الخلفية التاريخية للرسالة
بداية لابد أن نضع في اعتبارانا أن ما كتبه الإمام حسن البنا من أراء كانت وفق العصر الذي عاش فيه والظروف والأوضاع التي نشأ فيها والمتغيرات المحلية والإقليمية والدولية سواء من احتلال للوطن الإسلامي أو حروب عالمية أو تناحر الحزبية وانتشار الجهل وسط المجتمعات.
ومن ثم فأي رأي كتبه الإمام الشهيد حسن البنا عن المرأة وغيرها هي نتاج الحقبة الزمنية التي عاش فيها خلال مسيرة حياته التي تجاوزت الأربعين عاما فقط، وهي تعد أراء تحرريه متوافقة مع المنهج الإسلامي لزمن مثل الذي عاش فيه حيث كانت تتقاذف المرأة تياران أحدهما تقليدي ولا يرى للمرأة حقوق، وتيار أخر تأثر بالغرب فدعى بما دعى إليه الغرب من تحرر للمرأة والخروج عن الشرع الإسلامي وتعاليم الشرع الحنيف بكل صوره.
لقد اهتم حسن البنا بشئون المرأة بل وتعليمها منذ أول يوم دعى فيها لتكوين جماعة الإخوان المسلمين عام 1928م حينما أسس مدرسة لتعليم الفتيات باسم أمهات المؤمنين، بل لم يمنعهن عن العمل لكن رأى أن يكون لهن عمل خاص بهن دون اختلاط أو مزاحمة الرجال حتى أنه أنشأ لهن دار التائبات للعمل فيها.
وحينما انتشر التبشير وسط البنات الفقيرات حرض الإخوان على بناء المدارس لإنقاذ الفتيات من المدارس التبشيرية.
أصدر الإمام البنا رسالة المرأة المسلمة عام 1940م حيث نشرت في مجلة المنار قبل أن تجمع في كتيب صدر عن المركز العام.
وإلى نص الرسالة
كتب إلىّ كاتب فاضل يطلب أن أكتب عن المرأة وموقفها من الرجل، وموقف الرجل منها، ورأي الإسلام في ذلك، وحث الناس على التمسك به، والنزول على حكمه.
لست أجهل أهمية الكتابة في موضوع كهذا، ولا أهمية انتظام شأن المرأة في الأمة، فالمرأة نصف الشعب، بل هي النصف الذي يؤثر في حياته أبلغ التأثير؛ لأنه المدرسة الأولى التي تكون الأجيال وتصوغ الناشئة، وعلى الصورة التي يتلقاها الطفل من أمه يتوقف مصير الشعب واتجاه الأمة، وهي بعد ذلك المؤثر الأول في حياة الشباب والرجال على السواء.
لست أجهل كل هذا، ولم يهمله الإسلام الحنيف، وهو الذي جاء نورًا وهدى للناس ينظم لهم كل شئون الحياة على أدق النظم، وأفضل القواعد والنواميس، أجل لم يهمل الإسلام كل هذا، ولم يدع الناس يهيمون فيه في كل واد، بل بين لهم الأمر بيانًا لا يدع زيادة لمستزيد.
وليس المهم في الحقيقة أن نعرف رأى الإسلام في المرأة والرجل وعلاقتهما، وواجب كل منهما نحو الآخر، فذلك أمر يكاد يكون معروفًا لكل الناس، ولكن المهم أن نسأل أنفسنا هل نحن مستعدون للنزول على حكم الإسلام؟
الواقع أن هذه البلاد وغيرها من البلاد الإسلامية تتغشاها موجة ثائرة قاسية من حب التقليد الأوروبي، والانغماس فيه إلى الأذنين.
ولا يكفي بعض الناس أن ينغمسوا هذا الانغماس في التقليد، بل هم يحاولون أن يخدعوا أنفسهم بأن يديروا أحكام الإسلام وفق هذه الأهواء الغربية والنظم الأوروبية، ويستغلوا سماحة هذا الدين ومرونة أحكامه استغلالاً سيئًا يخرجها عن صورتها الإسلامية إخراجًا كاملاً، ويجعلها نظمًا أخرى لا تتصل به بحال من الأحوال، ويهملون كل الإهمال روح التشريع الإسلامي، وكثيرًا من النصوص التي لا تتفق مع أهوائهم.
هذا خطر مضاعف في الحقيقة فهم لم يكفهم أن يخالفوا حتى جاءوا يتلمسون المخارج القانونية لهذه المخالفة، ويصبغونها بصبغة الحل والجواز حتى لا يتوبوا منها ولا يقلعوا عنها يومًا من الأيام.
فالمهم الآن أن ننظر إلى الأحكام الإسلامية نظرًا خاليًا من الهوى، وأن نعد أنفسنا ونهيئها لقبول أوامر الله تعالى ونواهيه، وبخاصة في هذا الأمر الذي يعتبر أساسيًّا وحيويًّا في نهضتنا الحاضرة.
وعلى هذا الأساس لا بأس بأن نذكر الناس بما عرفوا، وبما يجب أن يعرفوا من أحكام الإسلام في هذه الناحية.
أولاً: الإسلام يرفع قيمة المرأة ويجعلها شريكة الرجل في الحقوق والواجبات
وهذه قضية مفروغ منها تقريبًا، فالإسلام قد أعلى منزلة المرأة ورفع قيمتها، واعتبرها أختًا للرجل وشريكة له في حياته، هي منه وهو منها ﴿بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ﴾ [آل عمران: 195]، وقد اعترف الإسلام للمرأة بحقوقها الشخصية كاملة، وبحقوقها المدنية كاملة كذلك، وبحقوقها السياسية كاملة أيضًا، وعاملها على أنها إنسان كامل الإنسانية له حق وعليه واجب، يشكر إذا أدى واجباته، ويجب أن تصل إليه حقوقه، والقرآن والأحاديث فياضة بالنصوص التي تؤكد هذا المعنى وتوضحه.
ثانيًا: التفريق بين الرجل والمرأة في الحقوق إنما جاء تبعًا للفوارق الطبيعية التي لا مناص منها بين الرجل والمرأة. وتبعًا لاختلاف المهمة التي يقوم بها كل منهما وصيانة للحقوق الممنوحة لكليهما.
وقد يقال: إن الإسلام فرق بين الرجل والمرأة في كثير من الظروف والأحوال، ولم يسو بينهما تسوية كاملة، وذلك صحيح، ولكنه من جانب آخر يجب أن يلاحظ أنه إن انتقص من حق المرأة شيئًا في ناحية فإنه قد عوضها خيرًا منه في ناحية أخرى. أو يكون هذا الانتقاص لفائدتها وخيرها قبل أن يكون لشيء آخر. وهل يستطيع أحد كائنًا من كان أن يدعى أن تكوين المرأة الجسماني والروحي كتكوين الرجل سواء بسواء. وهل يستطيع أحد كائنًا من كان أن يدعى أن الدور الذي يجب أن تقوم به المرأة في الحياة هو الدور الذي يجب أن يقوم به الرجل ما دمنا نؤمن بأن هناك أمومة وأبوة.
أعتقد أن الكونين مختلفان وأن المهمتين مختلفتان كذلك، وأن هذا الاختلاف لابد أن يستتبع اختلافًا في نظم الحياة المتصلة بكل منهما، وهذا هو سر ما جاء في الإسلام من فوارق بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات.
(3) بين المرأة والرجل تجاذب فطري قوي هو الأساس الأول للعلاقة بينهما، وإن الغاية منه قبل أن تكون المتعة وما إليها هي التعاون على حفظ النوع واحتمال متاعب الحياة.
وقد أشار الإسلام إلى هذا الميل النفساني وزكاه وصرفه عن المعنى الحيواني أجمل الصرف إلى معنى روحي يعظم غايته، ويوضح المقصود منه، ويسمو به عن صورة الاستمتاع البحت، إلى صورة التعاون التام، ولنسمع قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21]، وعلى ضوء هذه الأصول الثابتة ننظر إلى ما وضع الإسلام من نظم وطرائق.
أشرت في الكلمة السابقة إلى أصول ثلاثة قررها الإسلام في شأن المرأة:
(1) فهو يرفع منزلتها ويجعلها من الرجل، وشريكة له في الحقوق والواجبات الإنسانية العامة.
(2) وهو إذا فرق بينهما في شيء من هذا فإنما ذلك نزولاً على حكم الخصائص التي يمتاز بها كل منهما عن الآخر في تكوينه وفى مهمته.
(3) وأنه يسير بالغريزة الجنسية بين الرجل والمرأة تسييرًا حكيمًا فيصرفها إلى النافع، ويضع لها الحواجز حتى لا تتعدى إلى الضار.
هذه هي الأصول التي راعاها الإسلام وقررها في نظرته إلى المرأة، وعلى أساسها جاء تشريعه الحكيم كافلاً للتعاون العام بين الجنسين، بحيث يستفيد كل منهما من الآخر، ويعينه على شئون الحياة.
والكلام عن المرأة في المجتمع في نظر الإسلام يتلخص في هذه النقط:
أولاً: يرى الإسلام وجوب تهذيب خلق المرأة وتربيتها على الفضائل والكمالات النفسانية منذ النشأة، ويحث الآباء وأولياء أمور الفتيات على هذا، ويعدهم عليه الثواب الجزيل من الله، ويتوعدهم بالعقوبة إن قصروا، وفي الآية الكريمة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6].
وفى الحديث الصحيح: "كلكم راع ومسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" أخرجه الشيخان من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم له ابنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه أو صحبهما إلا أدخلتاه الجنة" رواه ابن ماجه بإسناد صحيح، وابن حبان في صحيحه.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان له ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات، أو بنتان، أو أختان، فأحسن صحبتهن، واتقى الله فيهن، فله الجنة" رواه الترمذي واللفظ له، وأبو داود إلا أنه قال: "فأدبهن، وأحسن إليهن، وزوجهن، فله الجنة".
ومن حسن التأديب أن يعلمهن ما لا غنى لهن عنه من لوازم مهمتهن كالقراءة، والكتابة، والحساب، والدين، وتاريخ السلف الصالح رجالاً ونساء، وتدبير المنزل، والشئون الصحية، ومبادئ التربية وسياسة الأطفال، وكل ما تحتاج إليه الأم في تنظيم بيتها ورعاية أطفالها.
وفى حديث البخاري رضي الله عنه "نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين"، وكان كثير من نساء السلف على جانب عظيم من العلم والفضل والفقه في دين الله تبارك وتعالى.
أما المقالات في غير ذلك من العلوم التي لا حاجة للمرأة بها فعبث لا طائل تحته، فليست المرأة في حاجة إليه، وخير لها أن تصرف وقتها في النافع المفيد.
ليست المرأة في حاجة إلى التبحر في اللغات المختلفة.
وليست في حاجة إلى الدراسات الفنية الخاصة فستعلم عن قريب أن المرأة للمنزل أولاً وأخيرًا.
وليست المرأة في حاجة إلى التبحر في دراسة الحقوق والقوانين، وحسبها أن تعلم من ذلك ما يحتاج إليه عامة الناس.
كان أبو العلاء المعري يوصي بالنساء فيقول:
علموهن الغزل والنسج والرد ن وخلوا كتابة وقراءة
فصلاة الفتاة بالحمد والإخـ ـلاص تجزئ عن يونس وبراءة
ونحن لا نريد أن نقف عند هذا الحد، ولا نريد ما يريد أولئك الغالون المفرطون في تحميل المرأة ما لا حاجة لها به من أنواع الدراسات، ولكنا نقول: علموا المرأة ما هي في حاجة إليه بحكم مهمتها ووظيفتها التي خلقها الله لها، تدبير المنزل ورعاية الطفل.
ثانيًا: التفريق بين المرأة والرجل
يرى الإسلام في الاختلاط بين المرأة والرجل خطرًا محققًا، فهو يباعد بينهما إلا بالزواج، ولهذا فإن المجتمع الإسلامي مجتمع انفرادي لا مجتمع مشترك.
سيقول دعاة الاختلاط: إن في ذلك حرمانًا للجنسين من لذة الاجتماع، وحلاوة الأنس التي يجدها كل منهما في سكونه للآخر، والتي توجد شعورًا يستنبع كثيرًا من الآداب الاجتماعية من: الرقة، وحسن المعاشرة، ولطف الحديث، ودماثة الطباع... إلخ.
وسيقولون: إن هذه المباعدة بين الجنسين ستجعل كلاًّ منهما مشوقًا أبدًا إلى الآخر، ولكن الاتصال بينهما يقلل من التفكير في هذا الشأن، ويجعله أمرًا عاديًّا في النفوس.
وما ملكته اليد زهدته النفس وحب شيء إلى الإنسان ما منعا
كذا يقولون: ويفتتن بقولهم كثير من الشبان، ولاسيما وهي فكر توافق أهواء النفوس وتساير شهواتها.
ونحن نقول لهؤلاء: مع أننا نسلم بما ذكرتم في الأمر الأول نقول لكم: إن ما يعقب لذة الاجتماع، وحلاوة الأنس من ضياع الأعراض، وخبث الطوايا، وفساد النفوس، وتهدم البيوت، وشقاء الأمر، وبلاء الجريمة، وما يستلزمه هذا الاختلاط من طراوة في الأخلاق ولين في الرجولة لا يقف عند حد الرقة، بل هو يتجاوز ذلك إلى حد الخنوثة والرخاوة، وكل ذلك ملموس لا يماري فيه إلا مكابر.
كل هذه الآثار السيئة التي تترتب على الاختلاط تربو ألف مرة على ما ينتظر منه من فوائد، وإذا تعارضت المصلحة والمفسدة فدرأ المفسدة أولى، ولاسيما إذا كانت المصلحة لا تعد شيئًا بجانب هذا الفساد.
وأما الأمر الثاني: فغير صحيح، وإنما يزيد الاختلاط قوة الميل، وقديمًا قيل: إن الطعام يقوى شهوة النهم، والرجل يعيش مع امرأته دهرًا ويجد الميل إليها يتجدد في نفسه، فما باله لا تكون صلته بها مذهبة لميله إليها، والمرأة التي تخالط الرجال تفتنّ في إبداء ضروب زينتها، ولا يرضيها إلا أن تثير في نفوسهم الإعجاب بها، وهذا أيضًا أثر اقتصادي من أسوأ الآثار التي يعقبها الاختلاط، وهو الإسراف في الزينة، والتبرج المؤدي إلى الإفلاس والخراب والفقر.
لهذا نحن نصرح بأن المجتمع الإسلامي مجتمع فردي لا زوجي، وأن للرجال مجتمعاتهم وللنساء مجتمعاتهن.
ولقد أباح الإسلام للمرأة شهود العيد وحضور الجماعة والخروج في القتال عند الضرورة الماسة، ولكنه وقف عند هذا الحد واشترط له شروطًا شديدة من البعد عن كل مظاهر الزينة، ومن ستر الجسم ومن إحاطة الثياب به فلا تصف ولا تشف، ومن عدم الخلوة بأجنبي مهما كانت الظروف وهكذا.
إن من أكبر الكبائر في الإسلام أن يخلو الرجل بامرأة ليست بذات محرم له، ولقد أخذ الإسلام السبيل على الجنسين في هذا الاختلاط أخذًا قويًّا محكمًا.
فالستر في الملابس أدب من آدابه، وتحريم الخلوة بالأجنبي حكم من أحكامه، وغض الطرف واجب من واجباته، والعكوف في المنازل للمرأة حتى في الصلاة شعيرة من شعائره، والبعد عن الإغراء بالقول والإشارة وكل مظاهر الزينة وبخاصة عن الخروج حد من حدوده.
كل ذلك إنما يراد به أن يسلم الرجل من فتنة المرأة، وهي أحب الفتن إلى نفسه، وأن تسلم المرأة من فتنة الرجل، وهي أقرب الفتن إلى قلبها، والآيات الكريمة والأحاديث المطهرة تنطق بذلك.
يقول الله تبارك وتعالى في سورة النور: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ*وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِى الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[النور: 30-31]. وفى سورة الأحزاب: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ﴾ [الأحزاب: 59].
إلى آيات أخرى كثيرة
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني عن ربه: "النظرة سهم مسموم من سهام إبليس من تركها من مخافتي أبدلته إيمانًا يجد حلاوته في قلبه" رواه الطبراني والحاكم من حديث حذيفة.
وعن أبي أمامة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لتغضن أبصاركم، ولتحفظن فروجكم، أو ليكسفن الله وجوهكم" رواه الطبراني.
وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من صباح إلا وملكان يناديان: ويل للرجال من النساء، وويل للنساء من الرجال" رواه ابن ماجه والحاكم.
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: [أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت]" رواه البخاري ومسلم والترمذي. والمراد بدخول الأحماء على المرأة: الخلوة بها.
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان".
وعن ابن عباس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم" رواه البخاري ومسلم.
وعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له" رواه الطبراني والبيهقي، ورجال الطبراني ثقات رجال الصحيح كذا قال الحافظ المنذري.
وروى عن أبي أمامة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياك والخلوة بالنساء، والذي نفسي بيده ما خلا رجل بامرأة إلا دخل الشيطان بينهما، ولأن يزحم رجل خنزيرًا متلطخًا بطين أو حمأة خير له من أن يزحم منكبيه منكب امرأة لا تحل له" رواه الطبراني.
وعن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل عين زانية، والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا يعنى: زانية" رواه أبو داود والترمذي، وقال: حسن صحيح، ورواه النسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، ولفظهم: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية، وكل عين زانية"، أي: كل عين نظرت إليها نظرة إعجاب واستحسان.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال" رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والطبراني وعنده "أن امرأة مرت على رسول الله صلى الله عليه وسلم متقلدة قوسًا فقال: لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل" رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله، فقالت له امرأة في ذلك فقال: وما لي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله قال الله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: 7]. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي.
وعن عائشة رضي الله عنها، أن جارية من الأنصار تزوجت وأنها مرضت فتمعط شعرها، فأرادوا أن يصلوها فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لعن الله الواصلة والمستوصلة".
وفي رواية: أن امرأة من الأنصار زوجت ابنتها فتمعط شعر رأسها فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، وقالت: إن زوجها أمرني أن أصل شعرها، فقال: "لا، إنه قد لُعن الموصولات" رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرًا يكون ثلاثة أيام فصاعدًا إلا ومعها أبوها، أو أخوها، أو زوجها، أو ابنها، أو ذو محرم منها" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه.
وفى رواية للبخاري ومسلم: "لا تسافر المرأة يومين من السفر إلا ومعها ذو محرم منها أو زوجها".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا" رواه مسلم وغيره.
وعن عائشة رضي الله عنهما، أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفيه" رواه أبو داود وقال: هذا مرسل وخالد بن دريك لم يدرك عائشة.
وعن أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي رضي الله عنهما، أنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إني أحب الصلاة معك، قال: "قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي"، فأمرت فبنى لها مسجد في أقصى شيء من بيتها وأظلمه، وكانت تصلى فيه حتى لقيت الله. رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما.
وليس بعد هذا البيان بيان، ومنه يعلم أن ما نحن عليه ليس من الإسلام في شيء، فهذا الاختلاط الفاشي بيننا في المدارس والمعاهد والمجامع والمحافل العامة، وهذا الخروج إلى الملاهي والمطاعم والحدائق، وهذا التبذل والتبرج الذي وصل إلى حد التهتك والخلاعة، كل هذه بضاعة أجنبية لا تمت إلى الإسلام بأدنى صلة، ولقد كان لها في حياتنا الاجتماعية أسوأ الآثار.
يقول كثير من الناس: إن الإسلام لم يحرم على المرأة مزاولة الأعمال العامة، وليس هناك من النصوص ما يفيد هذا فأتوني بنص يحرم ذلك، ومثل هؤلاء مثل من يقول: إن ضرب الوالدين جائز؛ لأن المنهي عنه في الآية أن يقال لهما: أف، ولا نص على الضرب.
إن الإسلام يحرم على المرأة أن تكشف عن بدنها، وأن تخلو بغيرها، وأن تخالط سواها، ويحبب إليها الصلاة في بيتها، ويعتبر النظرة سهمًا من سهام إبليس، وينكر عليها أن تحمل قوسًا متشبهة في ذلك بالرجل، أفيقال بعد هذا: إن الإسلام لا ينص على حرمة مزاولة المرأة للأعمال العامة؟!
إن الإسلام يرى للمرأة مهمة طبيعية أساسية هي المنزل والطفل، فهي كفتاة يجب أن تهيأ لمستقبلها الأسري، وهي كزوجة يجب أن تخلص لبيتها وزوجها، وهي كأم يجب أن تكون لهذا الزوج ولهؤلاء الأبناء، وأن تتفرغ لهذا البيت، فهي ربته ومدبرته وملكته، ومتى فرغت المرأة من شئون بيتها لتقوم على سواه؟ فإذا كان من الضرورات الاجتماعية ما يلجئ المرأة إلى مزاولة عمل آخر غير هذه المهمة الطبيعية لها، فإن من واجبها حينئذ أن تراعي هذه الشرائط التي وضعها الإسلام لإبعاد فتنة المرأة عن الرجل، وفتنة الرجل عن المرأة، ومن واجبها أن يكون عملها هذا بقدر ضرورتها، لا أن يكون هذا نظامًا عامًّا من حق كل امرأة أن تعمل على أساسه.
والكلام في هذه الناحية أكثر من أن يحاط به، ولاسيما في هذا العصر الميكانيكي الذي أصبحت فيه مشكلة البطالة وتعطل الرجال من أعقد مشاكل المجتمعات البشرية في كل شعب وفى كل دولة.
وللإسلام بعد ذلك آداب كريمة في حق الزوج على زوجه، والزوجة على زوجها، والوالدين على أبنائهما، والأبناء على والديهم، وما يجب أن يسود الأسرة من حب وتعاضد على الخير، وما يجب أن تقدمه للأمة من خدمات جلى مما لو أخذ الناس بهم لسعدوا في الحياتين، ولفازوا بالعبادتين.