كتابات الإمام حسن البنا الصحفية في موضوعات هامة

إعداد موقع الإمام حسن البنا

سطر الإمام حسن البنا لنفسه مكانا وسط الزعماء والقادة، بل يكاد يكون الشخصية المحورية التي كانت تدور حوله كثير من الأحداث في عصره –رغم صغر سنه- لكن صنع نفسه وسط القادة والزعماء، ولذا كانت كثير من الصحف تتسارع لأستطلاع رأيه في بعض القضايا التي تخص الأمة والمجتمع، لتتعرف على رؤية الإخوان من خلال مؤسسهم ومرشدهم.

وقد اتضح مدى سعة أفقه وإلمامه بجميع الأحداث على الساحة المصرية والعربية والعالمية، وتفاعله مع هذا القضايا التي تشغل الرأى العام.

 

الله أكبر والمجد لمصر

ليس فى مصر من لا يعرف الإخوان المسلمين وحزب مصر الفتاة، وقد حصلت بعض مناقشات صحفية بين أعضائها من حيث المبادئ والغاية، وقد أرادت جريدة القلم الصريح توحيد وجهة الهيئتين؛ لأنه لا يخفى على أحد جهادهما فى سبيل المصالح العامة

وقد أرسلت الجريدة مندوبها إلى فضيلة الأستاذ (حسن البنا) المرشد العام للإخوان المسلمين لاستطلاع رأيه فى معنى قول حزب مصر الفتاة "الله أكبر والمجد لمصر"؛ لأنه دار حولها خلاف كبير بين أعضاء الهيئتين، وقد تفضل الأستاذ بهذه الكلمة، ونحن نثبتها هنا بنصها، راجين أن يتفضل حزب مصر الفتاة برأيه فى هذا الشأن وللجميع منا الشكر:

بسم الله الرحمن الرحيم... الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وسلم.

أيها الأخ الفاضل: ما أراك إلا أردت بسؤالك هذا حاجة فى نفس يعقوب، فإن كانت خيرًا فأثابك الله على نية الخير، وإن كان غير ذلك فأصلح الله نفسك، وما أمرنا بالتفتيش عن خفيات الضمائر، وليس ذلك بما لقى من إجابتك فاسمع:

أما المعنى فكان حريًّا بك أن تسأل عنه إخواننا الذين اتخذوا هذه العبارة شعارًا لهم حتى تعرف عنها ماذا يريدون بها. على أنى أستطيع أن أقول: إننى أفهم من هذه العبارة التقديس لله والتمجيد لمصر، أما إن فى ذلك ما يخالف الشريعة الإسلامية فالذى أعلمه –وفوق كل ذى علم عليم– أنه ليست هناك مخالفة، وليس فى ذلك إثم. فأما التقديس لله فقربة يثاب فاعلها، وذكر كريم يرجى به رضوان الله، وأما تمجيد مصر فليست مصر إلا وطنا من أركان الإسلام، بل هى زعيمة أوطانه، وهى فلذة كبد الأرض الإسلامية، وهى من الوطن الإسلامى الغالى فى الصميم، فتمجيدها تمجيدًا له، وتخليصها يستتبع تخليصه، والغيرة عليها وحياطتها واجب محترم فى عنق كل مسلم فضلاً عن المصريين أنفسهم، وهم أول من يفرض عليه هذا الواجب بحكم الوضع الطبيعى. فماذا فى هذا مما يخالف الشريعة؟

نعم: قد يقولها بعض الناس ويقصدون بذلك أنهم لا يعرفون لهم وطنًا إلا مصر بحدودها هذه الجغرافية، ويريدون بذلك أن يتخلصوا من خدمة بقية الأرض الإسلامية والعطف عليها والحنين إليها والعمل لتخليصها، فإذا وجد هذا الصنف -ولا أظنه موجودًا ولا أظن الكلمة تؤدى إلى هذا الهروب- فإن هذه النية آثمة، وهى تصطدم بأخوة المسلمين وشمول الوطن الإسلامى لكل شبر أرض فيه مسلم يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولعل هذا هو الذى يجعل بعض الإخوان المسلمين يتبرمون بهذا التعبير، ولا أحب لهم أن ينظروا إلى هذا الاحتمال البعيد.

 وأمرًا آخر يلاحظه بعض المتشددين، هو فى العرض الكلى لا فى الجوهر؛ ذلك أن هذه الكلمة تحاكى بها عبارة إنجيلية معروفة، وفى الأساليب الإسلامية الصحيحة غنى ومقنع، وهذه كما -قلت لك- ملاحظة شكلية بحتة ليست من الصميم فى شيء، على أنه ليس محظورًا على المسلم أن ينتفع بالحكم الكثيرة التى وردت على ألسنة الأمم السابقة، ولو كانت وثيقة فالحكمة ضالة المؤمن يأخذها أنى وجدها، ولا يبالى من أى وعاء خرجت.

وأظنك بعد هذا البيان وصلت إلى كل ما تريد أيها الصحفى، وأظنك بعد هذا لا تفكر فى أسئلة أخرى من هذا الطراز وذلك حسبك وكفى(1).

 

مع فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين

رؤية الإخوان للقضايا

عقد الإخوان المسلمون مؤتمرًا فى الأسبوع الماضى من رؤساء الشُّعب ونوابها، بلغ عدد الحاضرين فيه ألفان وخمسمائة عضو ليتباحثوا فى الموقف الحاضر، وموقف جمعيتهم بالنسبة لقانون تنظيم الجمعيات الخيرية، وقد رأيت بهذه المناسبة أن أزور فضيلة المرشد العام زيارة تجمع بين التهنئة بعيد الفطر واستطلاع رأيه فيما يهم البلاد فى الموقف، فكانت زيارة ودية تمكنت فيها أن أستخلص الآتى على لسان فضيلته:

س: ما هى مشروعات الإخوان المسلمين؟ وما الذي ترمون إليه من جمع الأموال الكثيرة التى يقال: إنها لإنشاء جريدة يومية؟

ج: مشروعات الإخوان المسلمين منها ما هو اقتصادى، والغرض منها هو إعداد شباب الإخوان إعدادًا اقتصاديًا سليمًا منتجًا، وإيجاد عمل لمن يتعطل منهم، سيما وبعض الشركات الأجنبية تتحدى شباب الإخوان، وقد يؤدى هذا التحدى إلى تعطيل كثير من شباب الإخوان؛ فمشروعاتنا الاقتصادية كحصن يقيهم شر البطالة، ومن هذه المشروعات: شركة المعاملات، وهي تتبع أدق النظم الاقتصادية، ومن مشروعاتنا ما هو اجتماعى كمشروع المستوصفات ومدارس الجمعية.

أما مشروع الجريدة اليومية فالدافع إليه شعورنا بأن الرأى العربى الإسلامى فى حاجة إلى صحيفة يومية تعلق على الحوادث الجارية، وتشرح القضايا الكثيرة التى تتصل بكيان العالم العربى الإسلامى، وليست هذه الفكرة بنت اليوم، بل هى فكرت بحثتها لجان متعددة، وأقرتها لجنة اجتمعت فى دار الشبان المسلمين، وكان للإخوان مندوبون فيها، ورأيت اختصارا لدور الدراسة والتفكير أن يقوم الإخوان بالعبء العملى فنبتدئ فى الاكتتاب لجمع المال لشراء مطبعة تمهيدا لإصدار هذه الصحيفة اليومية، ونحن نرحب بكل من يساهم فى هذه الناحية على اعتبار أن الفكرة تهم الجميع.

س: البلاد الآن تجتاز مرحلة خطيرة فما رأيكم وما موقفكم بالنسبة للحكومة وواجب الشباب؟

ج: البلاد الآن فى حاجة إلى من يقودها للمطالبة بحقوقها القومية، فهذا هو أنسب الأوقات لأن تطالب البلاد بحريتها واستقلالها، وتجلو القوات الأجنبية عن أراضيها، ورفع القيود الاقتصادية والتجارية. وواجب الحكومة أن تقود الشعب إلى المطالبة بحقه وتنيره فى هذا وتكاشفه بالحقائق، كما أنها فرصة سانحة لتثبيت دعائم الفكرة الإسلامية والجهر بها.

 أما واجب الشباب: فهو أن يتجمع حول الأهداف الوطنية العليا، وأن يستعد للتضحية، وخطواتنا العملية لتحقيق هذه المطالب تتلخص فى قراراتنا التى اتخذناها فى اجتماعنا الأخير مع نواب ورؤساء الشعب وسنعمل على تنفيذها إن شاء الله تعالى.

 أما بالنسبة لفلسطين والعالم العربى فسندعو إلى عقد مؤتمر عربى عام لإنقاذ أرض فلسطين، وتأييد وجهة النظر العربية فى أن تظل أرض فلسطين للعرب.

س: ما رأيكم فى دعوة الشباب الآن الخاصة باندماج الأحزاب والجمعيات والهيئات وتكوين هيئة واحدة تطالب بحق مصر، وهل خاطبتهم فى هذا؟

ج: لم أخاطب ولم يفاتحنى أحد بخصوص هذا الموضوع، ويجب أن تعرف أن فكرة الاندماج فكرة غير عملية؛ إذ يقف أمامها كثير من الظروف والعقبات الكثيرة، ولكن الذي يمكن أن يقال ونتمناه أن توجد هيئة اتصال للاتفاق على وسائل عامة تنفذها كل هيئة بأسلوبها، ولتكن هذه هى الخطوة إلى تفاهم كامل.

 وقد قررنا فى اجتماعنا أيضًا تأليف لجنة للاتصال بمختلف الأحزاب لتذكرها بواجبها الوطنى، وتدعوها إلى الاتفاق على هذه المسائل.

س: تذكر فضيلتكم أن فكرة اندماج الأحزاب والجمعيات واتحادها يقف أمامها عقبات وظروف، فما هى العقبات التى تقف أمام جمعيتكم والظروف التى تصادفكم شخصيًّا لتحول دون تحقيق هذه الفكرة؟

ج: هذا السؤال فيه إحراج، ولكن يجب أن تعرف أن بعض الهيئات هنا فى مصر ليست أهلاً للثقة، وبعضها يؤول الاتصال بها تأويلاً غير صحيح، والبعض الآخر لا يرضيها وسائلنا، ونحن لا نرضى عن وسائلها، وهذا كله لا يمنع من الاتفاق على الأهداف والوسائل العامة.

س: هل لكم أن تحدثونا عن القنبلة الذرية ومدى تفاؤلكم أو تشاؤمكم منها؟

ج: من لطائف القرآن الكريم أنه أشار إلى فكرة تحطيم الذرة بذكر ما هو أصغر منها، مع أن المعروف قديمًا أن الذرة هى أصغر ما يتوهم فتقول الآية الكريمة: ﴿وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِى الأرْضِ وَلا فِى السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلا فِى كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [يونس: 61]. وكم فى القرآن من إشارات تحفز المؤمنين به -لو صح إيمانهم وسلم فقههم له- إلى الكشف والنظر والاختراع.

 أما من حيث استخدام الذرة فى الحروب، فأعتقد أن الإسلام يستنكر ذلك، فهو دين رحمة، دين ينهى عن المثلة ولو بالكلب العقور، كما أعتقد أن المشاعر الدولية ستقر ذلك وستجعلها من الأسلحة المحرمة.

كما قررت ذلك فى الغازات السامة مثلاً، وقد يؤدى الخوف من هذه الآثار الفاتكة إلى استقرار سلام أطول وعلم ذلك عند الله(2).

 

الرجل الذي يتبعه نصف مليون

أجرى الأستاذ إحسان عبد القدوس حوارا صحفيا مع الإمام البنا فى المركز العام للإخوان عن بعض القضايا السياسية والدعوية وهذا هو نصه : 

قلت:

ولكننا اليوم لا نستطيع أن نطبق الدين والقرآن على جميع مرافقنا، فهناك مثلا قوانين الملاحة والطيران كيف نستطيع أن نحل محلها القرآن..؟

وأزاح فضيلته طربوشه إلى مؤخرة رأسه وقال:

"إن القرآن وضع ليكون قانونا أبديا ينطبق على كل عصر منذ انتهاء الجاهلية إلى قيام القيامة، ولو بحثت فى القرآن لوجدت بين سطوره الكريمة صورة القانون الذى تبحث عنه الدول العظمى الآن لتحديد طريقة استعمال القنبلة الذرية فى الحروب".

"ونحن لا نقول: إن كل قانون سنحتاج إليه قد جاء بتفصيله ومواده وحيثياته فى القرآن، إنما يجب علينا أن نجتهد فى وضع هذه القوانين فى حدود المبادئ الأولية والمثل العليا التى جاءت فى الدين.."

"ولقد انتشر اعتقاد الناس بقصور القرآن عن شمول كل مرافق الحياة للجمود الذى أحاط به منذ أقفل باب الاجتهاد واستنباط القوانين من بين سطوره، وقد نكب الإسلام حقا منذ أغلق باب الاجتهاد بأمر الخليفة التركى فى وجوه العلماء.

"والاجتهاد يتسع لكل فرض يخطر على بالك، وقد سئل مرة أحد العلماء: هل الخلوة الصحيحة فى مسألة الزواج تثبت إذا كان مع الرجل والمرأة كلب؟"

"وأجاب العالم: إن الخلوة تثبت إذا كان الكلب ملك المرأة، وتفسد ولا تعتبر صحيحة إذا كان الكلب ملك الرجل؛ لأن الكلب إذا كان للمرأة لم تكن الخلوة بإرادتها، ينبح ويهجم على الرجل مدافعا عن سيدته، أما إذا سكت الكلب واستكان دليل على أن الخلوة بإرادة المرأة، وإذن فهى خلوة صحيحة".

"والفرض سخيف ولكنه يدلك على أن الاجتهاد يعم كل مسألة تخطر لك".

قلت:

ولكن هل تعتقد أن الأجانب المقيمين بيننا  يرضون -ومن ورائهم دولهم- بتطبيق قوانين القرآن كقطع يد السارق مثلا؟

وهنا خبط الأستاذ بيده على مكتبه فى ثورة، وقامت مناقشة حادة بينه وبين نائب وطبيب ومحام كانوا يشتركون معنا فى الحديث، وقال:

"لو كان الإنجليز من المسلمين وطبقوا فى بلادهم قوانين الإسلام لما قام واحد فيهم يسأل هل يرضى الأجانب بقطع يد السارق أولا يرضون، إنما هو ضعفنا وخنوعنا الذى ألجأنا إلى هذا السؤال وألجأنا إلى استعارة قوانين أوروبا لتطبيقها على أنفسنا بدل الشريعة الإسلامية التى اعترف أخيرا مؤتمر محكمة العدل بها وبأنها شريعة قابلة للتطور.."

"وقد حدث فى شبه جزيرة العرب أن حكم على جندى أمريكى بقطع يده لأنه سرق فاحتج قائده، فأبلغه الملك ابن السعود بأنه إما ينفذ الحكم، وإلا فلن يكون مسئولا عن أموال أمريكا فى بلاده، فرضخت أمريكا ونفذ الحكم، ثم استلم الملك من الرئيس روزفلت خطاب شكر لحرصه على سلامة أموال الجيوش والدولة.."

"ثم إن هذه الحدود – أى العقوبات- تنفيذها متروك لأمر القاضى وتقديره تطبيقا لقوله صلى الله عليه وسلم: ادرأوا الحدود بالشبهات".

" وهو يستطيع أن يتدرج فيها بين الشدة والتخفيف، وقد حدث أن جاء رجل إلى سيدنا عمر يتهم خدمه بالسرقة، فسألهم سيدنا عمر "هل سرقتم؟" فأجابوا بالإيجاب واعترفوا بجريمتهم، فسألهم عن الدافع لهم على السرقة، فقالوا إنه الجوع، فأطلق سراحهم وهدد سيدهم إن عاد خدمه إلى السرقة مرة أخرى بسبب الجوع فسيحكم عليه هو بقطع يده..

 "وأظن أن فى هذا ضمانا كافيا للأجانب".

قلت:

- ألا تعتقد أن دعوتك دعوة رجعية قد تؤدى بنا إلى خلافات طائفية قد تستغلها إنجلترا للتدخل فى شئوننا كما يحدث الآن فى الهند؟

قال:

- "إن الإسلام أوصى خيرا بكل الأديان ونحن نشجع كل حركة تقوم على أساس الدين الصحيح، حتى ولو كان اليهودى، فنحن نحترم الدين اليهودى، وإن كنا نعادى الصهيونية.. وجميع الأديان متفقة فى أسسها ومثلها العليا، وعلاقتنا حتى اليوم علاقة طيبة مع كثير من إخواننا من أصحاب الأديان الأخرى".

"أما إذا حاولت دولة التدخل والتفريق بيننا فسنكون أقوى منها وسنتمسك بوحدتنا ونحن نثق بأنفسنا، وقد حاولت فعلا إحدى الدول أن تدخل بيننا وتوجه حركتنا فصرفناها بالمعروف"!!

قلت:

هل تسعون لتولى الوزارة؟

"إننا نؤيد أى وزارة تنفذ برنامجا قائما على الدين الصحيح، سواء أكنا نحن الذين نتولاها بأنفسنا أم كان غيرنا، وفى الدستور الحالى سند لنا فيما أقول؛ لأنه ينص فى مادته الأولى على أن "دين الدولة الإسلام"، ومعنى هذا أن تكون جميع نظمنا وقوانيننا وتصرفاتنا مبنية على قواعد الإسلام"..

قلت:

- هل حاولتم الاتصال بالأحزاب القائمة؟

قال:

- "إننا لم نحاول الاتصال بأحد بل هم الذين حاولوا الاتصال بنا أكثر من مرة..

كما أننا لا نناصر حزبا على حزب، وإنما هذا لا يمنعنا أن نقول للمحسن أحسنت، والمسىء أسأت.."(3).

 

حسن البنا يقول: لقد أراحتنى الحكومة!

حول مذكرة عبد الرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية

أجرى الأستاذ إحسان عبد القدوس حوارا صحفيا آخر مع الإمام البنا فى المركز العام للإخوان عن بعض القضايا السياسية والدعوية وهذا هو نصه : 

تسأله عن بيان عبد الرحمن عمار بك واتهامه بأنه خرج بالجمعية عن أغراضها الدينية إلى الاشتغال بالسياسة فيقول: "لقد قضينا عشرين سنة كاملة لنفهم الناس أن الإسلام دين ودولة.. وأنه ليس دين عبادة ونسك.. بل دين جهاد ونضال.

ودخل أحد الأعضاء يعلن المرشد العام أن الحكومة قررت اتخاذ دار المركز العام مخفرا للبوليس.

وهنا ضحك المرشد العام ضحكة طويلة وقال "ها هم الإخوان كرأيهم دائما يساهمون فى مكافحة أزمة المساكن بتقديم خمسة آلاف دار كانت تشغلها شعب الإخوان".

 ثم عاد يقول:

"إن سحب شهادة الميلاد من الشخص لا تفقده كيانه ووجوده الإنسانى وإن كانت تفقده "شخصيته قانونا" ثم يتركك لتفهم ما يعنيه، فتنظر إلى عينيه فإذا فيهما علامات النهاية‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍(4).

 

كلمة فضيلة المرشد العام فى حفل الصحفيين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله ومن والاه

تحية وتقدير

حضرات السادة الفضلاء:

أحييكم تحية طيبة كريمة، وأتقدم إليكم شاكرًا من أعماق قلبى تلبيتكم دعوة الإخوان المسلمين.

وإنى لأقدر تمام التقدير خطر هذا الموقف، وهو عرض للدعوة والعقل والقلب معًا على العقول الكبيرة والعيون البصيرة التى ينظر بها العالم إلى مصر، وتنظر بها مصر إلى نفسها.

كما أقدر تمام التقدير كذلك مهمة الصحافة الجليلة، وواجباتها الثقيلة، وبخاصة فى هذا العصر الذى تقود فيه الشعوب الحكومات، وتقود فيه الصحافة الشعوب، وتهيمن على توجيه الرأى العام وتنويره.

والصحافة بهذا الاعتبار هى فى الحقيقة التى ترسم مستقبل الأمم عمليًّا، وإن كان الساسة والزعماء يقومون بذلك رسميًّا.

ومن هنا كان واجبكم -أيها السادة- ضخمًا عظيمًا، وبخاصة فى هذه اللحظات الرهيبة الدقيقة من حياة المجتمع الإنسانى؛ إذ يجتمع الأقطاب والرؤساء ليضعوا التصميم الذى يراد أن تقوم على قواعده دعائم الحياة للعالم الجديد.

فمن واجبكم -يا حملة الأقلام- ألا تسيروا فى ركاب السائرين، بل واجبكم أن تنيروا أمامهم السبل، وترفعوا بين أيديهم مشاعل الحقيقة حتى لا يضلوا الطريق.

ولقد جاء على الحقيقة زمان -بل أزمان- كانت فيها وبالاً على أهلها؛ فكان الرجل يقتل بالكلمة يقولها، ويهدر دمه للرأى يبديه.

ومع ذلك فقد كانت هذه الحقيقة تجد أنصارها فى كل هذه الأعصار.

إن الذى خلق الحقيقة علقمًا              لم يخل من أهل الحقيقة جيلاً

ولكن الله عافاكم -أيها السادة- من هذا البلاء، وكان من حظكم وحظ الإنسانية الحسن أننا فى عصر حرية الرأى، وحرية القول، وحرية الكتابة، وهى لب الديمقراطية الصحيحة. حتى إن الأمم المنتصرة لتزعم فى زهو أنها إنما حاربت فى سبيل الديمقراطية لينعم البشر بهذه الحريات، وتفاخر بأنها انتصرت لتمنح الدنيا هذا النعيم المقيم.

فأدوا واجبكم مخلصين فى جرأة وشجاعة وإقدام، وضعوا الحقائق التى تعرفونها وتصلون إليها بأساليبكم الفنية -وأنتم أقدر الناس على ذلك- بين يدى أولئك الأقطاب الذين شغلتهم مهام المناصب، وحجبتهم عظائم الحوادث، وأذهلتهم نشوة النصر عن أن يروها على وجهها. وبذلك تؤدون لمهنتكم ولعالمكم ولأممكم ولشعوبكم ولأنفسكم كذلك أعظم الخدمات.

أصول دعوة الإخوان المسلمين

أيها السادة الفضلاء:

اسمحوا لى أن أنتهز هذه الفرصة فأضع بين يديكم ملخصًا موجزًا، وأرجو أن يكون شاملاً عن حقيقة فكرة الإخوان المسلمين وأهم وسائلهم:

هذه الدعوة ليست فكرة سياسية بالمعنى الاصطلاحى الذى تعنيه هذه الكلمة فى عرف الناس ومألوفهم، ونحن نصونها ونعلو بها عن أن تقف عند حدود هذا الوضع القاصر المحدود.

ولكن هذه الدعوة دعوة إنسانية خالصة تدعو إلى مُثل وفضائل عليا تتصل أول ما تتصل بالعقيدة والقلب وتفعل فعلها فى الروح والنفس، وخلاصة هذه المثُل:

معرفة الله تبارك وتعالى.

وتقدير النفس الإنسانية والعلو بها.

ومحبة الناس على اختلاف أجناسهم وألوانهم.

وعمل الخير ما استطاع الإنسان إليه سبيلاً.

وانتظار الجزاء فى الحياة الآخرة.

ولكن هذه الدعوة ليست دعوة فلسفية علمية حسبها إظهار الحقائق وطرحها بين يدى الناس ليعمل بها من شاء وينصرف عنها من يريد.. لا. وإنما هى دعوة إصلاحية عملية قرنت هذه المثل بتدريبات فى الحياة اليومية يؤديها من يؤمن بهذه المثل ويواظب عليها، حتى تصبح ملكة له، فتصبح هذه المثل العليا جزءًا من نفسه، فالصلاة والصوم والدعاء والتطهر وصيانة النفس من الإثم، ومجاهدتها لتبتعد دائمًا عن الخطيئة والشر جزء هام من أجزاء الدعوة.

وهذه الدعوة كذلك ليست دعوة فردية اعتزالية، ولكنها دعوة اجتماعية مدنية، وهى لهذا تعنى بتحقيق آثار هذه المثل العليا فى واقع المجتمعات، ولا تحصرها فى حدود الحياة الفردية الخاصة، ومن هنا تناولت هذه الدعوة الصلة بين المرء وزوجه، والصلة بين الإنسان وأقاربه، والصلة بين الفرد والمجتمع، والصلة بين الطبقات الاجتماعية بعضها ببعض، والصلة بين الحاكم والمحكومين، والصلة بين الأمم والشعوب المختلفة تناولاً عامًّا شاملاً، ووضعت قواعد التعامل الكلية بين هذه الأطراف كلها، والعجب أنها جمعت فى ذلك خير ما وصلت إليه تجارب الناس، بل هى قد سبقت هذه التجارب فوضعت بين أيديهم حلول مشاكلهم الحاضرة والآتية لو أرادوا التخلص منها بصدق وإخلاص. ولا يمكن أن تترعرع هذه المبادئ وتتحقق هذه التدريبات والقواعد على وجهها الكامل إلا فى جو من الحرية والعزة، فلن يقتل فى نفس الإنسان فضائلها العليا، ولن يمسخ خلقة البشر ويردها إلى القردة والخنازير، وما هو شر منها شكلاً وموضوعًا كالذل والاستعباد والقهر والاستبداد ﴿إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾[النمل: 34].

ومن هنا كان من صميم الدعوة العمل الدائب بكل الوسائل للتحرر من قيود الاستعباد، والوصول إلى حكم حر قوى نزيه.

وهنا نلتقى مع السياسيين- وإن شئت قلت الوطنيين- الذين كل برنامجهم إصلاح أداة الحكم فى الداخل، والتحرر من كل ما ينافى الحرية والاستقلال فى الخارج. ونحن حين نلتقى معهم هذا اللقاء نفارقهم فى الوقت نفسه تمام المفارقة فى أن ذلك عندنا وسيلة لإقرار هذا الإصلاح الروحى الكريم فى الأرض كلها لا فى الوطن وحده، وهو عندهم غاية للوطن تقف عندها البرامج وتنتهى بها الجهود، وهم يشعرون بأن ذلك عاطفة توحيها الوطنية، ونحن نؤمن بأنه واجب تفرضه الوطنية ويوجبه الدين معًا، فيرتفع العمل الوطنى فى نفوسنا إلى منزلة من القداسة لا ينال منها وعد أو وعيد.

ولقد رأينا أن القرآن الكريم -وهو أساس الإسلام الحنيف- خير دعامة تقوم عليها هذه الحياة الإنسانية الكاملة، فاستمددنا منه الدعوة، وهتفنا به دستورًا لها.

"فالله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت فى سبيل الله أسمى أمانينا".

ومن ذلك تعلمون -أيها السادة- أن دعوتنا أسمى من أن تكون دعوة حزب، أو جمعية إحسان وبر، أو طريقة عبادة وذكر، ولكنها فى حقيقتها الواضحة إصلاح شامل يقوم على أعلى المبادئ وأسمى الفضائل، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

الإخوان المسلمون والطوائف غير المسلمة

أيها السادة الفضلاء:

يقول الذين لا يعلمون: إذا كانت هذه فكرة الإخوان المسلمين فسيكون من آثارها ونتائج انتشارها تمزق وحدة الأمة، وخلق الفرقة والبغضاء بين طوائفها الإسلامية وغير الإسلامية. ونقول نحن لهؤلاء:

 اسمعوا، يجب أن تعلموا أن الإخوان المسلمين أحرص الناس على هذه الوحدة، وأعرفهم بما بذلت الإنسانية من جهود ودماء وأزمان وأوقات وأموال وتضحيات حتى وصلت إلى هذا المعنى الكريم، معنى اجتماع الأمم والشعوب على المصلحة الوطنية مع اختلاف النحلة الدينية، وهم لذلك أشد غيرة على دوامها وبقائها والانتفاع بنتائجها وآثارها.

ومن الإنصاف أن يقول الناس وأن يعلموا أن الإسلام الحنيف قد سبق إلى تقرير هذا المعنى، وجمع الناس عليه قبل أربعة عشر قرنا من الزمان، يوم نزل قرآنه الكريم يقول: ﴿لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾[الممتحنة: 8]، ويوم أعلن نبيه العظيم تقريره لهذه الوحدة بين طوائف الأمة الواحدة على أساس المصلحة الوطنية حين قال فى غير المسلمين: "لهم ما لنا وعليهم ما علينا"، لهم ما لنا من حقوق، وعليهم ما علينا من واجبات، وهى حلية صدور الدساتير الوطنية الحديثة. أليس كذلك أيها المنصفون؟!

على أن الإسلام الحنيف قد ذهب إلى أبعد من هذا فى علاج مشكلة هذا الخلاف الطائفى الدينى لا فى أمة بعينها ولكن فى الدنيا بأسرها، ووضع بين يدى البشرية أكمل وأعدل وأبر ما عرفت وما لم تعرف من ذلك حين جاء يفرض على المؤمنين به أن يؤمنوا بكل نبى سبق، وأن يدينوا بكل كتاب نزل، وأن يكرموا كل أمة مضت ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾[الشورى: 13]، ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِىَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِىَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾[البقرة: 136].

فأنا المسلم أرتل فى صلاتى قول الله فى موسى عليه السلام: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهًا﴾[الأحزاب: 69]، وفى توراة موسى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ﴾[المائدة: 44].

وفى أمة موسى وقومه: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِين﴾[المائدة: 20]، ﴿وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾[الأعراف: 159].

أرتل هذا كله فى صلاتى وقراءتى عن موسى وتوراته وقومه، وأتغنى بمثله عن عيسى وأمه وإنجيله وقومه، فأقرأ قول العلى الكبير: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾[آل عمران: 42]، ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِى الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ*وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِى الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾[آل عمران: 45-46]، وقوله تعالى فى بيان فضل الإنجيل: ﴿وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِين﴾[المائدة: 46]، وفى أتباعه عليه السلام ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُون﴾[المائدة: 82]، ﴿وَجَعَلْنَا فِى قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً﴾[الحديد: 27].

ولم يقتصر القرآن على هذا البيان اللفظى والإرشاد الوعظى، ولكنه وضع مفاتيح هذه الدعوة وشعائرها ومظاهرها العملية، فطعام أهل الكتاب حل لنا وطعامنا حل لهم، وللمسلم أن يتزوج كتابية تكون أنس نفسه، وربة بيته، وأم أولاده، وشريكة حياته، وموطن سكنه، ومستودع سره، ويعبر عن ذلك بأرق التعبيرات وأبلغها فى النصفة والمساواة فيقول: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ﴾[المائدة: 5] فهل بعد ذلك زيادة لمستزيد؟!

ألا إنها محاولة فاشلة، وكلمة باطلة يراد بها اتهام برىء بظلم، وإطفاء نور ببهتان، ولن يكون ذلك أبدًا ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ﴾[يونس: 81]، والعاقبة دائمًا للمتقين.

الإخوان المسلمون والأجانب

أيها السادة الفضلاء: 

يقول بعض المشوشين كذلك: ولكن.. الإخوان إذا انتشرت دعوتهم، وقويت فكرتهم، دفعهم ذلك إلى العدوان على الأجانب، وانتهاب أموالهم، واغتيال أرواحهم، وتعطيل مصالحهم. وذلك خيال أغرق من سابقه فى الوهم.

فإن الإسلام الحنيف قد حرم على المسلم العدوان والظلم حتى فى أشد حالات الغضب والكراهية، فقال تبارك وتعالى: ﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾[المائدة: 8]، وهذا فى حال البغض والشنآن، فكيف فى حال التعاون والود والبر والإحسان؟

إن الذين تطيف برءوسهم هذه الأوهام لا يعرفون الإسلام على وجهه، ولا يعلمون كيف يسمو المعنى الإنسانى فيه حتى يحجب كل ما سواه، وكيف يرتفع بالنفس عن أثرتها وشحها وأنانيتها إلى أسمى مراتب الإيثار والفلاح، ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون﴾[الحشر: 9].

والحق -أيها السادة- أن الأمر بيننا نحن المصريين وبين الأجانب -أو بعبارة أدق: وبين النزلاء من الغربيين- فإننى لا أود أن أستخدم كلمة الأجانب، إيثارًا للمعنى الإنسانى الجامع الذى يجعل الإنسان أخًا لأخيه مهما نأت الديار أو شط المزار -كما يقولون.

الحق -أيها السادة- أن الأمر بيننا وبين ضيوفنا من النزلاء الغربيين لا يتصل بالدين ولا بالجنس، ولكنه يتصل قبل كل شىء بالعيش وشئون الحياة بالخير والصحة والمال ومستوى المعيشة، فالقضية اجتماعية اقتصادية قبل كل شىء، وخلاصة رأى الإخوان ومشاعرهم فيها: أننا لا ننكر فائدة اتصالنا بالغرب فى تاريخنا الحديث، ولا نكره الثقافة الأوربية والعلم العصرى الأوروبى، بل نقدر كل التقدير هذه الثروة العلمية الهائلة التى ورثها الغرب لبنى الإنسان، ولسنا نمن على الغرب بما علمناه من قبل، كما أننا كذلك نعلم أننا لا نستغنى فى نهضتنا الحالية عن رءوس الأموال الأجنبية، وعن الخبرة الفنية الأجنبية، وعن التعاون مع غيرنا من الناس، ولسنا نذكر ما دفعنا من ثمن غال، وما قدمنا من تضحيات. كل ذلك نعرفه ونؤمن به، ولكن على النزلاء الفضلاء كذلك أن يقدروا مدى التطور الاجتماعى والاقتصادى الذى طرأ علينا، والذى نتعرض الآن له، وأن يذكروا أن تعداد السكان فى مصر وحدها قد بلغ ثمانية عشر مليونًا بعد أن كان أربعة ملايين حين نزح معظمهم إليها منذ قرن واحد من الزمان، ونحن مع ذلك أمة خصبة ولود، يتكاثر عددها بدرجة تخيف، وأن يذكروا كذلك أن مطالب الحياة قد تعددت وكثرت إلى أضعاف ما كانت عليه حينذاك. وأن ثمانية ملايين من سكان مصر يعيشون فى مستوى أقل من مستوى الحيوان ولا يجدون ما يعينهم على الضروريات فى الحياة فضلاً عن الكماليات.

فإذا كانت هذه حالنا، وكانوا هم ينعمون بين ظهرانينا بهذه الأرباح الطائلة، ويتمتعون بما يشاءون من ضروريات وكماليات، فإنه ليس من الممكن أن تستمر الحال على ذلك، ولابد من علاج أو انفجار، هذا هو الوضع الصحيح للمسألة، وعلى حضرات النزلاء الفضلاء أن يدركوه، وعلى الصحافة أن تعينهم على إدراكه، وعلينا جميعا أن نتدبر فى العلاج، وأن نتعاون على إنجاحه، حتى يعيش الجميع فى طمأنينة وسلام.

التشريع الإسلامى

أيها السادة الفضلاء:

ويقول الذين لا يعلمون أيضًا: إن أخوف ما يخافه الأجانب وغير الأجانب من هذه الفكرة مناداتها بالتشريع الإسلامى والعودة إليه، وأن هذه الدعوة رجعية تعود بنا إلى الوراء ألف عام، وتقودنا إلى همجية القطيع، ووحشية الرجم، وقسوة الحدود.

والذين يقولون هذا القول -أيها السادة- يظلمون التشريع الإسلامى أعنف الظلم، وكأنهم لا يفقهون منه إلا قطع يد السارق ورجم الزانى ولا شىء بعد ذلك، مع أن هؤلاء القائلين المتسرعين فى الحكم لو أنصفوا أنفسهم، وأنصفوا الحقيقة معهم، وتريثوا قليلاً، وبذلوا بعض المجهود فى سبيل المعرفة والوصول إلى الحقائق، لعلموا أمرًا عجيبًا: 

أن هذا التشريع هو أعظم الشرائع مرونة، وأشدها قبولاً للتطور والتجدد.

وأنه سبق جميع القوانين الحديثة بثروة ضخمة من المبادئ القانونية والوقائع، وقرر من ذلك ما يدهش له العارفون والفنيون من أهل التشريع والقضاء.

وأن فيه كثيرًا من الأحكام والصور التى تصون مصالح الأجانب وأموالهم وأعراضهم ودماءهم بأوفى -ألف مرة- مما تصونها لهم التشريعات الوضعية.

وأن قضية الحدود فى هذا التشريع أبسط من كل هذه الضجة التى يثيرها دائمًا ذوو الأغراض حولها؛ فإن الشارع الذى قررها وشدد فى إقامتها هو الذى قال للقاضى من جهة أخرى: "ادرءوا الحدود بالشبهات"، فرجع الأمر إلى أكبر حد -إلى تقدير القاضى لا إلى قوة النص، فضلاً عن الحكم العليا والأسرار البارعة فى هذا التشريع الكريم.

فلا خوف إذن من منادة الإخوان المسلمين بالرجوع إلى الشريعة الإسلامية، وهم يريدون بهذا النداء: 

أن تدرس الشريعة الإسلامية دراسة عملية واسعة تكشف عما فيها من كنوز ودرر، وأن تعتبر مصدرًا عالميًّا من مصادر التشريع الإنسانى، وأن تكون المصدر الأول للتقنين فى البلدان الإسلامية، فماذا فى هذا من الضرر بالأجانب، أو الإجحاف بمصالحهم، أو العدوان عليهم؟

وكثير من الأجانب أنفسهم كالمسيو لاهير منك سبق الإخوان إلى هذه الدعوة، وكثير من المجامع والمؤتمرات الدولية قد أقرها وزكاها، فلا موجب بعد هذا لأن تكون الدعوة إلى التشريع الإسلامى مثارًا للشبهات، أو مدعاة لخوف أو قلق، وهى شريعة العدل والرحمة.

وسائل الإخوان المسلمين

أيها السادة الفضلاء:

لقد قال مكاتب روتر المحترم المستر جون كيمش: إن الإخوان المسلمين يحاولون أن يصلوا إلى غايتهم بقوة السلاح الذي ادخروه فى المخازن العظيمة، وحصلوا عليه من البدو، فى الوقت الذي كانت الجيوش تتردد فيه بين جوانب الصحراء.

وهذا الكلام خيال لا حقيقة له، فأين كان هذا السلاح إبان سنى الحرب وأزماته؟ وماذا عسى أن يغنى فى وقت ألقى فيه عشرون مليونًا من البشر شكة السلاح من أحدث طراز؟ ولكن المراسل المحترم مشكور على كل حال؛ لأنه أتاح لنا فرصة الإعراب عن غايتنا ووسائلنا فى مثل هذا الاجتماع الكريم.

ونحن -أيها السادة- نعتمد على هذه الأسلحة الماضية التى لا تصدأ ولا تفل، ولا تنثنى ولا تزيدها الأيام إلا مضاء وقوة: 

العقيدة والإيمان

والتربية والنظام

والحجة والإقناع

فإذا وصلنا فذاك، وإلا فمقاومة سلبية يتلوها جهاد مشروع، ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ﴾[الحج:40].

جوالة الإخوان

ولقد كنا نتمنى -أيها السادة- أن تستعرضوا هذا الشباب وهو فى زيه الكشفى بملابس الجوالة، وعند الإخوان المسلمين عشرون ألفًا من هذا الطراز، حتى تتأكدوا أن ما ذهب إليه مراسل روتر من أن الإخوان المسلمين هيئة (فاشستية) نبأ صحيح، ولكن التبعة فى ذلك ليست على الإخوان، ولكن على اللورد بادن باول واضع نظام الكشافة العام، وعلى القانون الدولى الذى اعترف بهذا النظام وقرره وحماه ورعاه.

الخاتمة

أيها السادة الفضلاء:

أكرر لحضراتكم الشكر الجزيل، وأؤكد لكم أن هذه المبادئ التى عرضتها بين يديكم تخفق لها قلوب نصف مليون من أبناء مصر، أو 250 ألف على الرواية الأخرى، وهو عدد ليس بالقليل، ولا خلاف فى أنه يعبر عن خلجات ومشاعر وعواطف أربعمائة مليون مسلم وعربى على وجه الأرض.

وكلهم يحيونكم ويأملون منكم أن تكون أقلامكم وألسنتكم عونًا كريمًا لهم على أن ينالوا حقهم فى الحرية والاستقلال، وعلى أن يفسح لهم المجال لينضموا أعزة كرامًا إلى موكب الحياة العامل المجاهد السائر إلى المجد والرقى والسلام(5).

 

مع المرشد العام للإخوان المسلمين

حديث يفيض وطنية وقوة وصراحة

1-     الإسلام والسياسة.

2-     علاقات المسلمين بأبناء الأديان الأخرى.

3-     لجنة الاتصال بالأحزاب.

4-     موسم الحج وكيف يستفيد العالم الإسلامى منه؟

ملأ نشاط الإخوان المسلمين الوادى وامتد إلى الخارج، وتفتحت العيون الناعسة على أنوار فجر جديد بدأت تتلألأ فى الأفق، وتنبهت مشاعر الناس لمسرى نسيم عليل أخذ ينعش الأفئدة ويحيى الهمم ويجدد العزائم، بعد طول سبات، وركون إلى العبث، وتعلق بأسباب الخلاف!! فأحببنا ألا يفوت قراء الشرق الجديد –وهم فى الطليعة من أبناء الشرق–الوقوف على خطط ذلك النشاط، وما يرتجى منه ويعلق عليه من الآمال التى تزكيها الأعمال!

وفى مجلس ضمنا مع رأس الحركة المفكر وقائدها المدبر الأستاذ حسن البنا، وجهنا إلى فضيلته بعض الأسئلة التى تشغل بال الرأى العام عن حركة الإخوان، فتفضل بالإجابة عليها، وقد تضمنت حماسة ووطنية وصراحة تامة: 

الإسلام والسياسة

يحمد الناس جميعًا للإخوان خطتهم فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ولكن البعض يستغربون من جمعية دينية أن تدخل فى السياسة، ويطلبون إليها أن تدع ما لله لله وما لقيصر لقيصر! فما ردكم على هذا القول؟

إن تعاليم الإسلام كما تعلمون ليست فلسفية روحية فقط، ولكنها عملية إصلاحية كذلك، تتناول شئون الدنيا بالتنظيم الذى يؤدى إلى السعادة فى الآخرة، ويعين على صلاح النفوس وتطهيرها، ومن هنا كان الإسلام يعرض لنظام الحكم والقضاء والتشريع، ولحرية الأمة المسلمة وسيادتها، ولصلتها بغيرها من الأمم، وللجهاد فى سبيل إعلاء كلمة الله والاحتفاظ بوحدة المسلمين وسلطانهم وحرية أرضهم، كما يعرض تمامًا للصلاة والدعاء والذكر والاستغفار.

ومن هنا كانت كل هيئة إسلامية مطالبة بالعمل لتحقيق هذا النظام الإسلامى فى كل مظاهر حياة الأمة، وبما أن دعوة الإخوان المسلمين من أول يوم دعوة إسلامية صميمة، فإنها منذ ظهورها تتناول هذه النواحى كلها على أنها مما جاء به الإسلام الحنيف، فترشد المناصرين لها إلى إصلاح أنفسهم والتزام حدود الإسلام وأوامره فى نوازعهم الشخصية وحياتهم الفردية، وإلى طبع بيوتهم بطابعه، وإشاعة تعاليمه فى كل محيط يكونون فيه، كما تنادى كذلك بإصلاح نظام الحكم وباعتبار الشريعة الإسلامية المصدر الأول للتقنين والتشريع فى البلاد الإسلامية، وبتركيز المعاهد والمدارس ومناهج التعليم على قواعد صحيحة من الشريعة الإسلامية الفاضلة، ومحاربة الموبقات التى اعتبرها الإسلام جرائم اجتماعية كالخمر والزنا والربا... إلخ، ومراعاة الفرائض والشعائر التى افترضها الإسلام على المؤمنين به...إلخ 

وكما تعمل لاستعادة حرية الوطن الإسلامى وسيادته واستقلاله، وترى أن هذا كله مما يفرضه الإسلام ويوجبه على كل مسلم، فضلاً عن هيئة إسلامية منظمة منتشرة كهيئة الإخوان المسلمين. وليس ذلك فى عرفنا نحن اشتغالاً بالسياسة، ولكنه تحقيق لأغراض الإسلام.

والله فى الإسلام لم يدع شيئًا لقيصر، ولكن قيصر وما "تقيصر" عليه لله رب العالمين ﴿بَلْ لِلَّهِ الأمْرُ جَمِيعًا﴾[الرعد:31] والذين يستغربون هذا الموقف إنما يفعلون ذلك بتأثير عاملين: الجهل بتعاليم الإسلام، والتأثر بالفكرة الأوربية التى فصلت الدولة عن الكنيسة منذ فجر النهضة الحديثة عندهم، وليس عندنا نحن المسلمين دولة وكنيسة، ولكن عندنا حاكم مسئول عن رعيته فى دينها ودنياها على السواء.

خوف لا مبرر له

يخشى البعض أن تؤدى حركة الإخوان إلى حدوث خلاف بين أبناء الأديان المختلفة فى الشرق، وهو ما يعطى الغرب حجة لاستمرار التدخل، فما مبلغ هذا الكلام من الصحة؟

أما الخوف من حدوث خلاف بين أبناء الأديان المختلفة فى الشرق فهو خوف لا مبرر له، وإنما تزكيه فى النفوس الدعاية الأجنبية التى تحاول دائمًا أن تبعد المسلمين عن هدى دينهم وتعاليمهم، وتقيم فى وجوههم الحوائل والعقبات كلما أرادوا ذلك أو حاولوه.

وهذا الخلاف موجود فعلاً الآن ولا دواء للقضاء عليه إلا إذا قويت روح الإسلام فى نفوس أبنائه، وهو دين يطبع على التسامح والرحمة، ويفرض الإيمان بالأديان جميعًا، والتصديق بالكتب جميعًا، ويثنى على الأمم السابقة كلها، فإذا قويت روحه فى نفوس المؤمنين به وبادلهم هذا الشعور من التسامح والرحمة غيرهم من أبناء الأديان الأخرى كان هذا أقرب وأنفع علاج للخلاف الدينى بين الطوائف والجماعات. والله تبارك وتعالى يقول فى القرآن الكريم: ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾[الممتحنة: 8]، وهذه حماية قرآنية أقوى فى نفس المؤمنين وأشد أثرًا فى المجتمع من كل حماية سياسية. وتاريخ الإسلام أفضل شاهد على ذلك، وإذا كان فيه من الحوادث ما ينافى هذا المعنى، فهى حوادث فردية وقعت حينما ضعفت روح الإسلام فى نفوس المسلمين، وغلبتهم عليه العوامل السياسية والاجتماعية البحتة.

ومن هنا أؤكد لك أن خير ضمان للوحدة والتعاون بين أبناء الأديان المختلفة فى الشرق أن تظهر حركة الإخوان فتقوى بظهورها روح الإسلام، وأن يحسن غير المسلمين الظن بإخوانهم ويبادلوهم الشعور بالتسامح والتعاون، وألا يصغى أحد من الفريقين إلى غير ذلك من الدعايات.

أول الغيث

أصدر مؤتمر الإخوان فى (2شوال سنة 1364ﻫ الموافق 8 سبتمبر 1945م) قرارات فى القضية الوطنية لوادى النيل وسائر البلاد العربية والإسلامية، كما قرر تأليف لجنة للاتصال بزعماء الأحزاب لتذكرهم بواجبهم نحو هذه القضية وتدعوهم إلى القيام به، فما الذى صنعته اللجنة فى أداء مهمتها؟ وما هى النتائج التى توصلت إليها؟

تألفت لجنة فعلا من خلاصة الإخوان، واتصلت بدولة رئيس الحكومة بصفته الرسمية وبصفته الحزبية كذلك، واتصلت بكثير من رؤساء الهيئات والأحزاب، ووجدت الاستعداد الطيب من الجميع، ووعد الجميع بمواصلة العمل فى خدمة القضية الوطنية وشكروا للإخوان براءة مقصدهم، واستطاعت اللجنة بهذا الاتصال أن تضع أمام مكتب الإرشاد وجهات النظر المختلفة من جهة، وأن تثير حركة لا بأس بها فى مختلف الأوساط من جهة أخرى، وإن كنا نأمل الوصول إلى أكثر من ذلك. وأول الغيث قطر كما يقولون.

الحكومات والحج

هل يمكن أن تستفيد قضية العالم الإسلامى المشتركة من اجتماع المسلمين من جميع الأمصار فى موسم الحج القادم؟ وما الذى اعتزمه الإخوان لهذه الغاية؟ 

يمكن أن يستفيد المسلمون من الموسم فى أى عام إذا أعانتهم حكومة الحجاز وحكوماتهم المحلية أولاً على ذلك، واشتركت فى التنظيم الهيئات الشعبية العاملة بصورة مرتبة منسقة؛ أما على هذا الوضع فلا يعدو الحج أن يكون رحلة ممتعة لعبادة كريمة وفريضة قويمة وقد يلتقى بعض كبار الرجال ولكن هذا اللقاء ليس مقيدًا بالموسم، وقد تقدم الإخوان بعدة اقتراحات إلى الحكومة المصرية فى هذا المعنى، وهم سيعاودون الكرة مرات حتى تتحقق المنافع التى أشارت إليها الآية الكريمة مع ذكر الله ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِى أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾[الحج: 28] 

الدليل العملى 

أعلنتم عن مشروع إعلان مطبعة إسلامية، وجريدة يومية تنطق بدعوة الإخوان برأسمال قدره مائة ألف جنيه، يقسم إلى أسهم متساوية كل منها بمبلغ أربعة جنيهات فما الذى تم فى هذا المشروع؟

يسير هذا المشروع سيًرا حسنًا بتوفيق الله وهمة الإخوان، ولولا أن فترة الصيف وشهر رمضان وموسم الإجازات عاجلت هذا المشروع فى أول ظهوره، لانتهينا منه بحمد الله، وأرجو أن يكون ذلك فى القريب، وسيكون ذلك دليلاً عمليًّا آخر على أن الجماعة المخلصة إذا عملت واتجهت، أيدها الله وأجرى على يديها الخير، وهو نعم المولى ونعم النصير(6).

 

المبادئ التى يجب أن يبنى عليها العالم الجديد

لفضيلة الأستاذ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين

•       المؤتمر السنوي العام للإخوان المسلمين بمنى.

•       وسائلنا إلى أهدافنا.

•       موقفنا من القضايا الإسلامية العامة.

•       كيف يكون الحج محققا لأهداف الشريعة؟

نحن الآن فى دار الإخوان المسلمين والدار تموج بمن فيها من الوافدين الذين جاءوا من أطراف القطر يهنئون فضيلة الأستاذ حسن البنا بعودته من الأقطار الحجازية على رأس بعثة الإخوان المسلمين، وهؤلاء خطباء الإخوان يتعاقبون على منصة الخطابة تلمح فى عباراتهم وحماسهم روحًا جديدة يندر أن يجدها الإنسان خارج هذه الهيئة، ورغم الازدحام الشديد استطعت أن أجد طريقى، ولم أسمع من أحد من الواقفين أى اعتراض أو امتعاض، وتكاد تحس أن لو تضاعف العدد ما فارقت الابتسامة وجوه هؤلاء الإخوان.

واستمعت إلى هذا العقل الجديد وإلى الروح الجديدة التى تمتلك قلوب نصف مليون من خيرة شباب الإسلام...

بعد أن انتهى الحفل تقدمت إلى الأستاذ المرشد بالتهنئة باسم "الشرق الجديد" واستأذنته فى فرصة من وقته يجيب فيها عن بعض الأسئلة، فقال بابتسامته المعروفة: "مرحبًا بالشرق الجديد، هات ما عندك!"

1-     ما أهم ما استرعى انتباه فضيلتكم فى موسم الحج، وما رأيكم فى تطور الفكرة الإسلامية فى العشر سنوات الأخيرة؟

فقال: هناك أمور كثيرة يمكن أن يلاحظها الحجاج فى الأقطار الحجازية، فالغلاء مثلاً ملحوظ، وقد يرجع هذا -إلى حد ما- إلى طبيعة الموسم واشتداد الطلب على المعروضات المحدودة، ثم النشاط الاقتصادى الأجنبى الذى يوجب أن يحرك العزائم الإسلامية للقيام بالمشروعات الحيوية التى تعود بالخير على الحجاج، فإذا ما أصبح محور النشاط إسلاميًا وتنظيم عمليات التجارة قائمًا على أساس دقيق أدى ذلك إلى تقدم البلاد الاقتصادى، وإلى ارتفاع مستواها، وهو ما يتمناه كل محب لدينه وعقيدته.

الوعي الإسلامي

أما عن الوعي الإسلامي، فنحمد الله كثيرًا على تيقظ المسلمين فى الوقت الحالى. ولقد زرت بيت الله منذ عشر سنوات وزرته فى الموسم الأخير فسررت للروح الجديدة التى بدت من الحجاج والاتجاه الكريم نحو العمل المنتج من أجل القضايا المشتركة.

وأعتقد أن هذا الوعى لو وجد طرقه الصحيحة ليعبر بها عن وجوده، ولو قام قادة الفكر فى العالم الإسلامى برعايته الرعاية الواجبة، ووجهوا شبابنا وأبناءنا إلى أهدافهم الحقيقية لكان لهذا الوعى أثر خطير فى ماجريات الحوادث فى العالم الإسلامى، وهو ما بدأت تظهر بوادره فى تضامن الشعوب الإسلامية واتجاهها صوب هدف واحد.

2-     ما هى الجهود التى قام بها الإخوان فى موسم الحج؟

كان أعضاء البعثة على اتصال دائم بالوفود من مختلف أجزاء العالم الإسلامى للتفاهم فيما يجب على الأمم الإسلامية أن تقوم به فى هذا الظرف الدقيق الذى يجتازه العالم فى مرحلة من أخطر مراحل التاريخ، ولقد وجدنا والحمد لله استعدادًا كريمًا من الحجاج إلى العمل المنتج فى سبيل القضية الإسلامية، كما قام الإخوان بإلقاء دروس ومحاضرات وبحوث فى كل مناسبة وفرصة سنحت لهم، مما أدى إلى تعرفنا إلى مجموعة ضخمة من الأنفس القوية التى تود أن ترى أثر جهادها المبرور إن شاء الله.

 ولقد قامت البعثة بعقد مؤتمر جامع فى منى واجتماعات عامة فى جدة ومكة والمدينة.

3-     ما هى الموضوعات الأساسية التى تناولها الإخوان فى مؤتمراتهم؟

تناولنا قضية المبادئ الإنسانية العامة التى يجب أن يبنى عليها العالم الجديد، وبينا للناس كيف أن هذه المبادئ قد أعلنت فى هذه المواطن المقدسة من قبل، وأن الإسلام قد دافع عن مقدسات الإنسانية من حرية العقيدة والفكر، وعالج مشاكل الحياة الاجتماعية من الجهل والفقر والمرض، ودفع الإنسانية كلها إلى عالم جديد من الخير والسلام تباركه العناية الإلهية التى رضيت للناس الإسلام دينًا.

وكانت مشاكل العالم الإسلامى فى صلب برامج مؤتمراتنا، ولقد وضح إخواننا الفلسطينيون والإندونيسيون والمغربيون ما يلاقونه من عنت وإرهاق، وما يراد بهم من أمور لم تعد خافية على أحد، وكان إحساس أهل الموسم بهذه القضايا إحساسًا عميقًا يجب أن يحسب له أولو الأمر حسابه عندما يضعون هذه الأمور فى الميزان.

4-     هل يفكر الإخوان المسلمون فى عقد مؤتمر إسلامى جامع؟

هذا قرار من قرارات الجمعية العمومية للإخوان المسلمين وسيعمل الإخوان على إنفاذه إن شاء الله، ولكن الجديد أن هناك فكرة عقد مؤتمر سنوى دورى من شعب الإخوان فى العالم الإسلامى فى (منى) إذا سمحت بذلك الظروف.

5-     هل تعتقدون أن الحج بوضعه الحالى يحقق الأهداف الحقيقية التى هدفت إليها الشريعة؟

أعتقد أنه للوصول إلى هذه الأهداف وتحقيقها لا مناص من تعاون الشعوب الإسلامية، وإشراف البعثات على ذلك إشرافًا فعليًا، فلا بد من تنظيم موارد المعيشة للحجاج، وتنظيم طرق المواصلات، ثم تنظيم الاتصالات بين الوفود الإسلامية حتى يتحقق معنى التفاهم بين الشعوب، وحتى يستطيع الجميع أن يجتمعوا على كلمة سواء ورأى جامع فى قضاياهم الرئيسية.

ويحسن فى هذا أن تتصل الهيئات والحكومات بعضها ببعض قبل الموسم لإعداد ما يلزم، وذلك أمر طبيعى يتبع قبل عقد أى مؤتمر(7).

 

هؤلاء قالوا لى ... تعليقات حول المفاوضات

فضيلة الأستاذ حسن البنا:

صرح لنا صاحب الفضيلة الأستاذ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين بقوله:

 "إن أهم ما يجب أن تتجه إليه جهودنا فى مصر أفرادًا وجماعات هذه الظروف التى نتفاوض فيها مع الإنجليز على تحقيق أهدافنا القومية: هو تزويد المفاوض المصرى بالقوة التى تسنده وتشد أزره، بحيث لا يحاول تثبيط عزيمته، أو خلق المتاعب فى طريقه.

 وإنه ليحسن بنا فى سبيل هذا الشأن ألا نطعن فى أى مفوض، وألا ننبش قبور الماضى، بل يلزمنا أن نتطلع بعين الرجاء إلى المستقبل، آملين فيه الخير! إننا جميعا نروم أن يتحد المصريون؛ لأن الانقسام هو نقطة الضعف الوحيدة فينا .. على البلاد كلها، وهى على أبواب هذه المرحلة الدقيقة التى سوف تقرر مصيرها، تشعر بأن فى طرحها كل نزعة تغالى فى الخصومة الحزبية ما يحقق الوحدة المنشودة التى تفتقر إليها، والتى سوف تكون عدتها فى جهادها المرتقب إذا تعرضت حقوق لأى مغمز أو مطمع، أو إذا لم تفض المفاوضات إلى تقرير هذه الحقوق المقدسة"(8).

 

الإخوان المصريون

طلب إلينا كبير أن نقترح على فضيلة الأستاذ حسن البنا أن يغير اسم جماعته من "الإخوان المسلمين" إلى "الإخوان المصريين" حتى يبعد بهذا عن جماعته شبهة الطائفية والتفريق بين أبناء الوطن الواحد..

وقد نقلنا هذا الاقتراح إلى فضيلته. فكتب إلينا ما يلى: يعتقد الإخوان المسلمون أن الحياة الإنسانية السعيدة لن تقوم بغير المعانى الروحية، وأن أية نهضة تخلو من هذه المشاعر تكون نهضة ناقصة؛ ذلك لأنه لا الفكرة القومية وحدها، ولا الوطنية المجردة، ولا الأفكار الاقتصادية البحتة بقادرة على أن تدفع الحياة الإنسانية إلى الكمال المنشود.

كما أن الإخوان المسلمين يودون أن تكون فكرتهم أوسع من أن تظل إقليمية عنصرية، ولهذه الأسباب استندوا فى حركتهم إلى تعاليم الإسلام وروحه وأطلقوا على هيئتهم اسم "الإخوان المسلمين".

أما شبهة الطائفية ونحوها فهى مدفوعة بالإسلام نفسه الذى جاء شريعة إنسانية، توصى بالرحمة والعدل بين الناس جميعا، وفى هذا يقول القرآن الكريم ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾[الممتحنة:8].

وما كان التمسك بالإسلام فى يوم من الأيام مصدر خصومة بين أبناء الوطن الواحد. ولعل من العوامل التى تجعل الإخوان يحرصون كل الحرص على التمسك بهذه التسمية أن يظهروا. هذه الحقيقة فى شريعة الإسلام(9).

 

تعريف حادث بورسعيد

الشيوعية تتعارض مع الإسلام

بدأ الأستاذ حسن البنا حديثه معى بشرح موقف الإخوان المسلمين من الوفد ومن رفعة النحاس باشا. فقال:

نحن لا نكره النحاس باشا، وليس من برنامجنا أن ندخل مع الوفديين أو غيرهم فى مهاترات وخلافات شخصية.

أما حادث بورسعيد فقد كان حادثا فرديا وقع فجأة، ولم نكن نحن البادئين!

وقد طفت بمديريات الوجه البحرى والقبلى دون أن يحدث أى احتكاك، وقد دعوت الوفديين فى البلاد التى زرتها ليستمعوا إلى الخطب التى ألقيتها، ولبى الكثيرون دعوتنا، ولكن رفعة النحاس باشا لم يعجبه هذا فاستدعى بعضهم وأنبهم، وعبثا حاولوا إقناع رفعته بأن دعوة الإخوان ليست موجهة ضد الوفد!

ثم قال فضيلته:

وهنا أؤكد لك أن جريدة الوفد كانت تدافع عن الحاخام، وتهاجمنا ونحن لا نرد، لأننا لا نريد أن ننزلق إلى ميدان المهاترات التى أخرت السياسة المصرية فى الربع قرن الماضى!

وسألته:

هل فرغتم من أداء رسالتكم الدينية والاجتماعية وقضيتم على البدع والخرافات، ولم يبق أمامكم إلا السياسة فاشتغلتم بها؟

فقال فضيلته:

إن رسالة الإخوان رسالة إسلامية جامعة، والمعاني الوطنية- أو إن شئت السياسية- من صميم ما جاء به الإسلام، فلا تنتهى رسالة الإخوان حتى يستقيم أمر المجتمع المصري في كل شؤونه –ومنها هذه الشئون السياسية- على قواعد الإسلام وتوجيهاته!

وبما أن هذا الظرف بالذات هو ظرف تقرير المصير -كما أنه أنسب الأوقات للمطالبة بالحقوق القومية-فإن الإخوان يرون من واجبهم –كهيئة إسلامية مسئولة- أن يساهموا بأكبر قسط فى هذا الميدان.. أعنى الميدان السياسى.

وليس معنى هذا أنهم قد انصرفوا عن محاربة البدع والخرافات والدعوة إلى معرفة الله، وهى من قواعد الإسلام الأساسية، فإنهم دائبون فى كل دروسهم وكتاباتهم على تناول هذه المعانى نظريا وعمليا فى عناية وإسهاب!

قلت: هل تستطيع الشيوعية أن تجد لها مكانا فى البلاد الإسلامية؟

قال: فى الإسلام ما يغنى الشعوب الإسلامية عن كل ما سواه من المبادئ.. وخصوصا وهو قد اهتم بالتقريب بين الطبقات، ورعاية المساواة والعدالة الاجتماعية وإشراب ذلك بروح العطف والتكافل..

ولو طبقت مبادئ الإسلام تطبيقا صحيحا، لما وجدت المبادئ الشيوعية أو غيرها أى مجال!

إذا لم تعجبكم المعاهدة الجديدة، فهل ستعارضونها؟ وكيف؟

إذا لم يحقق الاتفاق بين مصر وبريطانيا كل مطالبنا الوطنية التى أجمعت عليها هيئات الأمة -حكومة وشعبا- وهى الجلاء التام ووحدة وادى النيل والحرص على استقلاله استقلالا كاملا، فإن الإخوان المسلمين سيعارضونها -ولا شك- بكل الوسائل الممكنة!(10).

 

مع المرشد العام للإخوان المسلمين

هل ينظم الإخوان أنفسهم كدولة داخل الدولة؟

ما إن بلغنا عودة الأستاذ حسن البنا المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين من رحلته الشاقة الطويلة فى سائر أنحاء الصعيد حتى أرسلنا مندوبنا ومصورنا إلى المركز العام للإخوان بالحلمية الجديدة، حيث فاجأنا فضيلته وهو جالس فى غرفته بالدور الأول يستقبل وفود الزوار والمهنئين بسلامة الوصول، وكان يرتدى ثيابًا عربية جميلة فبادر مصورنا إلى تسجيل صورته بها فى الحال، وبذلك انفردت نداء الوطن بنشر أول صورة للمرشد العام فى هذه الثياب. 

هنأنا فضيلته بسلامة الوصول، ثم دار بيننا حديث متقطع تخللته التحايا المتبادلة بين الأستاذ البنا وبين زائريه من حين لآخر، حتى لقد كان الأستاذ السكرى يجيب بالنيابة عن جماعة الإخوان على بعض الأسئلة عند انهماك المرشد العام مع الوفود.

سألنا فضيلته: اليوم وقد عدتم فضيلتكم من رحلتكم إلى الصعيد ماذا لمستم من شعور الأهالى، وهل ترون هذا الشعور مبشرًا بالخير؟

فأجاب فضيلته مخاطبًا جميع الزوار فى نفس الوقت: نعم لقد كان شعور الإقبال طيبًا يبشر بالخير، وقد بدت الأمة أينما سرنا مسلمة عن إيمان خالص، وبعد أن كانت الدعوة الإسلامية تقابل بفتور -بل وتعد تأخرًا فى نظر البعض- أصبحت الجماهير تتلقفها بحماسة بالغة بعد أن تخلصت من مركب النقص، ولم تعد تنساق كالعمياء فى ركاب الغربيين.

 وهنا سألت فضيلته فى شبه همس: 

أو لم يحدث حوادث مماثلة لذلك الذى وقع فى بور سعيد؟

لا. وكان شعور الجميع طيبًا فى كل مكان.

ولماذا انفردت بور سعيد بهذا الحادث؟

هو سوء تصرف من بعض رجال الإدارة فى المدينة.

 وهنا أفاض الأستاذ فى ذكر بعض التفصيلات التى ليست للنشر بطبيعة الحال. 

نريد أن نعرف شيئًا عن أسباب النزاع الحالى بين الوفد والإخوان؟

سل الوفد عن هذا! لماذا تسألنا نحن؟!

لقد قال الوفد فى صحفه الكثير ونريد أن نسمع من فضيلتكم شيئًا، نريد أن نعرف ما إذا كان هذا النزاع بفعل دسائس بعض العناصر الدخيلة أم لأسباب أخرى؟

أتريد الجواب؟

لو سمح وقتكم بهذا. 

وهنا تدخل الأستاذ السكرى بناء على إشارة خفيفة من المرشد العام وتكلم بالنيابة عن الإخوان فقال:

نحن لا ندرى سببًا لاختلاف الوفد معنا، فالإخوان بطبيعتهم قوم مسالمون لا يسيئون إلى أحد ولا يعتدون على إنسان. ولكم نادوا -وما برحوا ينادون- بأن نجاح الأمة لن يكون إلا بالتكتل والاتحاد، فلا يعقل أن يعملوا من جانبهم على إثارة خلاف أو فرقة، وهذا الخلاف الذى تسأل عنه بدا من الجانب الآخر، وقد وقع بكل أسف فى وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى تناسى الأحقاد، ولا يغيب عن الذهن أن العدو يعمل جاهدًا للتفرقة بين عنصرى الأمة جميعًا، وكل من يساعده على ذلك يضحى بمصلحة الوطن.

ثم انتقلنا إلى حديث المستوصفات والمتاجر والمصانع ومختلف المؤسسات التى أنشأها الإخوان فقلت متسائلاً:

هل أفهم من هذا أن الإخوان ينظمون أنفسهم كجماعة مستقلة تستطيع أن تعيش كدولة داخل الدولة، وتنمو باطراد حتى تحيط بأطراف البلاد!

وهنا قال الأستاذ البنا: قلنا أكثر من مرة: إن الإسلام فى تشريعه ونظامه يتناول كافة نواحى المجتمع سواء الاقتصادية منها أم الاجتماعية أم السياسية. والإخوان حينما يقومون بدراساتهم المنوعة فى كل من هذه النواحى لا يدرسون لمجرد الدراسة العلمية، وإنما ليطبقوها فى محيطهم، وليكون نشاطهم دليلاً عمليًّا على سمو رسالتهم، وعلى كفاية النظام الإسلامى لحاجات الدولة الحديثة. ونرجو أن ينجح الإخوان عن قريب فى تطبيق كافة النواحى حتى يتم بناء مصر الإسلامية القوية الجديدة على أساس أفضل المبادئ وأعدل الأوضاع.

وما موقف الجماعة من بقية الأحزاب الأخرى؟

قامت الجمعية لنشر روح الإسلام وتعاليمه بعد أن بعدت الشقة بيننا وبين العهد الأول للإسلام، وبعدما بلبلت الحضارة الغربية أفكار الناس، فكان طبيعيًّا أن تجد الجمعية إقبالاً من جميع الناس على اختلاف مذاهبهم السياسية، ولما كانت السياسة عندنا وسيلة لا غاية كان من الطبيعى أن ينضوى تحت لواء الجمعية أعضاء من جميع الأحزاب يعيشون معا داخل جدران الجمعية فى وئام وسلام، ويعملون فى الخارج، كل بوسيلته لنشر مبادئها وهى مبادئ الإسلام(11).

 

نحن لا نسعى للحكم

...ادخل مرة، وأنت فى طريقك إلى (الحلمية).. حيث تقع الدار التى اتخذتها (الإخوان المسلمون) مركزًا لهم إلى مكتب فضيلة المرشد العام الأستاذ حسن البنا، لتدرك بعد أول دقيقة تجلس فيها إليه -وهو بين أنصاره الكثيرين ومؤيديه ومريديه- كيف شاء الله أن (يجمع العالم فى واحد)!

وحاول وأنت جالس فى مكتب المرشد، أن ترقب ما يدور حولك من مظاهر النشاط وألوان الأحاديث المتبادلة، لتعلم بعض دقائق السر فى مقدرة هذا الرجل على إرضاء الجميع؛ بحيث ينصرفون -على تباين حاجاتهم، وتفاوت عقلياتهم- مؤمنين به، مطمئنين إليه، من دون أن يشذ منهم فرد واحد!

وفى هذا الوقت يشتد الصراع بين الأحزاب عندنا، ويحاول البعض أن يلصق بالجماعات الدينية -ولا سيما بعد أن شملت جهودها الناحية السياسية- تهمة إحداث الفتنة فى الأمة.

ولهذا فقد قلت للأستاذ البنا وأنا أحادثه فى شأن اختلاط السياسة بالدين:

ألا تعتقدون أن الدين إذا اختلط بالسياسة فسد كلاهما، وأمامنا شواهد التاريخ فى الأمم فهى كثيرة؟

فأجاب: نحن نعتقد أن الدين الإسلامى جاء بأحكام لا يمكن أن تكون نافذة إلا بالسلطة التنفيذية، وعلى ذلك فالدين فى الحقيقة، لا يمكن أن يستغنى عن السياسة، كما أن كل سياسة لا يكون أساسها خوف الله، والتشبع بالمثل العليا، التى جاء بها الدين، تكون سياسة فاشلة، ومعنى هذا أن السياسة لا يمكن أن تستغنى عن الدين، وفى هذه الحدود يجب أن يتعاون الدين والسياسة؛ ولهذا جاء الإسلام يجمع بينهما. أما إذا خضع الدين لأهواء السياسة، أو ادعى الساسة أن تصرفاتهم دينًا تفرض له القداسة، فسد الدين وفسدت السياسة!

ولقد احتاط الإسلام لذلك فاستوعب الجزئيات فى الناحية الدينية ولم يترك لأحد فيها قولاً، وحرم فى ذلك الزيادة والنقصان، واقتصر فى الجزئيات على المعانى الكلية، ووسع على الساسة فى أساليب التطبيق حسب تطور الأزمان والحوادث!

ومن درس طبيعة الإسلام دراسة دقيقة علم أنه ليس دينًا فقط، ولكنه نظام للحياة الكاملة، يشمل المعانى الدينية، والمعانى السياسية على السواء. 

قلت: ولكن الأحزاب والتشكيلات الدينية -حتى وإن وصلت إلى كراسى الحكم- لا يمكنها أن تحدث إصلاحًا، أو تنتج ثورة فكرية ذات مبادئ؛ لأن الدين فى الغالب، -لاسيما فى الشعوب التى تتعدد فيها المذاهب- يحدث فتنة بين المواطنين فما قولكم؟!

أجاب: المعروف أن الدنيا لم تر ثورة فكرية ذات مبادئ كتلك الثورة التى جاء بها الإسلام...

ولم تر المجتمعات البشرية  إصلاحا كهذا الذى رأته فى ظل حكم الخلفاء الراشدين.

أما حدوث الفتنة فى الشعوب التى تتعدد فيها المذاهب، فذلك بلا أدنى ريب مع غير الإسلام؛ لأن الإسلام قد جاء بمعنى لا حدود له من التسامح، ذهبت معه الأحقاد والضغائن، وعاش فى ظله كل المواطنين سواء فى الحقوق والواجبات لهم ما لنا، وعليهم ما علينا.

 أما الفتنة -التى تشير إليها- فإنما جاءت من الدسائس الأجنبية، التى لا تمت إلى طبيعة الدين، أو الدعوة الدينية فى قليل أو كثير، ولو لم تجد هذه الدسائس منفذًا من الدين، لخلقت التعلات والمنافذ، لتصل إلى ما تريد من أسباب التفريق، بالحق وبالباطل.

 قلت: إن الأحزاب المادية أى "اليسارية"الموجودة فى أوروبا الآن تكتسح على الدوام الأحزاب الوسط، أو اليمينية، فهل يستطيع الإخوان المسلمون -ودعوتهم روحية- إذا وكلت إليهم السلطة التنفيذية، (أى الحكم) أن يحققوا للبلاد ما تحققه الأحزاب المادية؟ 

أجاب: يا سيدى لا تنس أن الإسلام لم يهمل الناحية المادية، بل جعلها قرينة للناحية الروحية، فالإسلام مادة وروح معًا، وكل الذى امتاز به أنه كفكف من غلواء الجشع المادى بالإشراق الروحى، ولكنه لم يتخيل الروح أبدا بغير مادة، ولم يكن شريعة فردية ، ولكنه شريعة مجتمع ينظر إلى الواقع ويقدره، ويرقى بالناس إلى مثلهم الخيالية بوسائل عملية مادية!

ولا تنس كذلك أن مجرد التفكير المادى فى منتهى الخطورة على أقدس ما فى الإنسان، وهو إنسانيته التى ترتكز على الفضائل والمثل العليا.

 ولو أسند الحكم إلى هيئة تعتمد على الإسلام فى برنامجها لرأيت عجبًا فى سعادة الناس ورفع مستواهم المادى، فى ظل هذا الوجدان الروحى العجيب.

وأحب أن أؤكد لك أن (الإخوان المسلمين) لا يطلبون الحكم لأشخاصهم، ولكنهم يتمنون أن يجدوا من الناس من يؤمن بهذه الدعوة، ويخلص لهذا المنهاج، ليكونوا عدة، وهم يفضلون دائما أن يكونوا مع الشعب وللشعب(12).

 

واجبنا فى الظروف الحاضرة!

لفضيلة المرشد العام الأستاذ حسن البنا

جمعية الإخوان المسلمين تأسست منذ عهد طويل، ولكنها شغلت الرأى العام المصرى، بل والعالمى فى السنوات الثلاث الأخيرة، فقد كثر عدد الأعضاء المنتمين إليها ولا زال آخذًا فى الازدياد، وأينما جاس الإنسان خلال المدن والقرى والكفور وجد شعبة من شعب الإخوان، وقد علمنا أن عدد تلك الشعب بلغ فى العام الماضى 2500 عدا ما أنشئ هذا العام، وخلاف ما افتتح فى سوريا ولبنان وفلسطين وشرق الأردن والسودان والهند وغير ذلك من الأقطار.

 ونزل الإخوان إلى ميدان السياسة على اعتبار أن الدين سياسة والدين يدعو إلى تحرير الأوطان من كل استعمار أو استعباد، ورفعوا راية العدوان والعصيان على إنجلترا، فأسقط فى يدها وخشيت مغبة ذلك العداء، وأرسلت الحكومة البريطانية إلى الحكومات المصرية البرقية تلو البرقية تحذرها من خطر تلك الجمعية الناشئة. 

وقد رأينا أن نستطلع رأى الأستاذ حسن البنا المرشد العام للجمعية فى بعض الأمور، فتوجه مندوبنا إلى المركز العام وتمكن فعلاً من الوصول إلى مركز الأستاذ المرشد بعد مناقشات ومحاورات بينه وبين رجال البوليس العسكرى والسياسى. 

وهناك فى الطابق الثانى من دار الإخوان كان المرشد جالسًا على مكتبه يجيب على أسئلة الموظفين، وعلى رنين أسلاك البرق، وبين هذا الضجيج وذاك العجيج تمكن مندوبنا من أن يوجه بعض الأسئلة إلى الأستاذ المرشد ويدون إجاباته: 

1-ما رأى فضيلتكم فى الموقف السياسى الحاضر؟ وما هى الطرق التى يجب اتباعها لتحقيق مطالبنا القومية؟

رأى الإخوان المسلمين فى الموقف السياسى الحاضر معروف، وهم كوطنيين مخلصين يرون أن التحالف بينها وبين البريطانيين كما هو فى المشروعات التى عرضت جميعها ضار ولا لزوم له. والجلاء من حقنا بحكم استقلالنا وبحكم اشتراكنا فى هيئة الأمم المتحدة.

 ويجب على الحكومة أن تتخلص من هذه المفاوضات وتلجأ إلى التحاكم الدولى، وتنظيم قوى الأمة للعمل الجدى، وبكل وسيلة فى سبيل تحقيق مطالب البلاد. 

2-ما هى التعديلات التى تراها فضيلتكم لازمة لإدخالها على الدستور حتى يتلاءم وتعاليم الإسلام؟

هذا باب واسع ويجب تأليف اللجان الفنية المختصة لإعادة النظر على ضوء التطورات الموضعية والعالمية، والقاعدة التى يتمسك بها الإخوان فى ذلك وجوب الأخذ عن التوجيهات والمبادئ التى جاء بها الإسلام الحنيف، والاعتماد على كل ما يقوى روح القومية، والتخلص من نير التقليد الأجنبى. 

3-ما هو السر فى اضطهاد الحكومات المختلفة لجمعية الإخوان المسلمين؟

يحسن توجيه هذا السؤال إلى الحكومات فهى أولى بالإجابة عليه.

4-جاءتنا برقية من مراسلنا فى سوريا ولبنان يقول فيها: إن لجان الجمعية هناك عقدت مؤتمرًا عامًّا وأرسلت إلى جلالة الفاروق برقية تحتج فيها على مناوأة الحكومة للإخوان المسلمين واضطهادهم؛ لموقفهم الوطنى إزاء المطالب القومية، فهل يفهم من ذلك أن الشعبين السورى واللبنانى على استعداد للوقوف إلى جانب مصر فى نضالها ضد المحتل الأجنبى؟

إن عقد المؤتمر معناه الاشتراك معنا فى نضالنا ضد أعدائنا، وهم فعلاً مشتركون، وكل عربى فى أنحاء المعمورة لا يضمر لمصر إلا كل خير وفلاح(13).

 

هل أنت راض عن قانون الانتخاب الحالى؟

ما الذى تراه لإصلاح هذا القانون أو لاستكماله

فضيلة الشيخ حسن البنا (الإخوان المسلمين):

ليست العبرة بالقانون، ولكن العبرة باليد والنفس والضمير والذمة التى تقوم على تنفيذه.

فإذا وضعت شروط للمرشحين للنيابة، وحدود للدعاية الانتخابية، وعقوبات صارمة للمزورين والمساعدين على التزوير، وروعيت الذمة فى تنفيذها، وعممت البطاقات الشخصية للناخبين، فكل قانون صالح بعد ذلك(14).

 

مظاهرات كبيرة فى القاهرة للاحتجاج

على موقف مجلس الأمن فى قضية البلاد

ذهب مندوبنا للأستاذ حسن البنا وسأله بصدد حوادث أمس فقال: 

إن الشعب المصرى فى غاية الاستياء لما حدث أمس فى مجلس الأمن، وقد أردنا أن نظهر مشاعرنا فتجمعنا فى هيئة مظاهرة قاصدين قصر عابدين لنظهر هذا الشعور، ولم يكن فى النية اعتداء على رجال البوليس أو غيرهم، لم نعتد على المحال العامة ولا على الأجانب، والشعب المصرى يدرك أن مهمته شاقة. فسألته: هل تعرف من الذى أطلق عليك العيار النارى؟

فأجاب: إنى أصبت فى ذراعى الأيمن، وأنا فداء مصر، وعند خروجى من الجامع الأزهر تصدى لى البوليس بلا سبب وذكرت ذلك فى محضر النيابة(15).

 

الحديث الذي أدلى به الشيخ حسن البنا

بعد حل الجمعية ومقتل النقراشى باشا

الإخوان المسلمون لم يتصلوا بأية دولة أجنبية

صادف قيام حرب فلسطين سلسلة من الانفجارات الداخلية والحوادث أدت إلى توتر الحالة فى مصر، وانتهت بأن أصدر المغفور له دولة محمود باشا النقراشى باشا أمرًا عسكريًّا بحل جمعية الإخوان المسلمين.

وزاد الأمر العسكرى الحالة توترًا، وباتت البلاد ونذر الشر تخيم عليها، وإذا بحادث أليم يقع فيهز أركان الوادى وهو حادث اغتيال المغفور له دولة النقراشى باشا.

وجاء هذا الحادث ليزيد الأمور تعقيدًا، وأشيع فى هذه الآونة أن الأستاذ الشيخ حسن البنا مهددًا بالاغتيال، ولذلك رأى المصرى أن يستوضح فضيلته رأيه فى موقفه وموقف جمعية الإخوان المسلمين بعد حلها، وما تبع الحل من حوادث جسام. فأدلى البنا رحمه الله بالحديث الخطير مكتوبًا بخطه، ووقع فضيلته على كل إجابة، وقد امتنعنا عن نشره فى حينه لظروف لعلها لا تغيب عن ذهن كل قارئ.

1-كان لما حدث للإخوان المسلمين أخيرًا صداه فى مختلف الدوائر السياسية التى كانت ترقب باهتمام حركات الجماعة، وآثارها فى مختلف الشئون الإسلامية والعالمية، لذلك رأينا أن نستوضح فضيلتكم فى الأسباب التى دفعت بالمسئولين فى مصر إلى اتخاذ تلك الإجراءات.

لا يمكن بالتحديد أن أحصر الأسباب التى دعت الذين أصدروا هذا القرار إلى إصداره، ولكن يقال: إن من هذه الأسباب التحول الذى طرأ أو فى النية أن يطرأ على اتجاهات السياسة البريطانية فى الشرق، ومن المعلوم أن بريطانيا تعتبر الإخوان المسلمين قوة وطنية متطرفة تعزو إلى دعايتهم تعطيل مشروعات الاتفاق بينها وبين مصر.

كما يقال: إن من هذه الأسباب العوامل الحزبية التى تصاحب قرب موعد الانتخابات النيابية، إذ إنه من المعروف أن الحزب السعدى يريد أن يظفر بأغلبية برلمانية تمكنه من الاستمرار فى الحكم، ومن المعروف أن الإخوان المسلمين هم قوة شعبية ينتظر منها الصعود فى هذا الموقف، فمن التكتيك الحزبى أن يسوء موقفهم بمثل هذا العمل قبل حلول موعد الانتخابات الذى سيكون فى أكتوبر 1949 ما لم تطرأ عوامل أخرى على الموقف.

ويقال كذلك: إن رغبة الحكومات العربية فى إنهاء قضية فلسطين ولو على غير ما يريد الفلسطينيون كان من العوامل التى أوحت إلى لحكومة المصرية بهذا الموقف.

ويقال أيضًا: إنه كان هناك من الضغوط الأجنبية ما لم تستطع الحكومة المصرية إلا أن تتخذ هذا الإجراء.

وعلى أى حال فهو موقف يؤسف له، وقد أدى إلى عكس المقصود منه، وما لم يعدل فى وقت قريب، فإن الأمور فى الداخل والخارج لا يمكن أن تستقر على هذا الأساس من الضغط والظلم والتحدى والإرهاق. 

2- هل تنتظرون فضيلتكم أن تقتدى الحكومات الإسلامية الأخرى بمصر فى اتخاذ إجراءات مماثلة مع فروع الجماعة ومنظماتها فى شعوبها، أم إنما هى إجراءات محلية لا تمتد إلى الإخوان المسلمين بصفتها هيئة عالمية؟

لا أنتظر ذلك؛ فإن الإخوان المسلمين يقومون فى كل حكومة من هذه الحكومات ولكل شعب من هذه الشعوب بأجل الخدمات، ولولا أن لطبيعة دولة النقراشى باشا رحمه الله ولبعض العوامل النفسية والتصورات الخاصة التى استولت عليه أكبر الأثر فى هذا العمل لما حدث فى مصر نفسها، ولهذا أعتقد أنها إجراءات محلية بحتة، وسوف لا تلبث أن تزول بإذن الله.

3-هل ترون أن الإجراءات التى اتخذت كانت من وحى تفكير مصرى خالص، أو هنالك يد أجنبية كان لها فى ذلك تأثير، وإذن فلمن تكون هذه اليد؟

-يقال: إن هناك ضغوطًا أجنبية دفعت الحكومة المصرية، وإنه كان للسفير البريطانى والسفير الفرنسى والقائم بأعمال السفارة الأمريكية أثر فى ذلك، وإن كانت الحقيقة أن الإخوان المسلمين لا يضمرون لدولة من الدول، ولا لشعب من الشعوب، ولا لطائفة من الطوائف عدا الصهيونيين المحاربين إلا الخير.

4-ما هو مصير قوات الإخوان المسلمين المجاهدة فى فلسطين فيما لو قررت الحكومات العربية الانسحاب منها ومهادنة اليهود أو مصالحتهم؟ وهل تحارب هذه القوات تحت إشراف قوة من قوى الدول العربية أم تعمل مستقلة؟

لا تزال هذه القوات تجاهد فى مراكزها ببسالة وشجاعة وإيمان، وهى تحارب الآن تحت إشراف الجامعة العربية، ولا يمكن الآن تحديد موقفها فى المستقبل، وإن كانت القاعدة العامة أن الإخوان المسلمين جميعًا قد عاهدوا الله أن يظلوا مجاهدين فى سبيله حتى تتحرر فلسطين من عصابات الصهيونية المعتدية، وتعود إلى أهلها العرب.

5-يشيع خصومكم فى الأوساط السياسية أن للإخوان علاقة بالشيوعيين، ويستدلون على ذلك بالتشابه الموجود بين بعض التشكيلات والاتجاهات فى كلتا الهيئتين، فما هو نصيب ذلك من الصحة؟ وفيما يزعم البعض من أن دولة أجنبية تساعد الإخوان ماديًّا؟

-لقد قيل مثل هذا كثيًرا واتهم الإخوان بأنهم على صلة بالنازية من قبل، وأن شبابهم ينظم على نسق شباب هتلر، وأن بعض تشكيلاتهم تشبه هذه التشكيلات... إلخ، ولكنى أؤكد كل التأكيد أن الإخوان لم يتصلوا بأحد، ولم تساعدهم أية دولة أجنبية بشىء مادى أو أدبى، وأنهم يسيرون على نمط إسلامى عربى مبين، ويعتمدون على إيمانهم ومواردهم الخاصة، وهذا هو فى الحقيقة هو سر نجاحهم وثبات دعوتهم وجماعتهم للعواصف والأعاصير.

6-بعد الحوادث الأخيرة هل جرت اتصالات من جانبكم أو من جانب خصومكم لتسوية الموقف، وهل أنتم مستعدون للاستجابة لشىء من ذلك؟ وما هى الأسس التى ترونها لازمة لتسوية الموقف؟

نعم: جرت اتصالات بيننا وبين الحكومة المصرية- ولا أقول خصومنا- فإننا لم نفكر فى يوم من الأيام بعقلية تستسيغ إشعال العداوة بين الوطنيين، وكل الذى نطلبه هو رفع هذه المظالم عن الإخوان والسماح لهم بمزاولة نشاطهم المشروع بالأسلوب الذى يستفيد منه الوطن ويخدم به الإسلام، وأظن أن الاستعداد من جانب الحكومة المصرية لا بأس به، إذ إن فى هذا الطريق وحده استقرار الأمور وبعث الطمأنينة فى نفوس الأجانب والوطنيين على السواء. 

وأحب أن أنتهز الفرصة فأوجه لنزلاء مصر من الأجانب المدنيين والسياسيين منهم هذه الكلمة: إنهم يخطئون أشد الخطأ حين يعتقدون أن الإخوان خصوم لهم، أو يتعصبون عليهم، أو يريدون بهم شرًا أو سوءًا، وكل هذه دعايات سخيفة باطلة؛ لأن دعوة الإسلام تتنافى مع التعصب والاعتداء، ودعوة الإسلام هى دعوة الإخوان وكل ما هناك أن نشوب الحرب بين مصر وبين الصهيونيين وموقف الكثير من اليهود المصريين أو الأجانب المقيمين فى مصر من هذه الحرب، وما تميز به من برود وشماتة، ووقوف عن المساعدة قد أحدث حالة من التوتر بين الإخوان المتحمسين للجهاد وبين هؤلاء اليهود الذين يصرون على مساعدة الصهيونية، ويطعنون مصر فى ظهرها وهى تحارب، أما من عاداهم من الأجانب أو الوطنيين غير المسلمين مهما كانت عقيدتهم فلم يفكر أحد فى أن يمد إليهم يده أو لسانه بسوء. وعلى هذا فمن الخير لهؤلاء الأجانب أنفسهم أن يكونوا عوامل وفاق لا عوامل خصومة وخلاف بين الحكومة والإخوان، وفى هذا الخير للجميع.

7-ماذا تنوون عمله فى المستقبل، وهل تعتقدون أنه من الممكن أن يرجع الإخوان إلى صبغتهم الشرعية ونشاطهم العلنى السابق؟

من الممكن جدًّا والميسور جدًّا كذلك أن يعود الإخوان إلى صبغتهم الشرعية ونشاطهم العلنى بإذن الله، وسيكونون حينئذ من أقوى العوامل فى تربية الشعب المصرى تربية فاضلة ناضجة تقوم على أساس الإيمان الصافى، وتقدير الواجب، ومعرفة الحقوق، والتمسك بالفضيلة والمثل الإنسانية العليا المستمدة من الإسلام الحنيف، وهو خلاصة ما جاء به الأنبياء والمرسلون والكتب من شرائع وتعاليم.

8-ماذا تنتظرون من آثار فى قضية فلسطين لما انكشف للحلفاء الغربيين أخيًرا وكان له تأثير على الرأى العام فى الشعوب الديمقراطية من مساعدة الروسيين ومن يدور فى فلكهم لليهود بالمال والسلاح؟

ننتظر أن تعدل حكومات الغرب عن خطتها فى معاونة الصهيونيين ولو أن هذا التنبيه جاء بعد فوات الفرصة. وهذا إذا كان المنطق والمصلحة الحقيقية لا الدعايات الصهيونية والإغراءات اليهودية العالمية المختلفة هما اللذين يؤثران فى هذه الحكومات.

9-حدثت تغييرات فى الحكومات العربية أخيرًا فى وقت كان المنتظر فيه استقرار الحكم فى البلاد العربية فما رأيكم فى ذلك؟ وعلام يدل؟

أظن أن ذلك من الأمور الطبيعية فى مثل هذه الظروف فان تطورات قضية فلسطين ومفاجآتها وشدة حساسية الشعوب بكل ما يطرأ من هذه التطورات مع مفاجآت السياسة البريطانية الدائبة، كل ذلك يجعل مثل هذه التغييرات أمورًا عادية، وهو لا يدل على شىء -فيما نعتقد- إلا على أن سياسة الحكومات العربية ما زالت إلى حد بعيد مرتجلة، وخاضعة للتأثير البريطانى، وبعيدة عن مطالب الشعوب ومشاعرها الحقيقية، وهو ما يؤسف له، ولا بد من النظر فى علاجه بوضع سياسات ثابتة مستقرة تستمد من روح الشعب وحسن توجيهه والاعتماد عليه. 9/ 1/ 1949(16).

المصادر

  1. القلم الصريح –العدد 13 السنة الأولى، 1357 -16 فبراير 1939.
  2. جريدة مصر الفتاة العدد (34)، 19سبتمبر 1945، ص(11).
  3. مجلة روز  اليوسف، العدد900، بتاريخ 19/9/1945،ص (6-7)
  4. روز اليوسف، العدد 1070، بتاريخ 15/12/1948م، ص(6).
  5. مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (73)، السنة الثالثة، 7 ذو القعدة 1364ﻫ- 13 أكتوبر 1945، ص(3- 6).
  6. الشرق الجديد، العدد 8 ، السنة الأولى-24 ذو القعدة 1364 – 1/11/ 1945 – ص(7، 8).
  7. الشرق الجديد، العدد(10)، السنة الأولى، 27 محرم 1365، 1 يناير 1946م، ص(4، 6).
  8. الإنذار، العدد 824، سنة 16، 13 ربيع الثانى 1365هـ، 17/ 3/ 1946م،  ص1.
  9. روز اليوسف العدد 927 ، 21/3/1946، ص10.
  10. روزاليوسف – العدد 946، 31/7/1946، ص2.
  11. نداء الوطن، العدد 4، 5 رمضان1365 – 2/8/ 1946، صـ7.
  12. صوت الشعب، العدد 9 ، 12/ 8/ 1946، ص6.
  13. نداء الوطن، العدد 25، 1صفر 1366- 25/12/ 1946، صـ 14.
  14. الإنذار، العدد 876، سنة 17، 23ربيع الآخر 1366، 16/ 3/ 1947، صـ 2.
  15. المقطم، العدد (18164) السنة التاسعة والخمسون، 7 شوال 1366، 23/ 8/ 1947، ص(2).
  16. المصرى، العدد (4270)، السنة الثالثة عشرة، 10 ذو الحجة 1368ﻫ- 2 أكتوبر 1949، ص(1).
المقال التالي كتابات الإمام البنا حول طبيعة أوروبا وما فيها
المقال السابق الدستور في فكر الإمام حسن البنا