رسالة العقائد

الخلفية التاريخية للرسالة

صدرت رسالة العقائد عام 1933م في صحف الإخوان المسلمين، وقد صدرها الإمام البنا في هذا الوقت ليعالج الخلل الذي انتشر في المجتمع المصري من الخزعبلات والشطط الصوفي البعيد عن المنهج الإسلامي والأساطير والكرامات التي كانت تروج بين الناس، حتى أنهم كانوا يقدسون قبور الأولياء مما أوجب بتصحيح مفاهيم العقيدة ووضعها في أطر الدين الحنيف.

وإلى نص الرسالة 

مقدمات

1-تعريف العقائد:

العقائد هي الأمور التي يجب أن يصدق بها قلبك، وتطمئن إليها نفسك، وتكون يقينًا عندك لا يمازجه ريب ولا يخالطه شك.

2-الناس درجات في الاعتقاد:

والناس في قوة العقيدة وضعفها أقسام كثيرة بحسب وضوح الأدلة وتمكنها من نفوس كل قسم. ولنوضح لك هذا المقام بضرب المثال الآتي "لو أن رجلا سمع بوجود بلد لم يره كاليمن مثلا من رجل آخر غير معروف بالكذب؛ فإنه يصدق بوجود هذا البلد ويعتقده. فإذا سمع هذا الخبر من عدة رجال زاد به ثقة، وإن كان لا يمنعه ذلك من أن يشك في اعتقاده إذا عرضت له الشبهات. فإذا رأى صورته الفوتوغرافية زاد اعتقاده بوجوده، وأصبح الشك متعسرًا عليه أمام قوة هذا الدليل. فإذا سافر وبدت له أعلامه وبشائره زاد إيقانه وزال شكه. فإذا نزله ورآه رأى العين لم يعد هناك مجال للريبة، ورسخت في نفسه هذه العقيدة رسوخًا قويًا حتى يكون من المستحيل رجوعه عنها، ولو أجمع الناس على خلافها؛ فإذا سار في طرقه وشوارعه ودرس شئونه وأحواله ازداد به خبرة ومعرفة، وكان ذلك أمرًا موضحًا لاعتقاده زائدًا عليه.

إذا علمت هذا فاعلم أن الناس أمام العقائد الدينية أقسام كذلك؛ منهم من تلقاها واعتقدها عادة، وهذا لا يؤمن عليه من أن يتشكك إذا عرضت له الشبهات. ومنهم من نظر وفكر، فازداد إيمانه وقوى يقينه. ومنهم من أدام النظر وأعمل الفكر، واستعان بطاعة الله تعالى وامتثال أمره وإحسان عبادته؛ فأشرقت مصابيح الهداية في قلبه، فرأى بنور بصيرته ما أكمل إيمانه، وأتم يقينه، وثبت فؤاده {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ}] محمد: 17]، وإنما ضربنا لك هذا المثل لترقى بنفسك عن مواطن التقليد في التوحيد، وتعمل الفكرة في تفهم عقيدتك، وتستعين بطاعة مولاك في معرفة أصول دينك، حتى تصل إلى مراتب الرجال، وتترقى في مدارج الكمال.

قد رشحوك لأمر إن فطنت له              فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

3-تقدير الإسلام للعقل وحثه على التفكير والنظر:

أساس العقائد الإسلامية -ككل الأحكام الشرعية- كتاب الله تعالى وسنة رسوله.

ويجب أن تعلم مع ذلك أن كل هذه العقائد يؤيدها العقل، ويثبتها النظر الصحيح، ولهذا شرف الله العقل بالخطاب، وجعله مناط التكليف، وندبه إلى البحث والنظر والتفكير، قال تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا في السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِى الآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ]يونس: 101]، وقال تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ}]ق: 6]، وذم الذين لا يتفكرون ولا ينظرون، فقال تعالى: وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ في السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ]يوسف: 105].

وطالب الخصوم بالدليل والبرهان حتى فيما هو ظاهر البطلان؛ تقديرًا للأدلة، وإظهارًا لشرف الحجة. وقد ورد في الحديث أن بلالا جاء يؤذن النبي صلى الله عليه وسلم بصلاة الصبح، فرآه يبكي، فسأله عن سبب بكائه، فقال: "ويحك يا بلال، وما يمنعني أن أبكى وقد أنزل الله على في هذه الليلة إِنَّ في خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِى الألْبَابِ] آل عمران: 190]؟"، ثم قال: "ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها".

ومن هنا تعلم أن الإسلام لم يحجر على الأفكار، ولم يحبس العقول، وإن أرشدها إلى التزام حدها، وعرّفها قلة علمها، وندبها إلى الاستزادة من معارفها، فقال تعالى: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} ]الإسراء: 85]، وقال تعالى: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} ]طه: 114].

4-أقسام العقائد الإسلامية:

العقائد الإسلامية تنقسم إلى أربعة أقسام رئيسة، تحت كل قسم منها فروع عدة:

القسم الأول: الإلهيات: ويبحث فيما يتعلق "بالإله" سبحانه وتعالى، من حيث صفاته وأسماؤه وأفعاله، ويلحق بها ما يستلزمه اعتقادها من العبد لمولاه.

القسم الثاني: النبوات: ويبحث في كل ما يتعلق بالأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- من حيث صفاتهم وعصمتهم ومهمتهم والحاجة إلى رسالتهم. ويلحق بهذا القسم ما يتعلق بالأولياء -رضوان الله عليهم- والمعجزة والكرامة والكتب السماوية.

القسم الثالث: الروحانيات: ويبحث فيما يتعلق بالعالم غير المادي كالملائكة -عليهم السلام- والجن والروح.

القسم الرابع: السمعيات: ويبحث فيما يتعلق بالحياة البرزخية والحياة الأخروية؛ كأحوال القبر، وعلامات القيامة، والبعث، والموقف، والحساب والجزاء. 

 

القسم الأول: الإلهيات

الباب الأول: "ذات الله تبارك وتعالى":

اعلم يا أخي -هدانا الله وإياك إلى الحق- أن ذات الله تبارك وتعالى أكبر من أن تحيط بها العقول البشرية، أو تدركها الأفكار الإنسانية؛ لأنها مهما بلغت من العلو والإدراك محدودة القوة محصورة القدرة، ولكن يكفى أن أذكرك بما نلمسه الآن من أن عقولنا من أكبرها إلى أصغرها تنتفع بكثير من الأشياء ولا تعلم حقائقها؛ فالكهرباء والمغناطيس وغيرها قوى نستخدمها وننتفع بها، ولا نعلم شيئًا من حقيقتها، ولا يستطيع أكبر عالم الآن أن يفيدك عنها بشيء، على أن معرفة حقائق الأشياء وذواتها لا يفيدنا بشيء، ويكفينا أن نعرف من خواصها ما يعود بالفائدة علينا.

فإذا كان هذا شأننا في الأمور التي نلمسها ونحسها؛ فما بالك بذات الله -تبارك وتعالى- وقد ضل أقوام تكلموا في ذات الله تبارك وتعالى؛ فكان كلامهم سببًا لضلالهم وفتنتهم واختلافهم؛ لأنهم يتكلمون فيما لا يدركون تحديده، ولا يقدرون على معرفة كُنهِه.

ولهذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التفكر في ذات الله، وأمر بالتفكر في مخلوقاته. عن ابن عباس أن قومًا تفكروا في الله -عز وجل-، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تفكروا في خلق الله، ولا تتفكروا في الله؛ فإنكم لن تقدروا قدره". وليس ذلك حجرًا على حرية الفكر، ولا جمودًا في البحث، ولا تضييقًا على العقل، ولكنه عصمة له من التردي في مهاوي الضلالة، وإبعاد له عن معالجة أبحاث لم تتوفر له وسائل بحثها، ولا تحتمل قوته مهما عظمت علاجها، وهذه هي طريقة الصالحين من عباد الله العارفين بعظمة ذاته وجلال قدره. سئل الشبلي عن الله -تبارك وتعالى- فقال: "هو الواحد المعروف قبل الحدود وقبل الحروف"، وقيل ليحيى بن معاذ: أخبرني عن الله عز وجل. فقال: "إله واحد"، فقيل له: كيف هو؟ فقال: "مالك قادر"، فقيل له: أين هو؟ فقال: "هو بالمرصاد"، فقال السائل: لم أسألك عن هذا؟ فقال: "ما كان غير هذا كان صفة المخلوق؛ فأما صفته فما أخبرتك عنه". فاحصر همتك في إدراك عظمة ربك بالتفكر في مخلوقاته، والتمسك بلوازم صفاته.

الباب الثاني: أسماؤه تبارك وتعالى:

إن الخالق المتصرف -جل وعلا- تعرف إلى خلقه بأسماء وصفات تليق بجلاله، يحسن بالمؤمن حفظها تبركًا بها، وتلذذًا بذكرها، وتعظيمًا لقدرها. وإليك الحديث الصحيح الذي جمعها؛ فنعم المعلم حديث المعلم، حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونعم المرشد والهادي لسان الوحي ومشكاة النبوة.

عن أبى هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسمًا، من حفظها دخل الجنة، إن الله وتر يحب الوتر"، وفى رواية "من أحصاها". ورواه الترمذي وزاد فعد الأسماء الكريمة، وهي:

"هو الله الذى لا إله إلا هو الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، الغفار، القهار، الوهاب، الرزاق، الفتاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرافع، المعز، المذل، السميع، البصير، الحكم، العدل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العلى، الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرقيب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحق، الوكيل، القوى، المتين، الولي، الحميد، المحصي، المبدئ، المعيد، المحيي، المميت، الحى، القيوم، الواجد، الماجد، الواحد، الأحد، الفرد، الصمد، القادر، المقتدر، المقدم، المؤخر، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الوالي، المتعال، البر، التواب، المنتقم، العفو، الرؤوف، مالك الملك ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغنى، المغنى، المانع، الضار، النافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد، الصبور".

بعض معاني هذه الأسماء الكريمة:

"القدوس": المطهر من العيوب، "السلام": السالم من العيوب، أو هو الأمان لخلقه، "المؤمن" المصدق وعده لخلقه، والمؤمن لهم من عذابه، "المهيمن": المسيطر المتصرف، أو الشهيد الرقيب، "العزيز": القاهر الغالب، "الجبار": المنفذ لأوامره، "المتكبر": العالي عن صفات الخلق، المتفرد بصفات عظمته، "البارئ": الخالق، وهى في خلق ذي الروح أظهر، يقال: بارئ النسم وخالق السماوات والأرض، "المقيت": العالم العارف، "الحسيب": الكافي لخلقه، "المحصي": هو الذى أحصى كل شيء بعلمه فلا يفوته شيء من الأشياء، "البر": المتعطف على عباده ببره ولطفه، "المقسط": العادل في حكمه، "الرشيد": الذى يرشد الخلق إلى مصالحهم، "الصبور": هو الذي لا يعاجل العصاة بالانتقام منهم.

 

بحوث تتعلق بأسماء الله الحسنى

 

1-الأسماء الزائدة عن التسعة والتسعين:

هذه التسعة والتسعون ليست كل ما ورد في أسماء الله تبارك وتعالى؛ بل وردت الأحاديث بغيرها من الأسماء؛ فقد ورد في هذا الحديث من رواية أخرى "الحنان، المنان، البديع"، وورد كذلك من أسمائه تعالى "المغيث، والكفيل، وذو الطول، وذو المعارج، وذو الفضل، والخلاق".

قال أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي حاكيًا عن بعض أهل العلم: إنه جمع من الكتاب والسنة من أسمائه تعالى ألف اسم. وفى كلام صاحب "القصد المجرد" ما يفيد ذلك. وأشار إلى ذلك الشوكاني في شرح تحفة الذاكرين، ثم قال: وأنهضُ ما ورد في إحصائها الحديث المذكور، وفيه الكفاية.

2-الأحاديث التي وردت فيها ألفاظ على أنها أسماء لله تعالى على المجاز:

ثم اعلم أن بعض الأحاديث وردت فيها ألفاظ على أنها أسماء لله تعالى، ولكن قرائن الحال وأصل الوضع يدل على غير ذلك؛ فاعلم أن ذلك من قبيل المجاز لا الحقيقة، ومن قبيل تسمية الشيء باسم غيره لعلاقة بينهما، أو على تقدير بعض المحذوفات. مثال ذلك: الحديث الذي يروى عن أبى هريرة: "لا تسبوا الدهر؛ فإن الله هو الدهر".

ومنه حديث عائشة: "دعوه يئن؛ فإن الأنين اسم من أسمائه تعالى، يرتاح إليه المريض". ومنه ما ورد في إطلاق اسم رمضان على الحق -تبارك وتعالى- في بعض الآثار.

فكل هذه لا يراد منها ظواهرها وحقيقة الإطلاق؛ بل المقصود في الأول مثلا؛ فإن الله هو المسبب لحوادث الدهر؛ فلا يصح أن يُنسب إلى الدهر شيء، ولا أن يُسب ويُذم. وفى الثاني فإن الأنين أثر قهر الله تعالى يرتاح إليه المريض. وهكذا في المعاني التي تدل عليها قرائن الأحوال.

3-التوقيف في أسماء الله تعالى وصفاته:

واعلم أن جمهور المسلمين على أنه لا يصح أن نطلق على الله -تبارك وتعالى- اسمًا أو وصفًا لم يَرد به الشرع بقصد اتخاذه اسمًا له -تعالى-، وإن كان يشعر بالكمال؛ فلا يصح أن نقول: "مهندس الكون الأعظم"، ولا أن نقول مثلا: "المدير العام لشئون الخلق"، على أن تكون هذه أسماء أو صفات له -تعالى- يصطلح عليها، ويتفق على إطلاقها عليه –تعالى- ولكنها إن جاءت في عرض الكلام لبيان تصرفه -تعالى- من باب التقريب للأفهام؛ فالأولى العدول عن ذلك تأدبًا مع الحق تبارك وتعالى.

4-العلمية والوصفية في هذه الأسماء:

وهذه الأسماء المتقدمة منها علم واحد وضع للذات القدسية وهو لفظ الجلال "الله"، وباقيها كلها ملاحظ فيها معنى الصفات؛ ولهذا صح أن تكون أخبارًا للفظ الجلالة، وهل هو مشتق أو غير مشتق؟ مسألة خلافية لا يترتب عليها أمر عملي، وحسبنا أن نعلم أن اسم الذات هو هذا الاسم المفرد، وبقية الأسماء مشربة بالوصفية، وفى هذا الكفاية.

5-خواص أسماء الله تعالى الحسنى:

يذكر البعض أن لكل اسم من أسماء الله تعالى خواصَّ وأسرارًا تتعلق به على إفاضة فيها أو إيجاز، وقد يغالى البعض فيتجاوز هذا القدر إلى زعم أن لكل اسم خادمًا روحانيًا يخدم من يواظب على الذكر به وهكذا. والذي أعلمه في هذا وَفَوْقَ كُلِّ ذي عِلْمٍ عَلِيمٌ] يوسف: 76] أن أسماء الله تعالى ألفاظ مشرفة، لها فضل على سائر الكلام، وفيها بركة، وفى ذكرها ثواب عظيم، وأن الإنسان إذا واظب على ذكر الله تعالى طهرت نفسه، وصفَتْ روحه، ولا سيما إذا كان ذكره بحضور قلب وفهم للمعنى، أما ما زاد على ذلك فلم يرد في كتاب ولا سنة. وقد نهينا عن الغلو في دين الله تعالى والزيادة فيه، وحسبنا الاقتصار على ما ورد.

6-اسم الله الأعظم:

ورد ذكر اسم الله الأعظم في أحاديث كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم:

1-      "اسم الله الأعظم الذي إذا دُعى به أجاب، وإذا سُئل به أعطى: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين".

2-      "اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ]البقرة: 163]، وفاتحة آل عمران {اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ]آل عمران: 2]".

3-      عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: "اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، المنان، بديع السماوات والأرض، ذو الجلال والإكرام"، فقال: "لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سُئل به أعطى، وإذا دُعى به أجاب".

4-      من حديث بريدة "اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد".

فأنت ترى من هذه الأحاديث ومن غيرها أنها لم تعين الاسم الأعظم بالذات، وأن العلماء مختلفون في تعيينه؛ لاختلافهم في ترجيح الأحاديث بعضها على بعض، حتى اختلفوا على نحو الأربعين قولا. والذي نأخذه من هذه الأحاديث الشريفة ومن أقوال الثقات من رجال الملة "أن الاسم الأعظم دعاء مركب من عدة أسماء من أسمائه تعالى، إذا دعا به الإنسان مع توفر شروط الدعاء المطلوبة شرعًا استجاب الله له". وقد صرحت به الأحاديث الشريفة في عدة مواضع.

وإذا تقرر هذا فما يدعيه بعض الناس من أنه سر من الأسرار، يمنح لبعض الأفراد، فيفتحون به المغلقات، ويخرقون به العادات، ويكون لهم به من الخواص ما ليس لغيرهم من الناس - أمر زائد عما ورد عن الله ورسوله. وإذا احتج هؤلاء البعض بالآية الكريمة وهي قوله تعالى: قَالَ الَّذِى عِنْدَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ]النمل: 40] على القول بأن معنى "عنده علم من الكتاب" أنه اسم الله الأعظم نقول لهم: قد صرح المفسرون بأن ذلك المدعو به كان "يا حي يا قيوم"، أو "الله لا إله إلا هو الحي القيوم". وادعى بعضهم أنه سرياني لفظه "آهيا شراهيا"، وهي دعوى بغير دليل، فلم يخرج الأمر عما ورد في الأحاديث الصحيحة.

وخلاصة البحث أن بعض الناس ولعوا بالمعميات، وادعاء الخصوصيات، والزيادة في المأثورات، فقالوا ما لم يرد في كتاب ولا سنة، وقد نُهينا عن ذلك نهيًا شديدًا، فلنقف مع المأثور.

صفات الله تبارك وتعالى

 

1-صفات الله تبارك وتعالى في نظر العقل السليم:

أنت إذا نظرت إلى هذا الكون وما فيه من بدائع الحكم، وغرائب المخلوق، ودقيق الصنع، وكبير الأحكام، مع العظمة والاتساع، والتناسق والإبداع، والتجدد والاختراع، ورأيت هذه السماء الصافية، بكواكبها وأفلاكها، وشموسها وأقمارها، ومداراتها وأفلاكها. ورأيت هذه الأرض بنباتها وخيراتها، ومعادنها وكنوزها، وعناصرها وموادها. ورأيت عالم الحيوان وما فيه من غريب الهداية والإلهام؛ بل رأيت تركيب الإنسان وما احتواه من أجهزة كثيرة، كل يقوم بعمله ويؤدى وظيفته. ورأيت عالم البحار وما فيه من عجائب وغرائب، وعرفت القوى الكونية وما فيها من حكم وأسرار، من كهرباء ومغناطيس، وأثير وراديوم، ثم انتقلت من النظر إلى ذوات العالم وأوصافها، إلى الروابط والصلات فيما بينها، وكيف أن كلا منها يتصل بالآخر اتصالا محكمًا وثيقًا؛ بحيث يتألف من مجموعها وحدة كونية، كل جزء منها يخدم الأجزاء الأخرى كما يخدم العضو في الجسم الواحد بقية الأعضاء.. لخرجت من كل ذلك من غير أن يأتيك دليل أو برهان أو وحي أو قرآن بهذه العقيدة النظرية السهلة؛ وهي أن لهذا الكون خالقًا صانعًا موجدًا، وأن هذا الصانع لا بد أن يكون عظيمًا فوق ما يتصور العقل البشرى الضعيف من العظمة، وقادرًا فوق ما يفهم الإنسان من معاني القدرة، وحيًّا بأكمل معاني الحياة، وأنه مستغن عن كل هذه المخلوقات؛ لأنه كان قبل أن تكون، وعليمًا بأوسع حدود العلم، وإنه فوق نواميس هذا الكون لأنه واضعها، وإنه قبل هذه الموجودات لأنه خالقها، وبعدها لأنه الذي سيحكم عليها بالعدم.

وإجمالا سترى نفسك مملوءًا بالعقيدة بأن صانع هذا الكون ومدبره متصف بكل صفات الكمال فوق ما يتصورها العقل البشرى الصغير، ومنزه عن كل صفات النقص، وسترى هذه العقيدة وحىَ وجدانِك لوجدانِك وشعور نفسك لنفسك فِطْرَتَ اللهِ التي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ]الروم: 30].

ونسوق إليك بعد هذه المقدمة بعض غرائب الحوادث في هذا الكون، وسترى أنها على قلتها بالنسبة لعظمة الكون وما فيه من دقة وإحكام ستكون كافية لأن تشعر في نفسك بما قدمت لك.

الملاحظة الأولى: هذا الهواء الذي نستنشقه مركب من عدة عناصر؛ منها جزآن هامان: جزء صالح لتنفس الإنسان، ويسمى باصطلاح الكيميائيين الأكسجين، وجزء ضار به ويسمى الكربون.

فمن دقاق الارتباط بين وحدات هذا الوجود المعجز أن هذا الجزء الضار بالإنسان يتنفسه النبات وهو نافع له؛ ففي الوقت الذي يكون الإنسان فيه يستنشق الأكسجين ويطرد الكربون يكون النبات يعمل عكس هذه العملية؛ فيستنشق الكربون ويطرد الأكسجين. فانظر إلى الرابطة التعاونية بين الإنسان والنبات في شيء هو أهم عناصر الحياة عندهما وهو التنفس، وقل لي بعد ذلك: هل يفعل هذا في هذا الكون العظيم غير عظيم قادر، واسع العلم دقيق الحكمة؟!

الملاحظة الثانية: أنت تأكل الطعام وهو يتركب من عدة عناصر نباتية أو حيوانية يقسمها العلماء إلى مواد زلالية أو نشوية أو دهنية مثلا؛ فترى أن الريق يهضم بعض المواد النشوية، ويذيب المواد السكرية ونحوها مما يقبل الذوبان، والمعدة يهضم عصيرها المواد الزلالية كاللحم وغيره، والصفراء المنفرزة من الكبد تهضم الدهنيات، وتجزئها إلى أجزاء دقيقة يمكن امتصاصها، ثم يأتي البنكرياس بعد ذلك فيفرز أربع عصارات تتولى كل واحدة منها تتميم الهضم في عنصر من العناصر الثلاثة النشوية أو الزلالية أو الدهنية، والرابعة تحول اللبن إلى جبن. فتأمل هذا الارتباط العجيب بين عناصر الجسم البشرى وعناصر النبات والحيوان والأغذية التي يتغذى بها الإنسان.

الملاحظة الثالثة: ترى الزهرة في النبات فترى لها أوراقًا جميلة جذابة ملونة بألوان بهجة، فإذا سألت علماء النبات عن الحكمة في ذلك أجابوك بأن هذا إغواء للنحل وأشباهه من المخلوقات التي تمتص رحيق الأزهار؛ لتسقط على الزهرة؛ حتى إذا وقفت على عيدانها علقت حبوب اللقاح بأرجلها. وانتقلت بذلك من الزهرة الذكر إلى الزهرة الأنثى؛ فيتم التلقيح؛ فانظر كيف جعلت هذه الأوراق الجميلة في الزهرة حلقة اتصال بين النبات والحيوان حتى يستخدم النبات الحيوان في عملية التلقيح الضرورية للإثمار والإنتاج.

كل ما في الكون ينبئك بوجود حكمة عالية، وإرادة سامية، وسيطرة قوية، ونواميس في غاية الدقة والإحكام يسير عليها هذا الوجود، ورب هذه ا لحكمة وصاحب هذه العظمة وواضع هذه النواميس هو "الله".

وقد أفاض القرآن في ذلك، وفى لفت الأنظار إلى هذه الحكم البارعة والأسرار العالية؛ فلا تكاد تخلو سورة من سوره من ذكر آلاء الله ونعمه ومظاهر قدرته وحكمته، وحث الناس على تجديد النظر في ذلك، ودوام التفكر فيه.

قال الله تعالى في سورة الروم: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ في ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ في ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّلْعَالَمِينَ * وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ في ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِى بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ في ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ]الروم: 20-24]، وفى موضع آخر من السورة الكريمة: اللهُ الَّذِى يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ في السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ]الروم: 48-50].

وغير ذلك كثير في سورة الرعد والقصص والأنبياء والنمل وق وغيرها من سور القرآن الكريم.

2-مجمل الصفات في القرآن الكريم:

أشارت آيات القرآن الكريم إلى بعض الصفات الواجبة لله تعالى، والتي يقتضيها كمال الألوهية. وإليك بعض هذه الآيات الكريمة:

1-وجود الله تعالى: 

قال تعالى في سورة الرعد: اللهُ الَّذِى رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِى لأجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأمْرَ يُفَصِّلُ الآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ * وَهُوَ الَّذِى مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِى اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ في ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَفِى الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وغَيْرُ صِنْوَانٍ يُّسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ في الأُكُلِ إِنَّ في ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ]الرعد: 1-4].

وقال تعالى في سورة المؤمنون: وَهُوَ الَّذِى أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ * وَهُوَ الَّذِى ذَرَأَكُمْ في الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَهُوَ الَّذِى يُحْيِى وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلاَفُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ]المؤمنون: 78-80]. فكل هذه الآيات تنبئك بوجود الله -تبارك وتعالى-، وتستدل عليه بما ترى من تصرفاته في شئون هذا الكون العجيب.

2، 3-صفتا القدم والبقاء:

وقال تعالى في سورة الحديد: هُوَ الأوَّلُ وَالآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شيء عَلِيمٌ]الحديد: 3]، وفى سورة القصص: وَلاَ تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شيء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ]القصص: 88]، وفى سورة الرحمن: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ]الرحمن: 26-27]، وفى هذه الآيات الكريمة إشارة إلى صفتي القدم والبقاء لله تبارك وتعالى.

4-مخالفته سبحانه للحوادث:

وقال تعالى في سورة الإخلاص: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ]الإخلاص: 1-4]، وفى سورة الشورى: فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيء وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ]الشورى: 11]، وفى ذلك إشارة إلى مخالفته -تبارك وتعالى- للحوادث من خلقه وتنزهه عن الولد والوالد والشبيه والنظير.

5-قيام الله تعالى بنفسه:

وقال تعالى في سورة فاطر: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ]فاطر: 15]، وفى سورة الكهف: مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا]الكهف: 51]، وفى ذلك إشارة إلى قيامه -تعالى- بنفسه واستغنائه عن خلقه مع حاجتهم إليه.

6-وحدانية الله تعالى:

وقال تعالى في سورة النحل: وَقَالَ اللهُ لاَ تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّاىَ فَارْهَبُونِ * وَلَهُ مَا في السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ * وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ]النحل: 51-53]، وفى سورة المائدة: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ]المائدة: 73-74]، وفى سورة الأنبياء: أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ * لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ * لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ * أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً ۖ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ۖ هَٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي ۗ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ ۖ فَهُم مُّعْرِضُونَ * وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِى إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ]الأنبياء: 21-25]، وفى سورة المؤمنون: قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ * قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شيء وَهُوَ يُجِيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ * بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * مَا اتَّخَذَ اللهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ * عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ]المؤمنون: 84-92].

وفى سورة النمل: قُلِ الْحَمْدُ للهِ وَسَلاَمٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلاَلَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ * أَمَّن يَهْدِيكُمْ في ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللهِ تَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ]النمل: 59-64]… إلى غير ذلك من الآيات التي تثبت أنه تعالى واحد في ذاته، واحد في صفاته، واحد في أفعاله وتصرفاته، لا رب غيره، ولا إله سواه.

 

بقية مجمل صفات الله تبارك وتعالى

 

7-قدرة الله تعالى:

وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنْتُمْ في رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ في الأرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِى الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شيء قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَن في الْقُبُورِ]الحج: 5-7].

وقال تعالى: مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا]الكهف: 51]، وقال تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا في سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ]ق: 38]، وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِى مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا * وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا]الفرقان: 53-54]، وقال تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِى سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأبْصَارِ * يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ في ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِى الأَبْصَارِ * وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِى عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِى عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِى عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شيء قَدِيرٌ]النور: 43-45]… إلى غير ذلك من الآيات الدالة على عظيم قدرته -تبارك وتعالى- وباهر عظمته.

إرادة الله تبارك وتعالى

 

قال الله تعالى (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يّـس:82).

وقال تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً) (الاسراء:16).

وقال تعالى حكاية عن الخضر في قصته مع موسى عليهما السلام: (فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) (الكهف:82).

وقال تعالى: (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً، يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفاً) (النساء:26-28).

إلى غير ذلك من الآيات الكريمة التي تشير إلى إثبات إرادة الله تعالى وأنها فوق كل إرادة ومشيئة: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللهُ) (الانسان:30).

علم الله تعالى

قال الله تعالى: (الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ، يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) (سـبأ:1-2).

وقال تعالى: (يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (التغابن:4).

وقال تعالى حكاية عن لقمان في وصيته لابنه: (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) (لقمان:16).

وقال تعالى في حكاية ما وقع بين شعيب وقومه : (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ , قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلاّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ) (لأعراف:88-89) .

وقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (المجادلة:7).

إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة على سعة علمه تبارك وتعالى، وإحاطته بكل شيء، قل أو كثر، دق أو عظم.

حياة الله تعالى

قال الله تعالى: (اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) (البقرة:255).

وقال تعالى: (ألـم، اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ، مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ) (آل عمران:1-4).

قال تعالى: (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (غافر:64-65).

 إلى غير ذلك من آيات كثيرة تدل على أن الله تبارك وتعالى متصف بالحياة الكاملة التي ليس ثَم أكمل منها.

سمع الله تعالى وبصره

قال الله تعالى: (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (المجادلة:1).

وقال تعالى: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى، عَبْدًا إِذَا صَلَّى، أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى، أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى، أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى، أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرَى) (العلق:9-14).

وقال تعالى لموسى وهارون حين أرسلهما إلى فرعون: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى، فَقُولا لَهُ قَوْلا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى، قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى، قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) (طه:43-46).

وقال تعالى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ، وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (غافر:19-20).

إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على اتصافه تبارك وتعالى بالسمع والبصر.

كلام الله تعـالى

قال الله تعالى: (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيماً) (النساء:164).

وقال تعالى: (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (البقرة:75).

إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على اتصافه تبارك وتعالى بصفة الكلام.

صفات الله لا تتناهى

وصفات الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم، وكمالاته تبارك وتعالى لا تتناهى، ولا تدرك كنهها عقول البشر، سبحانه لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه.

بين صفات الله وصفات الخلق

والذي يجب أن يتفطن إليه المؤمن أن المعنى الذي يقصد باللفظ في صفات الله تبارك وتعالى يختلف اختلافا كليا عن المعنى يقصد بهذا اللفظ عينه في صفات المخلوقين، فأنت تقول: الله والعلم صفة لله تعالى، وتقول فلان عالم والعلم صفة لفلان من الناس، فهل ما يقصد بلفظة العلم في التركيبين واحد؟ حاشا أن يكون كذلك، وإنما علم الله تبارك وتعالى علم لا يتناهى كماله ولا يعد علم المخلوقين شيئا إلى جانبه، وكذلك الحياة، وكذلك السمع، وكذلك البصر، وكذلك الكلام، وكذلك القدرة والإرادة، فهذه كلها مدلولات الألفاظ فيها تختلف عن مدلولاتها في حق الخلق من حيث الكمال والكيفية اختلافا كليا، لأنه تبارك وتعالى لا يشبه أحدا من خلقه، فتفطن لهذا المعنى فإنه دقيق، وإنما حسبك أن تعلم آثارها في الكون، ولوازمها في حقك، والله نسأل العصمة من الزلل وحسن التوفيق.

الأدلة العقلية والمنطقية على إثبات صفات الله تعالى

يعمد علماء العقائد إلى إثبات صفات الله تبارك وتعالى بأدلة عقلية , و أقيسة منطقية , ونحن نقول : إن ذلك حسن , لأن العقل أساس المعرفة , و مناط التكليف , و حتى لا يكون في نفس أحد أثر من آثار الشبهات و الأباطيل , و لكن الأمر أوضح من ذلك , و وجود الخالق تبارك و تعالى و إثبات صفات الكمال المطلق له صار في حكم البديهيات التي لا يحتاج إلى إثباتها دليل أو برهان , و لا يطالب بالدليل عليها إلا كل مكابر مريض القلب لا يجديه دليل , ولا تنفع معه حجة , و مع هذا فتتميما للفائدة نذكر بعض الأدلة العقلية الإجمالية و التفصيلية , فنقول :

الدليل الأول: هذا الوجود الذي يدل بعظمته وإحكامه على وجود خالقه وعظمته وكماله

الدليل الثاني: إن فاقد الشيء لا يعطيه، فإذا لم يكن موجد الكون متصفا بصفات الكمال فكيف تكون آثار هذه الصفات في مخلوقاته.

الدليل الثالث: وهو خاص بان هذا الخالق واحد لا يتعدد، إن التعدد مدعاة للفساد والخلاف والعلو ولا سيما وشان الألوهية الكبرياء والعظمة، وأيضا فلو استقل أحد المتعددين بالتصرف تعطلت صفات الآخرين، ولو اشتركوا تعطلت بعض صفات كل منهم، وتعطيل صفات الألوهية يتنافى مع جلالها وعظمتها، فلابد أن يكون الإله واحدا لا رب غيره.

هذه نماذج من الأدلة المنطقية على وجود الخالق، وإثبات صفاته، ومن أراد الاستيعاب فعليه بالمطولات، على أن الأمر كله مركوز في فطر النفوس الصافية مستقر في أعماق القلوب السليمة، (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) (النور:40).

سؤال يقف أمامه كثير من الناس

ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليق آمنت بالله) رواه مسلم.

وهذا السؤال وعن كان خطأ من أساسه، لأننا أمرنا ألا نبحث في ذات الله تبارك وتعالى، لأن عقولنا القاصرة التي تعجز عن إدراك حقيقة نفسها تعجز من باب الأولى عن إدراك حقيقة ذات الله تبارك وتعالى، إلا انه يختلج في نفوس بعض الناس، ونريد أن نوضح لهم الجواب عليه بمثال يريح ضمائرهم، إن شاء الله تعالى، فنقول:

إذا وضعت كتاب على مكتبتك ثم خرجت من الحجرة وعدت إليها بعد قليل فرأيت الكتاب الذي تركته على المكتب موضوعا في الدرج، فإنك تعتقد تماما أن أحدا لا بد أن يكون وضعه في الدرج، لأنك تعلم من صفات هذا الكتاب أنه لا ينتقل بنفسه.

احفظ هذه النقطة وانتقل معي إلى نقطة أخرى: لو كان معك في حجرة مكتبك شخص جالس على الكرسي ثم خرجت وعدت إلى الحجرة فرأيته جالسا على البساط مثلا فإنك لا تسأل عن سبب انتقاله، ولا تعتقد أن أحدا نقله من موضعه، لأنك تعلم من صفات هذا الشخص انه ينتقل بنفسه ولا يحتاج على من ينقله.

احفظ هذه النقطة الثانية ثم اسمع ما أقوله لك: لما كانت هذه المخلوقات محدثة ونحن نعلم من طبائعها أنها لا توجد بذاتها بل لا بد لها من موجد، عرفنا أن موجدها هو الله تبارك وتعالى، ولما كان كمال الألوهية يقتضي عدم احتياج إله إلى غيره، بل إن من صفاته قيامه بنفسه، عرفنا أن الله تبارك وتعالى موجود بذاته وغير محتاج إلى من يوجده، وإذا وضعت النقطتين السابقتين إلى جانب هذا الكلام، اتضح لك هذا المقام، والعقل البشري أقصر من أن يتورط في أكثر من ذلك، والله نسأل العصمة والزلل، إنه رؤوف رحيم.

وإليك أقوال العلماء الأوربيين في إثبات وجود الله تعالى والإقرار بكمال صفاته، والله ولي توفيقنا وتوفيقك:

كلام العلماء الطبيعيين في إثبات وجود الله وصفاته

قدمنا إليك أن هذه العقيدة فطرية في النفوس السليمة، مستقرة في الأذهان الصافية، تكاد تكون من بديهيات المعلومات، تؤكدها نتائج العقول جيلا بعد جيل، ولذلك اعتقدها علماء الكون من الأوربيين وغيرهم وإن لم يتلّقوا عن دين من الأديان، وسننقل لك بعض شهاداتهم، لا تأييدا للعقيدة، ولكن إثباتا لاستقرارها في النفوس وقطعا لألسنة الذين يريدون أن يتحللوا من رباط العقائد، ويخادعوا ضمائرهم وأرواحهم بالباطل.

1 - قال ديكارت العالم الفرنسي:

 (إني مع شعوري بنقص ذاتي أحس في الوقت نفسه بوجود ذات كاملة، وأراني مضطرا للاعتقاد بأن هذا الشعور قد غرسته في ذاتي تلك الذات الكاملة المتحلية بجميع صفات الكمال، وهي: الله) فهو يثبت في كلامه هذا ضعف نفسه ونقصها، ووجود الله وكماله، ويعترف بأن شعوره وإحساسه هبه من الله له وفطرة فيه، (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) (الروم:30).

2 - وقال إسحاق نيوتن العالم الإنجليزي الشهير، ومكتشف قانون الجاذبية:

 (لا تشكّوا في الخالق فإنه مما لا يعقل أن تكون المصادفات وحدها هي قائدة هذا الوجود).

3 - وقال هرشل الفلكي الإنجليزي:

 (كلما اتسع نطاق العلم ازدادت البراهين الدامغة القوية على وجود خالق أزلي لا حد لقدرته ولا نهاية، فالجيولوجيون والرياضيون والفلكيون والطبيعيون قد تعاونوا على تشييد صرح العلم، وهو صرح عظمة الله وحده).

4 - وقال لينيه، كما نقله عنه كاميل فلامريون الفرنسي في كتابه المسمى (الله في الطبيعة):

 (إن الله الأزلي الأبدي العالم بكل شيء والمقتدر على كل شيء، قد تجلى لي ببدائع صنعه حتى صرت مندهشا مبهوتا، فأي قدرة وأي حكمة وأي، وأي إبداع أبدعه في مصنوعاته! سواء في أصغر الأشياء أو أكبرها! إن المنافع التي نستمدها من هذه الكائنات تشهد بعظمة رحمة الله الذي سخرها لنا، كما أن كمالها وتناسقها ينبئ بواسع حكمته، وكذلك حفظها عن التلاشي وتجددها يقر بجماله وعظمته).

5 - ويقول هوبرت سبنسر الإنجليزي في هذا المعنى في رسالته في التربية:

 (العلم يناقض الخرافات، ولكنه لا يناقض الدين، يوجد في شيء كثير من العلم الطبيعي الشائع روح الزندقة، ولكن العلم الذي تجاوز المعلومات السطحية، و رسب في أعماق الحقائق، براء من هذه الروح، العلم الطبيعي لا ينافي الدين، و التوجه للعلم الطبيعي عبادة صامتة واعتراف صامت بنفاسة الأشياء التي تعاين و تدرس، ثم بقدرة خالقها، فليس ذلك التوجه تسبيحا شفهيا، بل هو تسبيح عملي، و ليس باحترام مُدّعى، إنما هو احترام أثمرته تضحية الوقت والتفكير والعمل، وهذا العلم لا يسلك طريق الاستبداد في تفهيم الناس استحالة إدراك السبب الأول وهو الله، ولكنه ينهج بنا النهج الأوضح في تفهيمنا الاستحالة، بإبلاغنا جميع أنواع الحدود التي لا يستطاع اجتيازها، ثم يق بنا في رفق و هوادة عند هذه النهاية، و هو بعد ذلك يرينا بكيفيةٍ لا تعادل صغر العقل الإنساني إزاء ذلك الذي يفوت العقل ...)، ثم أخذ يضرب الأمثلة على ما يقول فقال: (إن العالم الذي يرى قطرة الماء فيعلم أنها تتركب من الأكسجين والهيدروجين بنسبة خاصة، بحيث لو اختلفت هذه النسبة لكانت شيئا آخر غير الماء، يعتقد عظمة الخالق وقدرته وحكمته وعلمه الواسع بأشد وأعظم وأقوى من غير العالم الطبيعي الذي لا يرى فيها إلا أنها قطرة ماء فحسب، وكذلك العالم الذي يرى قطعة البرَد فيرى تحت مجهره ما فيها من جمال الهندسة و دقة التقسيم، لا شك انه يشعر بجمال الخالق ودقيق حكمه أكبر من ذلك الذي لا يعلم عنها إلا أنها مطر تجمد من شدة البرد).

وأقوال علماء الكون في ذلك لا تقع تحت حصر، وفيما ذكرناه الكفاية، وإنما استشهدنا بذلك حتى يعلم شبابنا أن دينهم مؤيد من عند الله تبارك وتعالى، لا يزيده العلم إلا قوة وثباتا وتأييدا، مصداقا لقول الله تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (فصلت:53).

آيات الصفات وأحاديثها:

وردت في القرآن الكريم آيات وفي السنة المطهرة أحاديث، توهم بظاهرها مشابهة الحق تبارك وتعالى لخلقه في بعض صفاتهم، نورد بعضها على سبيل المثال، ثم نقفّي بذكر ما ورد فيها من الأقوال، والله نسأل أن يوفقنا إلى بيان وجه الحق في هذه المسألة، التي طال فيها جدل الناس ونقاشهم في هذا العصر، وأن يجنبنا الزلل، ويلهمنا الصواب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

نماذج من آيات الصفات:

1 - قال الله تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالأِكْرَامِ) (الرحمن:26-27). ومثلها كل آية ورد فيها لفظ الوجه مضافا إلى الحق تبارك وتعالى.

2 - قال الله تعالى : (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى , إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى , أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) (طـه:37-39) وقال تعالى : (وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ , وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) (هود:36-37) . ومثلها كل آية ورد فيها لفظ العين مضافا إلى الله تبارك وتعالى.

3 - قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (الفتح:10). وقال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) (المائدة:64). وقال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ) (يّـس:71).

4 - قال الله تعالى: (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) (آل عمران:28). وقال تعالى: (وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ) (المائدة:116).

5 - قال الله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طـه:5) ومثلها كل آية تنسب الاستواء على العرش إلى الله تبارك وتعالى.

6- قال الله تعالى: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) (الأنعام:61). وقال تعالى: (ءَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ) (الملك:16). وقال تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ) (فاطر:10).

مما يؤخذ منه نسبة الجهة لله تبارك وتعالى

7 - قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً) (الأحزاب:57). وقال تعالى: (وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ) (التحريم:12). وقال تعالى: (كَلا إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً، وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً) (الفجر:21-22).

نماذج من أحاديث الصفات

وردت في الأحاديث الشريفة ألفاظ كالتي في الآيات السابقة، منسوبة إلى الله تبارك وتعالى: كالوجه واليد ونحوهما، فنكتفي بالآيات عن ذكرها، وورد في أحاديث كثيرة ألفاظ أخرى من هذا القبيل منسوبة إلى ذات الله تبارك تعالى نورد بعضها، فمن ذلك:

1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعا ً، فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك - نفر من الملائكة جلوس- فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله، فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن) رواه البخاري ومسلم.

2 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول: هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه، فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط، بعزتك وكرمك، ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا، فيسكنهم فضل الجنة) رواه البخاري ومسلم.

3 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لله أشد فرحا بتوبة أحدكم، من أحدكم بضالته، إذا وجدها) رواه البخاري ومسلم.

انقسم الناس في هذه المسالة على أربع فرق:

1 - فرقة أخذت بظواهرها كما هي، فنسبت لله وجوها كوجوه الخلق، ويدا أو أيديا كأيديهم، وضحكا كضحكهم، وهكذا حتى فرضا الإله شيخا، وبعضهم فرضه شابا، وهؤلاء هم المجسمة والمشبهة، وليسوا من الإسلام في شيء، وليس لقولهم نصيب من الصحة، ويكفي في الرد عليهم، قول الله تبارك وتعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى:11). وقوله تعالى: (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، اللهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ) الإخلاص.

2 - فرقة عطلت معاني هذه الألفاظ على أي وجه، يقصدون بذلك نفي مدلولاتها مطلقا عن الله تبارك وتعالى، فالله تبارك وتعالى عندهم لا يتكلم ولا يسمع ولا يبصر، لأن ذلك لا يكن إلا بجارحة، والجوارح يجب أن تنفى عنه سبحانه، فبذلك يعطلون صفات الله تبارك وتعالى ويتظاهرون بتقديسه، وهؤلاء هم المعطلة، ويطلق عليهم بعض علماء تاريخ العقائد الإسلامية: (الجهمية)، ولا أظن أن أحدا عنده مسكة من عقل يستسيغ هذا القول المتهافت! وها قد ثبت الكلام والسمع والبصر لبعض الخلائق بغير جارحة، فكيف يتوقف كلام الحق تبارك وتعالى على الجوارح؟! تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

هذان رأيان باطلان لا حظّ لهما من النظر، وبقي أمامنا رأيان هما محل أنظار العلماء في العقائد، وهما رأي السلف ورأي الخلف.

مذهب السلف في آيات الصفات وأحاديثها

3 - أما السلف رضوان الله عليهم فقالوا: نؤمن بهذه الآيات والأحاديث كما وردت، ونترك بيان المقصود منها لله تبارك وتعالى، فهم يثبتون اليد والعين والأعين والاستواء والضحك والتعجب... الخ، وكل ذلك بمعانٍ لا ندركها، ونترك لله تبارك وتعالى الإحاطة بعلمها، ولاسيما وقد نهينا عن ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تفكروا في خلق الله، ولا تتفكروا في الله، فإنكم لن تقدروا قدره).

قال العراقي: رواه أبو نعيم في الحلية بإسناد ضعيف، ورواه الأصبهاني في الترغيب والترهيب بإسناد أصح منه، ورواه أبو الشيخ كذلك.

مع قطعهم رضوان الله عليهم بعدم مشابهة بانتفاء المشابهة بين الله وبين الخلق، وإليك أقوالهم في ذلك:

 (أ) روى اللالكائي في (أصول السنة) عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة رضي الله عنهما قال: (اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن وبالأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الرب عز وجل من غير تفسير ولا وصف ولا تشبيه، فمن فسر اليوم شيئاً من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وفارق الجماعة، فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا، ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا).

 (ب) ذكر الخلال في كتاب (السنة) وذكره حنبل في كتبه مثل كتاب (السنة والمحنة):

قال حنبل: سألت أبا عبد الله: عن الأحاديث التي تروى (إن الله تبارك وتعالى ينزل إلى سماء الدنيا) و (إن الله تعالى يرى) و (إن الله يضع قدمه) وما أشبه هذه الأحاديث فقال أبو عبد الله: (نؤمن بها ونصدق بها ولا كيف ولا معنى، ولا نرد منها شيئا، ونعلم أن ما جاء به الرسول حق إذا كان بأسانيد صحاح، ولا نرد على الله قوله، ولا يوصف الله تبارك وتعالى بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية، ليس كمثله شيء).

 ( ج ) وروى حرملة بن يحيى قال : سمعت مالك بن أنس يقول : (من وصف شيئا من ذات الله عز وجل مثل قوله:(وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) (المائدة:64) فأشار بيده إلى عنقه , ومثله قوله (وهو السميع البصير) فأشار إلى عينيه أو أذنه أو شيء من يديه , قطع ذلك منه ، ؛ لأنه شبه الله تعالى بنفسه) , ثم قال مالك : (أما سمعت قول البراء حين حدث أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يضحي بأربع من الضحايا و أشار البراء بيده كما أشار النبي صلى الله عليه وسلم , قال البراء : و يدي أقصر من يد رسول الله , فكره البراء أن يصف يد رسول الله إجلالا له و هو مخلوق , فكيف الخالق الذي ليس كمثله شيء ؟!)

 (د) وروى أبو بكر بن الأثرم، وأبو عمرو الطلمنكي وأبو عبد الله بن أبي سلمة الماجشون كلاما طويلا في هذا المعنى ختمه بقوله: (فما وصف الله من نفسه فسماه على لسان رسوله سميناه كما سماه، ولم نتكلف منه صفة ما سواه، لا هذا، ولا هذا، لا نجحد ما وصف ولا نتكلف معرفة ما يصف).

اعلم رحمك الله أن العصمة في الدين تنتهي حيث انتهى بك، ولا تجاوز ما قد حدد لك، فإن من قوام الدين معرفة المعروف وإنكار المنكر، فما بسطت عليه المعرفة وسكنت إليه الأفئدة وذُكر أصله في الكتاب والسنة وتوارث علمه الأمة فلا تخافنّ في ذكره وصفته من ربك ما وصف من نفسه عيناً ولا تكلفن بما وصف من ذلك قدرا وما أنكرته نفسك ولم تجد ذكره في كتاب ربك ولا في الحديث عن نبيك من ذكر صفة ربك فلا تتكلفن علمه بعقلك ولا تصفه بلسانك واصمت كما صمت الرب عنه من نفسه، فإن تكلفك معرفة ما لم يصف به نفسه مثل إنكارك ما وصف منها فكما أعظمت ما جحد الجاحدون مما وصف من نفسه فكذلك أعظِم تكلف ما وصف الواصفون مما لم يصف نفسه، فقد والله عز على المسلمون الذين يعرفون المعروف وبمعرفتهم يعرف، وينكرون المنكر وبإنكارهم ينكر، يسمعون ما وصف الله به نفسه من هذا في كتابه، وما يبلغهم مثله عن نبيه، فما مرض ذكر هذا وتسميته من الرب قلب مسلم، ولا تكلف صفة قدره، ولا تسمية غيره من الرب مؤمن، وما عن رسول الله أنه سماه من صفة ربه فهو بمنزلة ما سمّى ووصف الرب تعالى من نفسه، والراسخون في العلم، والواقفون حيث انتهى بهم علمهم، والواصفون لربهم بما وصف به نفسه، التاركون لما ترك من ذكرها لا ينكرون صفة ما سمى منها جحدا، ولا يتكلفون وصفه بما لم يسم تعمقا، لأن الحق ترك ما ترك وسمّى ما سمّى، ومن (يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) (النساء:115).

وهب الله لنا حكما وألحقنا بالصالحين.

مذهب الخلف في آيات الصفات وأحاديثها

4 - قدمت لك أن السلف رضوان الله عليهم يؤمنون بآيات الصفات وأحاديثها كما وردت، ويتركون بيان المقصود منها لله تبارك وتعالى مع اعتقادهم بتنزيه الله تبارك وتعالى عن المشابهة لخلقه.

فأما الخلف فقد قالوا: إننا نقطع بأن معاني ألفاظ هذه الآيات والأحاديث لا يراد بها ظواهرها، وعلى ذلك فهي مجازات لا مانع من تأويلها، فأخذوا يؤولون (الوجه) بالذات و(اليد) بالقدرة.. وما إلى ذلك هربا من شبهة التشبيه، وإليك نماذج من أقوالهم في ذلك:

 (أ) قال أبو الفرج بن الجوزي الحنبلي في كتابه (دفع شبهة التشبيه):

 (قال الله تعالى: (ويبقى وجه ربك) قال المفسرون: ويبقى ربك، وكذلك قالوا في قوله تعالى: (يريدونه وجهه) أي يريدونه، وقال الضحاك وأبو عبيدة: (كل شيء هالك إلا وجهه) أي إلا هو 

وعقد في أول الكتاب فصلا إضافيا في الرد على من قالوا إن الأخذ بظاهر هذه الآيات والأحاديث هو مذهب السلف، وخلاصة ما قاله هو أن الأخذ بالظاهر هو تجسيم وتشبيه، لأن ظاهر اللفظ هو ما وضع له، فلا معنى لليد حقيقة إلا الجارحة، وهكذا.

وأما مذهب السلف فليس أخذها على ظاهرها، ولكن السكوت جملة عن البحث فيها، وأيضا فقد ذهب إلى أن تسميتها آيات صفات وأحاديث صفات تسمية مبتدعة لم ترد في كتاب ولا في سنة، وليست حقيقية فإنها إضافات ليس غير، واستدل على كلامه في ذلك بأدلة كثيرة لا مجال لذكرها هو.

 

(ب) وقال فخر الدين الرازي في كتابه أساس التقديس: (واعلم أن نصوص القرآن لا يمكن إجراؤها على ظاهرها لوجوه: الأول أن ظاهر قوله تعالى (ولتصنع على عيني) يقتضي أن يكون موسى مستقرا على تلك العين ملتصقا بها مستعليا عليها وذلك لا يقوله عاقل، والثاني أن قوله تعالى (واصنع الفلك بأعيننا) يقتضي أن تكون آلة تلك الصنعة هي تلك العين، والثالث أن إثبات الأعين في الوجه الواحد قبيح فثبت أنه لابد من المصير إلى التأويل وذلك أن تحمل هذه الألفاظ على شدة العناية والحراسة).

 (ج) قال الإمام الغزالي في الجزء الأول من كتابه إحياء علوم الدين عند كلامه على نسبة العلم الظاهر إلى الباطن وأقسام ما يتأتّى فيه الظهور والبطون، والتأويل وغير التأويل:

 (القسم الثالث أن يكون الشيء بحيث لو ذكر صريحا لفخم و لم فيه ضرر، ولكن يكنى عنه على سبيل الاستعارة والرمز، ليكون وقعه في قلب المستمع أغلب ......... ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (إن المسجد لينزوي من النخامة كما تنزوي الجلدة على النار) وعناه أن روح المسجد وكونه معظما، ورمي النخامة تحقير له فيضاد معنى المسجدية معنى النار لاتصال أجزاء الجلدة، وأنت ترى أن ساحة المسجد لا تنقبض من نخامة، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم (أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار) وذلك من حيث الصورة لم يكن قط ولا يكون، ولكن من حيث المعنى هو كائن، إذ رأس الحمار لم يكن بحقيقته وكونه وشكله بل بخاصيته، وهي البلادة والحمق، ومن رفع راسه قبل الإمام، ومن رفع رأسه قبل الإمام فقد صار رأسه رأس الحمار في معنى البلادة والحمق، وهو المقصود دون الشكل، وإنما يعرف هذا السر على خلاف الظاهر إما بدليل عقلي أو شرعي، أما العقلي فإن يكون حمله على الظاهر غير ممكن كقوله: (قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن) إذ لو فتشنا عن قلوب المؤمنين لم نجد فيها أصابع، فعلم إنها كناية عن القدرة التي هي سر الأصابع وروحها الخفي، وكني بالأصابع عن القدرة لأن ذلك أعظم وقعا في تفهم تمام الاقتدار.

وقد نعرض لمثل هذا الكلام في موضع من هذا البحث، وفيما ذكرناه كفاية.

إلى هنا وضح أمامك طريقا السلف والخلف، وقد كان هذان الطريقان مثار خلاف شديد بين علماء الكلام من أئمة المسلمين، وأخذ كل يدعم مذهبه بالحجج والأدلة، ولو بحثتَ الأمرَ لعلِمتَ أنَّ مسافةَ الخُلْف بين الطريقتين لا تحتمل شيئاً من هذا لو ترك أهلُ كلٍّ منهما التطرفَ والغلوَّ، وأنَّ البحثَ في مثل هذا الشأن مهما طال فيه القول لا يؤدي في النهاية إلا إلى نتيجةٍ واحدةٍ، هي التفويض لله تبارك وتعالى، وهذا ما سنفصله لك إن شاء الله.

بين السلف والخلف

 

قد علمت أن مذهب السلف في الآيات المتشابهات والأحاديث التي تتعلق بصفات الله تبارك وتعالى أن يمروها على ما جاءت عليه، ويسكتوا عن تفسيرها أو تأويلها، وأن مذهب الخلف أن يؤولوها بما يتفق مع تنزيه الله تبارك وتعالى عن مشابهة خلقه، وعلمت أن الخلاف شديد بين أهل الرأيين حتى أدى بينهما إلى التنابز بالألقاب العصبية، وبيان ذلك من عدة أوجه:

أولا: اتفق الفريقان على تنزيه الله تبارك وتعالى عن المشابهة لخلقه.

ثانيا: كل منهما يقطع بأن المراد بألفاظ هذه النصوص في حق الله تبارك وتعالى غير ظواهرها التي وضعت لها هذه الألفاظ في حق المخلوقات، وذلك مترتب على اتفاقهما على نفي التشبيه.

ثالثا: كل من الفريقين يعلم أن الألفاظ توضع للتعبير عما يجول في النفوس، أو يقع تحت الحواس مما يتعلق بأصحاب اللغة وواضعيها، وأن اللغات مهما اتسعت لا تحيط بما ليس لأهلها بحقائقه علم، وحقائق ما يتعلق بذات الله تبارك وتعالى من هذا القبيل، فاللغة أقصر من أن تواتينا بالألفاظ التي تدل على هذه الحقائق، فالتحكم في تحديد المعاني بهذه الألفاظ تغرير.

وإذا تقرر هذا فقد اتفق السلف والخلف على أصل التأويل، وانحصر الخلاف بينهما في أن الخلف زادوا تحديد المعنى المراد حيثما ألجأتهم ضرورة التنزيه إلى ذلك حفظا لعقائد العوام من شبهة التشبيه، وهو خلاف لا يستحق ضجة ولا إعناتا.

ترجيح مذهب السلف

ونحن نعتقد أن رأي السلف من السكوت وتفويض علم هذه المعاني إلى الله تبارك وتعالى أسلم وأولى بالاتباع، حسما لمادة التأويل والتعطيل، فإن كنت ممن أسعده الله بطمأنينة الإيمان، وأثلج صدره ببرد اليقين، فلا تعدل به بديلا، ونعتقد إلى جانب هذا أن تأويلات الخلف لا توجب الحكم عليهم بكفر ولا فسوق، ولا تستدعي هذا النزاع الطويل بينهم وبين غيرهم قديما وحديثا، وصدر الإسلام أوسع من هذا كله.

وقد لجأ أشد الناس تمسكا برأي السلف، رضوان الله عليهم، إلى التأويل في عدة مواطن، وهو الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، من ذلك تأويله لحديث: (الحجر الأسود يمين الله في أرضه) وقوله صلى الله عليه وسلم :(قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إني لأجد نفس الرحمن من جانب اليمن).

وقد رأيت للإمام النووي رضي الله عنه ما يفيد قرب مسافة الخلاف بين الرأيين مما لا يدع مجالا للنزاع والجدال، ولا سيما وقد قيد الخلف أنفسهم في التأويل بجوازه عقلا وشرعا، بحيث لا يصطدم بأصل من أصول الدين.

قال الرازي في كتابه (أساس التقديس): (ثم إن جوزنا التأويل اشتغلنا على سبيل التبرع بذكر تلك التأويلات على التفصيل، وإن لم نجز التأويل فوضنا العلم بها إلى الله تعالى، فهذا هو القانون الكلي المرجوع إليه في جميع المتشابهات، وبالله التوفيق).

وخلاصة هذا البحث أن السلف والخلف قد اتفقا على أن المراد غير الظاهر المتعارف بين الخلق، وهو تأويل في الجملة، واتفقا كذلك على أن كل تأويل يصطدم بالأصول الشرعية غير جائز، فانحصر الخلاف في تأويل الألفاظ بما يجوز في الشرع، وهو هين كما ترى، وأمر لجأ إليه بعض السلف أنفسهم، وأهم ما يجب أن تتوجه إليه همم المسلمين الآن توحيد الصفوف، وجمع الكلمة ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، والله حسبنا ونعم الوكيل.

 

 

المقال التالي رسالة التعاليم
المقال السابق الدستور في فكر الإمام حسن البنا