إعداد/ موقع الإمام الشهيد حسن البنا
لا شك أن سقوط الخلافة الإسلامية عام 1924، وانقسام الدولة الإسلامية الكبرى إلى دول ودويلات متناحرة هو من أكبر النكبات التي منى بها المسلمون على مر العصور.
فلم يحدث في تاريخ الإسلام قط -حتى في عصور الضعف- أن انهزم المسلمون انهزامًا عسكريًّا وثقافيًّا وفكريًّا ونفسيًّا مثل ما حدث في القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين.
وهو ما جعل الإمام البنا يسعى حثيثا إلى وحدة الأمة الإسلامية في لحمة واحدة، حيث لم ينادي الإمام البنا بالعبادات فحسب لكنه نادى بأخذ وتطبيق الإسلام بشموله، ودعى حكام ورؤساء وملوك الدول الإسلامية إلى الوحدة والعمل على توحيد الشعوب الإسلامية تحت راية واحدة، بعيدا عن التحزب والقومية والتنازع. ولذا كتب الإمام البنا إلى الملوك والرؤساء يحثهم على نبذ الاختلاف والعمل على التوحد والأخذ بأسباب القوة والتقدم ورفض التبعية الغربية.
برقية المرشد العام إلى سمو باي تونس
حضرة صاحب السمو باي تونس:
يعرب الإخوان المسلمون بمصر والعالم العربي والإسلامي عن أسفهم للاعتداء الفرنسي على أحرار تونس وعلى قصركم العامر، ويعلنون تأييدهم لقرارات المؤتمر وتقديرهم لموقف سموكم المشرف، راجين إبلاغ تحياتهم إلى أبنائكم المعتقلين. (1)
حول مشروع سوريا الكبرى
بين ملك شرق الأردن والمرشد العام للإخوان المسلمين
رسالة الأستاذ حسن البنا
سيدي صاحب الجلالة الملك عبد الله المعظم حفظه الله:
أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وأصلى وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اعتصم بشرعته وعمل لخير أمته وحافظ على عهده وميثاقه وكلمته، وأحييك بتحية الإسلام الخالدة، فالسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فإن رسالتي إليك في مشروع الدولة السورية رسالة محب في الله وأخ في الإسلام وشريك في الانتساب إلى الدم العربي المجيد، فعفوا إذا وضعت عن هذا الكتاب ما يقضى به العرف من أساليب المجاملة التي تعودها الناس في مخاطبة الملوك والرؤساء، وأئن لي مشكورا أن أخاطب جذوة الإيمان في قلبك قبل التاج على رأسك، وأن أحتفى بعنصر النبوة في محتدك قبل عزة الجاه في منصبك، فإن العزة لله جميعا.
يا صاحب الجلالة:
لا ريب أن وحدة الأمم العربية جميعا أمل حبيب لا يجدر بعربي أن يكف عن التطلع إليه والعمل لتحقيقه، وهذا ما حدا بزعماء الدول العربية أن يجتمعوا في صعيد واحد يتدارسون أمر هذه الوحدة الجليلة ويدفعون إلى الوجود ثمرتها الأولى في ميثاق الجامعة العربية المقدس، ومن هنا يكاد يبدو مشروع الدولة السورية الكبرى -لولا ما يحيط به من أوضاع ومحظورات أملا مشتركا لا تفوق رغبة الأردن فيه رغبة أى عربي في سوريا ولبنان وسائر بلاد الجامعة المفضاة.
بيد أن الذي لا جدال فيه هو أن المشروع الذي تبدو سلامته واضحة من حيث المبدأ، قد عاصر التفكير فيه ظروف وملابسات تجعل الدعوة إليه ذات خطر مباشر وضرر بالغ على القضايا العربية عامة وعلى البلاد السورية خاصة، الأمر الذي نربأ باسمك وبتاريخ بيتك العظيم أن يقترن به أو يكون مجلبته لسبعين مليونا من العرب يؤيدهم ثلاثمائة مليون من المسلمين يحزنهم كل الحزن أن ينسب إلى واحد من أقطاب البيت الهاشمي ظل ريبة أو إثارة من تهمة. ونحن -الإخوان المسلمين- الذين يجدون من أدب الإسلام عاصما من متابعة المسرعين بسوء الظن وسهولة القذف، نرى لزاما علينا أن نضع بين يديك على سبيل النصيحة التي أوجبها الله على الناس له ولكتابه ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم أمثلة للأضرار التي تهدد البلاد العربية من الدعوة لمشروع سوريا الكبرى:
أولا: إن الوحدة الاندماجية بين بلاد تم استقلالها وبلد لا يزال دون تمام استقلاله خطوات من شأنها أن تعصف باستقلال قطرين من أقطار العروبة أصبح استقلالهما مفخرة للعرب والمسلمين في كافة أنحاء المعمورة، فضلا عن أن سريان طيف الاحتلال -ولو في أرق صورة- على أطراف دولة كبيرة بعضها سوريا ولبنان من شأنه أن يعيد إحكام السلسلة التي اشتد أمل العرب في استئصالها من سائر الأوطان العربية.
ثانيا: إن إنشاء دولة سورية تكون فلسطين بعض أجزائها -وهي بعد مثقلة بالخطر الصهيوني- من شأنه أن يفتح الأبواب المغلقة، ويرفع الحدود والحواجز المانعة من استمرار الزحف الصهيوني على سائر البلاد العربية؛ لأن نهضة العرب الاقتصادية لم تبلغ -بعد- النضج الذي يغلب بريق المزاحمة الصهيونية.
ثالثا: قد وضح من التمسك بمشروع سوريا الكبرى أنه لا يسعى إلى مجموعة الأمم العربية إلا أداة فرقة وعامل تمزيق للوحدة، وأن تحفز الأردن له وتحامل العالم العربي عليه من شأنهما أن يعرضا كيان الجامعة العربية المبارك لامتحان لا تؤمن عواقبه ومغباته، بعد أن صارت الجامعة العربية -رغم خطواتها الوئيدة- قذى في أعين المستعمرين والغاصبين وسائر الكائدين للعروبة والإسلام.
رابعا: إن إثارة هذا المشروع في وقت يشتعل الرأي العام العالمي اهتماما بالقضية المصرية، ويتلقى الاستعمار البريطاني فيه هذه الضربات القاسية التي تكشف عن مخازي وآثامه تحت سمع الدنيا وبصرها على يد وفد وادي النيل الذي اتخذ من الإنذار بثورة العرب متحدين لنصرة الوادي الشقيق سبيلا لكسب التأييد العام للقضية –نقول: إن إثارة هذا المشروع المفرق في وقت لا تعتز القضية المصرية فيه بأشد من وحدة العرب في تأييدها، سينجم عنه -لا ريب- إصابة القضية المصرية بطعنة كانت تحب مصر أن تراك من أسبق الناس لدفعها عنها.
إنه ليسعدنا -يا سيدى- أن تطيش عنك سهام الذين يرجفون بأن الإنجليز حينما رهبوا عصا الجامعة العربية في قضية وادى النيل- أرادوا أن يتخذوا مشروع" سوريا الكبرى" عصا لهذه الجامعة التي تحوطها قلوب العرب والمسلمين بكل دعاء وإكبار، ولا يمنعنا الحرص على سقوط هذه الهمة عن مقامك الكريم من أن نصارحك -في أخوة وقوة- بأنه لا خلاف في أن الثمرة الطبيعية الأولى لإثارة هذا المشروع الآن –ولو لم نردها أو نسع إليها- هي زلزلة القضية المصرية في قمة غليانها، وخسارة ستة وعشرين مليونا من قلوب المصريين والسودانيين لا يجوز أن يزهد في حبها وصداقتها عربي مسلم كعبد الله بن الحسين.
يا صاحب الجلالة:
مهما يكن من اقتناعك بهذه الحقائق أو انصرافك عنها فإنه لم يبق لتنفيذ فكرتك وسيلة مشروعة -وقد التزمت أمام الرأي العام العربي ألا تتجاوز الوسائل المشروعة- إلا أخذت بها ولجأت إليها، فلم يتخلف عن كل هذه الوسائل إلا ظل قائما وريبة مظلمة تحف بكلمة سوريا الكبرى وبكل اسم يقترن بها ويدعو إليها.
أما سوريا ولبنان، فإن كلمة سوريا الكبرى في لغة مختلف الأوساط والهيئات فيهما لا تساوى إلا كلمة الخيانة العظمى، ومن النصح لك أن أكاشفك بأنه ما من مرشح في الانتخابات السورية الأخيرة رمى -ولو باطلا- بتهمة أغلظ عند الرأي العام من كلمة سوريا الكبرى.
وأما فلسطين ممثلة في هيئتها العربية العليا فرأيها في المشروع قديم لا حاجة إلى إعادته، وهو ليس إلى جانب المشروع على أى حال. وأما سكان وادي النيل فقد كاشفتك في أمانة لك وفى صدق إدراك لمشاعرهم بنظرتهم إلى معنى سوريا الكبرى ولا سيما في هذه الأيام.
فما مقامك يا صاحب الجلالة على خطة تقف بك في معزل عن عشرات الملايين من القلوب التي تتمنى أن تعبد الله بمحبة أهل البيت الهاشمي الكريم.
يا صاحب الجلالة:
إننا لا نزال نسجل لك -ولا نحب أن نسجل عليك- مع السرور والإعجاب ما أعلنته في خطاب عيد الاستقلال الماضي: "إن عبد الله وابن عبده المؤمن بقدرته الربانية وعزته الصمدانية الراغبة عن كل جاه شخصي ونفع ذاتي، إلى كل ما ينفع العرب ويصون مستقبلهم ويحقق أملهم، ويقرر وينجز وحدة القطر الشامي على الطريقة التي تصون مصالحه القومية بمحض اختياره وتفاهم خياره".
جميل يا صاحب الجلالة أن تبرأ من طلب الجاه والمنفعة الشخصية، وهو الأمل فيك والعهد بك. ومن واجبى يا سيدي أن أسألك حق هذا التصريح الجليل بعد أن كشفت عما في مشروع سوريا الكبرى من أضرار بالغة لأمم العروبة جميعا.
وجميل كذلك- يا صاحب الجلالة- أن تقرر في ذروة تعصبك للمشروع، أنك لا تريد فرضه على القطر الشامي، بل تدعو إلى تحقيقه للشعب السوري الكبير على الطريقة التي تصون مصالحه بمحض اختياره وتفاهم خياره.
ومن حق كل عربي أن يسأل: هل بقي ريب في أن اختيار الشعب السوري كله في ناحية وهذا المشروع برمته في ناحية أخرى؟ أم هل بقي ريب في أن خيار كل من الأمة السورية واللبنانية قد أعلنوا بإجماع مجلسي النواب السابقين والحاليين، وبلسان الصحافة الحكومية والمعارضة وباسم الأحزاب السياسية والهيئات الوطنية الإسلامية رغبتهم بالإجماع عن هذا المشروع واستغناءهم عن الدعوة إليه؟!
يا صاحب الجلالة: الدين النصيحة والصدق أمانة والمكاشفة واجب.
إن مواصلة الدعوة إلى هذا المشروع بعد أن ثبت أنه ليست هناك وسيلة مشروعة تؤدى إلى تحقيقه لا يعنى إلا بإعطاء الحجة لمن يقولون إن جلالة الملك عبد الله شديد الإصرار على عرش دمشق ولو كلفه ذلك أن يزحف عليها بجيشه، بل لو اضطر أن يدخلها في أكناف الجيوش الأجنبية، الأمر الذي نعيذ مكانتك في القلوب بتاريخ أسرتك في العالم العربي منه، ويومئذ –لا كان يومئذ- يعرف قلبك الطاهر في لحظة من خلوته أن ملك دمشق على هذه الصورة -ولو ظاهرته أوروبا مجتمعة- لا يساوى ابتسامة المؤمن في وجهك، ولا دعوة قلب صالح بالخير لك.
يا صاحب الجلالة:
إنني وطيد الأمل أن يلقى هذا الكتاب الصادق مكانه في قلبك الصادق، وأن يكن ما ندعو إليه واجبا في رأيك، فما أكثر ما بذلت في سبيله، وقد بلغت، فحسبك أن يشهد الله والناس.
وإن ثقتي بصادق إيمانك لتدفع عنى الوجل من أن تفشل هذه السعاية البريئة، ومن أن تقفنا -لا قدر الله- موقفا لا نملك فيه لألسنة المرجفين عقالا، ولا نستطيع معه للمسرفين في سوء الظن دفاعا، فضلا عن أن يفرقنا المبدأ- لا قدر الله- كما جمعتنا العقيدة، وأن نتجرع -آسفين- كأس الفراق في الله بعد أن ذقنا هانئين حلاوة الحب في الله.
يا صاحب الجلالة:
أناشدك الله الذى تلقاه في صلاتك وتلاوتك، وأناشدك نبيه الذى يقول "ولا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم وجوه بعض"... وأناشدكم تاريخ العروبة الذى يعتز بجهاد البيت الهاشمي العريق أن تنفذ بقلبك إلى ما وراء هذه السطور والعبارات من حرارة الإخلاص، وتوقد الغيرة على بقاء كلمة العرب مجتمعة، وسيرتك على الألسن شذية عطرة، فتسوق الطمأنينة إلى نفوس العرب ونفسى، بانصرافك عن مشروع سوريا الكبرى استجابة لهذه النصيحة الصادقة النقية، وإن لك لأسوة حسنة في جدك الأعظم صلى الله عليه وسلم يوم بدر إذ نادى في الناس: "انزلوا حيث قال الحباب"
حفظك الله يا صاحب الجلالة، وأيد بك كلمة الحق والخير أبدا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رد على الرد
أرسل فضيلة المرشد العام مساء أمس إلى جلالة الملك عبد الله البرقية التالية:
جلالة الملك عبد الله المعظم -عمان: تلقيت بيد الشكر والامتنان رد جلالتكم الكريم، ورغم أنى كنت أؤمل أن يصادف رجائي لدى جلالتكم تمام القبول، فإني استأذن جلالتكم في أن أعتبر هذا الرد وعدا قاطعا للعالم العربي بأنكم لن تتجاوزوا في فكرتكم الوسائل الحرة المشروعة، وبأنكم تشاطروننا الحرص التام على كيان الجامعة واستقلال البلاد العربية والاستعداد لتأييد القضية المصرية بحق وصدق.
ومع ذلك فلا زلنا نأمل أن تلتقوا معنا -على الأقل- في أن من الخير تجنب إثارة هذا المشروع الآن. وفق الله ملوك العرب والمسلمين إلى ما فيه خير العروبة ونصرة الإسلام. آمين. (2)
تهنئة المرشد العام لفخامة رئيس الجمهورية اللبنانية
بمناسبة إعادة انتخاب فخامة الشيخ بشارة الخوري رئيسا للجمهورية اللبنانية، بعث أمس حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ المرشد العام البرقية الآتية إلى فخامته:
"فخامة الشيخ بشارة الخوري رئيس جمهورية لبنان":
إلى لبنان الشقيق أجمل التهاني بإعادة انتخابكم. حقق الله آمال الوطن العزيز والعروبة المجيدة في ظل رياستكم الرشيدة.(3)
رسالة المرشد العام إلى سمو ولى عهد اليمن
حضرة صاحب السمو الأمير أحمد سيف الإسلام ولى عهد اليمن العزيز حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: فإنني أحمد إليكم الله الذى لا إله إلا هو، وأصلى وأسلم على صفوته من خلقه وخيرته من عباده محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، وأنتهز هذه الفرصة فأحمل الأخ السيد "صالح محسن" هذه الرسالة إلى مقام سموكم مشفوعة بأجمل التحيات وأطيب التمنيات، راجيا أن تحل من نفسكم الكريمة محل القبول، فما دفع إليها إلا الإخلاص العميق للأمارة الرشيدة والغيرة البالغة على مستقبل الأمة اليمانية المجيدة، وهى النصيحة الواجبة على كل مسلم لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، والعاطفة الإيمانية مثل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته: "كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائرة".
يا صاحب السمو: إن العالم العربي كله والعالم الإسلامي معه -فضلا عن غيرهما من الحكومات والشعوب- قد أدركت حالة اليمن الملحة إلى النهوض السريع والإصلاح العمراني الشامل الذي ينظم كل مرافق الحياة من تعليم وثقافة وصحة واجتماع وزراعة وتجارة وصناعة وغيرها. وإن هذا المعنى وإن كان مطردا في كل البلاد العربية والإسلامية، إلا أنه بالنسبة لليمن أظهر وأوضح.
وإن آمال المسلمين جميعا اليوم معقودة في هذا الإصلاح بهمة جلالة الإمام أيده الله، ثم بهمة سموكم وجميل نظركم وكمال اجتهادكم في ذلك. فأنتم الذين تحملون عن جلالته أعباء التنفيذ اليوم، وأنتم الذين ستوجهونها كاملة في الغد، فلا عجب إن اتجهت إليكم الأنظار، واشرأبت الأعناق وكنتم موطن الأمل ومعقد الرجاء.
يا صاحب السمو: لا يمكن لأية أمة ناهضة اليوم أن تسبق طريقها إلى الأمام بين الدول الناشئة أو المستقرة إلا إذا كانت تقودها حكومة مسئولة، واضحة التبعات، موزعة الاختصاصات، معتمدة على الكفايات، يسندها ويؤازرها شعور الأمة ورأيها العام ممثلا في مجلس شورى يصوره ويعرب عنه، وذلك هو ما يأمر به الإسلام ويصوره قول القرآن الكريم: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾[الشورى: 38].
ولا يمكن للحكومة أن تخدم شعبها إلا إذا خطت به خطوات واسعة نحو الإصلاح العمراني وبدأ أثر هذا الخطو سريعا، فنحن في عصر السرعة وقد طال بنا أمد الأماني والكلام ولم يعد ينفع إلا العمل والإقدام. وقد حبا الله اليمن بثروات طبيعية تجعلها أسعد بلاد الدنيا حالا لو وجدت من يستطيع أن يستخرج كنوزها ويستغل خاماتها، ولا نريد أن ننتظر حتى يقتحم علينا الأجانب عقر دارنا ويمد الاستعمار أصابعه الخبيثة إلى بلادنا، وللغاصبين المستعمرين مداخل الأبالسة وخدائع الشياطين. ولا منجاة من هذا المصير إلا بأن نبدأ بأنفسنا ونستعين بعد الله بإخواننا من العرب والمسلمين وهم على أتم استعداد لبذل هذه المساعدة أدبية أو مادية بمجرد الإشارة لهم بحق الأخوة والنصيحة معا، ففي تقدم اليمن وسعادته تقدم وإسعاد لكل وطن عربي.
يا صاحب السمو: لقد تنادى هؤلاء الشباب من اليمانيين الأحرار بالمطالبة بهذه الإصلاحات، وبقدر ما علمت من شأنهم أستطيع أن أقول إنهم لا يحملون للعرش اليمنى العزيز وللإمام أيده الله ولسموكم ولأصحاب السمو سيوف الإسلام إلا كل تقدير وولاء، وكل ما هنالك أنهم يتبرمون بهذا الوضع الشاذ في هذا الوطن الغالي المفدى، ويطالبون بالإصلاح في حماسة الشباب التي قد تدفع إلى التجاوز والتهور في بعض الأحيان، ولكنهم مع هذا كفايات مخلصة وقلوب طيبة ومواطنون يمانيون يمتد عليهم ظل مولانا الإمام، فإذا رأيتم أن من الخير التوسط لدى جلالته في شمولهم بالفضل وإشعارهم جمال السماح والعفو، ثم وجهتموهم بعد ذلك إلى نواحي العمل الإصلاحي وكلفتموهم إنفاذ ما كانوا به ينادون، فإنكم بذلك تكونون قد خطوتم إلى الإصلاح خطوتين مجيدتين فمهدتم السبيل وجمع الله بكم الشمل. فامضوا -يا صاحب السمو- على اسم الله والله يرعاكم ويؤيدكم، ولا تترددوا أو تتأخروا بهذا الخير عن وقته، فخير البر عاجله، وفى الجو بوادر تنذر بالشر، وغاية الكياسة معالجة الداء بأحسن الدواء. والله نسأل أن يلهمكم الرشد ويجرى على أيديكم كل خير للبلاد والعباد. آمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(4)
الإخوان المسلمون وأماني الشعب اليمني
رسالة إلى الإمام الراحل من المرشد العام
بسم الله الرحمن الرحيم.
حضرة صاحب الجلالة الإمام أمير المؤمنين المتوكل على رب العالمين يحيى بن حميد الدين أيده الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وأصدق التحيات أرفعها إلى المقام الكريم مشفوعة بأطيب التمنيات، سائلا الله -تبارك وتعالى- أن يديم لجلالتكم التأييد والتوفيق، وأن يكتب لليمن العزيز في ظل عرشكم المجيد كل ما يصبو إليه من عزة ونهضة وإسعاد آمين.
وبعد: فليست هذه بأول مرة أتشرف فيها بالكتابة إلى المقام الكريم أو أسعد فيها بتلقي ما يرد منه، وذلك ما يشجعني على التقدم إلى جلالتكم منتهزا فرصة عودة السيد الأجل القاضي محمد بن عبد الله العمري لأحمله إلى المخيم المنصور هذه الرسالة، وأنا مملوء بالأمل والثقة بأن هذه الآراء المتواضعة المخلصة ستلقى من لدنكم كل رعاية وتنفيذ وتحقيق إن شاء الله.
يا صاحب الجلالة:
لقد حملتم عبء النهوض بهذا الشعب وحدكم طوال هذه السنين منذ جاهدتم في سبيل حريته إلى هذا اليوم. والآن، وقد تكاثرت التبعات، واتسعت حاجات الأمم، وتشابكت المصالح الدولية، واشرأبت أعناق الاستعمار إلى كل جزء في الأرض، وغمرت موجة الأفكار التنظيمية الجديدة كل مكان، لم يعد بدٌّ من أن تقوم في اليمن حكومة إسلامية مسئولة ذات اختصاصات وسلطات واضحة موزعة، يسندها ويمدها ويؤازرها مجلس شورى يمثل طبقات الشعب ويشعر بمطالبه وحاجاته، ويستلهم الجميع من مقام الإمامة الكريم أفضل التوجيهات وأسمى الإرشادات، ويحملون عنه عبء التبعات التنفيذية والمشاكل الإدارية والسياسة في الداخل والخارج، ويكونون هم المسئولين عن ذلك أمامه وأمام الأمة وأمام العالم وأمام الله أولا وآخرا، في حدود دستور مستمد من كتاب الله تبارك وتعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأئمة الهداة الراشدين المرضيين ومن تعاليم الإسلام الحنيف وأحكامه المطهرة، ولن ينتقص ذلك شيئا من حقوق الإمامة وسلطانها الشرعي، فلها الرأي الأعلى وعليها التبعة الكبرى، وكلكم راع وكل راع مسئول عن رعيته، ولكنه تنظيم نافع تحدد به الاختصاصات، وتستغل به الكفايات، ويرتفع معه شعور الأمة بحريتها الداخلية وكرامتها الإنسانية.
وأمر ثان -يا صاحب الجلالة- هو أنه من المعلوم أن البلاد في أول نهضتها تحتاج دائما إلى كثير من الإصلاحات الداخلية الواسعة النطاق التي تتناول كل مقومات الأمة ومرافق حياتها بالتعهد والتنظيم والتعمير والتجديد. ولقد كان حرص جلالتكم على سلامة عقيدة الأمة اليمنية وصيانة تقاليدها الإسلامية واستقلالها يحمل دائما على الحذر الشديد من التعجل بمطالب هذا الإصلاح الذي لابد فيه من الخبراء الأجانب والاستعانة بالدول الغربية أو إرسال البعوث إليها، وفى ذلك ما فيه من خطر على الكيان الداخلي والاستقلال الخارجي.
ولكننا اليوم نحمد الله تمام الحمد، على أن وفق البلاد العربية إلى النهوض في نبوغ وسبق في كثير من مرافق الحياة العملية والعلمية، وامتياز في مضمار التقدم الاقتصادي والثقافي، يجعلها كفيلة بإمداد اليمن بما تريده من الخبراء في كل فن بمجرد الإشارة من مولانا الإمام أيده الله.
واستخيروا الله تبارك وتعالى في ذلك واعزموا، ولن يكون إلا الخير إن شاء الله.
بقى أن أتقدم إلى جلالتكم مستأذنا في شأن أبنائكم في المهجر الذين دفعتهم الغيرة وحب الخير للدولة والأمة والملة، فتنادوا بالمطالب الإصلاحية، ودعوا إلى الأخذ بأسباب التقدم العمراني، ترفعهم حماسة الشباب إلى شيء من التطرف الذى قد يصل إلى حد التهور أحيانا مع حسن القصد وبراءة الغاية، فالأمل ألا تضيق بهم ساحة فضلكم... وإن آفاق بركم وعطفكم الإمام الأبوي لأرحب وأوسع من أن يحرم ظلها أحد المسلمين، فضلا عن رعاياكم من أبنائكم اليمانيين، وفى مقدمتهم "السيف إبراهيم" الذى له من شرف محتده وكريم نشأته وبركات والده ما يجعله أهلا لاستحقاق رضاكم السامي واستعادة عطفكم الأبوي الرحيم...
وفى الختام أسأل لمولانا الإمام موفور الصحة وتمام العافية، وأن يشد الله ملكه ويزيده ويؤيد به أمم العروبة ودول الإسلام، كما أرجو أن يكون مشروع الشركة اليمانية ببركة رضاكم عنه وتأييدكم إياه قد تجاوز العقبات وخطا إلى الأمام..
وإلى مقامكم يا صاحب الجلالة الولاء الخالص وأطيب التحية والسلام.
القاهرة في 16 ذي الحجة 1366. (5)
حول الحديث التي نسبته إحدى الصحف
إلى سيف الإسلام عبد الله
حضرة صاحب الجلالة الإمام الناصر لدين الله أحمد ملك اليمن بالقاعدة (تعز)
أبرق إلى الأخوان الأستاذ عبد الحكيم عابدين والأستاذ أمين إسماعيل بأنهما في ضيافة جلالتكم ورعاية سيوف الإسلام الكرام بصنعاء حفظهم الله، فنشكر لجلالتكم ولسموهم كريم العناية بأمرهما، ونرجو التفضل بالاتصال بسمو سيف الإسلام عبد الله بالقاهرة، حتى لا يتأثر بالتيارات الحزبية المصرية ويدلى بأحاديث لا مصلحة فيها لأحد في مثل هذه الظروف الدقيقة.
كتب الله الخير والتوفيق لجلالتكم ولليمن العزيز وأوطان العروبة وبلاد الإسلام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
خطاب المرشد العام إلى سيف الإسلام عبد الله
حضرة صاحب السمو الأمير سيف الإسلام عبد الله... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد: فقد قرأت اليوم ما نسبته جريدة البلاغ لسموكم من تصريحات حول موقف الإخوان من قضية اليمن، فاستغربت صدور مثل هذه الإجابات عنكم؛ لأن الذى أعلمه تمام العلم وأؤكده كل التأكيد أن مهمة الأخوين الفاضلين الأستاذ عبد الحكيم عابدين والأستاذ أمين إسماعيل، إنما كانت مهمة إصلاحية وصحفية تتلخص في التوسط لحقن دماء المسلمين والإصلاح بين المتخاصمين، ولا صلة لهما من قريب أو من بعيد بما وقع في اليمن من أحداث- وأنهما الآن في ضيافة صاحب السمو سيف الإسلام يحيى باسم جلالة الإمام الناصر، وأنهما موضع الرعاية والعناية، لا مسجونين ولا معتقلين. وإن جلالة الإمام قد بعث ببرقية كريمة إلى الأستاذ عابدين تؤيد هذا المعنى ردا على رسالة بعث بها إلى جلالته. وقد أبرق إلينا الأخ بهذه الأنباء بتاريخ 1/4/1948 من صنعاء وجاء في برقيته ما نصه:
"أبلغني صاحب السمو سيف الإسلام يحيى أن رسالتي قد وصلت جلالة الإمام الناصر، وأنه يؤثر أن تكون مقابلة ملكية.وإننى تلقيت من جلالة الإمام البرقية الآتية "من الملك الإمام أحمد إلى الأستاذ عبد الحكيم عابدين السكرتير العام للإخوان المسلمين.. صنعاء. سبقت إليكم الإفادة باستحساننا انتظاركم في صنعاء حيث أعمالنا كثيرة، وسنقدم إليها قريبا إن شاء الله، وأنتم في بيتكم. وقد انتقلنا إلى دار فسيحة جميلة ذات بستان كبير، وسمحت الأحوال بعودة الهدوء والسكينة إلى العاصمة بالتجول والمقابلات والزيارات. أبلغكم أصدق التحيات وأسألكم صالح الدعوات".
ولهذا كان غريبا أن تصرحوا سموكم بمثل ما نشرته البلاغ ونسبته إليكم، وقد يكون مختلقا من أساسه، أو عملت فيه يد التحريف والتشويه. وأحب أن ألفت نظركم إلى أن الاستغلال الحزبي في مصر لم يعد يتقيد برباط من خلق أو دين أو مصلحة، وأن هؤلاء الذين يتصلون بكم من رجال الصحافة الحزبية، إنما يريدون استدراجكم لمثل هذه الأحاديث حتى يشعلوا نار الفتنة ويورطوكم فيما لا مصلحة فيه لأحد ولا يتناسب مع صفتكم الرسمية ولا مع مكانتكم الشخصية، ومن الخير لسموكم ولليمن وللإخوان أخذ الأمور بمنتهى الحذر والحيطة وبخاصة في مثل هذه الظروف الدقيقة، والتحرز من مثل هذا الاستغلال، والمبادرة بتكذيب هذه الأحاديث إذا كانت مختلقة أو مشوهة أو محرفة، وضعا للأمور في نصابها، وزجرا لأولئك الذين يسخرون من كل شيء لشهواتهم الحزبية، والانتظار حتى يتكشف وجه الحقيقة السافر، ولن يكون الإخوان بإذن الله إلا عنوان البراءة والطهر، وهو أدب القرآن الآمر: "فتبينوا". والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(6)
في الجزيرة العربية
معاهدة الطائف بين الإمامين ربح للمسلمين والعرب جميعًا
تتبعنا حوادث الجزيرة العربية بكل دقة واهتمام؛ لأنها الحوادث التي يخفق لها قلب كل مسلم، وتحتل من نفسه وتفكيره المكان الأول، وأمسكنا عن الكتابة عنها لنفسح المجال لوفد المؤتمر الإسلامي ولمساعي كبار المسلمين الطيبة حتى تثمر ثمرتها المطلوبة، ولقد كان سرورنا عظيمًا حين انتهت الحوادث على هذا الشكل من الاتفاق الودي، وأثمرت تلك المعاهدة الموفقة إن شاء الله تبارك وتعالى.
ولقد كان موقفًا رائعًا ذلك الذي وقفه كل من الإمامين العربيين، وكان جميلاً جدًا ذلك التسامح والحزم وضبط النفس الذي بدا من كل منهما مما لم يستطيع الساسة الأوروبيون أنفسهم؛ لأن الخلق الإسلامي العربي شيء آخر له حكمه وأثره، ومن ذا الذي لا يرى في تسامح الإمام عبد العزيز آل سعود وقد أمسك بعزة النصر نبلاً وفضلاً وكرمًا وعبرة وحرصًا على حقن الدماء وإنهاء الخلاف.
ومن ذا الذي لا يرى في موقف الإمام يحيى بن حميد الدين وقد وتر فلم يلج في الخصومة، ولم تأخذه العزة بالإثم، ولم تذهب بحرمة النفس والحمية نبلاً وفضلاً وحزمًا وعقلاً وحرصًا على حقن الدماء وإنهاء الخلاف كذلك و"ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب"، ولو أراد الإمام أن يطول أمد الفرقة لوجد من ولى عهده ومن الحزب العسكري في بلاده قومًا يستجيبون له ويقفون معه، ولكن عقله وضبطه لنفسه وحرمته على دماء المسلمين ومصلحة العرب تغلبت في النهاية على كل شيء.
هما موقفان مشرفان فيما نعتقد ضرب بهما كلا الأخوين أروع المثل في الحزم والتسامح معًا، وليقل القائلون بعد ذلك ما شاءوا، وهما بهذا الموقف المشرف أرضيا الله، وخذلا الشيطان، ومحقا الدساسين فجيعة لم يكونوا يحتسبونها، وحققا ظنون العالم الإسلامي، وقررا أمر الوحدة العربية التي هي أمنية كل مسلم مخلص غيور.
وإنك لتقرأ نصوص تلك المعاهدة فتمتلئ نفسك سرورًا وإعجابًا وفرحًا واغتباطًا بما وفق إليه الطرفان المتعاقدان من حسن السياسة، وقوة الإيمان، والمرونة في سبيل المصلحة، والمحافظة كل المحافظة على الوحدة الإسلامية العربية، وقد تجلى هذا المعنى واضحًا في كل نص من نصوصها، فهي ولا شك ربح عظيم للعرب والمسلمين.
ولكن الحاج "عبد الله فلبى" المسلم الإنجليزي وهو صديق الإمام ابن سعود، والذي أولته البلاد العربية نعمتها التي ينعم بها من ثروة ومال وعز وجاه يحاول بما يكتب في جرائد إنجلترا أن يعيد الخلاف خدعة، وأن يعكر صفو العلائق الودية، وأن يثير الفتنة من جديد، وهو فيما يدعيه غير محق وإنما يستعين على قصده بالأساليب المرنة والخلابة اللفظية.
فنحن نقول للحاج عبد الله: اتق الله؛ لأن الإسلام الذي اعتنقته واستظللت بظله يأمرك بهذا، ويفرض عليك أن تكون داعية إصلاح لا تفريق، فإن لم يكن للإسلام فلأنك صديق للملك ابن سعود، وأقل واجبات الصداقة أن تفرح لانتهاء مشكلة كانت ستكون شغلة للطرفين معًا، فإن لم تكن لصداقتك للملك ابن سعود فليكن ذلك للأمة العربية التي غمرتك بخيرها ووسعتك في أرضها، وإني مع هذا ضعيف الأمل في أن الحاج "عبد الله فلبى" سوف يكف عما يفعل.
يا جلالة الإمامين العربيين، قد يئسنا كل اليأس من أن يستمع الدساسون لندائنا، أو يستجيبوا لقولنا، أو يتركوا ما تخصصوا به من الكيد لنا، والدس بيننا، وإفساد روابط الألفة التي عقد الإسلام عليها قلوبنا.
يئسنا من ذلك كل اليأس فلم يبق أمامنا إلا طريق واحدة هي أن نستيقظ لدسائسهم، ونسد الآذان أمام مفترياتهم؛ حتى تذهب دسائسهم نفخة في رماد، وقد آن الوقت الذي يميز فيه المسلمون بين العدو والصديق.
أكرر لكما في الختام أن المعاهدة بينكما مهما كان فيها من ربح لأحد الطرفين مرضاة لله، وخذل للشيطان، وقضاء على الدسائس، ومخيفة لأعداء الإسلام، وتحقيق لظنون المسلمين، وخطوة موفقة نحو الوحدة الإسلامية العربية المحبوبة، فشكر الله لكما، وأنقذ بكما دينه وأمته.(7)
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ
لم تجدِ وسائل السلم، ولم يؤد مؤتمر أبها إلى التفاهم بين الملكين العربيين، فامتشق الحسام في الشهر الحرام، وسالت دماء العرب الزكية، والتقى المسلمان بسيفهما، وروع العالم الإسلامي كله بهذا الخطب العظيم، وفجع المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها في آمالهم وأمانيهم، وضاعت صرخاتهم في سبيل السلم هباءً منثورًا، ولله الأمر من قبل ومن بعد؟
هل كان ذلك كله لأن عدوًا للإسلام هاجم ديار الإسلام فأذل أهله، واحتل أرضه، وعطل شعائره، فنقول: هب القوم يدافعون عن أرض الله ويذودون عن حياض الإسلام؟ اللهم لا.
وهل كان ذلك كله حرمة من حرمات الله انتهكت، أو حدًا من حدوده أبطل، أو منسكًا من مناسكه أهينت قداسته ومست حرمته، فنقول: غضب القوم لله وثاروا لحماية دينه وإعزاز شريعته؟! اللهم لا.
وهل كان ذلك كله لأن دعوة الإسلام وقف سيرها وتعطل تيارها واعترضها خصومها، فنقول: إن القوم يحمون الدعوة، ويؤمنون الدعاة؟! اللهم لا.
لم يكن شيء من ذلك كله، وإنما الخلاف لأن بين حدود الملكين قطعة أرض يسكنها مسلمون، يريد كل من الملكين العظيمين أن يعترف له أخوه بملكه إياها.
يا إمامي العرب، ويا عظيمي المسلمين، ويا ملكي الجزيرة،
ليس هذا بالأمر الذي يستحق امتشاق الحسام، ولدد الخصام، وأنتما أعرف الناس بذلك، فإن عسيرًا ونجران إن صارتا حجازيتين فهما تحت علم الله وتحت راية القرآن، وإن كانتا يمانيتين فهما كذلك تحت علم الله وراية القرآن، وإن احتلها جنود اليمن فهم جنود الله والإسلام، وإن احتلها جنود الحجاز ونجد فهم جنود الله والإسلام، وإن بقيت بأيدي أهلها فهم كذلك جنود الله والإسلام، لا تتغير الحقائق وإن تغيرت الأسماء والأشخاص، فعلام النزاع وفيم الصراع؟
عهد المسلمين بكما أنكما تنسيان أشخاصكما، وتنكران ذاتكما، وتضحيان برغبتكما في سبيل مصلحة الإسلام وأممه، وأنتما حينما تتمسكان بالأرض في عسير ونجران تخالفان ما أثر عنكما وعرفتما به، ويكون الجهاد في سبيلهما جهادًا في سبيل الرغبة الشخصية والمنفعة الذاتية ليس منه لله نصيب، وجهاد هذا شأنه لا ينتج إلا العناد في الدنيا والتبعة في الآخرة.
يا إمامي العرب،
إن الله سائلكما عن هذه الدماء في أى سبيل تهرق، وعن هذه الأموال لأي غرض تنفق، وعن عصا الإسلام لماذا تشق، وعن وحدة المسلمين كيف تمزق، وعن التمكين للعدو الرابض على الأبواب ينتهز الفرص السانحة ويتربص بكم الدوائر؟
جاء في بيان مختصر للسكرتير الخاص لجلالة الملك عبد العزيز أن جلالته يرغب في السلم، وقد صبر طويلاً، ولكن المسلمين لم يتدخلوا في الأمر، فلم يجد بدًا من أن يدافع عن بلاده بحد الحسام.
الله أكبر، أقسم بالله قسمًا أعتقد أنى فيه غير حانث لو فتش جلالته قلب كل مسلم وصلته أنباء هذا الخلاف لرأى الألم يملأ نواحيه، والأسى تفيض به جوانبه، والهم يتغشاه من أقصاه إلى أقصاه، وماذا يريد أن يصنع المسلمون وهو أعلم الناس بحالهم؟ لقد كتب كُتابهم، وخطب خطباؤهم، وأبرقت هيئاتهم، وتحدث عظماؤهم وأظهروا شعورهم أمام هذا الخلاف بكل جلاء ووضوح، وها هو وفد المؤتمر الإسلامي العام سيمثل بين يدي جلالته وجلالة الإمام يحيى في القريب -إن شاء الله تعالى، وسنرى ما يكون من موقف جلالتهما بإزائه.
يا جلالة الملك عبد العزيز، ويا جلالة الإمام يحيى،
الأمر أيسر من كل هذا لو خلصت النيات وطهرت السرائر، عسير ونجران أرض إسلامية في وسع كل من الملكين أن يتركها لأهلها أو يتنازل عنها لأخيه ولا ينقص ذلك من كرامته خردلة، بل يرفعه ويكسبه ود أخيه وتقدير العالم الإسلامي، فلماذا لا يتقدم أحدهما بهذه الخطوة الجريئة الموفقة كما سبق أن حدث في جبل عرو؟
لو كان الملكان العظيمان في حاجة إلى أن يذكرهما الناس ويطيلوا في البيان لأطلت وأطنبت، ولكن جلالتهما في غنى عن ذلك بما وهب الله لهما من الفراسة وكمال الحزم وصحة التقدير، ولو جلس كل منها إلى نفسه ساعة يستحضر فيها مراقبة الله وحكم الإسلام ولهفة المسلمين بعيدًا عن مواطن الدسائس والفتن، لكانت العاقبة أن تتغلب الأخلاق الإسلامية والشمائل العربية على عصبية الغايات والأهواء، ولضحى كل من الإمامين برغبته في سبيل راحة نفسه وإسعاد المسلمين. فهل نسمع في القريب أن ذلك قد كان؟ (8)
بين الإمامين العربيين
تمنينا في افتتاحية العدد السابق أن تتوفر الرغبة عند الإمامين العربيين في السلم والوفاق بالطريقة الودية، وأن ينهض المسلمون لأداء ما فرضه الله عليهم من إصلاح ذات البين، ونقول ما فرضه الله عليهم؛ لأن القرآن الكريم ناداهم بأوضح بيان: ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا التي تَبْغِى حَتَّى تفئ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بينهما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ*إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾[الحجرات9-10]، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ناداهم هذا النداء فيما يروى عنه في الصحيح ومعناه: "ألا أدلكم على أفضل من درجة الصلاة والصوم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: إصلاح ذات البين؛ فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين".
ولقد كان الأسبوع الماضي حافلاً بالحوادث التي دلت على اهتمام العالم الإسلامي كله بإطفاء نار الحرب اهتمامًا شغل بال الجميع أفرادًا وهيئات ووحدانًا وجماعات، فقد اتصل المؤتمر الإسلامي بالعاهلين وبغيرهما من الهيئات الإسلامية، وأخذ يعد العدة لإرسال وفد من لدنه، وتحركت الهيئات الإسلامية والعربية في مصر واتصلت هي الأخرى بالإمامين، وأخذت تعد العدة لإرسال الوفود التي تمثلها في مكة المكرمة، وفاضت أنهار الجرائد والمجلات بسيل من البيانات والبرقيات. كل هذا جميل يدل على يقظة واهتمام بيد أنا نريد من ورائه عملاً جديًا وخطوة جريئة موفقة إن شاء الله تعالى.
هذا من حيث الشعور الإسلامي العام، أما من حيث شعور الإمامين الجليلين فقد أبرق الإمام يحيى إلى كثير من الهيئات برغبته في المحافظة على السلام، وبأنه أرسل إلى مندوبيه في أبها بالسفر إلى مكة للاتفاق مع جلالة الملك عبد العزيز، وهذا إذا تم خطوة سارة من غير شك تسهل على الوفود الإسلامية مهمتها في التوفيق والإصلاح.
وجاءت خطبة الملك عبد العزيز في وليمته السنوية التي يقيمها بمكة لحجاج بيت الله الحرام "والتي نشرناها في غير هذا المكان" فياضة بالرغبة الأكيدة في المحافظة على السلم، وتمنى الخير للعرب والمسلمين جميعًا، وقد بسط فيها أدوار الخلاف بسطًا وافيًا في عبارة تفيض إخلاصًا وصراحة ووضوحًا. إن الملك عبد العزيز في خطبته يقدر كل الأخطار التي تنجم عن الحرب ويود السلام من صميم قلبه، وهو في الوقت نفسه لا يعبر عن جلالة ملك اليمن إلا بأخي، وبأنه يحب له ما يحب لنفسه، ويعتز كل الاعتزاز بالشيمة العربية، وبخلق الوفاء الذي اعتز به العرب وعرف عنهم قديمًا وحديثًا، وقد شرح موقفه في نجران وأنه لا يرى مانعًا من أن تكون محايدة "كما أشرنا إلى ذلك في افتتاحية العدد السابق"، وشرح كذلك موقفه في عسير، وأدلى بالبيان الكافي الذي يبرئه من العدوان، وينفى عنه الملامة.
وقد أرسل الإمام يحيى إلى بعض الهيئات في مصر برقية يشرح فيها موقفه هو الآخر "وقد نشرناها كذلك في غير هذا المكان"، والمطلع عليها يرى الرغبة في السلام متوفرة عند الإمام كذلك، وأنه يقدر أخطار الحرب تمام التقدير.
أمام هذا الموقف يجب أن يهتم المسلمون بتعرف الحقيقة، ويجب أن ينهض الوفد الإسلامي بمهمته في أقرب وقت ممكن، حتى لا يتفاقم الخطر ويتسع الخرق، ولا نزال نناشد العاهلين الله والإسلام أن يحققا آمال العالم الإسلامي فيهما بإنهاء هذا الخلاف، وإمضاء المعاهدة التي تجعل منهما يدًا واحدة على من ناوأهما، ولأن يكسب أحدهما الآخر ويكسبا معًا عطف العالم الإسلامي ويجعلا من ذلك درعًا واقية لحدود بلادهما وتخوم ملكهما خير وأبقى. (9)
إلى الإمامين العربيين
بين الملك ابن السعود وبين الإمام يحيى بن حميد الدين خلاف تتراءى أنباؤه الفينة بعد الفينة على صفحات الجرائد، ولسنا نعلم أنباء تهتز لها قلوب العالم الإسلامي إشفاقًا وفَرَقًا أعظم مما تهتز لهذه الأنباء.
إنا نمسك بالجريدة فأول ما تبحث عنه العين ماذا في جزيرة العرب، أو بين الملكين العربيين، أو الخلاف بين نجد واليمن، أو نحو ذلك من العناوين، فإذا وجدنا تحت العنوان ما يبشر بانفراج الأزمة وانتهاء أمد الخلاف تنفسنا الصعداء وحمدنا الله تعالى، ودعوناه كثيرًا أن يديم الوحدة والولاء بين زعماء المسلمين حتى يقضى الله أمرًا كان مفعولاً، وإذا رأينا غير ذلك خفقت القلوب واحتبست الأنفاس وتصعدت الدعوات حارة إلى الله تبارك وتعالى أن يدفع عن الإسلام والعرب بلاء التفرق والخلاف.
ليس ذلك لصلة خاصة بيننا وبين الإمامين العظيمين، وليس ذلك لأننا نرجو مغنمًا شخصيًا من وراء الوحدة، أو نخشى مغرمًا شخصيًا كذلك من وراء الفرقة، ولكن ذلك لإحساسنا بالخطر العظيم الذي تستهدف له الجزيرة قلب الإسلام وقبلة المسلمين، إذا استحكم الخلاف بين إمام الجنوب وبين إمام الشمال.
ومحال أن نكون نحن أعظم شعورًا وأقوى إحساسًا وأعظم إشفاقًا من هذا الخطر من الإمامين، وما عرفنا كلا منهما إلا السياسي المحنك والعاقل الرزين والذكي الفطن والمجرب الخبير الذي تخاطبه من كل أمر عواقبه.
ولسنا نتحدث إلى جلالتهما في هذا الشأن من ناحية السياسة، فغيرنا من ساسة المسلمين وزعمائهم أولى بتقديره والتحدث فيه من هذه الناحية، ولسنا نتحدث إلى جلالتهما عنه من ناحيته اللائقة بالشهامة العربية والخلق الإسلامي الفاضل والعفة الإيمانية، فإننا على يقين من أن نفسهما الكريمة وضميرهما الحي أفصح لسانًا من الأقلام والخطب.
ولكنا سنتحدث إليهما من ناحية التبعة الأخروية وموقفهما من الله تبارك وتعالى، يوم لا ينفع السلطان ولا تغنى سعة الملك فتيلاً، ويوم ينادى منادى الحق تبارك وتعالى: لمن الملك اليوم، فيكون جواب هذا النداء: لله الواحد القهار.
أى إمامي العرب وملكي الجزيرة وموضع أمل المسلمين، أنتما أخَوان في دين الله تبارك وتعالى لا يضير أحدكما أن ينزل لأخيه عما يرى أنه من حقه، وهو إن فعل إنما ينقل هذا الحق من يده إلى يده، وهو إن خسر شبرًا من الأرض فسيكسب الملايين من قلوب المسلمين التي تعرف له صنيعه هذا، وتقدس فيه هذه العاطفة، وتلك القلوب أبقى على الدهر من ملك الأرضين والبلدان.
والمعركة خاسرة ولا شك مهما كسبها أحدهما؛ لأنها ستذهب بوحدة مجتمعة ورجال مسلمين وأموال إسلامية، ولن يكسب هذا الميدان إلا الأجنبي الرابض على أبواب الجزيرة تقر عينه بكل خلاف يقع، ويتمنى أن تثور الثائرة اليوم قبل الغد، وحينئذ يقول الثائر منهما: أكلت يوم أكل الثور الأبيض.
فأي جواب أعده الملكان كلاهما بين يدي الله تبارك وتعالى عن تعريض وحدة المسلمين لفرقة لا ندرى متى الاجتماع بعدها، وعن إزهاق أرواح إسلامية من خيرة أبناء المسلمين، وهل في بلدان الإسلام خير من اليمن والحجاز؟ وعن تمكين الأجانب وتحقيق مطامعهم في أرض الله المقدسة، وألا يريان أفضل جواب يلقى به أحدهما ربه يوم القيامة أن يكون عبد الله المغلوب ولا يكون عبد الله الغالب، وأن يحقن بتساهله دماء ستراق وأموالاً ستنزف وينعى على وحدة ستمزق ويطأ موطأ يغيظ الكفار، فينال بذلك منهم أشد النيل، ويطعنهم في آمالهم الطعنة النجلاء.
هذا كلام لا يروق في نظر السياسة، ولا تفهمه العقول المملوءة بالمطامع، والنفوس المشربة بالآمال وحب السلطان، ولكنى أعتقد أن الملكين العربيين المسلمين على درجة من الإيمان تجعل أحدهما يخلو بنفسه، فيرى موضعه من ربه، فيقدر عظيم التبعة ورهبة السؤال، فيأخذ بالحسنى ويشترى الآخرة بالدنيا، ويؤثر ما عند الله على ما عنده، وما عند الله خير وأبقى.
وليذكر جلالتهما أن موقف جبل عرو لا يزال أنصع صفحة في تاريخ البشرية الملأ بالمطامع والعدوان في هذا العصر المادي الكلب، والمسلمون الآن يستشرفون إلى الأرض المقدسة وإلى الأرض التي اشتم فيها الرسول صلى الله عليه وسلم نفس الرحمن، ينتظرون أن يرسم الملكان الحازمان على صفحة التاريخ منظرًا آخر من مناظر الشهامة العربية يرى منه العالم كيف يكون التسامح، وكيف يكون الإنصاف. (10)
مذكرة المركز العام للإخوان المسلمين
عن الحالة في فلسطين الشهيدة
إلى حضرة صاحب الدولة رئيس وزراء دولة إيران
حضرة صاحب الدولة رئيس مجلس وزراء دولة إيران الفخمة المعظم.
سراي الزعفران- القاهرة:
يغتنم المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين في القطر المصري فرصة تشريفكم هذه الديار ليقدم لكم أولا أحر التهاني والتبريكات لمناسبة عقد خطوبة صاحب السمو الإمبراطوري ولى عهد إيران على حضرة صاحبة السمو الأميرة فوزية، سائلين الله -سبحانه وتعالى- أن يجعله فاتحة عهد يمن وسعادة للمملكتين المصرية والإيرانية العريقتين في الحضارة والمدنية، الشقيقتين في الدين والآمال والتقاليد.
ثم إننا نرى -لزاما علينا- أن نوجه أنظار دولتكم -كرئيس لحكومة إسلامية ذات شأن وكيان- إلى قضية إسلامية بين الحياة والموت وعليها يتوقف نجاح الإسلام أو خذلناه، ونعنى بها: فلسطين القطر الشهيد، والجارة العزيزة لمصر، والشقيقة لإيران والممالك الإسلامية الأخرى.
فهذا القطر الإسلامي المقدس الذي يضم الشيء الكثير من أمجاد الإسلام وآثاره الخالدة، والذي يقطنه شعب أبى باسل من سلالة الصحابة والفاتحين، والذي جبلت ذرات أرضه بدماء المجاهدين من أبطال الإسلام الميامين. هذا القطر الذي يضم المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وأضرحة أنبياء الله العظام وأوليائه الكرام، والذي ما زال فخورا بالاحتفاظ بإسلاميته وعروبته مدة أربعة عشر قرنا، والذي حافظ سدنته عليه بأغلى المهج وأكرم الدماء. أجل يا صاحب الدولة: إن هذا القطر قد بات مهددا بالتهويد، وسدنته بالفناء أو الجلاء، وذكرياته الخالدة بالزوال والعفاء.
ذلك أن الإنكليز -بتأثير اليهود ونفوذهم المالي- يريدون أن يطمسوا من فلسطين كل معالم الإسلام لتصبح لليهود مملكة موهومة، وأن يحولوا المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله إلى كنيس يهودي كما دلت على ذلك كتابات اليهود وأقوال زعمائهم الصريحة، وأن يفنوا آخر مسلم في فلسطين ليخلوا لليهود المجال الفسيح لتوطيد دعائم ملكهم. وهاهم الإنكليز يسيرون على سياسة الإفناء بخطوات واسعات دون أن يردعهم ضمير، أو يستمعوا إلى صوت مستجير.
ولا نريد في هذه المذكرة الموجزة أن نشرح لدولتكم الفظائع الشنيعة التي ارتكبها الاستعمار الغاشم في فلسطين حتى بدل أمنهم خوفا، وحول جنتها إلى جحيم وقوده أبطال فلسطين الأمجاد، فدولتكم مطلعون على بعض هذه الفظائع مما تقرؤونه في الصحف والبرقيات لأننا على يقين من أن قضية فلسطين تهمكم وتهم الشعب الإيراني النبيل، باعتبارها جزءا من القضية الإسلامية العامة، إلا أننا نؤكد لكم ما تقرؤونه عن هذه الفظائع إن هو إلا نقطة من بحر، وأن البلايا النازلة بهذا القطر الشهيد تفوق كل حصر؛ فالسجون مكتظة بالعلماء والوجهاء وكرام الوطنيين، والزعماء شردوا تحت كل كوكب، والشهداء الأبرار سقطوا بالمئات بين معلق على أعواد المشانق ومجندل برصاص الاستعمار، والبيوت نسفت، والأعراض انتهكت، وبيوت الله أغلقت أو احتلتها الجنود، وكتاب الله مزق وديس بالمناسم والأقدام، زد على ذلك حوادث التعذيب التي يتفنن فيها المستعمرون بما لا عين رأت ولا أذن سمعت.
وها قد مضى على الثورة عامان كاملان، والدماء تسيل، والأرواح تزهق، والرصاص يمزق الأجساد، وروح الإرهاب تسود البلاد من أقصاها إلى أقصاها، وجنود الاستعمار الغلاظ يدكون بحديدهم ونارهم معالم البلاد، ويهلكون الزرع والضرع والعباد.
يا صاحب الدولة:
إنه ليس من المروءة ولا من الإنسانية في شيء أن نترك هذا القطر الشهيد الشقيق يلفظ أنفاسه دون أن يمد له العالم الإسلامي يد المساعدة، فقضية فلسطين هي قضية العالم الإسلامي بأسره، وهى ميزان كرامته ومقياس هيبته وقوته، وقد كان لحضرة صاحب الجلالة الإمبراطورية "شاهنشاه إيران" ولحكومته الفخيمة وللشعب الإيراني النبيل مواقف مشرفة من هذه القضية الحقة أثقلت موازينها، آخرها تصريح مندوب إيران في مجلس العصبة في العام الماضي، فقد كان له أطيب الوقع في العالمين الإسلامي والعربي، كما كان له قيمته لدى دول العصبة، فحرى بإيران المسلمة أن تواصل مساعيها المشكورة لحل القضية حلا عادلا، ولوضع حد لفظائع الاستعمار الغاشم فيها، ولتخليصها من كارثة التهويد الذى أصبح خطره على الأبواب ينذر العالم الإسلامي كله بشر واقع، ماله من دافع.
واسمحوا لنا -كمصريين- أن نصارحكم بأن هذه القضية لن تسير خطوة واحدة في طريق الحل إلا إذا تضافرت الحكومات الإسلامية ووقفت صفا واحد لنصرتها، فالكابوس اليهودي جاثم على صدر بريطانيا يحركها كما يشاء، ولن تغير خطتها إلا إذا رأت من المسلمين موقفا حازما، ولقد أدركت مصر هذه المسألة فسارعت هيئاتها المختلفة، من برلمانية ودينية ووطنية إلى الاحتجاج ورفع الصوت، وسخت أيدى المحسنين بالتبرع لألوف المنكوبين والجرحى، وقامت فيها المظاهرات الصاخبة، وعقدت الاجتماعات الحاشدة اللاهبة، فحبذا لو تتضافر القوى في إيران ومصر وغيرهما من أقطار الإسلام، ويواصل المسلمون الجهود في هذه السبيل.
وإننا لعلى يقين تام من أن كل حركة مباركة تقوم بها إيران في هذا الصدد سيكون لها أثرها في رفع الحيف وإعادة الحق إلى نصابه وتأثيرها في نفوس مجاهدي فلسطين.
ختاما نرجو أن ترفعوا لمقام صاحب الجلالة الشاه خالص الولاء والاحترام وأن تتفضلوا بقبول تمنياتنا وإجلالنا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. (11)
الإخوان المسلمون والمفتي الأكبر
كان للخبر المفاجئ الذي طيرته أسلاك البرق بمغادرة سماحة الحاج أمين الحسيني زعيم فلسطين وبطل العروبة أرض فرنسا أثر بالغ، اهتزت له جوانح العرب والمسلمين في أنحاء المعمورة، وتمنى كل قطر عربي أن يشرف بحلوله به، كما أبدى استعداده للذود دونه وبذل كل نفيس وغال في المحافظة عليه.
هذا وقد أرسل حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين البرقية التالية إلى بلودان لكل من حضرات معالي عبد الرحمن عزام باشا الأمين العام لجامعة الجامعة الدول العربية، ومعالي رئيس وفد المملكة العربية السعودية، ومعالي رئيس شرق الأردن، ودولة رئيس وفد مصر، ودولة رئيس وفد سورية، ودولة رئيس وفد لبنان، ودولة رئيس وفد العراق، وصاحب السمو الملكي رئيس وفد اليمن، وسعادة رئيس وفد فلسطين. وهذا نص البرقية:
بلودان: تواترت الأنباء بخروج سماحة السيد أمين الحسيني من فرنسا وتوجهه إلى الشرق العربي. فالإخوان المسلمون وكافة العرب والمسلمين يرجون من مجلس الجامعة الموقر الذي ترنو إليه الأبصار، معلقة عليه أعظم الآمال لإنقاذ فلسطين في اجتماعه الخطير: أن يقرر إعلان الترحيب بسماحة المجاهد العظيم في أى قطر عربي يهبط على أرضه ويختار الإقامة به، ويرجون استقباله بما يليق بمقامه الكريم وجهاده العظيم في سبيل العروبة والإسلام.(12)
من المرشد إلى المفتي
أرسل فضيلة المرشد العام إلى سماحة الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين البرقية التالية:
لن يزيدنا عبث هيئة الأمم إلا جدا في أمرنا، واستمساك بحقنا، وجهادا في سبيل وطننا، وسيريهم الله منا ما لم يكونوا يحتسبون. ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾[يوسف: 21].(13)
كلمة المرشد العام للإخوان المسلمين
ارتجل فضيلة المرشد كلمة قال فيها:
لبيك فلسطين. لبيك فلسطين. دماؤنا فداء فلسطين. أرواحنا للعروبة.
يا زعماء العرب ويا قادة الأمة العربية: إني أنادى هنا الأمم المجاهدة.. الحجاز وسوريا والعراق وشرق الأردن ولبنان واليمن وأبناء وادي النيل وكل عربي يجرى في عروقه دم العروبة الحر.
يا زعماء العرب: أنتم القادة وهؤلاء الجنود قد وقفوا دماءهم للدفاع عن فلسطين والعروبة.
يا زعماء العروبة: إن هذا الشباب ليس هازلا، ولكنهم جادون قد عاهدوا الله وعاهدوا الوطن أن يموتوا من أجله. إن كان ينقصنا اليوم السلاح فسنستخلصه من أعدائنا ونقذف بهم إلى البحر.
يا زعماء العروبة: لقد تألبت الدنيا تريد أن تسلب حقنا، ولقد عاهدنا الله على أن نعيش كراما أو نموت كراما.
وإني أعلن اليوم من فوق هذا المنبر أن الإخوان المسلمين قد تبرعوا بعشرة آلاف متطوع هم على أتم استعداد لتلبية ندائكم في سبيل إنقاذ فلسطين. عاش جميع ملوك العرب وزعمائهم ورؤسائهم وعاشت الجامعة العربية.(14)
مذكرة إلى مفوضيات الدول العربية
بشأن موقف أمريكا الأخير
حضرة صاحب السعادة ممثل المملكة اليمنية بالقاهرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
تنتهز الدول الغربية كل فرصة فتطعننا في الصميم من خلف الظهور أو وجها لوجه دون مراعاة لذمة أو شرف أو ضمير- وعلى رأس هذه الدول أمريكا الصهيونية التي احتضنت هذه القضية الفلسطينية، وركزت جهودها في محاربة العرب وفى مساعدة الباطل وإزهاق الحق، والوقوف في وجه العدل وإقامة صرح الظلم، وبهرها بريق الذهب الرنان، وأسكرت قادتها دعاوى اليهود الباطلة ومفترياتهم الزائلة.
تلك هي أمريكا التي خذلت مصر في قضيتها، وحاولت بكل الطرق إقرار مشروع التقسيم، هذا المشروع الذي ولد ميتا.
ثم أسرعت إسراعا يفوق الحد فاعترفت بالدولة اليهودية بعد انتهاء الانتداب البريطاني بإحدى عشرة دقيقة فقط، وكانت أول دولة وجهت هذه اللطمة القاسية إلى العرب والمسلمين ولا تخجل أن تقول إنها رسوله السلام في الأرض وباعثة الحريات الأربع وصاحبة ميثاق الأطلنطي.
إن هذا التهجم من جانب أمريكا والتحدي السافر وسياسة العداء الصريح التي تتخذها معنا، في الوقت الذي هبت فيه الشعوب والحكومات بقيادة أصحاب الجلالة والفخامة الملوك ورؤساء الدول والحكومات العربية تدافع عن فلسطين بكل الطرق المشروعة وتؤدب هذه العصابات الهمجية التي ارتكبت من الفظائع ما لم يرو التاريخ له مثيلا- ليوجب علينا أن نقطع علاقتنا بالدولة التي كانت أول من شجع هؤلاء المعتدين وصورت لهم باطلهم حقا.
إن انزلاق أمريكا واندفاعها يجب أن يقابل منا بحزم وحماسة وعمل إيجابي يكون عبرة لغيرها، وكفى أن بذلنا الود فلم نجد له موضعا، وذهبنا في أودية السلام كل مذهب فلم نقابل بغير هذا التحدي والإصرار.
من أجل هذا يتقدم الإخوان المسلمون وكلهم أمل في أن تنقض حكومتكم وجميع الحكومات العربية جميع اتفاقاتها التي سبق أن أبرمتها مع الحكومة الأمريكية، وأن تلغى ما سبق أن أبرمته مع الحكومة الأمريكية، وأن تلغى ما سبق أن منحتها من امتيازات اقتصادية أو سياسية، فالمال الذي تكسبه يتحول إلى مدافع ومصفحات ترسل إلى قلب العروبة تفتك بالأطفال والحوامل، وطائرات تغير على أوطاننا وأرضنا.
وبذلك نكون قد أدينا ما علينا نحو الله والوطن وفلسطين العربية إلى الأبد. ولله عاقبة الأمور.
وفى انتظار تبليغ هذه المذكرة إلى حكومتكم الموقرة. وتفضلوا بقبول فائق التحية وعظيم الاحترام.(15)
من فضيلة المرشد العام
إلى سماحة رئيس المجلس الوطني
ودولة رئيس حكومة عموم فلسطين
أرسل فضيلة الأستاذ المرشد العام إلى كل من حضرتي سماحة مفتي فلسطين الأكبر ورئيس المجلس الوطني بغزة ودولة أحمد حلى باشا رئيس حكومة عموم فلسطين البرقية التالية:
أقدم لكم وللشعب الفلسطيني الباسل المجاهد باسم الإخوان جميعا أطيب التحيات وأفضل التمنيات باجتماع المجلس الوطني وقيام حكومة عموم فلسطين الموفقة. حقق الله الآمال وكتب لكم دائما التأييد والتوفيق.(16)
عشرة آلاف متطوع
حضرة صاحب السعادة وزير سوريا المفوض بالقاهرة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: فإن الإخوان المسلمين في المملكة المصرية يشاركون الحكومة السورية المجاهدة والشعب السوري الباسل الشعور والعمل والجهاد ضد الاستعمار والعدوان والظلم في هذه الآونة الدقيقة من تاريخ العروبة.
وهم ينتهزون هذه الفرصة فيعلنون أن عشرة آلاف شاب من شباب الإخوان المسلمين يرجون قبولهم كمتطوعين في الجيش السوري، وهم على أتم استعداد للسفر في أى وقت ترى الحكومة السورية أن تدعوهم فيه إلى الانضمام إلى القوات المجاهدة وأداء الواجب المفروض على كل عربي.
فأشرف بأن أخطر سعادتكم بذلك انتظارا لأوامركم مع أصدق العواطف وأطيب التمنيات. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(17)
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (104)، السنة الأولى، 8 شوال 1365ﻫ- 4 سبتمبر 1946م، ص(1)
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (413)، السنة الثانية، 22شوال 1366ﻫ- 7 سبتمبر 1947م، ص(1، 5).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (639)، السنة الثالثة، 21 رجب 1367ﻫ- 30 مايو 1948م، ص(2).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (553)، السنة الثانية، 8 ربيع الثاني 1367ﻫ- 18 فبراير 1948م، ص(3)،
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (561)، السنة الثانية، 17 ربيع الثاني 1367ﻫ- 27 فبراير 1948م، ص(2).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (595)، السنة الثانية، 27 جمادى الأولى 1367ﻫ- 7 أبريل 1948م، ص(2).
- جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (9)، السنة الثانية، 23ربيع الأول 1353ﻫ- 6يوليو 1934م، ص(23-24).
- جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (34)، السنة الأولى،20ذو الحجة 1352ﻫ- 5أبريل 1934م، ص(1-3).
- جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (35)، السنة الأولى، 27ذو الحجة 1352ﻫ- 12أبريل 1934م، ص(1-2).
- جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (14)، السنة الأولى، 24جمادى الأولى 1352ﻫ- 14سبتمبر 1933م، ص(19-20).
- مجلة النذير، العدد (15)، السنة الأولى، 10 رجب 1357ﻫ- 5 سبتمبر 1938م، ص(3-5).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (34)، السنة الأولى، 12 رجب 1365ﻫ- 12 يونية 1946م، ص(1).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (485)، السنة الثانية، 18 محرم 1367ﻫ- 1 ديسمبر 1947م، ص(2).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (497)، السنة الثانية، 2 صفر 1367ﻫ- 15 ديسمبر 1947م، ص(1)
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (631)، السنة الثالثة، 11 رجب 1367ﻫ- 20مايو 1948م، ص(2).
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (743)، السنة الثالثة، 30 ذو القعدة 1367- 3 أكتوبر 1948، ص(2).
- مجلة الإخوان المسلمين، العدد (62)، السنة الثالثة، 18 رجب 1364ﻫ- 28 يونيو 1945م، ص(1).