رؤياي في حِمَى الحرم

حسن البنا في عيون أخيه الضابط عبد الباسط البنا

مناجاتي لأستاذي الشقيق شهيد الإسلام الإمام حسن البنا، لا تنقطع، وهي منى الأمل الباقي في هذه الحياة، والنور الذي يهديني لمراقبة الله، وتعودت كل عام أن أستعيد النجوى في يوم الذكرى، فأبعثها إليه نفثات مهجة حرَّى، أطفئ بها لظى ما بالفؤاد من شوق وما بالنفس من حسرة وأسى، وقد تجلت النجوى هذا العام في الأرض المباركة حيث ولد المختار، وهبط الوحي الأمين على ساكن الغار، وأقيم البيت العتيق مثابة للناس وأمنا ذكرت إمامي -رضوان الله عليه- عند كل ركن من أركان الكعبة الغراء في كل طواف، ولم يبرح شخصه الكريم بالي لحظة في مكة المكرمة، حيث كان يقيم في سبيل الله الندوات، وفي منى حيث شدت السواعد بهدية لرمي الجمرات وعلى جبل الرحمة في عرفات.

كنت أنزل عند المطوّف صالح المداح القريب مسكنه من بيت الله الحرام، ورأيت وأنا نائم ذات ليلة أني دخلت الكعبة، وما كدت أستيقظ لصلاة الفجر حتى علا صوتي وانطلق لساني مرددًا، بيت الله الحرام.. بيت الله الحرام.. والتفت إلى كل من بالمكان من النازلين عند الحاج صالح المطوف، فلم أتمالك نفسي ولم أكتم فرحتي وأخبرتهم أني دخلت بيت الله الحرام.. وشاء الله أن أدخله في صبيحة اليوم نفسه مع جلالة الملك سعود والسيد أمير الحج البكباشي حسين الشافعي، وكان لي شرف غسله من زمزم وماء الورد، وأذن الله تبارك وتعالى لي مرة ثانية، وكان لي شرف ربط الكسوة الجديدة مع خادم البيت الكريم بسطح الكعبة، وصدق الله الرؤيا.

وأشهد رب البيت يا إمامي وأنت في رحاب ربى مقربًا منه عني أن رأيتك، ففي اليوم التالي رأيت جمعًا من أبنائك وما أكثرهم، وخيَّم صمت رهيب وما هي إلا كلمح البصر حتى لمحتك يا إمامي الشهيد يشرق نورك من خلف الجميع بوجهك المتهلل وثيابك البيضاء وإذا بصوت من الحاضرين يجهش بالبكاء وإذا بالهتاف يدوي لله، وكان آخر ما رأيت في هذا المشهد ابتسامة هادئة علت وجهك الكريم ملؤها الإيمان بالله والثقة به.

يا إمامي الشهيد: لو كنت قد تعودت أن أحيي ذكراك الطاهرة بنشيد أو أهدئ نفسي الثائرة لفقدك بقصيدة فإن نشيدي وقصيدي ما كنت أردده في حمى الحرم حين نفضت النوم عن هذه الرؤيا وأنا أقول:

حسن البنا حسن البنا   ما غاب بطلعته عنّا
لو ضاع العهد فلا كنا   سيقود الجيلَ دمُ البنا

حسن البنا

والسلام عليك يا إمامي مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا.

 نشر هذا المقال في الدعوة – السنة الخامسة – العدد (207) – 22جمادى الآخرة 1374هـ / 15فبراير 1955م.

المقال التالي خواطر حول الخلافة وصراع الحضارات
المقال السابق الدستور في فكر الإمام حسن البنا