البنا في عيون والده الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا
روى الترمذي عن أيوب بن موسى عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا مِنْ نَحْلٍ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ".
ولقد تمنيت منذ بَنَيْتُ أن يهبني الله ولدًا صالحًا أُحسن أدبه وتربيته ليكون نسلا صالحًا، وخيرًا جاريًا وأثرًا باقيًا، فاستجاب الله دعوتي وحقق أمنيتي، ووهبني غلامًا زكيًّا سمّيته "حسن البنا".
تعهد الله ولدي بعنايته منذ صغره، وحفظه بعنايته من كل ما يضره ويؤذيه، فلقد عرضت له حية وهو في مهده فاستعنت الله تعالى فصرف أذاها عنه.
وخر عليه السقف في أول منزل لنا ببلدة المحمودية - وكان معه أخوه عبد الرحمن - فأنجاهما الله تعالى بأن علق السقف على السلم، وحماهما بسلم البيت الذي لم يبلغ أكبرهما طوله بعد، وظل ولدي تحت السقف حتى رفعتُ الأنقاض وأكرم الله به أخاه فخرجا سالمين.
وأحاطت به ذات يوم كلاب تنبحه حتى روعته، فألقى بنفسه في ترعة تسمى الرشيدية - وكانت تصطخب بمياه النيل وقت فيضانه - فألقاه اليم بالساحل، والتقطته سيدة من سيدات البلدة، ونجاه الله تعالى من الغرق بفضله ومنته.
ولم تكن نشأة ولدي نشأة عادية، فمنذ تفتحت طفولته، تفتحت معها قريحته، وبدأ يسأل عن الكون وصانعه والقمر ومبدعه، ولمحت فيه نجابة مبكرة، فحفَّظته القرآن، وعلمته السنة، وأدبته أدبًا حسنًا.
ولما ألحقته بمدرسة المعلمين الأولية ببلدة دمنهور أظهر تفوقًا عجيبًا، ونشأ على الصلاح والزهد والعبادة، وكان أول فرقته في كل مراحل تعليمه، وتخطى زملاءه في الدراسة، وقدم للالتحاق بالقسم العالي بدار العلوم مختزلا بذلك أربع سنوات هي مدة الدراسة التجهيزية بدار العلوم.
وقصد القاهرة لا يعرف فيها أخًا ولا صديقًا، ونزل ضيفًا على الله في بيته، فأقام في الجامع الأزهر، ولما تخرج في دار العلوم، كان أول فرقته في امتحان الدبلوم.
ورغبت وزارة المعارف في إيفاده في بعثة إلى أوروبا، فرفض البعثة لأمر يريده الله تعالى، وعين في مدرسة الإسماعيلية، وفيها كان ميلاد الدعوة حيث أسس فكرته، وأنشأ جماعته "جماعة الإخوان المسلمين".
ودوت فكرة ولدي في أرجاء الدنيا، وانتشرت دعوته في أقطار العالم الإسلامي، وشغلت رسالته ذوي الفكر والعقول، وانتظمت مدرسته شباب الجامعات والأزهر الشريف، وجدد الله به دعوة الإسلام في القرن العشرين وأضاء من نور فكرته قبس في كل بيت، ولمع من وهج دعوته سراج في كل محيط، ووثق الله به الروابط بين الأخوة، ومتَّن به العلائق بين العشائر، }لَوْ أَنفَقْتَ مَا في الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{.