو أراد هؤلاء الناس أن يضعوا الأمور فى مواضعها لرسموا بأنفسهم لهذا الشعب طريق جهاده، ولاستطاعوا -إن كانوا مخلصين- أن يوفقوا بين واجباتهم الوطنية وتبعاتهم الرسمية، ولكنهم لم يفعلوا ويبدوا أنهم لا يريدون أن يفعلوا، بل لعل ذلك مما لا يخطر لهم ببال، ما داموا يستطيعون أن يتغلبوا ولو فى ظاهر الأمر على المشاعر والعواطف بالقهر والجبروت.
لقد أصدر صدقي باشا أمره بتأخير الدراسة فى المعاهد العلمية شهرا فى وقت هو أنسب شهور العام للدراسة والتحصيل.
وراقب الهيئات والأندية والجماعات وبخاصة دور الإخوان المسلمين وضيق الخناق على المجتمعين فيها والمترددين عليها، بل لقد وصل الأمر إلى أن أباح رجال البوليس لأنفسهم أن يقتحموا الأندية الخاصة وأن يقبضوا على من فيها بدون إذن من النيابة أو أمر من القضاء.
وجل الأمر وفدح الخطب فصدرت الأوامر إلى أئمة المساجد وموظفيها أن يمنعوا المصلين من الاجتماع بها عقب الصلوات، وأن يقوموا فورا بمهمة تفريقهم كما يفعل رجال البوليس فى المظاهرات، وإلا عرضوا أنفسهم لأثقل التبعات، ووضع فى كل مسجد مخبر خاص يراقب الناس ويلاحظ تنفيذ التعليمات، كما وضعت على بابه قوة تتفاوت بحسب موقع المسجد واتساعه والإقبال عليه لتستخدم عند اللزوم فى البطش والعدوان.
لقد استبشرت بهذا وفرحت به؛ لأنه تصحيح للوضع الخاطئ الذي أخذ به الناس حينا من الدهر فبعدوا به عن الحق وبعدوا عن الله، فالمسجد كان وما زال مشرق النور، ومطلع الهداية، ومنبع المشاعر الصافية الكريمة فى الروحانية أو فى الوطنية على السواء.
ويوم يأخذ أهل المساجد بزمام الحركات الدينية أو القومية، فقد أخذ القوس باريها ورجع الأمر إلى نصابه، وبهذه المناسبة ألفت نظر الحاكمين والغاصبين معا إلى أمرين:
إلى أن هذه الوسائل كلها لن تجديهم نفعا، فلم يعد الشعور الوطني مقصورا على طبقة دون طبقة، أو مختصا بجماعة دون جماعة، فالطلاب والعمال والموظفون وغير الموظفين سواء فى هذا الشعور، بل إنى لأذكر لهم عن يقين أن هذا الشعور الغامر قد جرف ضباط الجيش وجنوده، وضابط البوليس ورجاله، ولم تعد تستطيع قوة بعد ذلك أن تكسر حدته أو تطفئ جذوته.
وإلى أن هذا الشعور الآن من نوع جديد ولون جديد؛ فهو شعور امتزج به حب الوطن برسالة الإسلام، والجهاد فى سبيل البلاد بالجهاد فى سبيل الاعتقاد، وأخلص فيه أهله النية لله باذلين فادين مضحين، وقد انصهرت النفوس وأذابت فيها حرارة الإيمان كل معانى الوصولية والنفعية، وأصبح الواحد من هؤلاء المواطنين الآن يستعذب الموت ويتشهاه كما يستعذب أهل الحياة الدنيا طعم الحياة وستكشف الحوادث والأيام عن الفارق البعيد بين أحلاس الأندية وعباد المساجد وبين وطنية السياسيين ووطنية الربانيين، ولن يقف شىء فى سبيل العاملين والمجاهدين ليرقب صدقي باشا المعاهد والمساجد أو ليدعها، فسيقام للعمل فى كل قلب محراب، وسيجد المجاهدون إلى جهادهم ألف باب إذا أغلق فى وجههم الباب: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِى خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِى الدُّنْيَا خِزْىٌ وَلَهُمْ فِى الآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ*وَللهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾[البقرة: 114-115](10).
هذا الجنيه
"أتعهد بأن أدفع عند الطلب مبلغ جنيه واحد مصري لحامل هذا السند، أصدر مقتضى المرسوم العالي المؤرخ فى 25 يونية سنة 1898"
هذا الجنيه سند على البنك الأهلي يتعهد البنك بمقتضاه بدفع قيمته لحامله عند الطلب، والتصريح للبنك بهذا الامتياز، وهو بنك غير مصري خالص المصرية، احتلال اقتصادي أشد وطأة وأبعد أثرا من الاحتلال العسكري الذي نلح ونشدد، ونطالب بكل قوة بان يرتفع كابوسه الثقيل عن كاهل البلاد، وإذا كانت ظروفنا فى سنة 1898 التى منح فيها البنك هذا الامتياز تضطرنا إلى ذلك، فما الذي يجعلنا نرضى بهذا الوضع والمخجل ونستمر عليه، وقد مضت ستون سنة تقريبا؟
هذه واحدة وليست على فظاعتها شيئا مذكورا إذا قيست بما بعدها:
وذلك أن قانون إصدار الأوراق المالية يحتم على البنك أن يكون لديه وفى خزائنه رصيد من الذهب يوازى نصف ما يصدر من أرواق على الأقل، فإذا أصدر البنك أرواقا بمليون من الجنيهات وجب أن يكون فى خزانته نصف مليون جنيه من الذهب وإلا كان مخالفا للقانون، ونتج عن تصرفه هذا تضخم مالي ونقصت قيمة أوراقه العملية بقدر نقص هذا الرصيد. فهل راعى البنك الأهلي هذه القاعدة؟
قالوا: إنه صدر فى يونيه سنة 1916 قرار من وزارة المالية المصرية بغير توقيع يتيح للبنك أن يصدر أوراقا بغير نظر إلى قيمة الرصيد نظرا لظروف الحرب القائمة حينذاك، وانتهز البنك هذه الفرصة فأصدر ما شاء من الأوراق المالية، وانتهت الحرب ومضى على نهايتها ربع قرن، وما زالت الرخصة قائمة، ولا ندرى لماذا وقد زالت كل الضرورات، وكان عجبا أن تظل وزارت المالية المتعاقبة تغط فى نوم عميق، ولا تسحب هذه الرخصة الفريدة من يد البنك حتى تجئ الحرب الثانية، فيعتمد عليها من جديد ويصدر الأوراق المالية بغير حساب؛ لتشتري بها القوات البريطانية فى مصر ما تشاء من أقواتنا وأرزاقنا وملابسنا، وتستخدم ما تريد من مرافقنا، وكل ذلك بغير رصيد ذهبي، حتى بلغ ما أصدره البنك أكثر من مائة وثلاثين مليونا من الجنيهات يقابلها ستة ملايين فقط من الذهب، والباقي بضمانة الخزانة البريطانية.
ومعنى هذا أن هذا الجنيه المصري الذي فى يدي ويدك -أيها المواطن العزيز- صار لا يساوى فى حقيقة الأمر أكثر من 19 تسعة عشر قرشا، ونزلت قيمته الشرائية إلى الخمس فقط فهو ريال لا جنيه، وصار الموظف الذي يتقاضى عشرة جنيهات إنما يعمل فى الحقيقة بجنيهين فقط، والذي يتقاضى خمسين جنيهات إنما يعمل بعشرة فقط، وصارت السائمة التى كانت تشترى بجنيه فى الماضي لابد أن تشترى الآن بخمسة جنيهات، والتي كانت تشترى بريال واحد لابد أن تشترى الآن بجنيه، ويبحثون عن سر غلاء المعيشة وعن علاج هذا الغلاء، وكيف يكون؟ ويغالطون أنفسهم، ويغالطون الناس ويفر الجميع، ويهربون من الحقيقة لأن الخصم الحقيقي فيها البنك الأهلي أولا، والخزانة البريطانية ثانيا، والأرصدة الإسترلينية وارتباط مصر بكتلة الإسترليني، ومع هذا يقول المستر بيفن: إن بريطانيا فعلت ما لم تفعله دولة من الدول للرقى بهذه البلاد، وإنما تعمل دائبة على رفع مستوى المعيشة فيها والترفيه عن أهلها، وأنها لا تفكر أبدا أبدا فى استغلالها وأن هذا القول من الهراء.
لمستر بيفن أن يقول هذا، وللمستر تشرشل أن يتغنى بالعمل العظيم الذي قامت به بريطانيا فى هذه البلاد منذ ستين سنة، ولغيرهما من الإنجليز أن يدعى ما يشاء، ولكن ليس علينا نحن المصريين أن نصدق شيئا عن هذا، بل واجبنا أن نفتح أعيننا على الحقائق، وأن ندفع عن أنفسنا هذا الخراب المحيط بعزيمة ومضاء، وأن نفقه الأمور على أوضاعها الصحيحة
إن على الحكومة المصرية واجبا ثقيلا فى هذا الشأن، وفى يدها سلاح ماض فتاك تستطيع أن تفهم به بريطانيا الفرق الواضح بين الصداقة والعداء، وهو مع هذا حق قانونى لها لا ينازعها فيه منازع لو وجدت فى نفسها الشجاعة والوطنية التى تدفعها إلى العمل النافع المفيد.
تستطيع الحكومة المصرية أن تعلن خروجها على قاعدة الإسترليني، وانفصالها عن كتلته، وتؤسس حالا بنك الدولة ليحل محل البنك الأهلي، وتجمع الرصيد من الذهب بقرض أو دين على الخزانة المصرية، وترفع قضية عاجلة على بريطانيا فى محكمة العدل الدولية؛ تطالبها برصيدنا الذهبي، وبسداد دينها البالغ قدره خمسمائة مليون من الجنيهات تقريبا فى أسرع وقت.
فإذا لم تفعل أية حكومة مصرية هذا فقد أثمت فى حق الوطن، وتنكب أفضل الطرق لمحاربة الجهل والفقر والمرض، وعلى الأمة أن تعمل عملا سريعا حاسما للجلاء الاقتصادي وللقضاء على الاحتلال الذي هو أشد وأنكى من كل احتلال.
﴿وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِى جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾[النساء: 5](11).
21 فبراير
فى مثل هذا اليوم من العام الماضي ضاقت الأمة المصرية ذرعا بتصرفات حكامها وزعمائها على السواء ووقوفهم من قضية البلاد موقف الذى لا يقدر الفرصة السانحة، ولا يدرك عامل الزمن فى لحظاته الفاصلة التى تتقرر فيها مصاير الأمم، وغليها هذا الشعور الغامر من الضيق والألم، فتنفست وتحركت، وأرسلت زفرتها الحارة الملتهبة فى هدوء وسكون ووقار، معلنة أنها لن تستطيع صبرا بعد اليوم على هذا التسويف والإهمال لحقوق الوطن، وأظهرت الحكومة رضاءها على هذا الشعور الكريم الذى لم يعمد إلى إيذاء أحد أو الاعتداء على أحد، ولكن السائقين الإنجليز هزئوا بهذه المشاعر الصادقة، وسخروا من هذه الوطنية المتدفقة، ووطئوا بعجلات سياراتهم الضخمة أجساد هؤلاء الوطنيين الكرام، فأهدروا دمائهم، أزهقوا أرواحهم وانطلقوا فى طريقهم آمنين، وجرت الحوادث بعد ذلك سراعا فى طريقها المعلوم.
ورأى الإخوان المسلمون ألا تمر ذكرى هذا اليوم العزيز على الأمة دون أن تحيى شهداءها فيه بعمل، فقرر مكتب الإرشاد أمور كلها فى حدود القانون وليس فيها ما يخل بالأمن والنظام فى شىء، ولم يقصد الإخوان بقرارهم هذا أن يثيروا شغبا، أو أن يحضوا على ثورة، أو أن يدفعوا أحدا إلى التظاهر ضد حكومة أو حزب، أو يشجعوا الاعتداء على دم أو عرض أو مال، فإن ذلك كله يذهب جلال الذكرى وروعة التحية الواجبة للشهداء، فضلا عن أنهم يعلمون أنه يضر قضية البلاد فى هذا الموقف الدقيق الذى تسلك فيه طريقا دولية جديدة فى سياستها العامة، وتقف وجها لوجه موقف التحاكم والتخاصم أمام دولة كل تاريخها السياسي سلسلة من الفتن، والمآسي، والمشاغبات، وانتهاز الفرص، وخلق الحوادث لتعكير صفو الآمنين، والصيد فى الماء العكر ولو بعد حين. لهذا لم يكن الإخوان المسلمون- ولم يزالوا- يقصدون بقرارهم معنى من هذه المعاني بحال، ولكنها -كما قلت- تحية واجبة ليوم عزيز، ولشهداء أبرار قضوا فداء الحق، وفى سبيل الوطن المفدى.
ولم نكن نشك أن الحكومة -وهي أشد ما تكون حاجة إلى مؤازرة الشعب لها، وإلى العمل بكل وسيلة على تغذيه بالشعور القومي، والعلو بمعنوياته بكل وسيلة على تغذيته بالشعور القومي، والعلو بمعنوياته السياسية، وتقدير مشاعره البريئة- ستسر لهذا الاتجاه، وتتعاون مع الإخوان المسلمين على تحقيقه، لا أن تقابله ببلاغ ومذكرة لا أثر فيهما لتحية الشهداء، ولا لتقدير الدافع الكريم الذي دفع بالإخوان إلى تقرير هذا الأحياء.
والشعب المصري بحمد لله وقد بلغ وعيه القومي درجة عالية، فهو ليس فى حاجة إلى من يدفعه بالقوة أو يحمله بالإجبار على أداء واجب من واجباته الوطنية.
"والإخوان المسلمون" يربئون بأنفسهم وبأمتهم عن هذا الوضع، وضع الإكراه والإجبار، لأنهم مطمئنون تمام الاطمئنان إلى حسن تقديرها وعالي شعورها، ولأنهم يعلمون أن مهمتهم التوجيه والبلاغ: ﴿فَمَن تَبِعَنِى فَإِنَّهُ مِنِّى وَمَنْ عَصَانِى فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾[إبراهيم: 36].
ومن النصيحة الواجبة أن نقول للحكومة: إن الظرف يحتم عليها أن تسلك غير هذا المسلك فى توجيه الشعور الوطني والانتفاع به والاستفادة منه، والتعاون مع العاملين على تربيته وتنميته، ومحو هذه الآثار البغيضة التى تركها الاستعمار البغيض والتوجيه الخاطئ من النفوس والأوضاع، وحينئذ فقط سنستفيد ونفيد، والأمور بيد الله(12).
أجانب ومصريون
أذاع رئيس الحكومة المصرية على مواطنيه بيانا مطولا يذكرهم فيه بما عرف عنهم من كرم الضيافة والإحسان إلى النزيل، ويذكر أن بعض الجرائد والمجلات الإفرنجية تناولت هذه المعاني، وأشارت إلى بعض حوادث تدل على تبرم الأجانب، وتخوفهم من أبناء الوطن الذي كان شعاره الدائم "أحرار فى بلادنا كرماء لضيوفنا".
ولا شك أن رئيس الحكومة المصرية إنما أراد بهذا أن يطمئن الأجانب، وأن يعاجل حملات هذه الصحف بالقضاء عليها فى مهدها، وأن يعلن على رءوس الأشهاد أن الحكومة المصرية والشعب المصري يعرفان واجبهما تمام المعرفة، ويقفان لكل فئة بالمرصاد.
وهذا كلام صحيح فى عرف الحجة والمنطق والإخلاص المتبادل. أما حين يكون مصدر هذه الحملة المغرضة, الهوى والغرض والاختلاق والكذب وانتحال الأباطيل وإثارة الخواطر، فنحن نؤكد لرئيس الحكومة أن بيانه رغم ما فيه من صدق العاطفة وكريم المجاملة لن يغنى شيئا، وستظل هذه الجرائد على خطتها، وسنسمع كل يوم بجديد من هذه الأكاذيب المفتراة، ولا يجدى حينئذ إلا أن نحتقر هذا الدس الوضيع حكومة وشعبا، ونمضى فى طريقنا إلى الأمام نصلح من شئوننا، ونجاهد فى سبيل حقنا، ونوحد كلمتنا، ونسوى صفنا، نغير من أنفسنا، ليغير الله ما بنا، ويومئذ فقط يعرف لنا هذه الجاليات جميلانا وتقر بمعروفنا.
ليست فى الدنيا جاليات أجنبية تتمتع فى أية أمة من الأمم بمثل ما تتمتع به الجاليات الأجنبية فى مصر من تقدير وإكرام بل إنها لتنال من خيرات هذا البلد وثمراته أضعاف أضعاف ما ينال الوطنيون، ولكنها سياسة مرسومة تتجدد كلما حاولت مصر أن تعمل لتحقيق مطالبها القومية أو تجاهد فى سبيل حريتها واستقلالها وتكون الإصبع الاستعمارية واليد الإنجليزية وراء ذلك كله.
تبدأ الخطة بإثارة الغبار حول فكرة الأقليات، وترتفع الأصوات من كل جانب أقباط ومسلمون، وظالمون ومظلومون، ومصر أمة واحدة لا تعرف هذا التفريق ولا تشعر به، حتى إذا انكشفت الدسيسة وحبطت الفتنة بفضل يقظة الأمة، واستمساكها بعرى الوحدة ثار الغبار من جديد، وارتفعت الأصوات من كل مكان أجانب ومصريون وكارهون وخائفون.
وليس شىء من ذلك إلا فى أدمغة الذين قالوه أو كتبوه أو صوروه أما هنا فى مصر فليس إلا الخلق الفاضل والتعاون الكامل.
وأذكر أن شفيق باشا ذكر فى حولياته أن الجاليات الأجنبية اضطربت اضطرابا عظيما حين بدت فى الأفق فكرة رفع الحماية عن مصر عقب الحرب الماضية، حتى إن الكثير منها استنجد بدوله وقنصلياته، واحتجت بعض الدول رسميا على الحكومة المصرية، وتقدمت بمذكرات إلى دار الحماية فى هذا المعنى وكان من أسبقها إلى هذا الاحتجاج فرنسا وإيطاليا فيما أذكر.
كما تجدد هذا القلق عندما أرادت مصر أن تدع غل الامتيازات الأجنبية، ونادى المغرضون بالويل والثبور وعظائم الأمور.
وها هى ذي الحماية قد رفعت والامتيازات قد ألغيت، فماذا حدث للأجانب فى مصر؟ وأي اعتداء وقع على أموالهم أو أرواحهم أو مصالحهم من المصريين؟
منذ عام تقريبا زارني بعض كبار الأجانب فى مصر، وأراد أن يشير من بعيد إلى أن نمو حركة الإخوان وانتشار فكرتهم قد أخذت فى نفوس كثير من عامة الشعب المصري نوعا من التعصب الدين ضد الأجانب، فقلت له يا صاحبي: إذ أردت أن تواجه الحقائق بعين مفتوحة وقول صريح فأنا مستعد لمسايرتك، أما إذا أردت مجرد الاتهام، وحاولت أن تعيش محجوباً بستار الوهم فلست معك. إن ما تزعمه من التعصب الديني وهم لا وجود له؟ فليس الإسلام فى جوهره دين تعصب أو عدوان، ولكنه دين تسامح عجيب وإنسانية عالية وعالمية تتسع لكل أبناء آدم على ظهر هذه الأرض مهما اختلفت عليهم آراؤهم وعقيدتهم بالبر والإحسان والعدل والرحمة، ولكن المسألة مسألة اقتصادية اجتماعية قبل كل شىء، فلقد دخل الأجانب هذه الديار وأهلها فى عدد قليل وفى حاجات محدودة وعلى أسلوب من الحياة جعلهم يرضون بالقليل. أما الآن وقد تضاعف عدد المصريين وحدهم حتى بلغ عشرين مليونا، وتغير أسلوبهم فى الحياة هذا التغير الذي كثرت فيه المطالب وتعددت فيه الحاجات وانقلبت الكماليات الماضية إلى ضروريات ملحة.
فلم يكن بد من أن ينظر المصريون إلى ما فى أيدي الأجانب من خيرات بلادهم غلاتها نظر الذي يريد أن ينال كما ينالون ويتمتع بها كما يتمتعون لا عن تعصب ديني كما تزعم أو فورة وطنية مجردة، ولكن عن ضرورة اقتصادية اجتماعية قبل كل شىء وذلك حقهم ولا شك لا ينكره عليهم إلا كل جاحد أو مكابر.
ومفتاح الإصلاح اليوم فى يد الأجانب لا فى المصريين، فالأجانب يستطيعون أنن يحسنوا معاملة الوطنيين فى الشركات وفى المصانع وفى المزارع الواسعة التى يملكونها، ويشعروهم أنهم لا يستأثرون دونهم بشىء ولا يرتفعون بأنفسهم عن أهل وطن آواهم وأغناهم ووجدوا فيه رزقهم رغدا من كل مكان، وحبذا لو أن رئيس الحكومة اتجه فى ندائه إلى الحكومات الأجنبية فأبان لها عن نصيب رعاياها فى مصر من خيرها وبرها وهو نصيب الأسد ثم اتجه إلى الجاليات الأجنبية فى مصر؛ لتتولى هى الرد على هؤلاء المغرضين الأفاكين.
وإذا كان دولته قد آثر أن يتجه إلى أمته، فإننا باسم هذه الأمة نأمل أن يبادر النزلاء الفضلاء فى مصر إلى إطفاء هذه الفتنة، وإحباط هذه الدسيسة والرد على تلك المفتريات، وبذلك يؤدون لمصر بعض حقها عليهم، ومن الجميل عرفان المعروف وتقدير الجميل(13).
معسكرات ثلاثة
على الأمة أن تختار والكلمة لها
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ*وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾[الأنفال: 24-25].
صدق الله العظيم
هى معسكرات ثلاثة:
الحكومة ومن يناصرونها.
والوفد ومن يشايعونه.
والإخوان المسلمون ومن يؤمن بدعوتهم.
والحكومة بأصل الوضع وبحكم الشرع، إذا قوى بنيانها وسلم تكوينها، ونهضت بمهمتها وأدت حق رعيتها.. هى القائد الطبيعي للأمة ولا يعترف الإسلام بقيادة ثانية، فهو شريعة وحدة واجتماع ولا يقر المعارضة الشعبية أو الزعامة الأهلية إلا فى حالة واحدة وهى انحراف القيادة –أى الحكومة- عن الصراط المستقيم، حينئذ وحينئذ فقط... تظهر الزعامة الشعبية ومن ورائها الأمة فتقوم ما اعوج من سير الحكومة بالنصح ثم باللوم ثم بسحب الثقة والعزل، ولا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق، حتى إذا استقام الأمر واستقر الوضع عاد الشعب كله إلى صف الجندية العاملة خلف حكومته يشد أزرها وينفذ أمرها ويعمل معها على ما فيه خيره وخيرها، ورضى الله عن أبى بكر القائل: "فإن رأيتموني على حق فأعينونا، وإن رأيتموني على باطل فسددوني، أو فقوموني... أطيعونى ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لى عليكم" أما احتراف المعارضة على طول الخط فبدعة أوربية جاءتنا مع الديمقراطية العصرية المشوهة، والحزبية السياسية البغيضة، وطبقناها نحن أسوأ تطبيق بحكم حداثتنا السياسية، ونزعاتنا الحادة الشخصية، فلا هى من السياسة ولا هى من الدين.
فهل أدت الحكومة المصرية القائمة مهمتها حتى تستحق أن تسلم لها هذه القيادة تامة كاملة كما هو الواجب وكما أمر الله؟ والجواب: لا.. بالفم الملآن والخط العريض...! لقد وقفت فى قضيتنا الوطنية مع الغاصبين موقف الضعف والاستكانة والاستسلام وتخلت عن متطلبات الجهاد الصحيح الذي لا يمكن أن تصل أمة إلى حقها بدونه، كما أخفقت فى الداخل فى جمع كلمة الأمة، وعلاج مشاكل الطوائف والأفراد، وانتظام دولاب العمل الانتظام المنتج المثمر، فكيف يقال بعد ذلك أن من حقها أن تحكم أو أن تقود؟
ولقد قام الوفد على أساس أنه وكيل الأمة -يوم كانت حكوماتها فى يد الإنجليز، وأوضاعها تحت حمايتهم الفعلية- ليعمل ويجاهد فى سبيل تحقيق حريتها الكاملة واستقلالها التام، وليقيم فى الداخل دعائم حكم دستوري صحيح، وأجمعت الأمة على زعامته إجماعا لم يعرف له نظير إلا فى النادر من تاريخ الأمم، كان مثار وحدة العالم أجمع، ووقفت مصر الثائرة تتحدى الحلفاء المنتصرين، وتقاوم بالحق والدم الإنجليز الغاصبين.
وقد كان الوفد- لو وفقه الله- يستطيع أن يفعل الكثير، وأن يوجه هذه النهضة العجيبة أحسن توجيه، ولكن –وآسفاه- ضعف عن حمل الأمانة، واستطول طريق الجهاد، وأعطى الدنية فى حق الوطن، فانتهى جهاده فى سبيل الحرية إلى معاهدة الشرف والاستقلال، التى سجلت الاحتلال الإنجليزي وأعطته الصفة المشروعة وانتهت أساليبه فى الحكم إلى مثل ما ظهر فى الكتاب الأسود، وبذلك فشل فى تحقيق الاستقلال كما فشل فى فن الحكم، وعاد بعد ذلك أخيرا إلى صفوف المعارضة، وها قد مضت أربعة أعوام كاملة لا نظير لها فى تاريخ العالم عامة والوطن خاصة من حيث التضخم بالحوادث والمفاجآت، ففشل فى فن المعارضة كذلك، ورضى بالموقف السلبى الخامد الضعيف الميت فى قضية البلاد، وفى قضية فلسطين، وفى غيرها من القضايا الخاصة والعامة التى تشغل بال الناس مما جعله فى واد والأمة والعالم والحوادث فى واد آخر، وأخيرا أصبحت دوره وتشكيلاته ستارا لهذه الشرذمة من المتظاهرين بالمادية المدمرة، والإلحادية المخربة، والاستعمارية الجديدة فى ثوب شفاف من المبادئ والدعوات.
والحكومة والوفد فى الحقيقة مدرسة واحدة لا خلاف بينهما فى شىء من الطبائع أو المناهج أو الأساليب أو الوسائل أو الغايات، إن صح أن هناك منهاج أو أساليب أو وسائل أو غايات، كلاهما لا يؤمن أبدا فى قرارة نفسه بحق هذا الوادي فى الاستقلال الكامل، والوحدة التامة، والسيادة والمجد، ولا يظن أن هذا الوطن يستطيع أن يحيا عزيزا كريما إلا فى حصن حليف قوى، وبين ذراعي سيد قاهر، نسوا ما فعل محمد على فى مصر مع الفارق البعيد بين العصرين والحياتين، وكلاهما لا يؤمن بحق هذا الشعب فى الحياة الدستورية الصحيحة، وفى المعيشة الطيبة المريحة، وفى المستوى الاجتماعي المتقارب المتكافل، وإنما وقع الخلاف بينهما لأمور شخصية بحتة لا تمت إلى المناهج والدعوات فى قليل ولا كثير، وأصبحت الأشخاص هى مثار الجدل وموضع النقاش، والدستور الذى ينادى الوفد بحمايته قد تحكم فى تفسير نصوصه لمصلحته، كما تفعل الحكومة ذلك سواء بسواء، والنتيجة واحدة هى أن الدستور فى غرف الهيئتين كلمة حق يراد بها باطل، ولب الخلاف الحقيقي من يحكم؟
ومن هنا برم الشعب فى الحقيقة بالمعسكرين، وتخلى عنهما تماما، فهاهى ذي الحكومة تعمل ولا سند لها إلا سلطان الحكم، وها هو الوفد ينادى ويصيح ولا مجيب له إلا مداد الصحف السوداء فى بعض الجرائد، وابن الشعب ليس هنا، مذبذب بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
والإخوان المسلمون معسكر ثالث... ليس قاصرا فى الحقيقة على هذه الهيئة أو الجماعة التى تطلق على نفسها رسميا هذا الاسم، ولكنه يمثل ويعبر عن مشاعر وعواطف هذه الملايين المسلمة من أبناء هذا الشعب، بل معها كذلك المنصفون من الوطنيين غير المسلمين الذين يقدرون فضل الإسلام وعدالة الإسلام، وهذا المعسكر يختلف كل الاختلاف عن المعسكرين السابقين... فى أصل الفكرة أو أساس المنهج، والغاية والوسيلة، فهو ينادى فى وضوح بأن تقوم الحياة فى مصر على أساس من توجيه الإسلام السليم وقواعده وأصوله الصميمة القويمة، التى تفرض الجهاد لنيل الحرية والاستقلال، وتفرض التكافل والمساواة بين أبناء الأمة الذين يصورهم هذا الإسلام كالجسد الواحد فتقوم بذلك فى المجتمع اشتراكية فاضلة أساسها الإخاء الإنساني الذى يستمد من رحمة الله وهدى السماء.
وهذا المعسكر لا يقر الحكومة على هذا الجمود وهذه الرخاوة فى علاج القضية الوطنية، وهذا الفشل فى الإصلاح الداخلي، ولا يقر الوفد على احتراف المعارضة والجمود على هذه الصورة السلبية، وهذه المغالطات والأساليب السوقية التى لا تصدر إلا عن صبيان الشوارع لا عن زعماء الرجال، ويدوى نفير هذا المعسكر ليلا ونهارا بوجوب العمل والدأب على الكفاح.
هذه هى المعسكرات الثلاثة بخصائصها ومميزاتها... ولا أريد أن أقول أيها أكثر عددا، وأقوى عدة.. فلسنا فى معرض مفاخرة أو مباهاة، ولكن أقول بكل وضوح: إن الموقف إن دام على هذا الحال، فلا حرية ولا استقلال ولا صلاح ولا إصلاح، وهنيئا لخصومنا الأعزاء وهن المجاهدين وذلة الأقوياء...!
والتبعة الآن تقع على المتفرجين من أبناء هذه الأمة، وبخاصة المثقفين منهم والمدركين لحقيقة الحال. فعلى هؤلاء أن يختاروا .. أما هذا الركود الذي سيصير بنا إلى التحلل والفناء، فلينضموا بكليتهم إلى المعسكر الثالث فترجع كفته وتتميز قوته وتتجمع الأمة من حوله ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله(14).
المصادر
- جريدة النذير، العدد (27)، السنة الأولى، 13 شوال 1357 / 6 ديسمبر 1938، ص(3-5).
- مجلة الشبان المسلمين، العدد (7)، السنة الثانية عشر، 26 ربيع الثاني 1360ﻫ / 23 مايو 1941م، ص(10).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد(143)، السنة الأولى، 25 ذو القعدة 1365/ 20 أكتوبر 1946، ص(1).
- جريدة النذير، العدد (11)، السنة الثانية، 11 ربيع الأول سنة1358 /2 مايو سنة 1939، ص(3-5).
- جريدة النذير، العدد (13)، السنة الثانية، 25 ربيع الأول سنة1358 /16مايو سنة 1939، ص(3، 4).
- جريدة النذير، العدد (33)، السنة الثانية، 25 شعبان سنة1358 /10أكتوبر سنة 1939، ص(9).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (16)، السنة الأولى، 21جماد ثان 1365/22 مايو1946، ص(3).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (26)، السنة الأولى، 3رجب 1365/ 3 يوليو1946، ص(3).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (137)، السنة الأولى، 18 ذو القعدة سنة 1365هـ/13أكتوبر 1946م، ص(1، 4).
- الإخوان المسلمون اليومية، العدد (145)، السنة الأولى، 27 ذو القعدة 1365ﻫ- 22 أكتوبر 1946، ص(1).
- جريدة الإخوان المسلمون اليومية، العدد (149)، السنة الأولى، 2ذو الحجة 1365/ 27أكتوبر1946، ص(1).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (243)، السنة الأولى، 26ربيع أول 1366/ 17 فبراير1947، ص(1).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (310)، السنة الثانية، 16 جماد آخر1366 ﻫ/ 7 مايو 1947م، ص(1).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (596)، السنة الثانية، 28جماد أول 1367/8 أبريل 1948، ص(1).