كتابات الإمام الشهيد حسن البنا إلى شيخ الأزهر الشريف

إعداد موقع الإمام حسن البنا

لا شك أن الأزهر قلعة الوسطية وحصن الشريعة ، في العالم الإسلامي ، وهو المؤسسة العلمية العريقة التي تتسع أجنحتها لتحتضن المذاهب الفقهية.

كان الإمام البنا شديد الاحترام للأزهر والأزهريين وكان محبا لهم، واعتمد عليهم في تشييد دعوته كالشيخ طنطاوي جوهري صاحب جواهر القرآن، والشيخ الباقوري والغزالي وعبد اللطيف دراز وغيرهم.

وقد عبر حسن البنا عن تكامل الأزهر الشريف مع الإخوان المسلمين بقوله: " إن الأزهر معقل الدعوة وموئل الإسلام، وأنه اعتبر دعوة الإخوان دعوته وغايتها غايته، وإن صفوف الإخوان امتلأت بعلماء الأزهر، وشبابه الناهض، وكان لعلماء الأزهر الشريف وطلابه أثر كبير في تأييد الدعوة ونشرها.

 

إلى فضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي

شيخ الجامع الأزهر

بسم الله الرحمن الرحيم

نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، ونصلى ونسلم على سيدنا محمد إمام الهادين وسيد المرسلين وقدوة العالمين العاملين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: فقد كانت أمنية فتحققت وكان أمل مرجي فأدركه آملوه، وكان ليل طال بالسارين مداه فطلع عليهم فجره ساطعًا وضّاح الجبين وعند الصباح يحمد القوم السري.

والآن وقد وكل الله إليكم رعاية أقرب طائفة من الأمة إلى الإسلام، وحقوق الإسلام، وتعاليم الإسلام وحياطة الإسلام فى عزة أبية جعلت القلوب ملتفة حولكم والآمال منوطة بكم، فإنا نتقدم إليكم بالتذكرة، والذكرى تنفع المؤمنين، وندلى بالنصيحة، والنصيحة ركن من أركان الدين، ونهنئ المنصب بكم ونهنئكم به تهنئة لا يقصد بها إلا وجه الله، فى طيها تقدير لعظم التبعة وجلال المهمة، وأمل فى قوة النفس ومضاء العزمة، وإشفاق مما ينطوي تحت أجنحة الحوادث المدلهمة، تولى الله حياطتكم وسدد فى الإصلاح خطواتكم، ولسنا نفيض فى بيان واجب أنتم أعرف الناس به، فإن الحاجة إلى الفعال لا إلى الأقوال وإنما نجمل فنقول:

إن الشرق الناهض يتجه بنهضته إلى أخطر النواحي على كيانه القومي والروحي، وإن الأزهر وحده هو الذي يستطيع أن يحول هذه الوجهة إلى أفضل الاتجاهات، إذا سلمت عقيدة أبنائه وصحت أفكارهم وقويت نفوسهم، وإن المسئول الأول عن ذلك شيخ الأزهر، وكل راع مسئول عن رعيته، وإن الأزهريين والعالم الإسلامي من بعدهم يترقب من الأستاذ الأكبر أن يقود الأزهر حثيثًا إلى هذه الغاية، ولرقابة الله أدق وأعظم والله أحق أن تخشاه، فإلى الأمام والله ولى توفيقكم وقلوب المسلمين تؤيدكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(1).

 

من المرشد العام

إلى شيخ الأزهر

أرسل فضيلة الأستاذ المرشد العام للإخوان المسلمين الكتاب التالي إلى صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر بشأن بعض طلبة كلية اللغة العربية الذين صدرت قرارات بحرمانهم من الامتحان بدوريه ونصه:

سيدي صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرازق شيخ الجامع الأزهر حفظه الله.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: فبين أبنائكم الأزهر حوالى سبعة عشر طالبا فى كلية اللغة العربية وقسم التخصص بها، صدرت قرارات بحرمانهم بدوريه لأسباب مختلفة، ومع أن عدل المشيخة الموقرة فوق كل ريبة، فإننا نرجو أن يسعهم فضلكم بعد أن زجرهم عدلكم، فتتفضلوا بإصدار الإذن لهم فى دخول الامتحان فى الدور الثاني اكتفاء بما وجدوا من ألم الحرمان فى الدور الأول، وإنقاذا لعام من أعمارهم ليس أثره على مستقبلهم بالشيء اليسير، واطمئنانا إلى أن الدرس القاسي الذى تلقوه فى هذه الفترة كفيل بأن يؤتى ثمره، ويكون لغيرهم عبرة.

وإذا كانت المشيخة الجليلة قد وسعت بمرحمتها أمثال هؤلاء من طلبة كليتي "أصول الدين والشريعة" وإذا كانت "جامعة فاروق الأول" قد أضفت من برها على المحرومين من أبنائها ما كفل لهم دخول الدور الأول والثاني.

فلا غرو أن تتجه أنظار طلبة اللغة العربية إلى مثل ما أفضتم على إخوانهم من مرحمة، وإلى أضعاف ما آثرت به جامعة فاروق أبناءها من صفح وإنقاذ. وإذا كان موعد الدور الثاني يوم السبت18 شوال1365 الموافق 14 من سبتمبر1946 فإننا نأمل أن يصدر أمركم الكريم فى أقرب موعد يهيئ لهم فرصة دخول الامتحان. وشكر الله لكم وجزاكم الله خيرا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(2).

 

من فضيلة المرشد العام إلى الأستاذ الأكبر شيخ الأزهر

سيدي صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر:

أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وأصلى وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين، وأرفع إليكم تحية الإخوان المسلمين مشفوعة بالإخلاص مقرونة بالدعاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد فقد تحدثت الجرائد فى بعض أنبائها بأن ألمانيا وإيطاليا أخذتا تفكران فى الإسلام وذلك يذكرنا بتفكير اليابان فى الإسلام الحنيف من قبل، فإذا ضممنا إلى هذه الأنباء -رغم اقتضابها- ما نراه ونلمسه من اتجاه هذه الدول الثلاث "إيطاليا، وألمانيا، واليابان "اتجاها قويا إلى التقرب من العالم الإسلامي والتودد إليه، تارة ببناء المساجد وإقامتها، وطورا بدعوة الشباب الإسلامي إلى زيارة عواصمها ومدنها وحضور مجتمعاتها ومؤتمراتها، وآونة بتقرير لغة الإسلام العربية الفصحى فى مدارسها ومعاهدها، ذلك إلى موقفها المعروف من الكنائس ورجالها ومن أديانها الحالية وطقوسها، وافتتانها بمبادئ الشجاعة والفتوة والعزة والكرامة وهى مبادئ الإسلام الحنيف. هذه كلها عوامل تجعل التفكير فى إبلاغهم دعوة الإسلام بصورة رسمية واضحة صحيحة أمرا يجب أن يكون موضع رعاية تامة واهتمام خاص.

ليكن ذلك من هذه الدولة دعاية سياسية تستر وراءها من الغايات السياسية المحضة ما تستر، ليكن ذلك، ولكنها على كل حال فرصة أتيحت لنا لا يجوز بحال أن تفلت من أيدينا.

والإسلام دين عالمي لا يختص بأمة دون أمة ولا بزمان دون زمان، وهو يفرض على أبنائه فريضة لازمة؛ أن يقوموا بتبليغ دعوته ونشر فكرته وإيقاف الناس على سمو مراميه وجلالة مغازيه حتى يدخلوا فيه وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.

وأنتم -يا صاحب الفضيلة- بما لكم من منزلة سامية وصفة رسمية أقدر الناس على هذا التبليغ الآن، وأولاهم بالقيام به، وأعظمهم تبعة بين يدي الله تبارك وتعالى، وأجدر إذا دعوتم أن يتقبل منكم ويستمع لكم.

ولهذا يتقدم الإخوان المسلمون إليكم برجاء أن تنتهزوا هذه الفرصة فتوجهوا إلى هذه الشعوب ممثلة فى شخص حكامها وممثليها الرسميين دعوة رسمية إلى الدخول فى الإسلام، أو على الأقل دراسة الإسلام دراسة علمية صحيحة، مع الاستعداد لإمدادهم بمن يستطيع أن يتفاهم معهم فى تعاليمه وأحكامه من رجال الإسلام وعلمائه.

هذا ما نرجوه ونعتقد أنه الواجب فى مثل هذا الظرف ونتفاءل بأثره أحسن التفاؤل. وإذا كنتم ترون ذلك بعيد الاحتمال، وهو قريب إن شاء الله، ويهدى الله لنوره من يشاء، فلا أقل من أن تطلبوا إلى هذه الدول بصفة رسمية أن تمنحنا حق التبشير بالإسلام، وحق إقامة المؤسسات الإسلامية العلمية والروحية فى بلادها، وذلك لا يكلف كثيرا من النفقات ولا يرهقنا فى المال ولا فى الرجال، ولتفرضه –كالدعاية- الصحف فى ملاحق الجرائد الأجنبية أو شركات السياحة لزيارة البلاد الشرقية مع الفرق البعيد بين الآثار التى تترتب على كل من الوسيلتين.

إن هذه الدول سائرة إلى الإسلام حتما بتوفيق الله ومعونته، فلأن تدخل فيه على أيدينا وبدعاية منا أخلق بنا وأفضل لنا، ولأن نكون فى هذا الأمر رؤساء خير من أن نكون مؤخرة القائمين به والعاملين عليه.

وأنتهز هذه الفرصة فأرفع لفضيلتكم استعداد العدد الكثير من شباب الإخوان المسلمين الأكفاء للمهاجرة فى هذا السبيل بأقل النفقات وأعظم المجهودات والتضحيات، وهم على عزم القيام بذلك لأول فرصة بطريق غير رسمي إذا أعزتهم الرسميات، ولكن الدعوة المعززة بالتأييد الرسمي أقوى صوتا وأبعد مدى وأوسع انتشارا وأقرب إلى التوفيق والنجاح، وإن الله ليزع بالسلطان، ويأبى الله إلا أن يتم نوره. والله أسأل أن يلهمكم الخير والسداد، وأن يوفقكم لنشر دينه وإعزاز شريعته. 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(3).

 

إلى صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر

شيخ الجامع الأزهر

حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الجامع الأزهر حفظه الله.

أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وأصلى وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وأرفع إليكم تحية الإخوان المسلمين طيبة مباركة، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

يا صاحب الفضيلة:

أعلنتم فى خطاباتكم الجامعة الإصلاحية وفى أحاديثكم على صفحات الجرائد "أن القرآن يقرر نفى الإيمان عمن لم يرض بأحكام الله رضا يزيل الحرج عن صدره ويملأ قلبه استسلاما وطمأنينة".

"وأن الدين مهما امتدت آفاقه وتأول فيه المتأولون فهو لا يحتمل هذه البوائق، ولا هذا الإلحاد، ولا هذه الإباحية الجامحة ولا هذه الشهوات التى لا تقف عند حد".

"وأن المسلم الذي لا يعترف بأن الدين حق كله وخير كله، ويقول إن بعض قواعده ضارة بالمجتمع أو ضارة بالمدنية أو السياسة، مسلم مرتد عن دين الله لا يقبل الله منه صلاة ولا صوما".

"وإن إضعاف سلطان الدين على النفوس، والتفريق بين قواعده وانتزاع سلطانه على الحياة الاجتماعية يضعف نفس المسلم ويبعده عن دينه".

"وأن أولئك الذين يحاولون إبعاد الدين عن الحياة الاجتماعية ويحاولون إخفاء شعائره ومظاهره هم فى الواقع أعداء الإسلام".

أعلنتم ذلك وغيره من أحكام الله وتعاليم دينه على منبر الأزهر الشريف وعلى موجات الإذاعة اللاسلكية، فسر المسلمون فى أنحاء الأرض، وسعد الإخوان المسلمون حين سمعوا دعوة الإسلام تظهر على لسان شيخ علماء المسلمين، وحمد الجميع لكم هذا الصنيع، أن جاهرتم بالحق، ودعوتم إلى الخير، وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر، ورفعتم رءوس العلماء، وقمتم بوظيفة الدعاة والمرشدين. ولكن هل ذلك وحده يكفي؟

يا صاحب الفضيلة: لعلكم أعرف الناس بالاتجاهات الخطيرة التى تندفع إليها الأمة المصرية فى عقائدها وأخلاقها ودينها وكل مظاهر حياتها، ولعلكم أشد الناس ألما لإقصاء الإسلام عن كل مظاهر الحياة العملية فى الاجتماع والسياسة والتشريع والتقنين والعادات والأخلاق ودور العلم، بل والشوارع والمنازل والبيوت والأسر، وليس ينجينا من التبعة ويخلصنا من عذاب الله يوم القيامة أن نقول وكفى، بل إن وراءنا بعد ذلك عملا جديا لابد من أن نقوم به مهما كلفنا ذلك من جهود وتضحيات، ولعلكم يا سيدى أقدر الناس على بذل هذا المجهود رغم القيود الرسمية التى تحيط بمناصبكم، ولعل هذا أنسب الأوقات لهذا الإصلاح، ولعلها فرصة إن ذهبت من أيدى المصلحين من أئمة المسلمين أعقبتهم ندما طويلا ولم يستطيعوا لها ردا ولا تعويضا.

يا صاحب الفضيلة:

جاهروا بالحق فإن الله ناصركم، وصارحوا الجميع بتعاليم الإسلام وأحكام الإسلام فإن الله معكم. وإن الإخوان المسلمين ليقفون أرواحهم ودماءهم وجهودهم على كل عمل يسير بالأمة إلى الحياة الإصلاحية الإسلامية الصحيحة.

اطلبوا باسم الله ورسوله إلى الوزراء والحكام أن يكونوا فى حياتهم الخاصة والعامة، وفى بيوتهم ودواوينهم وتصرفاتهم صورا كاملة للرجل المسلم الفاضل، حاربوا المنكرات والموبقات وما أكثرها!! واطلبوا إلى الأمة البعد عنها فى بيانات زاجرة، وإلى الحكومة القضاء عليها بالقوانين الرادعة.

طالبوا بأن يسود التشريع الإسلامي وأن تهيمن تعاليم الإسلام على كل عمل فى الدولة، فهذا هو حكم الله الذى لا يتمارى فيه مسلم، وذلك قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَن يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كثيرا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ*أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾[المائدة: 49].

هذا إجمال له تفصيل، وفضيلتكم أعلم الناس بكل ما نريد. وقد رفع الإخوان إلى سدة جلالة الملك وإلى رفعة رئيس الحكومة مذكرات ببعض ما يرون من وجوه الإصلاح، وإن الأمة كلها لتؤيدكم فى كل مطلب إسلامي، فتقدموا باسم الله وعلى هدى رسوله صلى الله عليه وسلم، والله معكم، ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ﴾[الحج: 40].

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(4).

 

يا علماء الإسلام .. سبعون مليونًا من الهنود المنبوذين

يقررون إلغاء طقوسهم الدينية وعبادة أوثانهم

فهل أعددتم وفدًا منكم لهدايتهم إلى الدين الإسلامي الحنيف؟

[خطاب المرشد العام إلى شيخ الأزهر]

حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الجامع الأزهر أيد الله به الدين.

أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وأصلى وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، والسلام عليكم ورحمة الله.

وبعد، فقد نشرت جريدة "البلاغ" بتاريخ 23ربيع الأنور سنة 1355ﻫ مقالاً ضافيًا عن مؤتمر عقده زعماء سبعين مليونًا من المنبوذين فى أنحاء الهند بمدينة بمباى، قرروا فيه بالإجماع نبذ الهندوسية، وتحريم الحج إلى الهياكل والمعابد، ومقاطعة الأصنام، وأكدوا ذلك عمليًا بأن حلق ألف منهم رءوسهم، كما قرروا البحث عن دين جديد يأوون إليه، وأعرب كثير من زعمائهم عن ارتياحهم للإسلام وانعطافهم نحوه.

وكل ذلك يجعل الأمل فى ضم هؤلاء السبعين مليونًا من الحائرين المنبوذين إلى الكتيبة الإسلامية، فيكون لذلك أفضل الآثار فى شئون العالم الإسلامي كله.

لهذا يتشرف الإخوان المسلمون بأن يرفعوا إلى فضيلتكم هذا الخطاب رجاء الاهتمام بهذا الحادث الجديد، وإيفاد بعثة خاصة من علماء الأزهر الشريف إلى الهند لدعوة هذه الأمة المستعدة إلى دين الله السمح الحنيف.

ونعتقد -يا صاحب الفضيلة- أن هذه المهمة أولى المهام بعناية الأزهر الشريف، وأنها فرصة لو أهملنا أمرها لكانت تبعتها عند الله أكبر من أن توصف بقول، وكثيرًا ما أتيحت فرص ثم فوتها التسويف، وظلت غصصًا فى نفوس المسلمين، وشجا فى حلوقهم إلى اليوم، ونعتقد -يا صاحب الفضيلة- أن أية عقبة تحول دون المشروع تصغر أمام النتائج المترتبة عليه، فإن كانت العقبة المال فهذا المشروع أهم من أى مشروع آخر وأولى بالإنفاق، وهو إن نجح كفيل بأن يفتح أمام الأزهر ميدانًا فسيحًا لا يدرك مداه من ميادين العمل للدين والدنيا معًا، وإن كانت العقبة السياسية فإن حسن التفاهم كفيل بتذليلها، وفى حكمة فضيلتكم ما يعين على ذلك إن شاء الله.

يا صاحب الفضيلة، الوقت ضيق، والفرصة سانحة، والوسائل مهيأة، وحرام أن نقف أمام هذا الصوت المنبعث من أعماق قلوب سبعين مليونًا من البشر يطلبون الحقيقة، ويتمردون على الباطل، ويكسرون شوكة الأصنام، وقفة العاجز المكتوف، وإن أية تضحية مهما غلت أمام إرشاد هؤلاء رخيصة، وإن الأنظار متجهة إلى الأستاذ الأكبر، والآمال معلقة عليه، وإن الله سائلك بقدر ما خولك من سلطان، وما صرف نحوك من آمال فتقدم والله يؤيدك.

سيدي صاحب الفضيلة:

إن رأيتم أن الخطوة الأولى هى الاتصال بعلماء الهند والمسلمين والهيئات الإسلامية هناك وإمدادهم بالرسائل والمقالات، ثم الاتصال الكتابي بزعيم هذه الجماعة كان ذلك خير، والمهم كسب الوقت، ولن تعدموا الوسيلة المناسبة لتحقيق الغاية، سدد الله خطاكم، وأيدكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(5).

 

آراء ومقترحات مرفوعة إلى فضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الأزهر

وهيئة كبار العلماء الموقرة

وإلى رجال الجماعات الإسلامية والفكر الإسلامي

فكرت طويلا فى هذا الخلاف العلمي بين الجماعات الإسلامية فى مصر أولا، ثم فى بلدان العالم الإسلامي ثانيا، وتلمست طويلا السبيل إلى جمع القلوب حول هدف أسمى تلتقي عنده الأرواح المؤمنة، وتتجه إليه الجهود العاملة، وتقوم على أساسه النهضة المنتظرة.

إن الإسلام دين وحدة واجتماع، وكل آيات القرآن الكريم، وكل أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم فياضة بمعنى الوحدة والدعوة إلى الوحدة، وبيان أن المؤمنين إخوة، وأن بعضهم أولياء بعض. وما كان المسلمون الأولون أقوياء إلا بهذه الدعوة الشاملة التى جمعت قلوبهم وعقولهم حول هدف واحد، فتوحدت بذلك مظاهرهم وأعمالهم وجهودهم، وكانت حياتهم مثلا رائعا للأمة الموحدة.

وإن الإسلام دين فسيح مرن يفسح للفكر مجال التفكير، ويحض على النظر والاجتهاد، ويصرح بأن المجتهد إذا أخطأ فله أجر وإذا أصاب له أجران، وكل ذلك تشجيعا للمسلمين على النظر والاجتهاد واستخدام الفكر، إذ إن شريعتهم لكل زمان ومكان، ولا يتم لها هذا المعنى إلا إذا كانت كذلك، فسيحة مرنة تتفق نصوصها مع وجهات كثيرة من وجهات النظر المتباعدة، ومن هنا كان الخلاف ميزة من ميزات الإسلام ورحمة من الله للمؤمنين، وإنما يضرهم ويؤذيهم التعصب للرأي والتشيع لفكرة خاصة، تشيعا لا يفترض معه أبدا احتمال الصواب فى غيرها. هذا التعصب هو آفة الوحدة الإسلامية، ولقد انفسحت صدور أسلافنا للخلاف، فلم تتأثر به وحدتهم العامة، وظلوا مجموعة متينة البنيان ثابتة الأركان، حتى نجم قرن التعصب للهوى والجمود على الرأي بينهم، فكان آفة هذه الجماعة الربانية التى بهرت الدنيا بتوحيدها ووحدتها.

إن الخلاف قد يتناول فروع الأعمال والعبادات ولا يرقى إلى مرتبة العقيدة وصميمها، وهذا الخلاف لا يحرج صدرا ولا يؤذى وحدة، وأمره دائر بين خطأ وصواب، فإذا عرفنا أن المخطئ والمصيب مأجوران هان الخطب، واستطعنا فى ظل الإخاء والحب أن نصل إلى الحقيقة، واستطاع حكم الحاكم الشرعي أن يرفع الخلاف. ومن الخلاف ما يتصل بالعقيدة وصميمها، وأغلب ما بين الجماعات الإسلامية فى مصر خاصة من هذا النوع، مصدره عدم تحديد العبارات وعدم تعرف المقاصد جليا، والجمود على عبارات ومصطلحات لم يستعبدنا الله بالجمود عليها، وأعتقد أنه لو حددنا العبارات، وتعرف كل فريق مقاصد الآخرين ولم نتقيد بعبارات ومصطلحات خاصة ما دام المعنى المقصود سليما، أعتقد أننا لو فعلنا ذلك وحاولنا التقريب بين وجهات النظر، لاستطعنا الجمع بين الآراء المتنافرة والفكر المتخالفة، ولوصلنا إلى نتيجة محمودة أقلها أن نخرج من حيز "كفر وإيمان" إلى حيز "خطأ وصواب" وبذلك تظل الأخوة قائمة والوحدة مجتمعة.

إن المسلمين قادمون على نهضة منتجة ومتأهبون لعهد جديد، فما أولاهم أن يطيلوا التفكير فى جمع شملهم وتسوية صفهم حتى لا تدهمهم الحوادث وهم على غير أهبة.

وقد أردت أن أضع أمام أنظار المفكرين من رجال الإسلام هذه "الصيغ" و"البنود" التى أعتقد أنها تقرب -إلى أقصى حد- بين وجهات النظر المختلفة مع موافقتها للحق إن شاء الله، رجاء أن يطيلوا فيها النظر، حتى إذا رأوها صالحة لجمع الكلمة اتخذنا منها أساسا للأخوة، وجمعنا عليها شعب الخلاف، ورددنا المفترقين إلى هذا الأصل.

وإلى فضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر وهيئة كبار العلماء الموقرة -أولا- باعتبار أن الأزهر هو الهيئة الإسلامية المسئولة رسميا عن تمحيص الحقائق وإرشاد الناس إليها.

ثم إلى رجال الفكرة الإسلامية فرادى وجماعات أوجه القول:

1- الإسلام نظام اجتماعي شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا.

2- القرآن الكريم والسنة المطهرة مرجع كل مسلم فى تعرف أحكام الإسلام، ويفهم القرآن الكريم طبقا لقواعد اللغة العربية من غير تكلف ولا تعسف، ويرجع فى فهم السنة المطهرة إلى رجال الحديث الثقات، ومرد القياس والإجماع إلى هذين الأصلين.

3- ورأى الإمام ونائبه فيما لا نص فيه، وفيما يحتمل وجوها عدة، وفى المصالح المرسلة، يعمل به ما لم يصطدم بقاعدة شرعية وقد يتغير بتغير الظروف. وهذا الحق ثابت لأهل الحل العقد كذلك.

4- وكل أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم، وكل ما جاء عن السلف رضوان الله عليهم موافقا للكتاب والسنة قبلناه، وإلا فكتاب الله وسنة رسوله أولى بالاتباع، ولا نعرض للأشخاص فيما اختلف فيه بطعن أو تجريح، ونكلهم إلى نياتهم فقد أفضوا إلى ما قدموا، وكل مسألة لا ينبني عليها عمل فالخوض فيها من التكلف الذى نهينا عنه شرعا، ومن ذلك كثرة التفريعات للأحكام، والخوض فى معانى الآيات القرآنية الكريمة التى لم يصل إليها العلم بعد، والكلام فى المفاضلة بين الأصحاب رضوان الله عليهم وما شجر بينهم من خلاف، ولكل منهم فضل صحبته وجزاء نيته وفى التأول مندوحة.

5- ولكل مسلم لم يبلغ درجة النظر فى أدلة الأحكام الفرعية أن يتبع إماما من أئمة الدين، ويحسن به مع هذا الاتباع أن يجتهد ما استطاع فى تعرف أدلة إمامه، وأن يتقبل كل إرشاد مصحوب بالدليل متى صح عنده صدق من أرشده وكفايته، وأن يستكمل نقصه العلمي -إن كان من أهل العلم- حتى يبلغ درجة النظر. والخلاف الفقهي فى الفروع ليس سببا فى التفرقة فى الدين، ولا يؤدى إلى خصومة ولا بغضاء، ولكلم مجتهد أجره، ولا مانع من التحقيق العلمي النزيه فى مسائل الخلاف، من غير أن يجر ذلك إلى المراء المذموم والتعصب المقيت، ورأى القاضي يرفع الخلاف.

6- وكل بدعة فى دين الله لا أصل لها -استحسنها الناس بأهوائهم زيادة فيه أو نقصا منه- ضلالة تجب محاربتها والقضاء عليها بأفضل الوسائل التى لا تؤدى إلى ما هو شر منها، والبدعة الإضافية والتركية والالتزام فى العبادات المطلقة خلاف فقهى لكل فيه رأى، وتتمحص الحقيقة بالدليل والبرهان.

7- ومعرفة الله تبارك وتعالى وتوحيده وتنزيهه أسمى عقائد الإسلام، وآيات الصفات وأحاديثها الصحيحة وما يلحق بذلك من المتشابه نؤمن بها كما جاءت من غير تأويل ولا تعطيل، وندع علم حقائقها لله تعالى، ولا نتعرض لما جاء فيها من خلاف بين العلماء، ويسعنا ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾[آل عمران: 7].

8- محبة الصالحين واحترامهم والثناء عليهم بما عرف من طيب أعمالهم قربة إلى الله تبارك وتعالى، والأولياء هم المذكورون فى الآية الكريمة: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾[يونس: 63]، والكرامة ثابتة لهم بشرائطها الشرعية، مع اعتقاد أنهم -رضوان الله عليهم- لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا فى حياتهم وبعد مماتهم، فضلا عن أن يهبوا شيئا من ذلك لغيرهم. وزيارة القبور -أيا كانت- سنة مشروعة بالكيفية المأثورة، ولكن الاستعانة بمن فيها -أيا كانوا- ونداؤهم لذلك، وطلب قضاء الحاجات منهم عن قرب أو بعد، والنذر لهم، وتشييد القبور وسترها وإضاءتها والتمسح بها، والحلف بغير الله، وما إلى ذلك، كبائر تجب محاربتها، ولا نتأول لهذه الأعمال سدا للذريعة. والدعاء إذا قرن بالتوسل إلى الله بأحد من خلقه خلاف فقهى فى كيفية الدعاء وليس من مسائل العقيدة. وللإيمان الصادق والمجاهدة نور وحلاوة يقذفهما الله فى قلب من شاء من عباده، ولكن الإلهام والخواطر والكشف والرؤى ليست من أدلة الأحكام الشرعية، إلا إذا وافقها نص صريح. والتمائم والرقى والودع والرمل والعرافة والكهانة وادعاء معرفة الغيب، وكل ما كان من هذا الباب، منكر تجب محاربته إلا ما كان آية من قرآن أو رقية مأثورة.

9- ولا نكفر مسلما أقر بالشهادتين وأدى الفرائض -برأي أو معصية- إلا إن أقر بكلمة الكفر، أو أنكر معلوما من الدين بالضرورة، أو كذب صريح القرآن، أو فسره على وجه يصدم قواعد الإسلام ولا تحتمله أساليب اللغة العربية، أو عمل عملا لا يحتمل تأويلا غير الكفر.

10- والإسلام يحرر العقل ويحث على النظر فى الكون ويرفع قدر العلم والعلماء، ويرحب بالصالح النافع من كل شىء، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها. والنظر الشرعي والعقلي لن يختلفا فى القطعي، فلن تصطدم حقيقة علمية صحيحة بقاعدة شرعية ثابتة ويؤول الظني منهما، فإن كان ظنيين فالنظر الشرعي أولى بالاتباع(6).

 

حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الأزهر...

قد اشتد أذى المنصرين للإسلام والمسلمين، واتخذوا المستشفيات والمدارس والملاجئ وسائل للعدوان على الإسلام، واستغلوا البؤس في شراء الضمائر، وإفساد العقائد مما لا يقره منطق ولا يسلم به قانون.

ولسنا في حاجة إلى التدليل على ذلك، فالحوادث المستفيضة خير شاهد على ذلك، وقد أدى العدوان إلى إثارة مشاعر المسلمين وإهاجة شعورهم في مشارق الأرض ومغاربها لولا أنهم مستمسكون بالحكمة متذرعون بالصبر منتظرون جهودكم الصادقة ودفاعكم المجيد.

يا صاحب الفضيلة لابد للناس من وَزَعة, وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وللحكومة أن تحافظ على دينها كما تحافظ على قانونها، لأن دينها جزء من دستور الدولة وهو قانونها الأعلى.

وإن مجلس شورى الإخوان المسلمين العام المجتمع بمدينة الإسماعيلية، بتاريخ 22 صفر 1352هـ/1933م، والتي مثلت فيه دوائر جمعياتهم في بلاد القطر المختلفة يرفع إليكم هذه الكلمة راجيا من حكومة جلالة الملك العادل حامي حمى الدين ونصيرة أن تغل يد تلك الفئة المستهترة بكرامة الدولة الغازية لعقائد الجماهير، الهادمة لكيان الأسر، ونحن ندلي ببعض الطرق التي نراها موصلة للمقصود ونراها في وسع الحكومة إن أرادتها، ونرى أنها أول الواجبات على كل من يعتقد الإسلام ويدين به :

أولاً: فرض رقابة دقيقة على مدارس التنصير ومعاهده ومستشفياته، بحيث تتأكد وزراه المعارف أو الهيئة المختصة بواسطة مفتشيها ومراقبيها من أن هذه الدور لا تُستخدم للتنصير، والاتصال بأولياء أمور الطلبة والطالبات لإفهامهم الخطر الذي يستهدف أبناءهم، وإيواء هؤلاء الأبناء إذا كان القائمون بشأنهم في حال عوز حقيقي.

ثانياً: توزيع المبلغ الذي أعلن معالي وزير الداخلية أن سيخصص للملاجئ لهذه الغايات على الجمعيات الخيرية الإسلامية.

 

ثالثاً: سحب التراخيص من أي مستشفى أو مدرسة يثبت أنها تستغل مركزها للتنصير.

رابعاً: إبعاد كل من يثبت للحكومة أنه يعمل على إفساد العقائد، ويعمل على إخفاء البنات والبنين من أجل التنصير.

خامساً: الامتناع عن معونة هذه الهيئات بتاتا، بالأرض أو بالمال أو غيرهما، فإن من الغريب أن يستغل مال الدولة وأرضها في محاربة دينها ودستورها.

سادساً: الاتصال بحضرات الوزراء المفوضين في مصر والخارج حتى يساعدوا الحكومة في تنفيذ خطة الحزم حفظا للأمن ومراعاة لحسن العلائق .

وتفضلوا بقبول فائق احترامنا، القاهرة في 27 صفر سنة1352هـ/1933م(7).

 

المذكرة التي رفعت إلى شيخ الأزهر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الجامع الأزهر .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

"وبعد" فأشرف بأن أرفع إلى فضيلتكم مقترحات بشأن الإصلاح الأزهري الذي عقدت عليكم الآمال في إنفاذه بطريقة تحفظ للأزهر صبغته وتعيد للإسلام مجده، وعلم الله أنه ما حدا بي إلى ذلك إلا اعتقادي أن من واجب كل مسلم أن يتقدم بالنصح في هذا الأمر الخطير الذي يؤثر أبلغ الأثر في مستقبل الشرق والإسلام، والله أسأل أن يسدد في الإصلاح خطاكم وأن يؤيد الإسلام بجهودكم، وأن ينهض مصر ومن ورائها العالم الإسلامي على أيديكم وهو ولي التوفيق.

أولا: مقترحات إدارية:

أ-      تعمل مشيخة الأزهر على ضم مراقبة التعليم الأولى بكل اختصاصاتها إلى الناحية الأزهرية على أن يتبع ذلك إلغاء مدارس المعلمين الأولية والاستعاضة عنها بقسم إعدادي بعد شهادة (الكفاءة – أو البكالوريا الأزهرية) لتخريج المدرسين بالمدارس الأولية.

ب-    ضم شعبة البلاغة والأدب الحالية للتخصص الأزهري إلى دار العلوم والمطالبة بضم قسم اللغة العربية بكلية الآداب بالجامعة المصرية إليهما، ثم يضم الجميع إلى ناحية الأزهر حتى يتوحد المعهد الذي يتخرج فيه أساتذة الدين واللغة العربية بالمدارس المصرية.

ج-     المطالبة بتقرير تدريس الدين في كل مراحل التعليم وبأن يكون مادة أساسية في كل المدارس المصرية.

د-     العمل الدائب على إعادة التشريع الإسلامي وجعله القضاء السائد في الأمة، وتبعًا لذلك يضم قسم التخصص الأزهري الحالي في كلية الشريعة إلى كلية الحقوق بالجامعة المصرية ثم يضمان معًا إلى الأزهر.

ثانيًا: مقترحات فنية:

أ-      العناية باختيار مواد الدروس الدينية وجعلها أساسًا في المناهج الأزهرية مع جعل حفظ القرآن الكريم مادة أساسية يمتحن فيها الطلبة امتحانًا صحيحًا في كل مرحلة من مراحل التعليم الأزهري بحيث يتوقف نيل الطالب الشهادة على إجادة الحفظ.

ب-    تحرير المناهج الأزهرية من تقليد غيرها من المناهج والاقتصار على العلوم الرياضية والحديثة مما لابد منه للأزهري مع الإلمام بها جميعًا على طريقة التوزيع بين الأقسام والفرق.

ج-     العناية باختيار المدرسين وترك الحرية للطلاب في الأقسام العالية وفي التخصص في الحضور على من يريدون من الشيوخ.

د-     ملاحظة أن يكون مدرسو الرياضة والعلوم الحديثة ممن يميلون بفطرتهم إلى البيئة الأزهرية مع إنشاء قسم إعدادي يلتحقون به مدة معينة يلمون فيها بما لابد منه من المعلومات الدينية التي تتصل بدروسهم والتي تحفظ كرامة المدرس وعقيدة الطالب.

ه-    العناية باختيار الكتب المدرسية.

و-     الاقتصار في اللغات الأجنبية في الأزهر على ما لابد منه، وذلك بأن تكون في مناهج الكلية المخصصة بنشر الدعوة في البلاد الأجنبية بقسميها العالي والتخصص فقط لا في كل الكليات ولا في الأقسام الأولية والثانوية، وجعلها بقدر الإمكان في أماكن غير أماكن الدراسة الأزهرية ويجب أن يقوم بتدريسها على أية حال مدرسون مسلمون.

ز-     مراعاة القصد في البعوث الأزهرية إلا أن يكون ذلك بين الشعوب الإسلامية التي يريد أهلها أن يتعلموا الإسلام عن طريق الأزهر.

ح-     العناية بالتربية والإصلاح الخلقي الذي يقوي في الأزهر خلق الرجولة الكاملة وذلك بأن تكون دراسة الدين في الأزهر علمية وعملية.

ط-     الزي الأزهري يجب أن يبقى كما هو أو يتقرب أكثر من ذلك إلى الشكل العربي أما إدخال الأزياء الإفرنجية بالأزهر فجريرة لا يعلم مدى سوء أثرها إلا الله.

ذلك ما أردنا أن نتقدم به من مقترحات فنية وإدارية وفيما يلي كلمة تفسيرية نلم فيها بالغاية من ذلك والله ولي التوفيق.

2-المذكرة التفسيرية:

مهمة الأزهر ومنزلته: الأزهر أقدم جامعة في العالم الإسلامي بل في العالم كله، وقد أكسبته الحوادث صبغة جعلت منزلته في القلوب سامية وأثره في توجيه الفكر الشرقي بالغًا ينفر الطلاب إليه من كل فرقة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون.

وهو لهذا أصبح مظهرًا من مظاهر الإسلام وشعيرة من شعائر الله لها من الأثر والقداسة ما يجعل رفعتها وصلاحها رفعة للإسلام وصلاحًا له، كما أن تدهورها واندحارها تدهورًا له كذلك، فنحن حين نغار على الأزهر ونعمل في سبيله نعتقد أننا نعمل للإسلام في شخص الأزهر، وقد أدرك خصوم الإسلام هذه الحقيقة فجعلوا في برامجهم النيل من الأزهر والكيد له بقدر ما جعلوا فيها من النيل من القرآن الكريم ومكة المشرفة وتعاليم الإسلام وشرائعه والكيد لها إذ أنها جميعًا شعائر الله ومقدسات المسلمين الغالية.

ومهما قال الناس عن المهمة التي وكل إلى الأزهر أداؤها والقيام بها في مختلف الأعصر والحوادث، فقد انتهت هذه المهمة في العرف وفي الحقيقة الواقعة إلى أمرين لا نزاع في أنهما مهمة الأزهر (أولهما) تعليم المسلمين أحكام الإسلام ونشرها بينهم (وثانيهما) تعميم الدعوة الإسلامية بين غير المسلمين.

لهذا يجب أن يكون الإصلاح في الأزهر قائمًا على أساس الوصول إلى أداء هذه المهمة حق الأداء وإنما يكون ذلك بتقوية الطلبة إلى أقصى حد في علوم الدين الغايات منها والوسائل وتجهيزهم بكل المعدات اللازمة للمعلم الداعية مع إيجاد الميادين اللازمة لأداء هذه الوظيفة.

التنافس بين الأزهر وبين بقية المعاهد: ولقد أتى على الشرق حين من الدهر كان الأزهر هو المعهد الوحيد لتخريج رجال العلم الدينيين والمدنيين ليس في مصر وحدها بل في الشرق كله، ثم اقتضت الحوادث أن تنشأ مدرسة الحقوق حين عدلت مصر عن التحاكم إلى الشريعة الإسلامية وهي بضاعة الأزهر إلى القوانين الوضعية، وحينئذ وجد معهد ينافس الأزهر ويقوم ببعض مهمته وجاءت دار العلوم على أنها جزء من الازهر يتخصص طلبته بتدريس اللغة العربية في المدارس وبعد حين صارت مدرسة برأسها لها صبغتها وحقوقها وامتيازاتها وتبعتها مدرسة القضاء الشرعي على هذا الغرار، فصار الأزهر بين معاهد ثلاثة تجاذبه مهمته الأولى وتضيق من اختصاصه.

ونشأت بعد ذلك مدارس ومعاهد تختلف مهمتها وتبعيتها باختلاف الغايات التي أنشئت من أجلها ومنها المكاتب الأولية التي يستمد الأزهر منها طلبته وتكاد تكون هي المعين الأول لتغذيته بما يحتاج إليه من الطلاب.

وكل هذه المعاهد صغيرها وكبيرها، لم تحدد صلتها بالأزهر حتى هذا النوع الوحيد الذي هو أمس أنواع التعليم به ونعني به التعليم الأولي فإنها جميعًا تابعة في كل شئونها لوزارة المعارف.

وانتهى الأمر بإنشاء الجامعة المصرية التي أخذت تجاذب الأزهر حبل قيادة الفكر والسيطرة على شئون التعليم والثقافة، وكل ذلك جعل الميادين الخالية للأزهر محصورة في الإمامة والخطابة والتدريس في الأزهر خاصة والمأذونية والقضاء الشرعي (ولا ننسى تلك الدعوة الجريئة التي ينادي بها قوم من مرضى القلوب بين الفينة والفينة يريدون بها تعديل نظم القضاء الشرعي بحيث يندمج في القضاء الأهلي وحينئذ يقفل باب القضاء جملة في وجه الأزهر والأزهريين وتنقطع صلة الأمة بالبقية الباقية من تشريعها السماوي).

بهذا التصوير نرى أنفسنا أمام أنواع كثيرة مختلفة متضاربة من أنواع التعليم في مصر فهناك.

أ-      التعليم الأزهري بفروعه وكلياته وتمده أقسامه من ثانوية وابتدائية وتنتهي إلى غير أساس يتبعها وتهيمن عليه من المدارس الأولية.

ب-    والتعليم الأولي الذي تنقطع الطريق بسالكه بعد فترة قصيرة ولا يتاح له أن يتم تعليمه وإن ساعدته الظروف على ذلك إذ ينتهي هذا الطريق إلى غير نهاية يحسن الوقوف عندها.

ج-     التعليم الجامعي الذي يستمد من المدارس الثانوية والابتدائية ومن دار العلوم ومن الأزهر أحيانًا كما في كلية الآداب في الجامعة.

د-     التعليم العالي ويلحق به معهد التربية ويستمد كذلك من المدارس الابتدائية والثانوية.

ه-    التعليم الخصوصي والفني ويستمد من المدارس الثانوية والابتدائية على اختلاف في تقدير المؤهلات بحسب مطالب كل مدرسة.

و-     دار العلوم التي ينتهي قسمها التجهيزي في هذا العام فتظل واقفة في مفترق الطرق.

وسواء صح ما يشاع من ضم المدارس العالية إلى الجامعة وضم دار العلوم إليها أو إلى الأزهر أو لم يصح فإن الذي نقصد إليه في كلمتنا هذه هو توطيد طريق التعليم الأزهري توطيدًا يصل حلقات سلسلته بعضها ببعض اتصالاً وثيقًا، أما النظر فيما عدا ذلك وإن كان يمت إليه بأقوى صلة فلسنا نعرض له هنا وإن اضطرنا البحث إلى الإلمام ببعضه.

كيف يكون الارتباط بين حلقات السلسلة الأزهرية: 

أولاً: يجب أن يضم التعليم الأولي بكل فروعه إلى ناحية الأزهر وتجهز مناهجه بكيفية تجعلها وثيقة الرابطة بالمناهج الأزهرية، فتضم المكاتب الإلزامية إن بقيت والأولية إن عادت إلى ناحية الأزهر، وتلغي مدارس المعلمين الأولية وتحضيريتها ويستعاض عنها بحملة شهادة الدراسة الثانوية القسم الأول أو الثاني بالأزهر بعد أن تكون هناك فترة يعدون فيها للقيام بمهمة التدريس بالمدارس الأولية ويمنحون بعدها إجازة تخولهم هذا الحق وتقوم مقام كفاءة التعليم الأولي الحالي، وبذلك تتحول كل اختصاصات مراقبة التعليم الأولي إلى الناحية الأزهرية ونكون قد استكملنا بذلك النقص الحالي في كل منهما؛ فجعلنا للتعليم الأزهري أساسًا متينًا من هذه المدارس الأولية وجعلنا للتعليم الأولي نهاية طيبة لمن شاء أن يتم دروسه من التعليم الأزهري.

ثانيًا: تعتبر كل كلية في الأزهر إعدادًا للمرحلة التي تليها من مراحل الأزهر فكلية اللغة العربية تجهز للتخصص الذي يقوم بدراسة اللغة العربية في كل المعاهد المصرية بعد أن تضم دار العلوم إلى هذه الشعبة، وتقتصر كلية الآداب بالجامعة المصرية على الأقسام الحالية بها غير قسم اللغة العربية حتى لا يكون هناك تضارب بين نظام الجامعتين الأزهرية والمصرية، وتكون كلية الشريعة إعدادية لشعبة التخصص الذي يوكل إليه أمر القضاء وعلى الأزهر أن يسعى سعيًا حثيثًا في إقناع السلطات المختصة بوجوب العودة إلى التشريع الإسلامي وحينئذ تضم إليه كلية الحقوق وتمتزج بكلية الشريعة وتحدد مهمة كل جامعة من الجامعتين تحديدًا دقيقًا وتكون كلية أصول الدين إعدادية لقسم التخصص وهو القسم الخاص بالإمامة والخطابة والوعظ والإرشاد في البلاد الإسلامية وبالدعوة الإسلامية خارج البلاد. وتتميمًا لهذا الوضع يجب أن ينادي الأزهر بتعميم تدريس الدين في المدارس المصرية وجعله مادة أساسية في كل مراحل التعليم يقوم بتدريسها مدرسو اللغة العربية.

وقد يبدو هذا الوضع بعيدًا أمام الذين يتناسون الحقائق ويغفلون صالح الأمة، أما الذين يضعون نصب أعينهم أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام كما ينص عليه دستور الأمة وأن الواقع يؤيد هذا النص فمصر بلد مسلم بل هو زعيم الشرق الإسلامي كله، والمصريون أمة تعتز بدينها وتحافظ عليه، وأن الأزهر هو محط آمال المسلمين في الإصلاح الإسلامي، الذي يعتقد هذا يرى هذا الوضع هو ما يجب أن يعمل له كل مسلم غيور.

ذلك إلى ما فيه من توحيد الثقافات وتقريبها وتحديد الاختصاصات والقضاء على التضارب الذي أوجده الاضطراب في سياسة التعليم والذي من أمثلته أن الوزارة تكل التعليم الأولي إلى المتخرجين في مدارس المعلمين الأولية وتجيز مزاولته للذين نالوا شهادة الدراسة الثانوية الأزهرية، وهنا يقع التضارب والتفاضل وكذلك تدريس اللغة العربية في المدارس المصرية مهمة يتنازعها رجال دار العلوم وهم أساتذتها الأصليون ورجال كلية اللغة العربية بالأزهر لما لهم من قدم في دراسة العربية ورجال كلية الآداب لما يدلون به من نظام جامعي، وكل ما تراه من جدل بين هذه الطوائف فمحوره التنازع حول هذه الغاية وإذن فالخير كل الخير في وضع حد لذلك وتحديد الاختصاص على النحو الذي أسلفناه.

إصلاح المناهج في الأزهر: ننتقل بعد ذلك إلى ناحية إصلاح المناهج في الأزهر الشريف وذلك إنما يكون بحسن اختيار المواد الدراسية وبحسن اختيار المدرسين وإعدادهم وحسن اختيار الكتب الدراسية.

فأما من الناحية الأولى فقد أجمع المربون على أن أول أساس يجب أن ينظر إليه في اختيار المواد الدراسية الغاية التي يجهز لها الطالب.

والغاية التي يجهز لها الطالب في الأزهر لا مشاحة في أنها تعليم الناس الدين ونشر دعوة الإسلام بينهم وعلى هذا يجب أن يلاحظ في مواد الدراسة الأزهرية هذه الملاحظات.

أ-      العناية بالدروس الدينية عناية تجعل الطالب الأزهري ضليعًا فيها ملمًا بأصولها جيد الملكة في تذوقها، وبذلك نحرص على كرامة الأزهر وصبغته الإسلامية التي يجب أن تظل خالدة فيه.

ب-    تحرير مناهج الأزهر من تقليد المدارس المدنية الذي خضعت له في العهد الأخير، والذي نجم عنه شحن المناهج بالعلوم المدنية على طريقة تحول بين الطالب وبين هضم إحدى الناحيتين. بل يجب أن يكون تدريس هذه العلوم في الأزهر بقدر وكيفية تجعلها لا تطغى على الصبغة الأزهرية ولا تعوق الطلبة عن التضلع في الناحية الدينية مع الإلمام بأكبر قدر ممكن منها ليس الأزهر مدرسة للهندسة ولا للزراعة ولا للتجارة ولا للطب ولا للرياضيات ولكنه مدرسة التعليم الديني قبل كل شيء ولا نمانع في أن يدرس الأزهريون كل المواد وأن يأخذوا من المعارف العامة بالنصيب الأوفى الذي يؤهلهم لفهم بيئتهم ودراسة العصر الذي يعيشون فيه دراسة تمكنهم من حسن الاتصال بالناس وإفادتهم، وتقرب بين ثقافتهم والثقافات الأخرى، ولكن الذي نمانع فيه أن تحول هذه الدراسة دون المقصد الأول وتصبغ الأزهر بصبغة غير صبغته ولون غير لونه.

وإنما نصل إلى الجمع بين تدريس العلوم الرياضية في الأزهر وعدم طغيانها على صبغته الصحيحة بأن تكون هذه العلوم في المناهج على سبيل التوزيع، ففي الأقسام الأولى مثلاً تدرس مبادئ الرياضة من حساب وهندسة ورسم وما إليه، وفي الثانوي يزاد عليها ما يمت إليها بصلة كالطبيعة والكيمياء والجبر ويضاف إلى ذلك مبادئ التربية وعلم النفس وكل ذلك بقدر شامل وموجز في الإعدادي لإجازة التعليم الأولي يتوسع في دراسة المواد التي تتصل بصناعة التعليم كالتربية علمًا وعملاً والمنطق وعلم النفس وتدبير الصحة وهكذا، وفي كل كلية يتوسع في دراسة ما يمت إلى مهمة هذه الكلية بصلة، وبذلك نجمع بين التعميم والاختصاص وإذا كنا لمسنا ناحية حاجة الأزهري وهو طالب الإسلام إلى هذه العلوم فأحرى بنا أن نلمس حاجة غيره من طلبة المعاهد الأخرى المدنية إلى تعلم الإسلام، فمما لا شك فيه أن حاجة الأزهري إلى هذه العلوم المدنية أقل من حاجة طالب الطب وطالب الهندسة وطالب الزراعة وطالب التجارة وطالب الرياضة إلى الدين، ولهذا كان من أوضح العدل أن يلح الأزهر في وجوب تعميم دراسة الدين في كل هذه المعاهد.

ج-     الاقتصار في اللغات الأجنبية على الضروري إن إدخال اللغات الأجنبية في مناهج الأزهر ضرورة اقتضتها مهمة الأزهري في تعميم دعوة الإسلام، فنحن لا ننكر على المناهج الأزهرية اشتمالها على هذه اللغات ولكن الذي نريد أن نحرص عليه الاقتصار في دراستها على القدر الضروري الذي دعت إليه الحاجة بحيث لا تكون هذه اللغات في أقسام الأزهر كلها إذ لا ضرورة تدعو إلى ذلك ولكن تكون في القسم الذي يخصص للدعوة وهو كلية أصول الدين، وبذلك نحفظ للأزهر صبغته الإسلامية الشرقية أما إذا عممت في أقسام الأزهر فستزاحم قطعًا المواد الأساسية التي هي مهمة الأزهر الأولى وتصبغه بصبغة ليست منه في شيء، وتكون وسيلة إلى أن يتسرب إلى الأزهر مدرسون أجانب عن بيئته حقيقة أو مجازًا فيكون لذلك في نفوس أبنائه أسوأ الآثار.

وحبذا لو كانت دروس اللغات في ناحية غير الناحية الأزهرية بأن ينشأ قسم خاص يلتحق به من توكل إليه مهمة الدعوة ويتفرغ فيه لدراسة اللغة التي سيقوم بالدعوة بين أبنائها، أو بأن يكون ذلك في فصول ليلية وكل ذلك حرصًا على الصبغة التي لزمت الأزهر منذ أكثر من ألف سنة.

وأما عن الناحية الثانية وهي إعداد المدرسين وحسن اختيارهم فأمامنا لذلك عدة وسائل، فأما من حيث المدرسين الحاليين فإن إصلاح شأنهم يكون في ترك الحرية للطلاب في الكليات وأقسام التخصص في الحضور على الشيخ الذي يريدون حضور درسه، وإذن فسيكون هناك تنافس بين الشيوخ في الإجادة والإفادة ويكون البقاء للأصلح، وأما من حيث المدرسين في المستقبل فإن إصلاح المناهج كفيل بإصلاح شأنهم بعد الوقت المناسب.

وأما مدرسو المواد الرياضية والعلوم فمن واجب إدارة الأزهر الاهتمام بشأنهم فقد لوحظ أن كثيرًا منهم لا يتصل بالبيئة الأزهرية إلا بصلة الارتزاق فقط، وهو مع ذلك متبرم بها، ولذلك أثره بالغ في التقصير في أداء مهمته، كما لوحظ أن كثيرًا منهم يجهل البسائط في الدين ويجيب على ما يوجه إليه من أسئلة في الموضوعات الدينية التي قد يكون لها مساس ببعض موضوعات فيه إجابة مضحكة أو مشككة مما يجعل منزلته في نفس الطالب الذي يتلقى عنه ضئيلة هزيلة. ولإصلاحهم يجب أن تعنى الإدارة باختيارهم ممن يميلون بفطرتهم إلى بيئة الأزهر ثم ينشأ قسم إعدادي يلتحقون به فترة قبل مزاولتهم التدريس يلمون فيه بما لابد منه للمدرس من المسائل الدينية على أن يكون هذا نظامًا مؤقتًا حتى تثوب المدارس المدنية إلى الرشد وتعنى بشأن الدين.

أما الناحية الثالثة وهي العناية باختيار الكتب فقد ألم بها باحثون كثير على أثر ما لوحظ من عناية الكتب المتداولة بالألفاظ والجدل أكثر من عنايتها بالعلم والملكات، وإنما يكون إصلاح هذا النقص بالعودة إلى بعض كتب المتقدمين الدسمة المليئة بالعلم في سهولة ودقة بحث وبأن تؤلف لجان فنية مهمتها الانتقاء والاختيار وإمداد الأقسام الأزهرية بالمصنفات التي تنتج دراستها غزارة العلم وقوة الملكة.

ملاحظات عامة: 

أ-      البعوث الأزهرية التي يقصد منها تثقيف أبناء الأزهر يجب أن تضيق دائرتها وتقتصر فيها على قدر الحاجة، على حين يجب الاهتمام كل الاهتمام بتوسيع دائرة المبعوثين إلى الشعوب الإسلامية لتعليم أبنائها الإسلام.

ب-    هناك بوادر خلقية ونفسية تنتاب الأزهريين في هذا العصر يجب أن يبادر بعلاجها سريعًا حاسمًا من أمثلتها انتشار فكرة التحرر من قيود البحث الصحيح إلى ما تمليه الأهواء ويمت إلى الزراية على السلف تحت عنوان حرية الفكر أو الانتصار للاجتهاد أو غير ذلك من المزاعم، ومنها التهالك في حب الدنيا والخنوع للمادة والاستهانة بكرامة العلم، ومنها التهاون في أداء الفرائض وعدم الاحتفاظ بالمظاهر الإسلامية أخذًا بالرخص الفقهية وجريًا وراء التيار، وإنما كان منشأ ذلك في الأزهر أن نظمه الجديدة جعلت منه مدرسة علمية فقط الغرض منها تدريس المواد ومعرفة العلوم بعد أن كان دارًا للتربية والعلم معًا، ففقدان روح التربية الصحيحة بالأزهر جر إلى نفوس أبنائه كثيرًا من الضعف وعلاج ذلك إنما يكون بالقدوة الحسنة وبأن يؤخذ الطلبة بأداء الفرائض والاستمساك بحبل الدين عمليًا وبأن يستعان على ذلك بدراسة كتب التربية الإسلامية التي تمت إلى التصوف الصحيح بصلة كإحياء الغزالي دراسة عملية لا علمية فقط.

ج-     الزي الأزهري يجب أن يبقى عربيًا وإن كان ولابد من تعديله فإلى ما يقربه من ناحية العروبة أقرب مما هو الآن، فكلما تعمق الزي الأزهري في عروبته كلما زادت مهابة أبنائه وصلحت بذلك نفوسهم، أما أن يصرح للأزهريين بارتداء الملابس الإفرنجية أو خلع العمائم فتلك جناية كبرى على الشرق وعلى الإسلام وعلى الأزهر تعقب أسوأ الآثار.

د-     مما يشرف الأزهر ويرفع من شأنه في العالم الإسلامي أن يعنى بشأن ضيوفه من الطلبة غير المصريين عناية تسهل عليهم الاستفادة منه من جهة، وتجعل الأزهر يجني من وجودهم بمصر أطيب الثمرات من حيث الارتباط المنشود بين مصر وبقية الأقطار.

بقيت بعد ذلك مسألة تبعية الأزهر، وكل ما نرجو أن يلاحظه أولو الأمر فيها وجوب استقلال الأزهر استقلالاً تامًا عن مهاب الزوابع والأعاصير، وإبعاده كل الإبعاد عن التورط في الشئون السياسية والحزبية التي ليست من مهمته.

ولعلي بذلك أكون قد أديت أمانتي وقدمت نصيحتي، والدين النصيحة، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(8).

 

إلى فضيلة الأستاذ الأكبر .. الشيخ محمد مصطفى المراغي"

نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، ونصلي ونسلم على سيدنا محمد إمام الهادين وسيد المرسلين وقدوة العالمين العاملين وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد.. فقد كانت أمنية فتحققت وكان أمل مرجي فأدركه آملوه، وكان ليل طال بالسارين مداه فطلع عليهم فجره ساطعًا وضاح الجبين وعند الصباح يحمد القوم السري.

والآن وقد وكل الله إليكم رعاية أقرب طائفة من الأمة إلى الإسلام وحقوق الإسلام وتعاليم الإسلام وحياطة الإسلام، في عزة أبية جعلت القلوب ملتفة حولكم والآمال منوطة بكم، فإنا نتقدم إليكم بالتذكرة والذكرى تنفع المؤمنين، وندلي بالنصيحة، والنصيحة ركن من أركان الدين، ونهنئ المنصب بكم ونهنئكم به تهنئة لا يقصد بها إلا وجه الله، في طيها تقدير لعظم التبعة وجلال المهمة، وأمل في قوة النفس ومضاء العزمة، وإشفاق مما ينطوي تحت أجنحة الحوادث المدلهمة، تولى الله حياتكم وسدد في الإصلاح خطواتكم، ولسنا نفيض في بيان واجب أنتم أعرف الناس به فإن الحاجة إلى الفعال لا إلى الأقوال وإنما نجمل فنقول.

إن الشرق الناهض يتجه بنهضته إلى أخطر النواحي على كيانه القومي والروحي وإن الأزهر وحده هو الذي يستطيع أن يحول هذا الوجهة إلى أفضل الاتجاهات، إذا سلمت عقيدة أبنائه وصحت أفكارهم وقويت نفوسهم، وأن المسئول الأول عن ذلك شيخ الأزهر وكل راع مسئول عن رعيته، وأن الأزهريين والعالم الإسلامي من بعدهم يترقب من الأستاذ الأكبر أن يقود الأزهر حثيثًا إلى هذه الغاية، ولرقابة الله أدق وأعظم والله أحق أن تخشاه، فإلى الأمام والله ولي توفيقكم وقلوب المسلمين تؤيدكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(9).

 

حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر

نحمد إليكم الله لا إله إلا هو ونصلي ونسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وحماة شرعه إلى يوم الدين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد.. فقد كان من أسعد الأنباء اعتزام فضيلتكم بالاشتراك مع وزارة الأوقاف تأليف لجنة علمية إسلامية تبحث مواضيع البدع والخلافات لتقف الناس على رأي صحيح ناضج يتفق مع روح الدين ونصوصه يتبعه الناس ويرتفع به الخلاف وتمتنع به الخصومة.

ولقد أحببنا أن نكتب إلى فضيلتكم لنشر إلى هذه الهمة الموفقة ولنهنئ بهذا العزم المبرر ولندلي ببعض ملاحظاتنا حول هذه الفكرة:

أولاً: حبذا لو فكر فضيلة الأستاذ الأكبر في أن تتضمن هذه اللجنة الموقرة أكبر ما يمكن من العناصر المختلفة ليكون في اتفاقها القضاء التام على المبتدعات والخلافات، فيكون هناك مندوب عن الصوفية بمعرفة دارهم الرسمية، ومندوب عن السبكية بمعرفة جمعيتهم وشيخهم، ومندوبون عن الجماعات الإسلامية التي ترى المشيخة أهليتها لذلك، ونحن نعلم ما يعترض تنفيذ هذا المقترح من عقبات يرجع معظمها إلى المزاج التكويني الخاص برجال هذه الفرق، ولكننا مع هذا نعتقد أن روح الإخلاص والألم من الفرقة والشعور بضرورة الوحدة وحكمة أعضاء اللجنة وهمة فضيلة الأستاذ سيكون لذلك كله الأثر في توحيد القلوب وتوجيهها نحو الغاية إن شاء الله.

ثانيًا: نرجو أن تعنى اللجنة أول ما تعنى بتوضيح القواعد الأصولية وتقريرها تقريرًا متفقًا عليه فيما بين أعضائها، إذ أن هذه الأصول ستقوم مقام الحكم في مقام الخلاف، فترد الحائر وتهدي الضال وتقرب مسافة الخلف وتقصر طريق البحث. ومثال ذلك العناية بتعريف البدعة وتحديدها وبيان أنواعها، وحكم البدعة الإضافية والتركية والفوارق بين هذه النواحي، وناحية المصالح المرسلة واجتهاد الإمام وإلى أي حد يؤخذ به وهكذا.

ثالثًا: مسارات الخلاف ثلاث:

1-     ما أجمع على ابتداعه أو حرمته.

2-     وما تردد بين الحرام والابتداع وبين الجواز والندب.

3-     وما اختلف فيه الفقهاء طبقًا لاختلاف النظر في الأدلة ونحب أن يكون موضع نظر اللجنة:

أولاً: بيان القسم الأول إذ أن القول فيه أوضح مسلكًا وهو أعظم ضررًا، فإذا ما نجحت اللجنة في علاج هذه الناحية وضعت فيها كتابها الأول، ثم استأنفت عملها في علاج القسم الثاني فإذا نجحت فيه أقبلت على القسم الثالث وضم إليها من أعلام الفقهاء والمشرعين ما يحقق وجوده الغرض المنشود، وحبذا لو شملت مهمة هذه اللجنة بعد النقاط الثلاث عملاً هامًا جليلاً جديرًا بكل عناية وهو تلخيص الأحكام العملية في الشريعة على نسق قانوني، ويستعان في ذلك ببعض رجال القانون المختصين به تمهيدًا للمطالبة بتوحيد القضاء وإعادة التشريع الإسلامي إلى الأمة الإسلامية التي فقدته ففقدت أهم ركن من أركان الحياة الصالحة.

رابعًا: نرجو أن تعنى اللجنة بالتطبيق بإيضاح الرابطة بين القاعدة الأصولية والدليل من جهة، ثم بين هذين والعمل المراد الحكم عليه من جهة أخرى، وأن يكون هذا التطبيق مستوعبًا للأعمال الشائعة بين الناس في العقيدة والعبادة والعادات.

خامسًا: نرجو كذلك أن تعنى اللجنة بوضع بيان مسهب ونداء مؤثر في صدر مضابطها يبين فيه ضرورة الخلاف في الفرعيات وأسبابه، وضرر التعصب في تمزيق وحدة الأمة، وكيف يجب أن يحترم الإنسان رأي غيره في الوقت الذي ينافح فيه ويناضل عن رأيه، وبيان أن مصيبتنا ليست في الخلاف ولكنها في التعصب لهذا الخلاف.

وبعد يا صاحب الفضيلة فتلك ملاحظات يسيرة نتقدم بها إلى فضيلتكم رجاء أن نساهم في هذا العمل الجليل الذي ظل أمنية كل مسلم غيور حتى أخذتم في إعداد العدة لإنفاذه، والله نسأل أن يسدد في الإصلاح خطاكم وأن يؤيد بكم دينه وشريعته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(10).

المصادر

  1. جريدة الإخوان المسلمين: العدد (4)، السنة الثالثة، 4 صفر 1354ﻫ/ 7 مايو 1935م، صـ21.
  2. جريدة الإخوان المسلمين اليومية، السنة الأولى، العدد (111)، 16 شوال 1365ﻫ / 12 سبتمبر 1946م، صـ2.
  3. مجلة النذير، العدد (30)، السنة الأولى، 4 ذو القعدة 1357ﻫ- 27 ديسمبر 1938م، ص(9-10). 
  4. مجلة النذير، العدد (2)، السنة الأولى، 7 ربيع الثاني 1357ﻫ- 6يونيو 1938م، صـ 6-7.
  5. جريدة الإخوان المسلمين: العدد (11)، السنة الرابعة، 4 ربيع الثاني 1355ﻫ- 23 يونيو 1936م، صـ19-.21.
  6. مجلة الإخوان المسلمين، العدد (2)، السنة الأولى، 1 رمضان 1361ﻫ- 12سبتمبر 1942م، صـ11-20.
  7. جريدة الإخوان المسلمين، العدد3، السنة1، 1933م، صـ20، 21 .
  8. جريدة الإخوان المسلمين: السنة الثالثة، العدد 13 ، الثلاثاء 8 ربيع الثاني 1354هـ / 9 يوليو 1935م.
  9. جريدة الإخوان المسلمين: السنة الثالثة – العدد 4 – 4 صفر 1354هـ / 7 مايو 1935م.
  10. جريدة الإخوان المسلمين: السنة الثالثة، العدد 47 – 9 ذي الحجة 1354هـ / 3 مارس 1936م.
المقال التالي كتابات الإمام حسن البنا الأدبية
المقال السابق الدستور في فكر الإمام حسن البنا